قراءة في مشروع قانون الوظيفة العمومية

0
قراءة في مشروع قانون الوظيفة العمومية


الملاحظة الأولى:

تتعلق بمقاربة الحكومة بمنهجية تدبيرها للإصلاح الإداري ذلك أن الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر في فبراير 1958 ظهير عتيق وقديم. ومنذ ذلك التاريخ خضع لعدة تعديلات جزئية ولم يخضع لمراجعة  عميقة منذ صدوره قبل قرابة خمسين سنة.

ومن المعلوم أن كل نص قانوني يوضع في سياق اجتماعي وسياسي ويعكس مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي للمغرب وتطور محيطه الخارجي كما أن لكل نص روحا أو فلسفة عامة تحكمه في مختلف تفاصيله ومن ثم ففي غياب مراجعة  عميقة  وشاملة لهذا الظهير كي يكون مواكبا للتطورات فإنه لن يؤدي ثماره المطلوبة.

وتعود هذه المقاربة إلى منهج التقسيط في تنزيل الإصلاح وهو منهج يعكس في الواقع غياب الجرأة السياسية في طرح الإصلاحات الضرورية وتحمل تبعاتها مهما يكن من أمر.

كان من الممكن التجاوز عن الطابع التجزيئي للإصلاح لو أن هذا التعديل قد انخرط ضمن الاستمرارية والتراكم، وبني على  مشاريع كانت مطروحة لكن جاء منذ البداية من الصفر لينضاف إلى التجزيئية في النظرة  التي قد تجهز على مقصد تحديث الإدارة وتحكم عليه بالضياع، ومن يدري ماذا ستفعله حكومة مقبلة في غياب المنطق التراكمي للإصلاحات ؟

الملاحظة الثانية:

الإصلاح الإداري لا يمكن أن يتم إلا بإصلاح  محيط الإدارة وتخليق الحياة العامة ومحاربة الرشوة وكل أشكال الفساد المالي والإداري وأشكال الرشوة والمحسوبية ونهب المال العام والامتيازات غير المشروعة وغياب الشفافية.

ولذلك فإذا كان ما ورد في المادة 22 مثلا من تنصيص على مسطرة  المباراة كمسطرة تضمن المساواة بين جميع المترشحين لولوج نفس المنصب مسألة إيجابية، فإن الآفات المذكورة التي تنخر جسد الإدارة  ولا تبذل الحكومة  ما يكفي من الجهد ولا تضع من الإجراءات التربوية والزجرية ما يؤدي إلى محاصرتها، قد تحول هذا الإجراء إلى آلية لإعادة إنتاج مختلف مظاهر الفساد الإداري وظواهر المحسوبية والرشوة وغيرها.

ونفس الشيء يمكن أن يقال على مستوى اعتماد الكفاءة المهنية للاستحقاق في الدرجة والإطار.

الملاحظة الثالثة:

لم يقارب المشروع عدة قضايا جوهرية في إصلاح الإدارة  عبر تفعيل عدة قضايا من المدخل القانوني مثل:

* تفعيل المفهوم الجديد للسلطة بربطه بمفهوم الخدمة العامة وصيانة  الحقوق وحفظ المصالح واحترام الحريات كما قال جلالة الملك.

* تفعيل ميثاق حسن التدبير.

* إدماج العديد من التوصيات الصادرة عن مختلف المناظرات حول الإدارة العمومية ومنها ندوة الأخلاقيات بالمرفق العام والمناظرة الوطنية الأولى للإصلاح الإداري، فيما يمكن أن يدخل في مجال القانون.

* تعزيز ضمانات النزاهة والحياد والشفافية في التوظيف.

* تعزيز وجود المرأة في مواقع المسؤولية بالوظيفة العمومية.

* المراجعة الشاملة لمسطرة إسناد المناصب العليا والمسؤوليات.

الملاحظة الرابعة:

وبجانب  هذه الملاحظات العامة يمكن تسجيل  بعض الملاحظات التفصيلية، منها على سبيل المثال:

* تشريع العمل بعقود عمل محددة المدة لا ينتج عنها أي حق في العمل بعدها ومن تم يكرس الهشاشة في التشغيل.

* السماح بنقل الموظفين وإلحاقهم دون العودة إلى اللجن المتساوية الأعضاء، وليس نحو إدارة عمومية فقط بل أيضا  نحو  شركات القطاع الخاص والمنظمات الحكومية.

* يلغي الحق في الترقية بالشهادة ويضيف شرط الاستحقاق للترقية عبر المباراة.

* يسعى مشروع القانون إلى إحداث تغير جوهري في فلسفة الترقية بحيث ربطها بالمردودية، وسعى إلى جعلها عامل تحفيز في غفلة  عن قضية جوهرية وهي أن الترقية في ظل جمود الأجور وهزالتها هي المنفذ الوحيد بالنسبة للموظف من أجل تحسين وضعيته  المادية.

* لم يتطرق المشروع ولم يضع إجراءات للحد من الفوارق الكبيرة في الأجور داخل أسلاك الوظيفة العمومية وهي قضية رمزية من  شأنها إعادة الثقة  إلى مصداقية خطاب الإصلاح ولا تجعل المعني بتحمل تبعات الإصلاح الإداري والتخفيف من تحملات الوظيفة العمومية هو البسطاء من الموظفين وقدرتهم الشرائية بوضع المتاريس في وجه تحسين وضعيتهم الاجتماعية

ـ غياب المقاربة الشمولية للإصلاح جعل الحكومة تسقط في معالجة جزئية لمطالب مختلف فئات الموظفين بحيث ما أن تتوصل إلى اتفاق مع فئة حتى تجد نفسها في مواجهة  مطالب فئات أخرى. كما أن الإصلاح محكوم بنفس موزاناتي في النظر إلى الوظيفة العمومية لا بمفهوم الخدمة العمومية  التي ينبغي النظر إليها بمعايير أخرى مختلفة عن  معايير تدبير القطاع الخاص

* على الرغم من بعض المظاهر السلبية  التي صاحبت ممارسة حق التفرغ النقابي، إلا أن إقرار عتبة تمثيلية من مجموع ممثلي الموظفين المنتخبين برسم اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء على الصعيد الوطني وهي 6% والحصول على 35% من مجموع ممثلي الموظفين المنتخبين برسم اللجن الإدارية المستوية الأعضاء على صعيد الوزارة، ـ وهو من الناحية العملية أمر صعب أو على  الأقل سيحصر حق التفرغ في نقابتين على الأكثر 70%ـ، فإن في ذلك فيه مصادرة  لحق الأقلية والنقابات الأقل تمثيلا التي هي أحوج ما تكون للأطر  المتفرغة من أجل تدبير تسييرها والرفع على مستوى  تأطيرها للمواطنين، كما أن فيه حرمانا للنقابات عموما من موارد بشرية هي أحوج ما تكون لها خاصة مع التحديات الجديدة التي تواجه العمل النقابي وما هو مطلوب منه في الوضع الراهن في ظل العولمة أي أن يكون شريكا صاحب قوة اقتراحية.

السيد الرئيس، الاخوة المستشارون، هذه بعض الملاحظات السريعة، نتمنى أن تكون  مناسبة  مناقشة هذا المشروع ف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه