لأسس العلمية والأمنية لمواجهة الإجرام الخطير

0
*الأسس العلمية والأمنية لمواجهة الإجرام الخطير*
المطلب الأول:                    الأسس العلمـــــــــية
           تتطلب الجرائم المستجدة الحاجة الماسة والملحة للتدخل بآليات تشريعية وأمنية مواكبة لها من أجل الوقاية منها ومواجهتها وضبط مرتكبيها، لا سيما أنه اتضح أن من أبرز خصائصها استخدام التقنية الحديثة والأساليب المبتكرة في تنفيذها، وتدويل معالجتها وإخراجها من الحدود الوطنية والإقليمية، وارتفاع مستوى مهارة منفذيها.
وأنه برز العديد من التحديات الصعبة التي تواجهها المؤسسات الأمنية للسيطرة على حركة واتجاه الجريمة؛ ومن أبرزها: محلية أساليب المعالجة الأمنية وفقا للأنواع التقليدية للجريمة، والنقص الحاصل في التأهيل والتدريب المتخصص المناسب للتعامل مع الجرائم الخطيرة و المستحدثة، لا سيما أن هذا النقص موجود سلفا للتعامل مع الجرائم التقليدية.
و أن نجاح مواجهة الجرائم الخطيرةوالمستجدة يتطلب الاعتماد بشكل مباشر على مجموعة من الأسس، من أبرزها:
1.    الاعتماد على المنهج العلمي، سواء في التخطيط الاستراتيجي الأمني وفي أساليب أداء القطاعات الأمنية المعنية بمكافحة الجريمة.
2.     الاستفادة من التقنيات المستخدمة في المجالات الأمنية؛ سواء من الأجهزة المتطورة في الاتصال والانتقال والتفتيش والمراقبة وجمع المعلومات وتحليلها، وفي التوثيق وتحليل الشخصية وجميع التقنيات التي تظهر حديثا ويمكن الاستفادة منها.


(07)
3.    تحليل ودراسة الأحداث الأمنية تحليلا علميا دقيقا، وذلك لاستنباط واستقراء ما تحويه هذه الجرائم من دلالات يمكن الاستفادة منها للوقاية من تلك الجرائم وسرعة ضبط مرتكبيها، والاستفادة منها في إطلاع رجال الأمن على كل مستجدات الجريمة، وتدريبهم على كيفية التعامل معها وقاية وضبطا.
4.    تشجيع البحث العلمي في مجال البحوث الأمنية، وذلك بإنشاء مراكز دراسات فاعلة ودعمها بكافة متطلبات البحث، ماديا وإجرائيا، وذلك من أجل دراسة المشكلات المستجدة في العمل الأمني من أجل الوصول للأساليب الفاعلة في مواجهة الجرائم المستحدثة.
5.    توجيه العمل الأمني لضرورة المبادأة في مواجهة الجرائم المستجدة، وذلك لأن الانتظار لحين وقوع الجرائم سيزيد من صعوبة الأداء الأمني.
6.    التركيز على تعميق جسور التعاون مع الجمهور، باعتباره السند الحقيقي لمؤازرة رجل الأمن، وتفعيل آليات التعاون والتحفيز، سواء من خلال مؤسسات المجتمع المدني أو من خلال تطبيق شرطة المجتمع.
7.    دعم المؤسسات الأمنية بالكوادر البشرية اللازمة، نظرا لوجود نقص حاد في الكوادر البشرية التي تعمل في مجال الوقاية من الجريمة ومكافحتها.
8.    الارتقاء بمستوى تأهيل وتدريب رجل الأمن بما يواكب المتغيرات المستجدة، وذلك من خلال الاختيار المحكم للمرشحين للعمل في المؤسسات الأمنية، والتدريب المستمر على التعامل الأمثل للوقاية من حدوث الجرائم المستجدة وسرعة ضبط فاعلها.
9.    تعميق روافد التعاون الدولي في المجالات الأمنية، لا سيما أن من أبرز خصائص هذه الجرائم المستجدة و الخطيرة في نفس الوقت البعد الدولي في تنفيذها وظهور نداءات حديثة وجادة، بما يسمى "عولمة العمل الشرطي".
ومن هنا يمكن القول: إنه مهما حققت الجريمة من تطور فإن مقدرة وكفاءة رجل الأمن كفيلة بمواكبتها والحيلولة دون وقوعها والقبض بيد من حديد على مرتكبيها، لا سيما إذا حرصت المؤسسات الأمنية على التعامل العلمي مع هذه التغيرات وما قد تحدثه من مجالات يمكن استغلالها استغلالا سيئا في الانحراف والإضرار بالآخرين، وهي غايات يطمح رجل الأمن ومن بعده المؤسسة الأمنية ومن بعدهما المواطن في تحقيقها.
المطلب الثاني:          ماهية التدريب الأمنــي
         هناك العديد من الخبراء الذين ناقشوا موضوع التدريب كوسيلة لنقل المعارف والاتجاهات والمهارات، وفق خطوات علمية محددة، ومن أبرز تلك التعريف أنه "تجهيز الفرد للعمل المثمر والاحتفاظ به على مستوى الخدمة المطلوبة "، ويختزل ويلز  التعريف العملي للتدريب، في أنه يتلخص في " نقل معرفة أو مهارة محددة وقابلة للقياس".

(08)


وفيما يتعلق بالتدريب الأمني فيعرفه الكبيسي  بأنه " الجهود العلمية التي تقوم بها الإدارات التدريبية التابعة للأجهزة الأمنية والمتعاونة معها لتلبية الاحتياجات الفعلية الناجمة عن مشكلات ميدانية أو نقص في كفاءة الأفراد أو الهادفة إلى تحسين مستويات أدائهم وتطوير قدراتهم، من خلال إكسابهم المعارف وتنمية مهاراتهم وغرس الاتجاهات الإيجابية لسلوكهم من أجل مساهمتهم في تحقيق أهداف الأجهزة التي يعملون فيها بكفاءة وفاعلية وتمكينهم من مواجهة التحديات المجتمعية والدولية التي تحيط بهم ".
        وقد أورد اليوسف  أن "الجهود المبذولة لإعداد رجل الأمن لمواجهة الجرائم المستجدة لا تقتصر على تزويد الأشخاص بالمعلومات وإعدادهم فكريا وعقليا لمواجهة الحياة فقط وإنما رفع كفاءة رجال الأمن وتحسين قدراتهم ومهاراتهم في القطاع الأمني لمواجهة جميع المستجدات".
إن مصطلح التدريب الأمني ظهر بديلا لمصطلحات عديدة وشائعة كمصطلح التدريب الشرطي والتدريب في المجالات الأمنية وتدريب رجال الأمن والشرطة حتى جاءت توصية مسؤولي التدريب في الأجهزة الأمنية العربية في اجتماعهم الخامس باعتماد مصطلح " التدريب الأمني" سيما أنه برزت العديد من الإدارات المختصة والمعاهد والكليات والأكاديميات المختصة في هذه المجالات على امتداد الوطن العربي، وأصبح هناك مجلات ودوريات علمية مختصة في العلوم الأمنية بصفة عامة والتدريب الأمني بصفة خاصة.
ويضيف عبدالرحمن  أن برنامج التدريب الأمني لابد أن يتسم بالترابط والتكامل بين مكوناته، والتفاعل المستمر مع البيئة المحيطة، وبالتالي المرونة والقابلية المستمرة للتغيير والتبديل، وفقا لحركة التغير في المجتمع، وهذا يعني أن تطور معدلات الجريمة الكمي والنوعي من أبرز المؤشرات العامة التي تفرض ضرورة مواكبة برامج التدريب الأمني لهذه المتغيرات.
وعلى هذا الأساس فإن ما يحدث من تقدم علمي وتطور تقني يستوجب ضرورة مواكبة هذه التطورات وتوظيفها في عمليات التدريب ذاتها، سواء ما يتعلق بالنظريات العلمية الحديثة أو فيما يتعلق بالتقنيات الحديثة التي يمكن استخدامها في زيادة فاعلية التدريب وتحقيق أهدافه.
وقد ارتبط التدريب الأمني بظهور العمل الأمني المبني على أسس علمية منذ بداية القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية تحديدا، ويشير فولد (Fuld) إلى أنه ركز على عمليات حفظ القانون وأسس مكافحة الجريمة والإشراف القوي والسيطرة وحدود السلطة التي تضمن تحقيق الأداء الفعال للشرطة، كأهم العناصر التي تضمن تحقيق العمل الأمني بكفاءة وفاعلية  .
أن معدل حجم ونوع الجريمة في تطور وتعقد مستمر وفقا للإحصاءات المحلية والإقليمية والعالمية، ومن أجل السيطرة عليها فإنه يجب تطوير الأساليب والوسائل والآليات المناسبة في الوقاية من الجريمة ومكافحتها، وهنا يبرز التدريب كأحد المحاور الرئيسة لتحقيق مبدأ السيطرة، ومن ذلك فلابد أن تكون برامج التدريب الأمني مستمرة ومبادرة في الوقت ذاته، وليس هذا فحسب بل إن عدم مواكبة التدريب لما يحدث من تغيرات سيؤدي حتما لتخلف الأجهزة الأمنية عن السيطرة على الجريمة عند الحدود المقبولة.


(09)
وتبرز أهمية التدريب الأمني من طبيعة العمل الأمني ذاته، حيث إن العمل في المجالات الأمنية يختلف عن سواها من المجالات والأنشطة الحياتية الأخرى، حيث إن حراسة المنشآت أو الشخصيات الهامة، أو أعمال الاقتحام لأوكار المجرمين والقبض عليهم، أو حتى البحث عن مجرم محترف ارتكب جريمته وطمس جميع المعالم التي تدل على ارتكابه للجريمة، كل ذلك لا يمكن مقارنته بأي أعمال أخرى.
كما أن ممارسة هذه المهام السابقة لا تتطلب المجازفة بالقيام بها دونما معرفة وخبرة واتجاه يضمن تنفيذ هذه المهام بكفاءة وفاعلية، لا سيما أن أفراد المجتمع بما فيهم المجني عليهم ينظرون بترقب حاد لمدى نجاح العمليات الأمنية، ويركزون انتقاداتهم على ما قد يحدث من سلبيات يقع فيها رجل الأمن بل المؤسسات الأمنية ذاتها، لا سيما أن لديهم الصلاحيات اللازمة لتحقيق أهدافهم.
        وفي ضوء التحديات التي أفرزها التغير الاجتماعي والثقافي، لا سيما ما برز في مطلع القرن الحادي والعشرين فإن قضية التدريب الأمني تتطلب ألا يعد جهدا ثانويا، فإنه يجب أن يكون نشاطا أساسيا، ومستمرا، وشاملا لعموم العاملين في المؤسسات الأمنية، لا سيما أنه لم يعد مقصورا على التعامل مع المشكلات التقليدية.
        ومن هنا تتطلب السيطرة الأمنية على الجرائم الخطيرة ضرورة التركيز على التدريب الأمني، وتغيير الأساليب والأهداف التقليدية التي كانت برامج التدريب الأمني تصمم على أساسها، حيث إن هذه الجرائم لا تتم بالأساليب التقليدية المعروفة ولم تعد الآثار التي تحدثها يسيرة كما كانت في الجرائم التقليدية، وهو ما يتطلب مواجهة جرائم غير تقليدية.

المطلب الثالث:      الأسس والمنطلقات اللازمة لتطوير فلسفة التدريب
        أحدثت التغيرات الاجتماعية المتسارعة التي تمر بها المجتمعات تغيرا في حجم ونوع الجريمة، وبرز ما يسمى بالجرائم المستجدة الخطيرة، وهذا بدوره فرض ضرورة تغيير فلسفة العمل الأمني وضرورة تطويره لمواكبة هذه التغيرات، أن هناك مجموعة من العوامل التي تتطلب تغيير فلسفة العمل الأمني، وهي قضية في حقيقتها تتطلب ضرورة مواكبة برامج التدريب الأمني للمتغيرات المستجدة، ومن أبرز تلك العوامل:
التطور الكبير الذي تشهده كافة مجالات الحياة، ومنها المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بما فيها المجالات الأمنية ذاتها، والتقدم العلمي في شتى فروع المعرفة، والعلوم الحديثة التي سادت المجتمعات الحديثة، في ظل التطور التقني الذي برز في كافة جوانب الحياة، وتمثل في العديد من المبتكرات العلمية الحديثة التي يستخدمها الإنسان ولم تكن معروفة من قبل، وما صاحبه من ازدياد معدل الجريمة



(10)

وبروز جرائم مستجدة الخطيرة لم تكن معروفة من قبل، وبروز الجرائم المنظمة على المستوى الوطني والدولي.
ويرى درويش أن نجاح الاستراتيجية الأمنية لمواجهة الجرائم الخطيرة المستجدة يعتمد على مجموعة من الأسس، ويأتي من أبرزها الارتقاء بمستوى تأهيل وتدريب رجل الأمن بما يواكب المتغيرات المستجدة، وذلك من خلال الاختيار المحكم للمرشحين للعمل في المؤسسات الأمنية، ولتدريب العاملين على التعامل الأمثل للوقاية من حدوث الجرائم المستجدة الخطيرة وسرعة ضبط فاعلها.
وتنطلق الفلسفة الحديثة من أن التدريب الأمني بات ضرورة حتمية ويرتبط بجميع العاملين، وأن عنصر الخبرات السابقة لن يعد معيارا لفعالية أداء رجل الأمن، لا سيما أن التغيرات الاجتماعية والثقافية أدت إلى تغيير أساليب ارتكاب الجرائم التقليدية، بل وأفرزت جرائم لم تكن معروفة من قبل، والأهم من ذلك أن هناك تقنيات حديثة وأساليب حديثة يمكن استخدامها في تطوير الأداء الأمني وتعزيز فعاليته في الوقاية من وقوع الجرائم المستجدة، وسرعة ضبط فاعليها.
وتتطلب الفلسفة الحديثة لبرامج التدريب الأمني المناسبة لمواجهة الجرائم الخطيرة التركيز على مرحلتي الإعداد والتكوين لرجل الأمن، من أجل إعداده لمواكبة هذه الجرائم، والتركيز على الجانب الوقائي والحيلولة دون وقوعها، والتخفيف من الآثار التي تترتب على هذه الجرائم.
وهناك العديد من الأسس والمنطلقات اللازمة لتطوير فلسفة التدريب ومواكبتها لمستوى التعامل والسيطرة على هذه التغيرات الاجتماعية والثقافية، وما نجم عن ذلك من ضمن إفرازات سلبية ساهمت في بروز الجرائم المستجدة الخطيرة، ويرى درويش  والألفي  أن من أبرز تلك الأسس:
1.    اعتبار قضية التدريب الأمني لرجل الأمن ضرورة أمنية وحتمية، وترتبط بجميع العاملين في القطاع الأمني وبجميع الوظائف.
2.    استحداث موضوعات أمنية تتعلق بإدارة الأزمة والحس الأمني والقيادة الأمنية والحاسب الآلي وقواعد المعلومات، والتركيز على تصنيف وإحصاء الجرائم المستحدثة.
3.    استحداث برنامج كامل للبانوراما الأمنية يتم فيه عرض آخر ما ارتكب من جرائم من خلا ل أشخاصها الطبيعيين حسب دور كل منهم من واقع أحداث ارتكابها.
4.    استحداث منهج اصطناع المواقف الأمنية ( الفرضيات ) والتخطيط لمواجهتها.
5.    انتهاج منهج المحاكاة لتضييق الهوة الفاصلة بين التصورات النظرية وبين الممارسة الميدانية.
6.    استحداث منهج تعميق جسور التعاون مع الجمهور وخاصة المثقفين منهم باعتبارهم السند الحقيقي في مواجهة تطور الجرائم المستجدة.
7.    ترسيخ مفهوم الأمن كمهمة حضارية سيما في الدول النامية.
8.    إبراز دور المواطن وأهميته لرجل الأمن، والتركيز على تطوير العلاقة الإيجابية معه.

(11)

9.        ضرورة استشراف المستقبل وتطوير الأهداف التدريب لمواكبة التغيرات المستجدة.
10.  الاهتمام بالبحث العلمي.
11.   الاستفادة من تطوير القيادة الأمنية.
12.  الاستفادة من التقنيات الحديثة في مواجهة الجريمة.
13.  التوسع في افتتاح معاهد ومراكز التدريب الأمني حسب التخصص والحاجة الفعلية.
ومن المتوقع أن يؤدي تطبيق هذه الأسس إلى سرعة مواكبة برامج التدريب الأمني للتغيرات المستجدة، بل ويمكن الارتقاء بعملية التدريب ذاتها إلى تصميم برامج تدريب أمنية سابقة لبروز جرائم مستجدة، من خلال الاستشراف العلمي لتلك الظواهر المنحرفة وفي ظل ما يحدث من تطورات تقنية وثقافية.
7- الاتجاهات الحديثة في تنفيذ الفلسفة الحديثة لبرامج التدريب الأمني
أدى تطور أساليب ارتكاب الجريمة وبروز جرائم جديدة لم تكن معروفة من قبل إلى بروز العديد من الاتجاهات الحديثة التي برزت لتنفيذ الفلسفة الحديثة لبرامج التدريب الأمني، فهناك العديد من الأساليب، وفقا ومن أبرزها:
1.   تطبيق مبدأ الجودة الشاملة في إدارة التدريب الأمني: حيث برزت نظرية الجودة كأحدث النظريات العلمية في مجال الإدارة، وحقق تطبيقها أعلى درجات الكفاءة والفاعلية في قطاع إدارة الأعمال، وفي إدارة الخدمات التي تقدمها مؤسسات الإدارة العامة، وقد حقق تطبيقها في المجالات الأمنية العديد من الإنجازات، فقد أشار تميم (1999) إلى أن شرطة دبي نفذت العديد من الإنجازات في مجال تجويد الخدمات، وأنه ترتب على تلك الإنجازات جودة الأداء الأمني الذي تقدمه الشرطة لجمهور المستفيدين.
     أنه لا ينبغي النظر إلى عملية التدريب على أنها تختلف عن المهام الأخرى من حيث الحاجة إلى تطبيق مفاهيم الجودة الشاملة، مؤكدا على أن جودة التدريب تتطلب إعطاءه أهمية بالغة، لا سيما أن التدريب أحد أساليب تطبيق مبادئ الجودة ذاتها.
        وتعني الجودة الشاملة أن ثقافة المنظمة تتحدد أساسا وتتدعم بمدى قدرتها على الوفاء بحاجات ورغبات العملاء والوفاء بهذه الحاجات باستمرار، وذلك من خلال نظام متكامل من الأدوات والأساليب والتدريب، وهذا يعني أن تطبيق مبادئ إدارة الجودة الشاملة في إدارة برامج التدريب الأمني يعد تحسينا مستمرا لكل الأنشطة والعمليات المتعلقة ببرامج التدريب الأمني، بدءا بتحديد الاحتياجات التدريبية وانتهاء بتقييم مخرجات التدريب، وذلك لضمان إنتاج برامج تدريبية ذات جودة عالية، وتساهم بشكل مباشر في كفاءة الأداء الأمني وفعاليته.



(12)



ومن هنا، فإذا كانت وظيفة مؤسسات التدريب عموما ومؤسسات التدريب الأمني على وجه الخصوص تتبنى التدريب على تطبيق مبادئ إدارة الجودة في الخدمات التي تقدمها المؤسسات الأمنية للجمهور، ومن أبرز مبادئ إدارة الجودة التي حددها إدوارد دمينج التدريب والتعليم المستمر لمنسوبي المؤسسة، فإن ذلك يتطلب مبادرة مؤسسات التدريب الأمني ذاتها بتبني الاتجاهات الحديثة في الجودة، لا سيما أنها المؤسسات المتوقع استفادتها من مبادئ الجودة وبالتالي إعادة تعميم هذه الاتجاهات الإدارية الحديثة على المؤسسات الأمنية الميدانية، التي تحتاج الخدمات التطويرية في أدائها.
2.    تشجيع التعلّم الذاتي: ويعرف التعلّم الذاتي بأنه "أسلوب للتعلم يركز على جهد ذهني يقوم به المتعلم ذاته وحسب قدرته دون مساعدة وسيط بشري، وإنما باتباع توجيهات محددة وواضحة تمكنه من اكتشاف المعلومات الصحيحة وتدله على كيفية التغلب على أية صعوبات تواجهه" أنها طريقة مناسبة وفعالة في اكتساب اللغات والعلوم الرياضية، وإضافة لذلك فيمكن استخدامه للتعلم الذاتي في برامج الحاسب الآلي كبرنامج العروض (Power Point) وبرنامج الجداول (Excel) ؛ ولذلك فإن توافر برامج للتعلم الذاتي في المجالات الأمنية سيساعد كثيرا على ارتفاع تأهيل وتدريب رجل الأمن من جانب، كما سيساعد رجل الأمن على الانفتاح على التقنية الحديثة.
        و أن هذا النوع من أساليب التعلم أثبت فاعليته في إمداد المتدرب أو المتعلم بالمعلومات والمعارف المطلوبة، وتنمية القدرة لديه في تعليم ذاته، عن طريق العمل الذاتي والبحث عن المعلومة من مصادر المعرفة، وهذا ما سيسمح للمتدرب ذاتيا بأن يناقش ويفكر ويحلل ويركّب وأخيرا يطبق المعارف التي تلقاها في مهام عمله، فمثلا التعلّم الذاتي على كيفية استخدام أحد أجهزة التنصت من خلال برنامج حاسوبي أو كتيب يحدد خطوات التشغيل وكيفية الإخفاء وكيفية الصيانة وفق معارف ومهارات تطبيقية في البرنامج فإن ذلك يساعد رجل الأمن على حسن استخدام هذه التقنيات وتحقيق مبدأ الكفاءة والفاعلية المطلوبة.
        ومن هنا يمكن القول: إن التعلّم أو التدرّب الذاتي لرجل الأمن يساعد على سرعة تعلّم المتدرب، بل ويساعد على إمكانية العودة للتدرّب مرات عديدة دون عناء أو ذهاب للمؤسسة التدريبية، والأهم أنه يساهم في ارتقاء معارف ومهارات رجل الأمن وبالتالي الارتقاء بالعمل الأمني ككل، ويمكن أن تكون هذه الوسائط منشورات أو مطويات ورقية، أو برامج حاسوبية، أو أشرطة صوتية أو مرئية، وذلك حسب المعارف أو المهارات المطلوب إيصالها للمتدرب ذاتيا، وتلعب إمكانات إدارة التدريب المادية والفنية والمعرفية والمهارية دورا في تصميمها.
3.    اعتماد البحث العلمي أساسأً لتطوير خطط وبرامج التدريب الأمني: حيث يعد البحث العلمي أساس التقدم والتطور في أي مجال من مجالات الحياة، كما أنه يساعد الباحث على فهم الظواهر وتفسيرها والغوص في أعماقها، بمعنى أن غياب هذا الأساس وهذه المنهجية سيؤدي إلى الحصول على نتائج قاصرة، وغير دقيقة، إن توسيع أعمال البحث العلمي في مجال مكافحة الجريمة وعرضها على رجال الأمن سيساهم في نقل النتائج والتوصيات التي يتوصل إليها الباحثون لرجال الأمن الميدانيين، وبالتالي ستزيد من الإثراء الفكري وستساهم بالتالي في زيادة الأداء المهاري لهم.
(13)
و أن البحث العلمي يمثل حجر الزاوية في تطوير برامج التدريب، لا سيما إذا عرف أن للبحث العلمي أهدافاً ووظائف عديدة، ومن أبرزها:
 وصف الظواهر المبحوثة بدقة، والتنبؤ بما قد يحدث من ظواهر في المستقبل، وتفسير وشرح كيفية حدوث الظواهر المبحوثة، وهي أهداف لو استخدمت في تطوير عملية التدريب بشكل موضوعي لحققت مبدأ الكفاءة والفاعلية لبرامج التدريب الأمنية، ولأصبح هناك تطور ملموس في تحسين عملية التدريب، وفي الأداء الأمني على وجه الخصوص، لا سيما إذا انطلقت الدراسة من المبادئ الحديثة للإدارة، وتحديدا مبدأ الجودة الشاملة، وعلى هذا الأساس يمكن استخدام مناهج البحث العلمي في مرحلة تحديد الاحتياجات التدريبية، وفي تحديد ورسم الأهداف التدريبية المراد التدريب عليها، ويمكن أن يتعدى ذلك لتحديد المحتوى العلمي المطلوب، كما يمكن تقييم فعالية البرنامج التدريبي والتأكد مما حقق من أهداف.
4.    إعادة تدريب المدربين: حيث باتت عملية إعادة تأهيل المدربين من أبرز القضايا الملحة، لا سيما في ظل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتقنية وما تفرزه من آثار سلبية على مختلف الظواهر الاجتماعية والأمنية، ولأن هؤلاء المدربين هم الأداة الرئيسة في نقل المعارف والمهارات لزملائهم العاملين في الميدان، فإن ذلك يتطلب أن يكون لدى هؤلاء المدربين أعلى المعارف والمهارات الأمنية اللازمة.
و ضرورة إعادة تأهيل المدربين من أجل مواكبة التحديات الأمنية المستجدة، لا سيما أن الحاجات التدريبية مما أفرزه
التقدم العلمي والتطور التقني في مجال مواكبة هذه التغيرات المستجدة تكمن في التدريب على التقنية الحديثة، واستخدامها في التدريب.
و هناك مجموعة من الطرق التي يمكن من خلالها تدريب المدربين، وتبدأ عادة بدورات إعداد المدربين ( Training of Trainers ) والتي تصمم للمرشحين للعمل في مجال التدريب في المعاهد والمراكز التدريبية، وهناك الحلقات التدريبية التي يمكن للمدربين الممارسين الالتحاق بها، وهناك الندوات والمؤتمرات التي يمكن عقدها حول المستجدات في فلسفة وطرق التدريب.
وبناء على ما سبق تكتمل الاتجاهات الحديثة لتصميم وتنفيذ برامج التدريب الأمني التي يمكن من خلالها ضمان مواكبة الجرائم المستجدة، وتحقيق أعلى درجات فعالية الأداء الأمني المطلوب تحقيقه في المؤسسات الأمنية.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه