الأركان العامة و المشتركة لجريمة إفشاء الأسرار في القانون الجزائري

0
الأركان العامة و المشتركة لجريمة إفشاء الأسرار
المطلب الأول: وقوع الفعل المادي و هو إفشاء السر
  - الفعل المادي هنا هو إفشاء الأسرار أي إفشاء نبأ يعد لدى صاحبه سرا، أي يهمه كتمانه والإفشاء هو الإفشاء بالسر إلى الغير بالقول أو الكتابة أو الإشارة وقد يتحقق ذلك بإذاعته علنا في جريدة. ولو كان النشر لغرض علمي أو بالتحدث به في محاضرة أو بين الناس أو بالتصريح به أو بجزء منه فقط ولو إلى شخص واحد فحسب. ولو كان وطيد الصلة بالأمين عليه فلذا يعد إفشاء أن يبوح هذا الأخير به إلى زوجته مثلا حتى ولو طلب منها كتمانه.
  - كما يعد إفشاء للسر الشهادة به أمام السلطات القضائية والإدارية أو التبليغ عنه إليها حتى ولو كان السر عن جريمة وقعت ولا تزال محل بحث السلطات، وقد غلب القانون هنا واجب كتمان السر على واجب الشهادة أو التبليغ لمعاونة السلطات العامة على كشف الحقيقة إلا في الأحوال الخاصة التي نص عليها القانون والتي ستكون محل موضوع الفصل الثالث.
   - وقد أخذت بعض الشرائع على تخفيف مدة التقيد بكتمان الأسرار المهنية في أحوال معينة، معاونة للقضاء على أداء رسالته، ومن ذلك فان الشارع الفرنسي أضاف فقرة ثانية إلى المادة (387 عقوبات) بمرسوم صدر في 29 جويلية1939، حيث أجاز فيها للأطباء وغيرهم من أصحاب المهن إذا دعوا للشهادة أن يبوحوا بما لديهم من أسرار عن حوادث الإجهاض  دون أن يتعرضوا للعقاب.
  - وقد جرى القضاء الفرنسي على أن يعد جريمة معاقبا عليها: إفشاء السر ولو انصب على واقعة معروفة ولو كانت غير مؤكدة إذ أن محيط العامة لا يعتمد عليه كثيرا ومن الناس من لا يصدق ما يبدو فيه فإذا تقدم من أؤتمن على السر وأفشاه فانه يؤكدا لرواية و يحمل المترددين على تصديقها و متى أصبحت الواقعة مؤكدة زالت عنها صفة السرية.

المطلب الثاني: ركن السر
- يجب أن يكون الأمر الذي حصل إفشاؤه مما يصح اعتباره سرا ولكن القانون لم يبين معنى السر ولا هو بمستطيع ذلك إن أراد لأن التحديد غير مستطاع ويجب أن يرجع في ذلك إلى العرف. وإلى ظروف كل حادثة على انفرادها.
- ويرى بعض العلماء أن السر هنا هو ما يضر إفشاءه بسمعة مودعة أو كرامته. وفي بعض القوانين الأجنبية: كالقانون الايطالي (المادة 163 عقوبات) لا عقاب إلا حيث يكون السر مما يترتب على إفشاؤه ضرر ولكن بعض الشراح لا يرى هذا الرأي.
كذلك لا يشترط أن يكون السر قد أفضى به إلى من ائتمن عليه ولا أن يكون قد ألقى إليه على أن السر وطلب منه كتمانه، بل يعد في حكم السر الواجب كتمانه  كل أمر يكون بطبيعته سرا ولو لم يفض به إليه إفضاء كما لو كان قد حصل عليه من طريق المباغتة أو من طريق الحدس والتنبؤ أو من طريق الخبرة الفنية.
- فالطبيب الذي يدرك من الكشف على مريض أنه مصاب بأمراض زهرية مطالب بكتمان السر ولو أن المريض نفسه لم يكن عالما به. والمحامي الذي يدرك من سباق حديث موكله أنه ارتكب جريمة مكلف بالاحتفاظ بهذا السر ولو لم يفض الموكل إليه بصراحة.
  - ولا يلزم أن يكون العميل قد أفضى بالسر إلى البنك طالبا إليه كتمانه بل يكفي لقيام الجريمة أن يكون السر قد وصل إلى علم البنك مباعة أثناء مباشرة مهنته بطريقة الحدس والتنبؤ أو بطريق الخبرة الفنية.
- ويدل على أن المحافظة على سر المهنة يبدأ واجبا أخلاقيا، فقد اعتادت الطوائف المهنية منذ القدم على العمل بمقتضى قواعد يرتبط بها أفراد الطائفة والمهنة في مباشرتهم حرفتهم. ومعظم هذه القواعد ذات طبيعة أخلاقية.
- وعلى هذا الأساس ارتبط كل نشاط مهني بما يسمى بالقانون الأخلاقي للمهنة الذي يحكم السلوك المهني للأفراد المرتبطين بمهنة ما. وقد فرض الواجب الأخلاقي المحافظة على السر المهني واعتبره من أهم الالتزامات المهنية المفروضة على بعض الطوائف التي تطلع نتيجة ممارسة أعمالها على أسرار ، ومن ثم وجوب الائتمان عليها وكانت مهنة الطب والمحاماة في مقدمة هذه المهن حيث قيل أن السر المهني جوهرها.
- وقد قضت محكمة أن الدولة العليا بأن السر هو أمر يتعلق بشيء  أو بشخص وخاصيته أن يظل محجوبا أو مختفيا عن كل أحد غير من هو مكلف قانونا بحفظه. أما استخدامه بحيث يكون العلم به غير متجاوز عددا محدودا من الأفراد الذين يرخص لهم دون سواهم أن يعلموه أو تناقلوه فيما بينهم فلا يؤثر على كونه سرا.
- ولم يستخدم المشرع في قانون السرية الحسابات بالبنوك عبارة "السر الخصوصي" التي جاءت بالمادة (310 عقوبات ) وحسنا فعل لأن السر في طبيعته معنى الخصوصية، فليس هنا سر عمومي وسر خصوصي يكفي أن يقال أنه سر.

المطلب الثالث: أن يقع هذا الفعل من أمين عليه بحكم عمله أو وظيفته
   - لا يعاقب القانون على إفشاء السر إلا إذا كان قد أودع إلى شخص بمقتضى صناعته أو وظيفته (par état ou par profession) أو مهنته، أو فنه، أو طبيعة عمله. فيجب إذن أن يكون الشخص الذي أتمن على السر قد تلقى ذل السر بحكم الضرورة وبسبب صناعته أو وظيفته. و لم يحاول القانون حصر الأشخاص الذين توجب عليهم صناعتهم أو وظائفهم كتمان ما يؤتمنون عليه من أسرار تلك الصناعات أو الوظائف بل ذكر على سبيل المثال: الأطباء، الجراحين، الصيادلة، القوابل، ثم أردف ذلك بقوله ( أو غيرهم )
- وعليه يدخل تحت حكم المادة (310 ع)الالتزام بحفظ سر المهنة المصرفي قبل صدور القانون رقم 205 لسنة 1990 في شأن سرية حسابات البنوك. ومن المتفق عليه أنها تسري على كل من يعد أمينا على السر بحكم الضرورة ( confession nécessaire)، أو بحكم ممارسته مهنته أو صناعته إذا كانت هذه أو تلك عامة لخدمة الجمهور وهذا ما يقتضي منا أن نحدد الطوائف التي تلتزم والتي تخرج عن نطاق هذا الالتزام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه