أنواع من الشروط في بعض الأنكحة الفاسدة

0
أنواع من الشروط في بعض الأنكحة الفاسدة
     لقد ورد النهي عن هذه الشروط الفاسدة بموجب نصوص صريحة من الشارع تقضي ببطلان هذه الشروط، حيث نجد أن شريعة الإسلام قد ألغت بعض الأنكحة الفاسدة التي كانت سائدة قبل مجيئه؛ لأنها كانت قائمة على شروطٍ تؤدي إلى الظلم والغبن والخلل والاضطراب في أحوال الأسرة. وجاءت الشريعة الإسلامية بتعاليم ومبادئ وأسس حكيمة تحقق المودة والألفة والتعاون بين الزوجين بعيداً عن كل ما يكدر صفو الحياة الزوجية؛ فجعلت من عقد الزواج عقداً مؤبداً، وأوجبت على الزوج دفع المهر وغير ذلك من الأحكام التي شرعها الشارع لضمان بناء أسرة قوية ومتينة.[1]
     إنه وبالرغم من تحريم الشريعة الإسلامية لهذه الأنكحة الفاسدة، لازال بعض الناس في عصرنا الحالي يلجأون إلى التزاوج عن طريق هذه الأنكحة المحرمة، وإن كان ذلك تحت مسميات جديدة. وسنتعرض إلى دراسة أحكام هذه الشروط الفاسدة بشكل مفصل، وذلك في الفروع الأربعة الموالية:
الفرع الأول: شرط تأقيت الزواج لمدة محددة
     إن من شروط صيغة عقد الزواج أن تكون مؤبدة، ولا يجوز تأقيتها بمـدة محـددة؛ لأن ذلك يتنافى مع المقصود الأصلي لعقد الزواج في إقامة حياة زوجية سعيدة قائمة على أساس السكن والمودة والرحمة.[2] ولهذا فجمهور الفقهاء متفقون على بطلان هذه الشروط التي تؤثر في صحة العقد وتبطله؛ لأنها تتنافى مع صفة التأبيد التي يجب أن يتصف بها عقد الزواج. ومع ذلك فقد يحدث أن يتفق الزوجان على وضع شرط تأقيت الزواج إما في صورة زواج مؤقت أو زواج متعة.[3]
البند الأول: الزواج المؤقت
    يعرف الزواج المؤقت بأنه: " الزواج الذي ينشأ بلفظ النكاح أو الزواج، أو غيرهما من الألفاظ الصالحة لإنشاء عقد الزواج، ولكن يقترن بالصيغة ما يدل على تأقيت الزواج بوقت معين محدد طال الوقت أو قصر".[4] كأن يتزوج الرجل بامرأة ولكن لمدة محدودة قد تكون شهر أو شهرين أو أقل.
     إن اقتران صيغة عقد هذا النوع من النكاح بما يدل على التأقيت يجعل هذه الصيغة غير صالحة لإنشاء الزواج، لأن الزواج شُرع لدوام العشرة وإقامة أسرة، ولا يتأتى تحقيق هذه المقاصد وغيرها إلا إذا كانت عقدة النكاح على التأبيد، إذ العبرة في إنشاء العقود للمقاصد والمعاني لا الألفاظ والمباني ما دام الوصول إلى إظهار ذلك ممكناً. ومتى دلت قرائن الحال على أن الزوجان يريدان بعقدهما الوصول إلى تحقيق غايات غير مشروعة عن طريق الحيل والخداع، فيكون هذا العقد باطلاً لاقتران الصيغة بما يدل على التأقيت[5]. حتى ولو كان الزوج قد نوى شرط تأقيت الزواج في قلبه، فيكون كما لو أنه شرط ذلك في العقد، وبالتالي يكون حكمه البطلان[6]، وهذا مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات، وإنمـا لكل امرئ ما نوى... "[7]. وهذا هو رأي جمهور الفقهاء الذين أبطلوا كل من الشرط والعقد، باستثناء زفر وهو من أصحاب أبي حنيفة الذي قال بتصحيح النكاح المؤقت بحيث ينعقد مؤبداً ويسقط شرط التأقيت ويكون الزواج صحيحاً ومؤبداً.[8]
     ويقول الشـيخ محمد الطاهر بن عاشور معلقاً على زواج التأقيت ومبيناً مضـاره: " إن الدخول في عقدة النكاح على التوقيت والتأجيل يقربه من عقود الإجارات والأكريـة، ويخلع عنه ذلك المعنى المقدس الذي ينبعث في نفس الزوجين من نية كليهما أن يكون قريناً للآخر ما صلح الحال بينهما، فلا يتطلبا إلا ما يعين على دوامه إلى أمدٍ مقدور، فإن الشيء المؤقت المؤجـل يهجس في النفس انتظار مَحِلّ أجله، ويبعث فيها التدبير إلى تهيئة ما يخلفه به عند إبان انتهائه، فتتطلع نفوس الزوجات إلى رجال تعودنهم وتمنينهم، أو إلى افتراضٍ في مال الزوج، وفي ذلك حدوث تبلبلات واضطرابات فكرية، وانصراف كل من الزوجين عن إخلاص الود للآخر".[9]
     إن دلالات هـذه العبـارات واضحـة في التعبير عن محـاذير تأقيت الـزواج واستهجان لجوء بعض الناس إلى هذا النوع من الزواج؛ لمنافاته للغرض الشرعي الصحيح من الزواج وهو الاستقرار وتربية الأولاد.
البند الثاني: زواج المتعة
    وهو عبارة عن اتفاق بين الرجل والمرأة على التمتع بها لمدة معينة لقاء أجر معين، ولا يقصد به دوام العشرة وإنما يراد به مجرد الاستمتاع الوقتي، وهو زواج محرم لدى أغلب أئمة المذاهب باستثناء الشيعة الذين أجازوه، وعلة تحريمه هي  منافاته لصفة التأبيد التي يجب أن يتصف بها عقد الزواج، فضلاً عن الآثار السلبية الناجمة عن هذا الزواج على الأسرة والمجتمع.[10]
     ويفترق نكاح المتعة عن الزواج المؤقت من حيث أن المتعة يكون العقد فيها بلفظ التمتع، أما النكاح المؤقت فيكون بلفظ الزواج أو بلفظ النكاح، أو ما يقوم مقامهما وبحضور الشهود مع تحديد المدة.[11]
    ولقد اتفق جمهور الفقهاء على بطلان نكاح المتعة، ولم يخالف في تحريم المتعة إلا طائفة من الشيعة الإمامية تدعى بـ ( الإثناعشرية) الذين قالوا بإحلال المتعة لما لها من دور هام يمكن أن تقوم به في حل مشكلات الجنس والغريزة عند الشباب غير القادرين على أعباء الزواج الشرعي الدائم.[12] وسنتعرض فيما يلي إلى دراسة أدلة كل من الفريقين:
أولاً: أدلة المبيحين
    استدل القائلون بإباحة المتعة بما يلي:
1- استندت طائفة الشيعة الإمامية ( الإثناعشرية) في إباحة زواج المتعة بقوله تعـالى: " فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن "[13]. فدلت الآية الكريمة على حل نكاح المتعة، فالله تعالى ذكر الاستمتاع ولم يذكر لفظ النكاح، كما أوجبت الآية منح المال للمرأة نظير الاستمتاع بها وسمت ذلك أجراً والاستمتاع بالمرأة غير الزواج بها والأجر غير المهر.[14]
     وقد ناقش القائلون بتحريم زواج المتعة هذا الاستدلال بأن سياق الآية كلها جاء في النكاح الدائم وليس نكاح المتعة، وأما قولهم بأن إيتاء الأجور دليل على حل زواج المتعة فهذا غير صحيح؛ لأن المهر في النكاح يسمى بالأجر على سبيل المجاز[15] كما ورد في قوله تعالى: " فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن "[16]. وقوله تعالى أيضـاً: " يأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي أتيت أجورهن ".[17]  
2- واستدل المبيحين لزواج المتعة بأن هذا الزواج قد أبيح في أول الإسلام، ولا يوجد ما يدل على نسخه حسب قولهم، فقد ثبتت إباحته صلى الله عليه وسلم لزواج المتعة في مواطن عدة منها في غزوة خيبر، ومنها يوم حنين.[18]
3- واستدلوا أيضاً بما روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: " متعتان كانتا مشروعتين قي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنهي عنـهما متعة الحج ومتعـة النكـاح ". فدل هذا على أن زواج المتعة لم ينسخ في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا وجب الامتناع عن نسخه بعد وفاته.[19]
     وَرُدّ على استدلالهم هذا بأن إباحة الشريعة الإسلامية لهذا الزواج في أول الإسلام كانت مرحلة من مراحل التشريع لضرورات قاهرة، كما حدث في بعض الغزوات بغرض تقوية ساعد المسلمين على محاربة المشركين، ولكن بعد أن زال خطر المشركين وقويت دولة المسلمين حرم الرسول صلى الله عليه وسلم زواج المتعة تحريماً مؤبداً  وكان ذلك يوم فتح مكة فقال: " يأيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء. وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ".[20]
ثانياً: أدلة المحرمين
     استدل جمهور الفقهاء القائلون بتحريم زواج المتعة بجملة أدلة من الكتاب والسنة والمعقول، نوردها فيما يلي:
1- من الكتاب:
     استدل المحرمين لزواج المتعة بقوله تعالى: " والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ".[21]
    ووجه الدلالة: أن الله تعالى دعا المؤمنون إلى أن يعفوا عن الحرام ويصونوا فروجهم عما لا يحل من الزنا إلا من زوجاتهم وإمائهم المملوكات[22]؛ لأن الله تعالى حرم الجماع إلا بأحد شيئين: عقد النكاح وملك اليمين، والمتعة ليست بنكاح ولا بملك يمين فيبقى التحريم، ويؤيد هذا أن المتعة تنتهي من غير طلاق ولا فرقة ولا توارث بينهما؛ وهذا يعني أنها ليست بنكاح.[23]
    واستدلوا أيضاً بقوله تعالى: " فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ".[24] فدلت الآية الكريمة على أن الذين يطلبون غير الزوجات والمملوكات معتدون ومتجاوزون الحد في البغي والفساد.
    كما استدلوا أيضاَ بقوله تعالى: " ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء "[25]؛ أي لا تجبروا إماءكم على الزنا لفظاعة هذا الأمر وشناعته، ولما كان الزنا هو غرض زواج المتعة فدّل ذلك على الحرمة.[26]

2- من السنة:    
       استدل القائلين ببطلان المتعة بجملة أحاديث من السنة النبوية نذكر منها ما يلي:
1- ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قـال: " إني كنت قـد أحللت لكم المتعة، وإن جبريل أتاني فاخبرني أنها حرام إلى يوم القيامة ".[27]
2- روي أن عمر رضي الله عنه قال: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الإنسية ".[28]
3- من المعقول:
       إن النكاح ما شرع لاقتضاء الشهوة وفقط، بل شرع لأغراض ومقاصد يتوصل به إليها، واقتضاء الشهوة بالمتعة لا يؤدي إلي تحقيق هذه المقاصد، فالمقصد الأصلي من النكاح هو الحفاظ على النسل. أما المقاصد التابعة فهي استجلاب الرحمة والسكن والمودة والتعاون على المصالح الدنيوية والأخروية؛ وهذه المقاصد التابعة مثبتة ومقوية للمقصد الأصلي المتمثل في التناسل. ومن هنا جاءت حكمة الشارع بتحريم نكاح المتعة لمنافاته لمقصد المواصلة والسكن والموافقة؛ التي جعلها الشارع مستدامة إلى غاية انقطاع الحياة الزوجية بالوفاة أو الطلاق دون غيرهما.[29]
     وبعد عرض أدلة كل من الاتجاهين يترجح لدينا الأخذ بالرأي القائل بتحريم المتعة نظراً لرجاحة ووجاهة الأدلة التي استندوا إليها. وبالنظر إلى الآثار السلبية المترتبة عن زواج المتعة على المـرأة من اختلاط للأنساب، والتهرب من مسؤوليات الـزواج، وفقدان المرأة المتمتع بها لحقوق الزوجة في النفقة والميراث والمهر.[30]
البند الثالث: زواج المصياف
     إن زواج المصياف في حقيقته هـو زواج مؤقت، ولكنـه ظهر تحت مسمى جديد، وقد عرف انتشاراً كبيراً في دول الخليج في الآونة الأخيرة، وتتمثل صورة هذا الزواج في أن يتزوج بعض رجال وسيدات الأعمال أثناء عطلات الصيف أو مهمات العمل في الخارج.
    وفي الواقع فقد آثار هذا الزواج جدلاً كبيراً بين عددٍ من علماء الأزهر الشريف في مصر مابين مؤيد له بالاستناد إلى رأي الحنفية المتمثل في إبطال شرط التأقيت وصحة العقد. وما بين رافض له بالنظر إلى الآثار السلبية والمشاكل الاجتمـاعية المترتبة عنه. وذهب الشيخ جمال قطب وهو أحد علماء الأزهر إلى أنه يجب أن تتوافر في هذا الزواج جميع أركان الزواج الشرعي وأهمها تبادل الإيجاب والقبول؛ ويجب أيضاً إبطال شرط التأقيت واستمرار العقد حفاظاً على حقوق المرأة والأولاد واستقرار الأسرة.
     إن عقد الزواج ليس كباقي عقود المعاملات بل هو عقد يجب أن تتوافر فيه المودة والرحمة والتواصل الإنساني مصداقاً لقوله تعالى: " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ".[31]
    وعلى هذا فلا يجوز أن يقاس عقد الزواج بعقود المنفعة كعقود البيع والإيجار مثـلاً، فالأصل في عقـد الزواج هـو التأبيـد إلى أن يقضي الله أمراً كـان مفعـولا، والنتيجة من هذا كله أن زواج المصياف لا يعدو أن يكون في حقيقته سوى  زواج مؤقت أوزنا مقنع.[32]
الفرع الثاني: شرط نفي المهر
    إن هذا الشرط مرتبط بنكاح الشغار الذي كان سائداً في عصر الجاهلية، وصيغته أن يزوج الرجل ابنته أو أخته لرجل آخر على أن يزوجه هذا الأخير ابنته أو أخته ولا صداق بينهما.[33]

     وعلة تحريم هذا النكاح هي خلوه من المهر؛ لأنه يقوم على مبادلة الصداق بالبضع  ويشكل ذلك ظلماً صارخاً للمرأة وبخساً لحقها في الانتفاع بالمهر[34]، وقد يظن البعض أن هذا النوع من الشروط قد زال عن المجتمعات الإسلامية المعاصرة. ولكنه لا زال قائماً فيما يفعله بعض الأولياء بتزويج الرجل وليته إلى رجل آخر ويشترط عليه أن يزوجه وليته أيضاً مع تحديد المهر بينهما، وهذا ما يطلق عليه وجه الشغار عند المالكية.[35]
     لقد ذهب جمهور الفقهاء المسلمين إلى أن نكاح الشغار باطل، باستثناء الحنفية الذين قالوا ببطلان الشرط وصحة العقد مع وجوب مهر المثل لكل واحدة من المرأتين.[36]
     واستدل جمهور الفقهاء على بطلان نكاح الشغار بما يلي:
1- عن نافع ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا شغار في الإسلام ".[37]
2- عن ابن عمر أن رسول اله صلى الله عليه وسلم: " نهى عن الشغار والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته وليس بينهما صداق ".[38]
   ووجه الدلالة من هذه الأحاديث واضح من خلال عبارات النهي والنفي، ويقتضي ذلك فساد المنهي عنه وهو الشغار.
3- إن جعل بضع كل زوجة صداقاً للأخرى يؤدي إلى أن تكون المرأة زوجة في عقد من جهة، ومن جهة أخرى هي صداق لعقد زواج امرأة أخرى، فكان بضع كل واحدة منهما مشتركاً بين الزوج وبين المرأة الأخرى، وهذا ينافي مقتضى عقد الزواج في كون النكاح مبني على اختصاص الرجل بالمرأة، وأنه لا يجوز اشتراك رجلين في بضع امرأة، أو عقد زواجين في عقدة واحدة.[39]
  وخلاصة القول أن نكاح الشغار باطل، لورود النهي عنه من النبي صلى الله عليه وسلم بنص الحديث، وعلة النهي عنه هي الاشتراك في البضع الذي يحرم كل واحدة من المرأتين من الانتفاع بالمهر.[40]
    لقد شرع الزواج من أجل تحقيق غايات إنسانية نبيلة تتمثل في بناء أسرة ملؤها المودة والسكن والرحمة بين الزوجين، وهو أسمى من أن يكون علاقة يتحدد مصيرها على أساس ما يحققه كل طرف فيها من الربح والخسارة، ولهذا يجب على الأولياء احترام حق الزوجة في قبض المهر. فالمهر وسيلة لإثبات رغبة الرجل في المرأة واستعداده للإنفاق عليها، والتأكيد على رغبته الصادقة في معاشرة المرأة بالمعروف والحرص عليها وعدم التفريط فيها. خصوصاً وأن ذلك يتطلب منه بذل تضحيات كبيرة لجمع المهر. وأهم شيء في المهر أنه يعتبر تكريم للمرأة؛ فهو شعار خاص بالنكاح الشرعي دون غيره من الأنكحة الفاسدة.[41]
الفرع الثالث: شرط التزوج بنية حل المطلقة ثلاثاً لزوجها
     يرتبط شرط التزوج بنية حل المطلقة ثلاثاً لزوجها بنكاح التحليل الذي يلجأ إليه بعد أن تطلق المرأة ثلاثاً وتحرم على زوجها، فيتزوجها آخر قصد أن يحلها لزوجها الأول.[42]
    وتتمثل صيغته في أن تشترط الزوجة مثلاً على الزوج الثاني إحلالها لزوج قبله على أن يطلقها وتعود لزوجها الأول[43]. وغالباً ما يقع هذا الزواج بدون دخول على أن تعود الزوجة لزوجها الأول[44]. وفي ذلك مخالفة لما اشترطه الله تعالى لجواز رجوع المطلقة ثلاثاً إلى زوجها من أن تنكح زوجاً آخر زواجاً صحيحاً[45] يعقبه دخول، ثم إذا طلقها أو توفي عنها هذا الأخير جاز للزوج للأول أن يتزوجها مرة ثانية[46]، كما دّل على ذلك قوله تعالى: " فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره ".[47]
    ويتفق الفقهاء المسلمون على حرمة وبطلان نكاح التحليل، لكن الخلاف قائم بينهم حول أثر شرط التحليل في العقد، فذهب الحنفية إلى القول بصحة العقد مع الكراهة وعدم فساد العقد بهذا الشرط الفاسد؛ لأن الشروط الفاسدة عند أبي حنيفة لا تبطل العقـد، بل يبطل الشرط ويبقى العقد صحيحاً مرتباً لآثاره، وإذا توفي الزوج أو طلقها فتحل الزوجة لزوجها الأول بعد طلاقها.
    وذهب الشافعية إلى القول ببطلان نكـاح التحليل إذا ذكر شرط التحليل في العقـد.[48] بينما قال فقهاء المالكية والحنابلة ببطلان نكاح التحليل مطلقاً سواء ذكر شرط التحليل في العقد أولم يذكر، فلا فرق بين اشتراط ذلك بالقول أو بالتواطؤ؛ لأن الألفاظ لا تراد لذاتها بل للدلالة على المعاني، ومتى ظهرت المعاني والمقاصد حققت غاياتها ونتائجها وترتبت عليها أحكامها وآثارها، وتكون العبرة عندئذ بالنيات والقصود لا بالألفاظ والمباني.[49]
     ويرى الظاهرية بـأن شرط التحليل إذا لـم يذكر في صلب العقد لا يـؤثر في العقد، ويكـون للزوج الخيار إن شاء طلقها أو أمسكها، فلو طلقها حلت للأول، أمـا
 إذا ورد شرط التحليل في عقد النكاح فيعتبر العقد فاسد ومفسوخ.[50] 
    
  واستدل الفقهاء على بطلان نكـاح التحليل بورود عدة أدلة من السنة تنهي عن هـذا

النكاح، فالنكاح الشرعي لا يطلق على النكاح المنهي عنه. ونذكر من هذه الأدلة ما يلي:
1- عن عبد الله قال: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له ".[51]
2- عن عقبة بن عامر قال: قال رسوا الله صلى الله عليه وسلم: " ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال هو المحلل. لعن الله المحلل والمحلل له ".[52]
    وخلاصة القول أن نكاح التحليل باطل؛ لأنه ينافي مقاصد النكاح الصحيح، فالمرأة تنكح لدينها وجمالها. والتيس المستعار لا يسأل عن شيء من هذا[53]، وليس له قصد في النكاح الذي جعله الله سبباً للمودة والرحمة والألفة والمواصلة والمصاحبة بين الزوجين، بينما جعله المحلل سبباً للمفارقة.
   إن شرط تحليـل المطلقة ثلاثاً لزوجها هـو في حقيقته استحلال للزنـا باسم النكاح، فليس من أهداف المحلل الاستمرار والبقاء مع الزوجة، وإنما قد تواطئا الزوجان على قضاء وطر ساعة وقصدا بذلك إحلال الزوجة لزوجها الأول وهذا منافٍ لصفة التأبيد في عقد الزواج.[54]
الفرع الرابع: الزواج بشرط التنازل عن بعض حقوق الزوجية
     إن للزوجة حقوقاً على زوجها، كما أن للزوج حقوقاً على زوجته. حيث قال الله تعالى: " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف "[55]. وتتمثل أهم حقوق الزوجة فيما يلي:
1- النفقة في الطعام والشراب والسكن والكسوة، كمـا دّل على ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث روى حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه أنه قـال: " قلت  
يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت ".[56]

2- المبيت عندها ليلة كل أربع ليال، إذا كان لديه ثلاث زوجات سواها.[57]
    وإذا كانت هذه الحقوق ثابتة للمرأة بمقتضى نصوص الشريعة والقانون، فإنه قد يحدث أن يتفق الزوجان على إبرام عقد الزواج بشرط أن تتنازل المرأة عن بعض حقوقها، كحقها في النفقة أو السكن الفردي، أو حقها في القسم في المبيت، وقد يكون ذلك إما في شكل زواج مسيار، أو ما اصطلح على تسميته بزواج( فريند)، وهذا ما سنتولى توضيحه في البندين المواليين:
البند الأول: زواج المسيار
     وهو زواج يتم بعقد شرعي تتوافر فيه جميع أركان العقد الأساسية، ولكن الزوج يعفى فيـه من شيئين أساسيين: وهمـا حق الزوجة فـي النفقة وحقها أيضاً في المبيت، وهذا التنازل يحدث برضا الزوجين أثناء إبرام العقد مع مراعاة بقية الشروط المتطلبة في الزواج من ولي وشهود وصداق.[58]
    وعن الأسباب التي تدفع بالناس إلى اللجوء إلى هذا النوع من الزواج، نجد أن هناك بعض الرجال كثيرو السفر والتنقل بين البلدان نظراً لظروفهم وأعمالهم الخاصة  ولا يكون أمامهم من سبيل حتى يعصموا أنفسهم من الوقوع في الحرام إلا التزوج عن طريق زواج المسيار.
    ويضاف إلى ذلك انتشار ظاهرة العنوسة وما يترتب عليها من حرمان لعدد كبير من النساء والمطلقات والأرامل من حقهن الفطري في الزواج والأمومة، ثم أنه مع دخول المرأة عالم الشغل من بابه الواسع وبحصولها على موارد مالية كبيرة أصبح بإمكانها تأجير منزل مستقل أو الحصول عليه، أوأن تتنازل عن حقها في النفقة.[59]
      وبغض النظر عن مدى شرعية هذه المبررات، فإن عقد الزواج هو عقد مقدس بين الرجل والمرأة يجب أن يرقى بالإنسان من دائرة الشهوات المادية إلى حياة ملؤها الاستقرار والمودة والرحمة والتعاون والمعاشرة بالمعروف وبناء أسرة وإنجاب ذرية صالحة، وهذا ما لا يتأتى تحقيقه في زواج المسيار.
    ولقد اختلف الفقهاء المسلمون حول هذه الشروط التي يكون فيها تقصير عن أداء بعض حقوق الزوجية والمتعلقة بزواج المسيار، كاشتراط الرجل على المرأة أن يأتيها نهاراً، أو ألا يقسم لها في المبيت إذا كانت زوجة ثانية له، أو أن يشترط عليها أن تتنازل عن حقها في النفقة. فذهب الإمام أحمد إلى القول بإجازة هذه الشروط، وإذا شاءت الزوجة التراجع عنها فلها ذلك. أما عند الإمام مالك فيفسخ النكاح قبل الدخول ويثبت بعده ويبطل الشرط.[60]
    وعن موقف العلماء المسلمين المعاصرين من هذا الزواج فهو محل نظر وخـلاف؛ فمنهم من أقره، ومنهم من عارضه لآثاره الاجتماعية الناشئة عنه، ومنهم من أقر بمشروعيته ولكن لم يشجع عليه.[61]
البند الثاني: زواج(فريند)
    لقد أطلق الشيخ عبد المجيد الزنداني فتوى أثارت جدلاً كبيراً في العالم الإسلامي ولاقت ردود فعل مختلفة ما بين مؤيد ومعارض، حيث ذهب البعض إلى أن هذا الزواج هو وسيلة للقضاء على المشاكل التي تواجه الأقليات الإسلامية في البلدان الغربية والحفاظ على الهوية الإسلامية داخل هذه المجتمعات الأوربية التي ينتشر فيها الفساد والانحلال الخلقي، فيكون هذا الزواج هو الملاذ الوحيد لتلافي هذه الأخطار والمحاذير، وعليه فلا حرج حسبهم في إباحة هذا الزواج طالما أنه يجب أن تتوافر فيه أركان الزواج الشرعية من ولي وصداق وشهود.
     وعلى العكس من ذلك يرى معارضي هذا الزواج بأنه وعاء وغطاء لممارسة الزنا والفساد الأخلاقي والمعاشرة الحرة، وهذا ما يهدد سلامة البناء الأسري وآواصر العلاقة الزوجية.
    غير أن الشيخ الزنداني أكد على أن فتواه في هذا الموضوع جاءت تيسيراً للزواج وتصحيحاً لوضع شاذ يعاني منه أبناء الجاليات العربية المقيمين في أوروبا، وسداً لخطر وقوعهم في ممارسة العلاقات غير المشروعة في هذه المجتمعات، وحفظاً لشرف العائلات المسلمة.
  وعلى هذا يكون شكل زواج فريند هو البديل عن المعاشرة الحرة السائدة في المجتمـعات الغربية، وذلك بأن تصب علاقة الصداقة السائدة في المجتمعات الغربية في إطار عقد الزواج الشـرعي، وهذا كله مع التأكيد على ضرورة توافر أركان وشروط صحة عقد الزواج من تبادل للإيجاب والقبول وشرط المهر وحضور الشـهود، ولكن ما يميز هذا الزواج هو عدم وجود منزل للزوج، وبهذه الصورة يمكن حماية أبناء المسلمين في الغرب من العلاقات غير المشروعة القائمة على الصداقة في المجتمعات الغربية.[62]
       ويجدر بنا أن نشيـر في الأخير إلى موقف المشرع الجزائري من هذه الشروط والأنكحة الفاسدة، فحسب نص المادة 19 من قانون الأسرة التي تبيح للزوجين وضع شروط اتفاقية في عقد الزواج بشرط عدم مخالفة أحكام هذا القانون، فإنه ليس للزوجين اشتـراط هذه الشروط الفـاسدة في عقد الزواج لمخالفتها لأحكام قانون الأسرة وبالأخص المواد: 9، 9 مكرر، 8، 74 حيث أوجبت هذه المواد تباعاً ضرورة توافر جميع أركان عقد الزواج الأساسية وشروط صحته، وكذا شرط العدل في حالة تعدد الزوجات، وأيضاً واجب الزوج في الإنفاق على زوجته بمجرد الدخول بها، مع ملاحظة أنه يبقى من حق الزوجة أن تتنازل عن بعض هذه الحقوق بمحض إرادتها.




[1]- بن حمو مصطفى، الأنكحة الفاسدة في المذهب الإباضي مقارنة بالمذهب المالكي وقانون الأسرة الجزائري، مذكرة  ماجستير، جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، قسنطينة، السنة الجامعية 1999/2000، ص203.
[2]- رشدي شحاتة، المرجع السابق، ص439.
[3]- الغوثي بن ملحة، قانون الأسرة على ضوء الفقه والقضاء، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2005، ص45.
[4]- كوثر كامل علي، المرجع السابق، ص95.
[5] علي محي الدين، المرجع السابق، ص1250.
[6]- مجد الدين أبي البركات، المحرر في الفقه، الجزء الثاني، دار الكتاب العربي، بيروت، بدون سنة، ص23.
[7]- النووي، المرجع السابق، ص19.
[8]- نشوة العلواني، المرجع السابق، ص136.
[9]- محمد الطاهر بن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، دار النفائس، الطبعة الثانية، الأردن، 2001، ص493.
[10]- عبد رب النبي الجارحي، الزواج العرفي، دار الروضة للنشر والتوزيع، بدون سنة، ص82، ص83.
[11]- كوثر كامل علي، المرجع السابق، ص95، عمر عبد الله، محمد حامد قمحاوي، أحكام الأحوال الشخصية للمسلمين، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 2003، ص34.
[12]- أحمد فراج حسين، المرجع السابق، ص106.
[13]- سورة النساء، الآية 24.
[14]- كوثر كامل علي، المرجع السابق، ص83.
[15]- رشدي شحاتة، المرجع السابق، ص444.
[16]- سورة النساء، الآية 25.
[17]- سورة الأحزاب، الآية 50.
[18]- الشوكاني، نيل الأوطار، الجزء الخامس، دار الجيل، بيروت، لبنان، ص272.
[19]- ابن القيم، زاد المعاد في هدي خير العباد، المجلد الأول، دار الكتاب العربي، لبنان، بدون سنة، ص184.
[20]- الشوكاني، المرجع السابق، ص269.
[21]- سورة المؤمنون، الآيتين، 5، 6.
[22]- ابن كثير، تفسير ابن كثير، المجلد الثالث، دار الفكر، بيروت، 1981، ص240.
[23]- كوثر كامل علي، المرجع السابق، ص84؛ إدريس الشافعي، الأم، دار المعرفة، بيروت، لبنان، بدون سنة، ص175.
[24]- سورة المؤمنون، الآية 7.
[25]- سورة النور، الآية 33.
[26]- نشوة العلواني، المرجع السابق، ص134.
[27]- ابن حجر الهيثمي، أحاديث النكاح، باب النهي عن نكاح المتعة، دار الهدى، الجزائر، 2000، ص104.
[28]- ابن ماجه، سنن ابن ماجه، الجزء الأول، مطبعة دار إحياء الكتب العربية، بدون سنة، ص630.
[29]- إسحاق الشاطبي، الموافقات في أصول الأحكام، المجلد الأول، دار الفكر،1341هــ ، ص278.
[30]- إدريس الشافعي، المرجع السابق، ص175.
[31]- سورة الروم، الآية 21.
[32]- رشا عبد النبي، زواج المصياف، www.Egypty.com/Index.htm                                                              
[33]- رمضان علي السيد الشرنباصي، أحكام الأسرة في الشريعة الإسلامية، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، بدون سنة، ص60؛ سعيد اللحام، المرجع السابق، ص120.
[34]- والمهر أو الصداق هو حق خاص من حقوق المرأة ليس لأهلها عليه أي حق سواء كان عبارة عن نقود أو أي نوع آخر من الأموال الثابتة أو المنقولة بشرط أن يكون مالاً مباحا للانتفاع به، وأن يكون محرزاً أي معروفاً وقابلاً للتملك. بشير البيلاني، قوانين الأحوال الشخصية في لبنان دار العلم للملايين، الطبعة الخامسة، 1997، ص110.
[35]- مصطفى بن حمو، المرجع السابق، ص203.
[36]- الشوكاني، المرجع السابق، ص279؛ نشوة العلواني، المرجع السابق، ص138.
[37]- النووي، صحيح مسلم، باب تحريم نكاح الشغار وبطلانه، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1929، ص200.
[38]- النووي، نفس المرجع ، ص200.
[39]- نشوة العلواني، المرجع السابق، ص139، ص140.
[40]- السيد سابق، المرجع السابق، ص55.
[41]- محمد حسين، التنظير المقاصدي عند الإمام محمد الطاهر بن عاشور، رسالة دكتوراة، جامعة الجزائر، كلية العلوم الإسلامية، السنة الجامعية 2002/2003، ص264.
[42]- كامل محمد عويضة، الجامع في فقه النساء، دار الكتب العلمية، بيروت، 1996، ص244.
[43]- موفق الدين بن قدامة، الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل، دار ابن حزم، 2003، ص620؛ رمضان علي السيد الشرنباصي، المرجع السابق، ص56.
[44]- سعيد اللحام ، المرجع السابق، ص121.
[45]- الزمخشري، تفسير الكشاف، الجزء الأول، دار المصحف، القاهرة، 1977، ص133.
[46]- علي محيي الدين، المرجع السابق، ص1238.
[47]- سورة البقرة، الآية 230.
[48]- رشدي شحاتة، المرجع السابق، ص460.
[49]- ابن القيم الجوزي، زاد المعاد في هدي خير العباد، المرجع السابق، ص5.
[50]- ابن حزم، المرجع السابق، ص180.
[51]- عبد الله بن عبد الرحمان الدارمي، سنن الدارمي، الجزء الثاني، دار إحياء السنة النبوية، بدون سنة، ص158.
[52]- ابن ماجه، باب المحلل والمحلل له، المرجع السابق، ص626.
[53]- ابن القيم، أعلام الموقعين، الجزء الثالث، دار الحديث، 1987، ص35.
[54]- ابن القيم، نفس المرجع، ص103، ص150.
[55]- سورة البقرة، الآية 228.
[56]- شمس الحق العظيم آبادي، عون المعبود( شرح سنن أبي داوُد)، الجزء السادس، دار الكتب العلمية، بيروت، 1998، ص127.
[57]- سعيد اللحام، المرجع السابق، ص116؛ محمد إبراهيم سليم، حقوق الزوجة في الفقه الإسلامي، دار الطباعة المحمدية، 1983، ص234.
[58]- عرفان حسونة، نكاح المسيار، المكتبة العصرية، 2002، ص9.
[59]- محمد علي الحسيني، زواج المسيار، www.banihashem.org/alkotob/06/05/.htm                                                                                                                                                                            
[60]- محمد بن إبراهيم النيسابوري، الإشراف على مذاهب العلماء، المجلد الرابع، دار طيبة، بدون سنة، ص74، ص75.
[61]- عرفان حسونة، المرجع السابق، ص9.
[62]-  زواج فريند،     www.Egypty.com/elkebar/Issue5/article1.htm

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه