محدودية المسطرة في حماية حقوق الإنسان

0
: محدودية المسطرة في حماية حقوق الإنسان
      رغم كل الحقوق والضمانات التي نصت عليها المسطرة الجنائية ، حماية لحقوق وحريات الأشخاص، فان نصوص هذه المسطرة تتخللها مجموعة من النواقص تحد من تفعيل هذه الحريات ( المطلب الأول). كما أن هناك صعوبات عملية وواقعية مرتبطة بقانون المسطرة الجنائية تقف حاجزا أمام ترجمة هذه الحقوق ( المطلب الثاني )
المطلب الاول: محدودية بعض نصوص المسطرة ا لجنائية في ترجمة حقوق الانسان
إن أهم حق يجب ان يتمتع به أي شخص هو الحق في الحرية وهذا ما كرسه قانون 22.01 . وذلك عندما نص على إن ا لوضع تحت المراقبة القضائية والاعتقال الاحتياطي تدبيران استثنائيين [1]. وفي العديد من ا لمواد الاخرى
لكن بالرجوع الى المادة 160 من  م ج  نجد ان مدة الوضع تحت المراقبة القضائية شهرين قابلة للتجديد خمس مرات أي يمكن للشخص ان يبقى تحت المراقبة القضائية لمدة عشرة اشهر او اكثر
والملاحظ على هذه المادة هو ان المشرع لم يحدد جزاء في حالة خرق المدة المحددة. وكان حريا به ان يحدد الجزاء في بطلان الإجراءات او في منح المتهم الحق في التعويض باعتبار ان اجراء الوضع رهن المراقبة القضائية يمس بحق من حقوق الشخص ويقيد حريته في التنقل...
ونفس الشيء بالنسبة للاعتقال الاحتياطي. أي يعتقل الشخص لمدة شهرين يمكن تجديده خمس مرات ولنفس المدة.اي يمكن ان يعتقل المتهم 12 شهرا وفي الأخير يطلق سراحه على أساس انه بريء.

نعم صحيح بان اعتقال شخص لهذه المدة يتطلب حسن سير العدالة والحفاظ على النظام العام، خصوصا اذا كانت الجريمة المرتكبة جريمة خطيرة او أحدثت رعبا وتتبع لدى العامة.
لكن في حالة ما اذا كان المعتقل ليس هو الفاعل وأطلق سراحه بعد قضاء مدة 12 شهرا. اليس كان على المشرع ان يعطيه حق المطالبة بالتعويض لانه حرم من اهم حق وهو الحق في الحرية. مع العلم ان هذه المدة يمكن ان تولد تبعات نفسية لدى المتهم او ان تسبب في تشريد اسرته . مع الاضافة الى نظرية الوصم الاجتماعي.
كما نجد بان المشرع الجنائي قد نص على امكانية تمتيعه بالسراح المؤقت ، الذي يمكنه ان يمنح له بناء على كفالة مالية . وقد حددت المادة 184 م .ج مشتملات هذه الكفالة.
ان هذه المادة تكرس لخرق مبدا تساوي المواطنين امام القضاء والقانون.
ذلك انه من الواضح بان التفاوتات الاجتماعية بين مختلف المواطنين قد يجعل إمكانية بلوغ التمتع بالافراج المؤقت مقابل كفالة مالية كما هو محدد في المادة السالفة الذكر سوف لن يسمح لذوي الدخل المحدود من المتهمين ، في حين سوف يتوفر ذلك للميسورين منهم وتزداد مظاهر التعسف اكثر اذا انتهت القضية ببراءة المتهم العاجز عن اداء الكفالة المحددة له[2].
 وما يلاحظ على المشرع رغم انه قلص من مدة الحراسة النظرية من 96 ساعة الى 48 ساعة قابلة للتجديد مرة واحدة لمدة 24 ساعة. الا انها تبقى مدة كبيرة مقارنة مع بعض التشريعات المقارنة ( فرنسا مثلا 24 ساعة قابلة للتجديد مرة واحدة ولنفس المدة ) وكذلك فالمشرع لم يقرن جزاء لمخالفة هذه المدة.
ومن التجاوزات التي تطال حرية الأشخاص ما نص عليه المشرع في امادة 108 م .ج حيث نص على ان قاضي التحقيق له الحق في ان يقوم بالتقاط المكالمات الهاتفية وكافة الاتصالات المنجزة بواسطة وسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها واخذ نسخة منها او حجزها. ونفس الإمكانية متاحة للوكيل العام للملك بعد ان يلتمس ذلك كتابة من الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف.

وبالرجوع الى الفصل 11 من الدستور الحالي نجده ينص " لا تنتهك حريات المراسلات "
وذلك بصفة مطلقة وبدون استثناء الحالات التي قد يكون القانون نظمها كما فعل في عدة حالات[3].
ولهذا يعتبر هذا الإجراء خطيرا ماسا بالحقوق الأساسية التي يتضمنها الدستور .غير ان الدولة من اجل الحفاظ على الامن العام وطمأنينة المجتمع قد تتخد هذا الاجراء
لهذا يجب ان يقنن تقنينا دقيقا ويحدد نطاق تطبيقه كحصره في بعض الجرائم،ولأسباب واضحة ، والا فان الإجراء سيتخذ ذريعة للاعتداء على الحريات العامة .
ومن المآخذ على قانون 22.01 كون التحقيق يكون الزاميا فقط :
1-             في الجنايات المعاقب عليها بالاعدام او السجن المؤبد او التي يصل الحد الاقصى للعقوبة المقررة لها ثلاثين سنة
2-             الجنايات المرتكبة من طرف الاحداث
3-             في الجنح بنص خاص في القانون
يكون ختياريا في ما عدا ذلك في الجنايات والجنح المرتكبة من طرف الاحداث وفي الجنح التي يكون الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها خمس سنوات او اكثر ( م 83 م ج )
بل كان يجب على المشرع ان ينص على الزاميته في كل الجرائم السالفة الذكر . خاصة وان التحقيق يكون في صالح المتهم . بل اكثر من هذا نص المشرع على ان التحقيق لا يمكن ان يقوم يه قاضي التحقيق الا بناء على ملتمس النيابة العامة ولو في حالة التلبس ( 2 84)

اما البحث الاجتماعي فينصب على المتهم فقط . لهذا يجب ان يوسع ويكون الزاميا كل ما طالب به احد الاطراف .وينصب ايضا على الضحايا في بعض الأحيان. خاصة مع وجود ضحايا وهميين أي محترفين دون جريمة.
وأخيرا اشير الى ان هذه ليست كلها النصوص التي يعتريها غموض وعدم الدقة والتي فهمها يؤثر على حقوق الانسان وانما هي على سبيل المثال لا الحصر.
المطلب الثاني : الصعوبات العملية والواقعية المرتبطة بقانون 22.01 التي تحد من حقوق الإنسان
ان أول مادة في قانون 22.01 تنص على مبدأ'' البراءة'' هي الأصل
لقد احسن المشرع صنعا عندما استهل به مواد المسطرة .
لكن الأمر يتعلق بمبدأ أقره فلاسفة ومفكرو القانون الجنائي، والعبرة بتطبيق المبدأ وتفعيله على ارض الواقع وليس بكتابته ، فالدول التي لها قوانين جنائية متطورة لم تنص على المبدأ غير ان حرصها على تطبيقه كمبدأ قانوني راسخ، حرص شديد بفوق الحرص على ما تم تدوينه[4]
والممارسة العملية في كثير من الأحيان تبين على أساس انه مدان وليس بريء . وهو من عليه ان يثبت براءته . فالاصل هي الإدانة وليس البراءة، وذلك بمجرد إحضار المتهم لمخفر الشرطة يتعرض لمختلف انواع المعاملة السيئة . من السب والشتم ( وهي العادة عند الضابطة القضائية  الا القليل ) الى ممارسة العنف بكل اشكاله سواء النفسي او المادي. ( وان كانت حدته قد قلت ) .
مما يجعل المتهم يعترف بما نسب اليه تحت وطأة الاكراه والتعذيب امام الضابطة القضائية . وينكر امام النيابة العامة والمحكمة ، والفاصل بين التصريحين هو زمن مغادرة المخفر ووقت المثول امام النيابة العامة او المحكمة.
اما فيما يتعلق بتطبيق المادة 159 من م ج الذي تنص على ان الوضع تحت المراقبة القضائية والاعتقال الاحتياطي هما تدبيران استثنائيين . فان قضاة التحقيق غالبا ما يلجؤون الى الاعتقال الاحتياطي وذلك لتجنب نفسهم عناء البحث عن الشخص من جديد ولضمان حضوره في أي وقت . حتى ولو كان مجرد الوضع تحت المراقبة القضائية كاف.
وما يعاب على التحقيق هوغالبا ما يكون شخصيا . بل العكس الذي يجب ان يكون أي عينيا ينصب على الجريمة . خصوصا والمغرب أصبح يتوفر على ما يسمى بالشرطة العلمية. أي يمكن التعرف على الفاعل بسهولة انطلاقا من مكان الجريمة وطريقة ارتكابها وظروفها.
وما يعاب على عمل الضابطة القضائية ما يسمى باعادة تمثيل الجريمة مما يؤثر سلبا على نفسية الفاعل . وكأنه يرتكب الفعل للمرة الثانية .
انطلاقا من مقتضيات قانون المسطرة الجنائية نجد ان المشرع يخول للمتهم الحق في الاستعانة بمحام . وفي حالة عسر المتهم ماديا فانه يعين له في اطار المساعدة القضائية ، ولكن لا يخلو من انتقادات على المستوى العملي.
فالمحامي الذي يعين في اطار هذه المساعدة غالبا ما يكون من المحامين المبتدئين ، وان كان من المتمرسين فغالبا لا يتعامل مع القضية بكل جدية أي يتهاون في دراسة القضية والتعامل معها. ( شهادة احد المحامين بهيئة فاس )
وان تم تعيين محامي اثناء المحاكمة فان الرئيس يختار محام من المتواجدين بالقاعة ويطلب منه ان يدلي بدفوعاته فورا . فكيف يعقل ذلك اذا لم يتمكن من الاطلاع على ملف القضية واعطائه وقت كاف لاعداد دفوعاته ؟ [5]
وتثار اهمية حضور الدفاع الى جانب موكله الذي اختاره لضمان عدم انتزاع الاعترافات منه بالعنف وخرق حقه في التزام الصمت، خاصة وان بنايات الشرطة القضائية لازالت تحتفظ بالخصائص العمرانية والامنية المستهدفة للتكتم عما يحدث بمخافر الشرطة خلال مسطرة البحث التمهيدي .

ومن بين الخصائص التي تؤهل استمرار هذه الوضعية وتشجع عليها هو فصل بنايات ومقرات الشرطة القضائية عن مقرات المحاكم حيث يتواجد القضاة لتسهيل مراقبة المحتجزين بشكل دوري.
ومن محاسن قانون 22.01 هو إحداثه لأول مرة مؤسسة قاضي تنفيذ العقوبة . ولكن لحد الان لم توضح ملامح عمله واختصاصاته بشكل واضح. لان صلاحياته تصططدم مع مقتضيات القانون الجنائي وقانون السجون وهذا على عكس النظام الجزائري اوالفرنسي.
ونفس الشيء بالنسبة للاحداث الجانحين . حيث نص القانون على معاملتهم معاملة خاصة، لكن في الواقع غالبا ما لم تحترم حقوقهم ولم تعطى لهم نفس الضمانات المقررة قانونا خاصة على مستوى الاصلاحيات او المراكز السجنية .
واخيرا يجب الاشارة الى ان ما يحد بشكل كبير من حقوق وضمانات حقوق الانسان في المغرب ، هو جهل الكثير من المواطنين لحقوقهم . وكذلك احتفاظهم بفكرة المخزن مما يولد لهم خوف من السلطات الأمنية والقضائية










 [1] المادة 159 قانون المسطرة الجنائية.

[2]  علي عمار مرجع سابق ص 100
[3]  مثلا الفصل 10 من الدستور
[4]  الحسن البوعيسي "قراءة نقدية لبعض مقتضيات مشروع قانون المسطرة الجنائية " العدالة الجنائية و متطلبات الإصلاح . مجلة المحماة العدد 46 ماي 2002 ص 112
[5]   د. محمد بوزلافة '' من محاضرة القاها على طلبة ماستر قانون المنازعات العمومية يوم 25-12-2008 ''

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه