الإجراءات التطبيقية المترتبة عن مخالفة القواعد المنظمة للصرف و حركة رؤوس الأموال في القانون الجزائري

0

 الإجراءات التطبيقية المترتبة عن مخالفة القواعد المنظمة للصرف و حركة رؤوس الأموال :   
           نتناول في هذا المبحث الذي قسمناه إلى ثلاثة مطالب ، على التوالي :
-- معاينة الجريمة و متابعتها .
-- الجزاء .
-- المصالحة .
الفرع الأول – معاينة الجريمة و متابعتها
أولا – معاينة الجريمة :
              من هم الأعوان المؤهلون لمعاينة الجريمة ؟ ما شكل المحاضر التي تنقل معاينتهم و ما هي قوتها الاثباتية ؟ ما هي صلاحيات الأعوان المؤهلون لمعاينة الجريمة ؟ تلك هي التساؤلات التي سنحاول الإجابة عليها في ما يأتي .
       أ – الأعوان المؤهلون لمعاينة الجريمة : تم تحديد قائمة الأشخاص المؤهلين لمعاينة جريمة الصرف في المادة 7 من الأمر رقم 96 – 22 المعدل و المتمم و في المرسوم التنفيذي رقم 97 – 256 المؤرخ في 14 يوليو سنة 1997 و هم :
--  ضباط الشرطة القضائية ، و قد عرفتهم المادة 15 من ( ق ا ج ) كالآتي :
--  رؤساء المجالس الشعبية البلدية .
--  ضباط الدرك الوطني .
--  محافظو الشرطة و ضباط الشرطة .
--  دور الرتب في الدرك الوطني و رجال الدرك الذين أمضوا في هذا السلك ثلاث سنوات على الأقل و الذين تم تعيينهم بموجب قرار مشترك صادر عن وزير العدل و وزير الدفاع الوطني بعد موافقة لجنة خاصة .
--  مفتشو الأمن الوطني الذين قضوا في خدمتهم بهذه الصفة ثلاث سنوات على الأقل و عينوا بموجب قرار مشترك صادر عن وزير العدل ووزير الداخلية بعد موافقة لجنة خاصة .
--  ضباط و ضباط الصف التابعين للأمن العسكري الذين تم تعيينهم خصيصا بموجب قرار مشترك صادر عن وزير العدل ووزير الدفاع الوطني .
     والملاحظ هنا أن المشرع حصر الأمر في ضباط الشرطة القضائية دون أعوانها .
--  أعوان الجمارك ، بدون تمييز بين الرتب و الوظائف .
--  موظفو المفتشية العامة للمالية المعينون بقرار وزاري مشترك بين وزير العدل و الوزير المكلف بالمالية ، باقتراح من السلطة الوصية ، من بين الموظفين ذوي رتبة مفتش على الأقل و الذين لهم 3 سنوات كحد أدنى ممارسة فعلية  بهذه الصفة .
-- أعوان البنك المركزي الممارسون على الأقل مهام مفتش أو مراقب ، المحلفون و المعينون بقرار من وزير العدل ، باقتراح من محافظ البنك المركزي ، من بين الأعوان الذين لهم 3 سنوات كحد أدنى ممارسة فعلية بهذه الصفة .
-- الأعوان المكلفون بالتحقيقات الاقتصادية و قمع الغش ، المعينون بقرار وزاري مشترك بين وزير العدل ووزير التجارة ، باقتراح من السلطة الوصية ، من بين الأعوان ذوي رتبة مفتش على الأقل و لهم 3 سنوات كحد أدنى ممارسة فعلية بهذه الصفة .
 
 
  ب – شكل محضر المعاينة و الجهات التي يرسل إليها : 
لم يحدد الأمر رقم 96/22 شكل محضر المعاينة و محتواه   المادة 7 منه بهذا الشأن إلى التنظيم .
     و بالرجوع إلى المرسوم التنفيذي رقم 97/257 المؤرخ في 14/07/1997 المعدل و المتمم بالمرسوم التنفيذي رقم 03/110 المؤرخ في 05/03/2003 نجده قد ضبط أشكال محاضر معاينة جريمة الصرف و كيفيات تحريرها .
              و هكذا نصت المادة 3 على أن تتضمن محاضر المعاينة البيانات الآتية :
--  الرقم التسلسلي
--  تاريخ المعاينات التي تم القيام بها و توقيتها و مكانها و ظروفها
--  اسم و لقب محرري المحضر و صفاتهم و إقامتهم
--  هوية مرتكب المخالفة ، و عند الاقتضاء ، هوية المسؤول المدني ، عندما يكون الفاعل قاصرا أو هوية الممثل الشرعي ، عندما يكون الفاعل شخصا معنويا
--  طبيعة المعاينة التي تم بها و المعلومات المحصل عليها
--  النصوص المكونة للعنصر الشرعي للمخالفة
--  وصف محل الجنحة و تقويمها
--  الإجراءات المتخذة في حالة حجز : الوثائق ، محل الجنحة ، وسائل النقل المستعملة في الغش
--  توقيع العون أو الأعوان الذي حرر أو الذين حرروا المحضر
--  توقيع مرتكب أو مرتكبي المخالفة  و / أو عند الاقتضاء المسؤول المدني او الممثل الشرعي ، و في حالة رفض احد هؤلاء التوقيع ، يذكر ذلك في محضر المعاينة.
       
             علاوة على ذلك ، يشار في هذا المحضر إلى أن الشخص أو الأشخاص الذين أجريت عندهم المعاينات قد اطلعوا على تاريخ تحريره و مكانه و انه قد تلي و عرض عليهم للتوقيع.
في حين حدد الأمر رقم 96/22 الجهات التي ترسل إليها المحاضر في مادته 7 و ميز مقصدها حسب الجهة التي حررت تلك المحاضر .  و هكذا نصت المادة المذكورة على أن ترسل فورا المحاضر المحررة من قبل الأعوان المؤهلين التابعين للبنك المركزي إلى محافظ هذا البنك و إلى الوزير المكلف بالمالية . فيما ترسل المحاضر المحررة من قبل الأعوان المؤهلين الآخرين إلى الوزير المكلف بالمالية .
 
           و جاء المرسوم التنفيذي رقم 97/257 المؤرخ في 14/07/1997 المعدل و المتمم بالمرسوم التنفيذي رقم 03/110 المؤرخ في 05/03/2003 ليوضح أكثر في مادته 4 تحرير المحاضر و كيفيات إرسالها و هي كالآتي :
1 –   تحرر محاضر من قبل أعوان البنك المركزي المؤهلين في أربعة (4) نسخ :
     --  يرسل فورا أصل المحضر و نسخة منه مرفقين بكل المستندات الثبوتية إلى محافظ بنك الجزائر
     --  ترسل نسخة من المحضر مرفقة بنسخ من المستندات الثبوتية إلى الوزير المكلف بالمالية .
     --  تحفظ نسخة على مستوى المصلحة التي قامت بتحرير محضر المعاينة
2 –   تحرر محاضر معاينة الأعوان المؤهلين الآخرين في  ثلاث (3) نسخ :
     --  يرسل فورا أصل المحضر و نسخة منه مرفقين بكل المستندات الثبوتية الى الوزير المكلف بالمالية
     --  تحفظ نسخة على مستوى المصلحة التي قامت بتحرير محضر المعاينة
3 –   عندما ترتكب المخالفة دون علاقة بعملية التجارة الخارجية وإذا كانت قيمة محل الجنحة تقل عن 500.000 دج أو تساويها ، ترسل نسخة من محضر المعاينة المحرر من قبل كل عون مؤهل إلى رئيس اللجنة المحلية للمصالحة .
 
ج –  صلاحيات الأعوان المؤهلين لمعاينة الجريمة:    
               يتضح من نص المادة 8 مكرر المستحدثة ، اثر تعديل الأمر رقم 96/22 بموجب الأمر رقم 03/01 المؤرخ في 19/02/2003 إن المشرع يميز ، بخصوص صلاحيات الأعوان المؤهلين لمعاينة جرائم الصرف بين الأعوان المؤهلين التابعين للبنك المركزي أو لإدارة المالية ، و بين باقي الأعوان .  فأما الفئة الأولى ، التي تشمل علاوة على أعوان البنك المركزي برتبة مفتش أو مراقب على الأقل ، موظفي المفتشية العامة للمالية ذوي رتبة مفتش على الأقل و أعوان الجمارك ، فقد خصها المشرع بالصلاحيات الآتي بيانها بنصه في المادة 8 مكرر :
 
                " يمكن أعوان إدارة المالية و البنك المركزي المؤهلين ، في الأعمال التي يقومون بها مباشرة عند متابعة المخالفات المنصوص عليها في المادتين الأولى و من هذا الأمر ، أن يتخذوا كل تدابير الأمن المناسبة لضمان تحصيل العقوبات المالية المتعرض لها مثلما هو معمول به في المادة الجمركية . و يمكنهم أيضا دخول المساكن و ممارسة حقوق الاطلاع المختلفة المنصوص عليها في التشريعين الجمركي و الجبائي " .
          و تبعا لذلك ، تتمتع الفئة الأولى بالصلاحيات الآتية :
 
1 – حق اتخاذ تدابير الأمن :  للأعوان التابعين للفئة المذكورة اتخاذ كل تدابير الأمن المناسبة لضمان تحصيل العقوبات المالية المتعرض لها مثلما هو معمول به في الماجة الجمركية .
             و بالرجوع إلى قانون الجمارك ، نجد أن المادة 241/1 منه تخول ، في هذا الإطار ، الأعوان المؤهلين لمعاينة الجرائم الجمركية حق حجز البضائع الخاضعة للمصادرة ، و حق حجز البضائع الأخرى التي هي في حوزة المخالف كضمان في حدود الغرامات المستحقة قانونا و أية وثيقة ترافق هذه البضائع .
            تأخذ تدابير الأمن إذن صورتين :
 
الصورة الأولى :
حسب المادة الأولى مكرر : البضاعة محل الجنحة ووسائل النقل المستعملة لارتكاب الغش
 
     و أما الصورة الثانية : فتتمثل في احتجاز الأشياء " Rétention" الآتية :
البضائع التي هي في حوزة المخالف وذلك على سبيل ضمان سداد الغرامات المستحقة قانونا ، و ينصب غالبا هذا الحجز الاحتياطي على وسائل النقل فتحجز ضمانا للدين المستحق للخزينة بعنوان الغرامات الجمركية .
     و تشدد المادة 241 ق.ج ، في هذا الصدد ، على أن لا تتجاوز قيمة البضاعة المحتجزة ، على سبيل الضمان ، مبلغ الغرامة الجمركية المستحقة .
     كما يشمل هذا الحجز الوقائي الوثائق التي ترافق البضائع الخاضعة للمصادرة و ذلك لاستعمالها كسند إثبات .
 
2— حق تفتيش المنازل : أجازت المادة 8 مكرر للأعوان المؤهلين التابعين لإدارة المالية أو للبنك المركزي دخول المساكن دون تقييد هذا الحق بشروط ، كما فعل المشرع التونسي الذي احل بهذا الخصوص إلى قانون الجمارك .
 
    و بالرجوع إلى قانون الجمارك نجد أن المادة 47 – 1 منه أجازت لأعوان الجمارك في إطار إجراء الحجز الجمركي تفتيش المنازل ، على أن يتم ذلك وفق الشروط الآتية : أن يكون أعوان الجمارك الذين يباشرون التفتيش مؤهلين من قبل المدير العام لإدارة الجمارك ، و أن يحصلوا على الموافقة الكتابية من الهيئة القضائية المختصة التي تكون طبقا لأحكام المادة 44 ق.ا.ج أما وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق ، و أن يرافقهم احد ضباط الشرطة القضائية و يتعين على هؤلاء أن يستجيبوا لطلب إدارة الجمارك ، و أن يتم التفتيش نهارا غير أن التفتيش الذي شرع فيه نهارا يمكن مواصلته ليلا .
 
               و يخضع الدخول إلى المساكن و تفتيشها في قانون الإجراءات الجزائية لإجراءات مقيدة منصوص عليها ، لا سيما في المادتين المادة 44 و 47 منه ، و هي : أن يقوم بتفتيش المنزل ضابط شرطة قضائية ، و أن يتم ذلك بترخيص مسبق من السلطة القضائية المختصة و أن يتم  التفتيش نهارا ، بين الخامسة صباحا و الثامنة ليلا .
 
                أيعني هذا الصمت أن المشرع حرر أعوان المالية من القيود التي يخضع لها إلى المساكن في باقي النصوص ، أم أن في صمته إحالة ضمنية إلى قانون الإجراءات الجزائية ؟
الأصل أن السكوت علامة الرضا و أن عدم التحريم  يفيد الإباحة ، غير أن هذا الاستنتاج لا يتفق و أحكام الدستور لا سيما المادة 40 منه التي تخضع التفتيش لأمر مكتوب صادر عن السلطة القضائية المختصة .
               و تبعا لما سبق يمكن القول إن تفتيش المساكن في إطار البحث و التحري عن جرائم الصرف حق للأعوان المؤهلين التابعين لإدارة المالية أو البنك المركزي غير أن ممارسة هذا الحق موقوفة على إذن مكتوب مسبق من السلطة القضائية المختصة ، أي وكيل الجمهورية في هذه الحالة .
 
     3 – حق الاطلاع على الوثائق : تحيل المادة 8 مكرر من الأمر رقم 96 –22 المعدل والمتمم  في هذا الخصوص ، إلى التشريع الجمركي .
 
             و بالرجوع إلى المادة 48 ق ج التي تحكم المسألة نجد أن هذا الحق يخول الأعوان المؤهلين حق المطالبة بالاطلاع على كل أنواع الوثائق المتعلقة بالعمليات التي تهم مصالح الإدارة المعنية ، و يشمل هذا الحق كل الأوراق و السندات بأنواعها كالفواتير و سندات التسليم و جداول الإرسال و عقود النقل و الدفاتر و السجلات المختلفة .
 
            و لا يقتصر حق الاطلاع على الأشخاص الطبيعية وحدها بل ينصرف أيضا إلى الأشخاص المعنوية ، سواء كانت من القانون الخاص أو من القانون العام ، و سواء كانت تهمها عمليات الغش بصفة مباشرة أو بصفة غير مباشرة .
      و يمارس هذا الحق على الوثائق في كل مكان توجد فيه .
 
            ويعد في قانون الجمارك رفض تقديم الوثائق مخالفة من الدرجة الأولى ، وهي المخالفة المنصوص عليها و المعاقب عليها في المادة 319/ ق . ج فضلا عن الغرامة التهديدية عن كل يوم تأخير إلى غاية تسليم الوثائق المنصوص عليها بالمادة  330 ق ج .
           أما الفئات الأخرى ، و تشمل علاوة على ضباط الشرطة القضائية ، الأعوان المكلفين بالتحقيقات الاقتصادية و قمع الغش ذوي رتبة مفتش على الأقل ، فليس لهم في إطار معاينة جرائم الصرف أي حق آخر غير الحقوق التي يتمتعون بها في إطار النصوص التي تحكمهم .
 
            وهكذا فليس ثمة ما يمنع ضباط الشرطة القضائية ، في إطار الصلاحيات التي يستمدونها من قانون الإجراءات الجزائية ، الدخول إلى المساكن وفق ما نص عليه قانون الإجراءات الجزائية ، كما لهم أيضا وفق نفس القانون ، حجز الأشياء المثبتة للتهمة و الاطلاع على الوثائق .فلهم إذن نفس الصلاحيات التي يتمتع بها أعوان الفئة الأولى باستثناء حق الاحتجاز .
 
           في حين تنحصر صلاحيات الأعوان المكلفين بالتحقيقات الاقتصادية و قمع الغش في إثبات جريمة الصرف دون أن تكون لهم صلاحيات الدخول إلى المساكن و الحجز و الاطلاع على الوثائق.
 
           و من ناحية أخرى أجازت المادة 8 من الأمر رقم 96/22 المعدل و المتمم لمحافظ بنك الجزائر من تلقاء نفسه أو بناء على طلب الوزير المكلف بالمالية أو احد ممثليه لهطا الغرض ، أن يتخذ على سبيل الإجراءات التحفظية ضد المخالف ، كل التدابير المناسبة من اجل منعه من القيام بكل عملية صرف أو حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج ترتبط بنشاطاته المهنية .
 
              و لهذا الإجراء طابع وقائي إذ يمكن رفع هذا المنع بنفس الطريقة ، أي بمبادرة من محافظ بنك الجزائر أو بطلب من الوزير المكلف بالمالية أو احد ممثليه المؤهلين ، وذلك في كل وقت و في جميع الحالات عند إجراء مصالحة أو صدور حكم قضائي .
 
د – القوة الثبوتية للمحاضر :
                  خلافا للمحاضر التي تحرر في المجال الجمركي و التي خصها المشرع بقوة ثبوتيه بحيث تكون حجة على ما تنقله من معاينات مادية إلى أن يطعن فيها بالتزوير و على ما تنقله من تصريحات إلى أن يثبت العكس ، لم يتضمن الأمر رقم 96/22 المعدل و المتمم ما يفيد بان المحاضر المحررة في المجال الصرفي تتمتع بحجية خاصة .
               وتبعا لطلك ، تخضع المحاضر التي تحرر في المجال الصرفي للقواعد العامة المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية ، لا سيما منها المادة 216 و التي بمقتضاها تكون لمثل هذه المحاضر حجيتها إلى أن يثبت عكس ما تنقله ، و يشترط أن يكون الدليل العكسي بالكتابة أو شهادة  الشهود .
 
               فبالرجوع إلى المادة المذكورة نجدها تنص على انه " في الأحوال التي يخول القانون فيها بنص خاص لضابط الشرطة القضائية أو ... للموظفين و أعوانهم الموكلة إليهم بعض مهام الضبط القضائي سلطة إثبات جنح في محاضر ...، كما هو الحال بالنسبة للأمر رقم 96/22 المعدل و المتمم ، تكون لهذه المحاضر ... حجيتها ما لم يدحضها دليل عكسي .
 
الفرع الثاني :  ---  متابعة الجريمة :
  تثير متابعة جريمة الصرف جملة من التساؤلات نوردها في ما يلي :
        أ --- المبادرة بالمتابعة :
                  أوقفت المادة 9 من الأمر رقم 96/22 المعدل و المتمم المتابعات الجزائية في مجال مخالفة التشريع و التنظيم الخاصين بالصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج ، على شكوى من الوزير المكلف بالمالية أو محافظ بنك الجزائر أو احد ممثليهما المؤهلين لهذا الغرض .
 
             و تبعا لذلك لا يجوز للنيابة العامة مباشرة المتابعات القضائية ضد مرتكبي جرائم الصرف بدون شكوى الجهات المخولة قانونا ، و إذا بادر بالمتابعات بدون شكوى فان إجراءات المتابعة تكون مشوبة بالبطلان . كما تبطل إجراءات المتابعة التي تتم بناء على شكوى من احد موضفي الوزارة المكلفة بالمالية أو بنك الجزائر إذا لم يكن مؤهلا من قبل الوزير أو محافظ بنك الجزائر لهذا الغرض .
 
             و تجدر الإشارة إلى أن الوزير المكلف بالمالية قد حدد قائمة ممثليه المؤهلين لتقديم شكوى من اجل جريمة من جرائم الصرف بموجب المنشور الصادر عنه في 09/08/1998 تحت رقم 624 الذي وزع اختصاص كل واحد منهم حسب قيمة محل الجريمة ، و تضم هذه القائمة :
 
            أعوان الجمارك و موظفي المفتشية العامة للمالية و مديري الخزينة الجهويين و المديرية العامة للخزينة. و قد وضعت هذه القائمة في ظل الأمر رقم 96/22 قبل تعديله في 19/02/2003 و من ثم فهي مرشحة للتعديل في ضوء ما جاء به الأمر رقم 03/01 من جديد .
و يبقى لمحافظ بنك الجزائر أن يحدد بدوره قائمة ممثليه المؤهلين لتقديم الشكوى.
 
ب – ملائمة المتابعة :
           إذا كان المشرع قد حرم النيابة العامة من حريتها في تحريك الدعوى العمومية بحيث علق تحريكها على شكوى من وزير المالية أو محافظ بنك الجزائر أو احد ممثليهما المؤهلين لهذا الغرض ، فانه لم يجردها من سلطتها في ممارسة الدعوى العمومية و هي السلطة التي تباشرها و حدها ، دون سواها ، في المجال الصرفي .
 
          وبناء على ذلك ، يبقى للنيابة العامة تقدير ملائمة المتابعة ، فلها أن تباشر المتابعات وفق الطريق الذي تختاره ، و لها أن تحفظ الشكوى إذا رأت مثلا أن عناصر الجريمة غير ملائمة أو أن سببا من أسباب انقضاء الدعوى العمومية يحول دون المتابعة .
 
ج –  سحب الشكوى و أثرها على الدعوى العمومية :
           تنص المادة  6 ق.ا.ج  في فقرتها الثالثة على ما يلي :
 "  تنقضي الدعوى العمومية في حالة سحب الشكوى إذا كانت هذه شرطا لازما للمتابعة " .
             هذه الحكم ينطبق تماما على جريمة الصرف باعتبار أن متابعة هذه الجريمة تقتضي شكوى مسبقة من وزير المالية أو محافظ بنك الجزائر ، و تبعا لذلك لهذين الأخيرين و لممثليهما المؤهلين لتقديم الشكوى سحبها .
و يمكن أن تسحب الشكوى في أية مرحلة وصلت إليها الإجراءات ما لم يصدر حكم قضائي نهائي ، و يترتب عن سحب الشكوى وضع حد للمتابعات .
 
الفرع الثالث :   الجــــــزاء :
                  يميز الأمر رقم 96/22 المعدل و المتمم بالأمر رقم 03/01 من حيث الجزاء بين الحالة التي يكون فيها المجني عليه شخصا طبيعيا و الحالة التي يكون فيها شخصا معنويا ، كما يأتي بيانه :
أولا --- العقوبات المقررة للشخص الطبيعي : 
              يتعرض الشخص الطبيعي لعقوبات أصلية متمثلة في الحبس و الغرامة و عقوبات تكميلية .
أ --- العقوبات الأصلية :  تعاقب المادة  الأولى مكرر كل من ارتكب جريمة صرف أو حاول ارتكابها بالحبس من سنتين  (02 ) إلى سبع ( 07 ) سنوات و بمصادرة محل الجنحة و مصادرة وسائل النقل المستعملة في الغش و بغرامة لا يمكن أن تقل عن ضعف قيمة محل المخالفة أو محاولة المخالفة .
 
          و إذا لم تحجز الأشياء المراد مصادرتها ، أو لم يقدمها المخالف لأي سبب كان ، يقضي على الجاني بعقوبة مالية تقوم مقام المصادرة وتساوي قيمة هذه الأشياء .
 
  1 – مسالة تحديد قيمة الغرامة : الملاحظ على الغرامة المقررة جزاء لجريمة الصرف هو أن المشرع لم يحدد قيمتها بمقدار معين و اكتفى بذكر حدها الأدنى وهو ضعف قيمة البضاعة محل المخالفة و يفهم من هذا النص انه بإمكان القاضي الحكم بما يفوق هذه القيمة ، وهو أمر غير سائغ لمخالفته مبدأ الشرعية الذي يفرض أن يكون الحد الأقصى للعقوبة محددا بنص القانون .
 
             و كانت المادة الأولى من الأمر رقم 96/22 قبل تعديلها بموجب الأمر رقم 03/01 تحدد الحد الأقصى للعقوبة وهو ضعف قيمة البضاعة محل المخالفة ، دون تحديد جدها الأدنى ، وهذا المسلك الجديد الذي اتبعه المشرع الجزائري عندما حدد الأدنى دون تحديد الحد الأقصى .
 
2 – مسالة تطبيق الظروف المخففة :   إذا كانت عقوبة الحبس لا تثير أي إشكال باعتبار أنها عقوبة جزائية بحتة من القانون العام تطبق عليها كل أحكام قانون العقوبات بما فيها حكم المادة 53 المتعلقة بالظروف المخففة ، و من ثم يجوز النزول بعقوبة الحبس إلى يوم و احد أو استبدالها بغرامة لا تقل عن 20  دج ، فان الأمر محل نظر بالنسبة لباقي العقوبات .
 فبالنسبة للغرامة ، يبدو من صياغة النص إن نية المشرع هي استبعاد تطبيق الظروف المخففة على الغرامة وهو الأمر الذي جعله يشدد على أن لا تقل الغرامة عن ضعف قيمة البضاعة محل المخالفة ، وهي نفس الصياغة التي اعتمدها في نص المادة    ( 374 ق . ع  )  بخصوص جرائم الشيك و قد استقر القضاء الجزائري بشأنها على عدم جواز تطبيق الظروف المخففة على الغرامة المقررة جزاء لها
 
            ولهذا الاستنتاج ما يدعمه في عرض أسباب الأمر رقم 03/01 المعدل و المتمم للأمر رقم 96/22 إذ جاء فيه أن من أسباب تعديل النص الأول تبني نظام عقابي رادع يستبعد فيه تطبيق الظروف المخففة على العقوبات المالية .
           و بالنسبة للمصادرة ، يستفاد من الفقرة الأخيرة من نص المادة الأولى مكرر التي توجب الحكم على الجاني ، إذا لم تحجز الأشياء المراد مصادرتها أو لم يقدمها المخالف لأي سبب كان ، بعقوبة مالية تقوم مقام المصادرة و تساوي قيمة هذه الأشياء إن الحكم بمصادرة البضاعة محل الجنحة و بمصادرة وسائل النقل المستعملة في الغش أمر إلزامي .
 
ب --- العقوبات التكميلية :    تجيز المادة 3 الحكم بمنع الجاني لمدة لا تتجاوز خمس ( 05 ) سنوات من تاريخ صيرورة الحكم القضائي نهائيا من :
      -- مزاولة عمليات التجارة الخارجية .
      -- أو ممارسة وظائف  الوساطة في عمليات البورصة أو عون في الصرف. 
      -- أو أن يكون منتخبا أو ناخبا في الغرف التجارية أو مساعدا لدى الجهات القضائية .
كما يمكن الجهة القضائية المختصة أن تأمر بنشر الحكم القاضي بالإدانة كاملا أو بنشر مستخرج منه ، على نفقة الشخص المحكوم عليه ، في جريدة أو أكثر تعينها .
 
      و يستخلص من نص المادة 4 إن العقوبات المذكورة ، أصلية كانت أو تكميلية ، تطبق أيضا على مرتكب جريمة الصرف إذا كان محلها نقودا أو قيما مزيفة ، ما لم يشكل الفعل المنسوب إليه جناية تزوير نقود معدنية أو أوراق نقدية ذات سعر قانوني في أراضي الجمهورية أو في الخارج المنصوص و المعاقب عليها في المادتين 197 و 198 قانون العقوبات بالإعدام .
             وإذا تمت متابعة الجاني من اجل جريمة الصرف ، تتخذ إجراءات المتابعة ضد كل من شارك في العملية ، حتى و إن كان يجهل أن النقود أو القيم مزيفة .
ثانيا --- العقوبات المقررة للشخص المعنوي :
              مع أن قانون العقوبات الجزائري لم يأخذ صراحة بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي اقر الأمر رقم 96/22 المعدل و المتمم بالأمر رقم 03/01 المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي بنصه في المادة 5 منه : " يعتبر الشخص المعنوي الخاضع للقانون الخاص ، دون المساس بالمسؤولية الجزائية لممثليه الشرعيين ، مسؤولا عن مخالفات ( الصرف) المرتكبة لحسابه من قبل أجهزته أو ممثليه الشرعيين " .
       و تبعا لذلك يتعرض الشخص المعنوي للعقوبات الآتية :
  ---  غرامة لا يمكن أن تقل على أربع ( 04 ) مرات عن قيمة محل المخالفة أو محاولة المخالفة.
  ---  مصادرة محل الجنحة ووسائل النقل المستعملة في الغش .
و علاوة على ذلك يجوز الحكم على الشخص المعنوي ، لمدة لا تتجاوز خمس ( 05 ) سنوات ، بإحدى العقوبات الآتية أو جميعها :
  ---  المنع من مزاولة عمليات الصرف و التجارة الخارجية .
  ---  الإقصاء من الصفقات العمومية .
  ---  المنع من الدعوة العلنية إلى الادخار .
  ---  المنع من ممارسة نشاط الوساطة في البورصة .
و إذا لم تحجز الأشياء المراد مصادرتها ، أو لم يقدمها الشخص المعنوي المذكور أعلاه ، لأي سبب كان  يتعين على الجهة القضائية المختصة أن تحكم بعقوبة مالية تقوم مقام المصادرة و تساوي قيمة هذه الأشياء .
و بذلك يكون المشروع الجزائري قد ادخل ، دون سابق إنذار ، المسؤولية الجزائية للشخص الجزائي في المنظومة القانونية .
 
          و كان يؤخذ على نص الأمر رقم 96 –22 المؤرخ في 9 – 7 – 1996 ، قبل تعديله بموجب الأمر رقم 03 – 01 المؤرخ في 19 – 2 – 2003 ، انه فضلا عن كونه سابقا لأوانه في ظل أحكام قانون العقوبات التي لا تقر مسؤولية الشخص المعنوي ، ذهب ابعد مما وصل إليه التشريع المقارن ، لا سيما منه التشريع الفرنسي ، من حيث نطاق المسؤولية الجزائية ، فبينما تحرص غالبية التشريعات التي تأخذ بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي على حصرها في المؤسسات الإدارية و الهيئات العمومية و استبعاد الدولة و الجماعات المحلية من نطاقها ، كانت المادة 5 المذكورة أعلاه توسع من نطاقها فلم تحصرها و لم تفرض عليها قيدا .
و قد تدارك ذلك المشروع اثر تعديل الأمر 96 – 22 بموجب الأمر رقم 03 – 01 المؤرخ في 19 – 2 – 2003 حيث حصرت المادة 5 التي شملها التعديل نطاق المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في الأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون الخاص .
 
             ويقصد بالأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون الخاص  " الشركات التجارية الخاصة و التجمعات ذات المصلحة الاقتصادية و الشركات المدنية ، و كذا الجمعيات ذات الطابع الاجتماعي أو الثقافي أو الرياضي الخ ........
            كما يشمل هذا المصطلح المؤسسات العمومية الاقتصادية التي يحكمها القانون التجاري .
و يبقى التساؤل قائما بالنسبة للهيئات العمومية ذات الطابع الصناعي أو التجاري التي تخضع للقانون العام في سيرها و للقانون الخاص في معاملاتها مع الغير ، غير أننا نميل إلى تصنيفها ضمن الأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام .
 
           في حين استبعدت الدولة من المسائلة الجزائية و كذا الجماعات المحلية بل و حتى المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري .
           و يقصد بالدولة هنا الإدارة المركزية ( رئاسة الجمهورية ، رئاسة الحكومة ، الوزارات الخ.....) و مصالحها الخارجية ( المديريات الولائية و مصالحها ).
          و تتفق كل التشريعات التي أقرت المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي على استثناء الدولة ، و له ما يبرره باعتبار أن الدولة تضمن حماية المصالح العامة ، الجماعية منها و الفردية ، و تتكفل بتعقب المجرمين و معاقبتهم .
 
          و يقصد بالجماعات المحلية الولاية و البلدية ، و قد اختلفت التشريعات بشأنها فمنها ما يستثنيها من المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي ، كالمشرع الجزائري في جريمة الصرف ، و منها ما يبقي عليها ضمن الهيئات المسؤولية جزائيا ، و منها ما اتخذ موقفا وسطا كما هو حال القانون الفرنسي الذي لم يستثنيها غير انه حصر مسؤوليتها في الجرائم المرتكبة أثناء ممارسة أنشطة من المحتمل أن تكون محل اتفاقات تفويض مرفق عام ، أي الأنشطة التي يجوز تفويض الغير للقيام بها سواء كان الغير شخصا من القانون الخاص أو من القانون العام ، و تتمثل هذه الأنشطة أساسا في الأنشطة التي يمكن أن تكون محل عقود امتياز الخدمة العمومية . و بمفهوم المخالفة ، لا تسال الجماعات المحلية عن الأعمال التي تصدر عنها بمناسبة ممارستها لامتيازات السلطة العمومية .
 
              و هكذا تسال البلدية جزائيا ، في القانون الفرنسي ، إن هي قامت باستغلال مرفق  " ريجي " Régie كجمع الفضلات المنزلية أو توزيع  الماء .و لا تسال ، بالمقابل ، عن نشاطات مثل مسك سجلات الحالة المدنية أو حفظ الأمن العام لان مثل هذه الأنشطة لا يمكن تفويضها للخواص .
 
            حصرت المادة 5 من الأمر رقم 96/22 نطاق المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي فلا يسال إلا عن الجرائم المرتكبة لحسابه من قبل أجهزته أو ممثليه الشرعيين .
 
          و يقصد بعبارة " لحسابه " إن الشخص المعنوي لا يسال إلا عن الأفعال التي يتم تحقيقها لمصلحته أو لفائدته ، و من هذا القبيل تقديم رشوة لحصول مؤسسة اقتصادية على صفقة ، و بالمقابل لا يسال الشخص المعنوي على الأعمال المنجزة لحساب المدير أو أي شخص آخر.
    
             و يقصد بعبارة " أجهزة الشخص المعنوي " ممثليه القانونيين كالرئيس المدير العام و المدير العام و القائم بالإدارة و المسير ، و كذا مجلس الإدارة  و الجمعية العامة للشركاء .
 
            و يقصد ب " ممثليه الشرعيين " الأشخاص الطبيعيين الذين يتمتعون بسلطة التصرف باسم الشخص المعنوي ، سواء كانت هذه السلطة قانونية أو بحكم قانون المؤسسة ، فقد يكون الرئيس المدير العام أو القائم بالإدارة أو رئيس مجلس الإدارة أو المدير العام ، وقد يكون أيضا المصفي في حالة حل الشركة...
 
          و في باب الإجراءات نصت المادة 5 مكرر على أن تختص الجهة القضائية التي ترتكب المخالفة في دائرة اختصاصها بالنظر في المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي .
          و تباشر الدعوى العمومية ضد الشخص المعنوي الخاضع للقانون الخاص من خلال ممثله الشرعي ، ما لم يكن هو الآخر محل متابعة جزائية من اجل نفس الأفعال أو أفعال مرتبطة بها ، و تستدعي الجهة القضائية المختصة في هذه الحالة مسيرا آخر لتمثيل الشخص المعنوي في الدعوى الجارية .
 
 الفرع الرابع :   المصــــــالحـــــــة :  
       و ما هي شروط انعقاد المصالحة في جرائم الصرف في ظل التشريع الحالي و ما هي أثارها ؟            
شـــــــــروط المصالحة :
     تخضع المصالحة للشروط الموضوعية ة الإجرائية الآتي بيانها :
أ --- الشروط الموضوعية :
           الأصل أن المصالحة جائزة في جريمة الصرف في مختلف صورها ، هذا ما يستشف من أحكام الأمر رقم 96/22 ، لا سيما المادة 9 منها .
           وكانت المادة 10 من الأمر المذكور تنص ، قبل تعديلها بموجب الأمر رقم 03/01 على عدم جواز المصالحة في حالة واحدة وهي المتهم في حالة العود ، إذ تحال مباشرة محاضر معاينة الجريمة إلى وكيل الجمهورية المختص إقليميا من اجل المتابعة القضائية .
          واثر تعديل نص المادة 10 المذكور سقط هذا الحاجز وأصبحت المصالحة جائزة حتى مع متهم في حالة عود .
 
ب --- الشروط الإجرائية :
            إن المصالحة في مجال الصرف ، كما هو الحال في المجال الجمركي ، ليست حقا لمرتكب الجريمة و لا هي إجراء إلزاميا بالنسبة للإدارة ، وإنما هي مكنة جعلها  المشرع في متناولهما بحيث يجوز لمرتكب المخالفة أن يطلب إجرائيا و يجوز للسلطات العمومية المختصة إجراؤها .
       
           و تبعا لذلك يشترط القانون في مجال جنح الصرف ان يقدم مرتكب المخالفة طلبا للإدارة و أن توافق هذه الأخيرة على طلبه .
 
    1 --- طلب مرتكب المخالفة : نصت المادة 2 من المرسوم رقم 03/111 المؤرخ في 05/03/2003 الذي يحدد شروط إجراء المصالحة في مجال جرائم الصرف و كذا تنظيم اللجنة الوطنية و اللجنة المحلية للمصالحة و سيرهما على انه بإمكان مرتكب جريمة الصرف أن يطلب إجراء مصالحة ، و أضافت مع مراعاة أحكام المادة 3 أدناه " ما هي شروط قبول الطلب ؟
 
       شكل الطلب :  الأصل أن يكون الطلب كتابيا ، و إن كان المرسوم رقم 03/111 سالف الذكر لم يفرض الكتابة صراحة ، و لا يشترط في الطلب صيغة أو عبارة معينة بل يكفي أن يتضمن تعبيرا عن إرادة صريحة لمقدم الطلب في المصالحة .
           و يشترط أن يقدم الطلب من مرتكب المخالفة شخصيا إذا كان شخصا طبيعيا
و من المسؤول المدني إذا كان مرتكب المخالفة قاصرا و من ممثله الشرعي إذا كان الفاعل شخصا معنويا ( المادة 2/2 من المرسوم رقم 03/111 ).
 
  --- ميعاد تقديم الطلب : لم يحدد المشرع ميعادا معينا لتقديم الطلب ، غير انه يستشف من حكم المادة 9 مكرر من الأمر رقم 96/22 المعدل و المتمم ، التي تنص على انه  " في حالة عدم إجراء المصالحة في اجل ثلاثة أشهر ابتداء من يوم معاينة المخالفة ، يرسل ملف الإجراءات مدعما بالشكوى ( شكوى وزير المالية أو محافظ بنك الجزائر ) إلى وكيل الجمهورية المختص إقليميا " ، إن على مرتكب المخالفة أن يقدم طلبه بإجراء المصالحة في اجل أقصاه ثلاثة أشهر من تاريخ معاينة المخالفة.
 
            و يثور التساؤل حول مصير الطلب إذا قدم بعد انقضاء مهلة الثلاثة أشهر من تاريخ معاينة المخالفة ، هل يقبل هذا الطلب أم يرفض ؟
 
            فإذا كانت المادة  9 مكرر من الأمر رقم 96/22 المعدل و المتمم بالأمر رقم 03/01 تشترط أن تتم المصالحة في اجل 3 أشهر من يوم معاينة المخالفة ، فهذا لا يحول ، في رأينا ، دون إجراء مصالحة بعد انقضاء الأجل المذكور بل و حتى اثر مباشرة المتابعات القضائية و إلى غاية ما يصبح الحكم نهائيا ، كما يتبين ذلك من الفقرة الأخيرة من المادة 9 مكرر ذاتها ، المستحدثة ، التي أجازت إجراء المصالحة في أي مرحلة من الدعوى إلى حين صدور حكم قضائي نهائي .
 
          بل نتساءل عن جدوى الإبقاء في نص المادة 9 مكرر على الفقرة التي تحدد أجلا لإجراء المصالحة في نص الفقرة الجديدة التي تجيز المصالحة حتى بعد مباشرة المتابعات و إلى غاية صدور حكم قضائي نهائي .
         و تجدر الإشارة إلى انه ، حتى قبل تعديل نص المادة 9 من الأمر رقم 96/22 ، كانت المحكمة العليا قد أصدرت قرارا في 25/01/1999 قضت فيه بان عدم مراعاة مهلة الثلاثة أشهر 03 لإرسال المحضر إلى و كيل الجمهورية المختص إقليميا من اجل المتابعة لا يترتب عليه البطلان .
 
        ---  ضرورة إيداع كفالة مع تقديم الطلب : تلزم المادة 3 من المرسوم رقم 03/111 مقدم الطلب بإيداع كفالة ، تمثل 30%  من قيمة محل الجنحة ، لدى المحاسب العمومي المكلف بالتحصيل قبل النظر في طلب المصالحة .
        و هذا الالتزام يسري على الشخص الطبيعي و على الشخص المعنوي على حد سوى .
 
       ---  الجهة المرسل إليها الطلب : يوجه الطلب حسب الحالة إما إلى رئيس اللجنة الوطنية للمصالحة و إما إلى رئيس اللجنة المحلية للمصالحة ( المادة 13 من المرسوم رقم 03/111 ) ، و يستشف من أحكام المادة 9 مكرر من الأمر رقم 96/22 المعدل و المتمم ومن المرسوم رقم 03/111 ما يلي :    
        * إذا كانت قيمة محل الجنحة لا تتجاوز 500.000  دج أو إذا ارتكبت المخالفة دون علاقة بعملية للتجارة الخارجية : يوجه الطلب إلى اللجنة المحلية للمصالحة التي تتكون من : مسؤول الخزينة في الولاية ، رئيسا ، مسؤول الجمارك في الولاية ، عضوا ، مدير البنك المركزي بمقر الولاية ، عضوا ، و يتولى مصالح إدارة الخزينة في الولاية المعنية أمانة اللجنة المحلية .
 
       يستخلص من أحكام المواد من 10 إلى 20 من المرسوم التنفيذي 03/111 ما يلي :
        ---   يرسل الطلب إلى رئيس اللجنة و تتولى مصالح إدارة الخزينة في الولاية تسجيل الطلب و كذا تكوين الملفات الخاصة بها و متابعتها كما تتولى أيضا أمانتها .
       --- يتم استدعاء أعضاء اللجنة المحلية للمصالحة من رئيسها و يتم إعلامهم بالملفات الواجب دراستها قبل عشرة 10 أيام على الأقل من تاريخ الاجتماع ، و لهذا الغرض ، ترسل إليهم بطاقة تلخيصية تعدها أمانة اللجنة لدعم كل طلب .
      ---  توضع الملفات المكونة قانونا تحت تصرف أعضاء اللجنة للاطلاع عليها في عين المكان
      ---  تجتمع اللجنة المحلية للمصالحة بناء على استدعاء من رئيسها كلما دعت الضرورة الى ذلك ، و لا تصح اجتماعاتها إلا بحضور جميع أعضائها .
      ---  تتخذ قرارات اللجنة المحلية للمصالحة بأغلبية أصوات أعضائها و ترسل نسخة من مقرر المصالحة الممنوحة إلى وزير المالية .
     ---  يبلغ مقرر منح المصالحة أو رفضها في غضون الخمسة عشر 15 يوما التي تلي تاريخ إمضائه بموجب محضر تبليغ أو رسالة موصى عليها مع وصل استلام أو أي وسيلة قانونية أخرى .
    ---  يحدد مقرر المصالحة عند قبولها ، المبلغ الواجب دفعه و محل الجنحة ووسائل النقل التي يجب التخلي عنها ، كما ينص على اجل الدفع و يعين المحاسب العمومي المكلف بالتحصيل .
    ---  و يتم تحديد ، حسب المادة 9 من المرسوم التنفيذي رقم 03/111 ، مبلغ المصالحة بتطبيق نسبة متغيرة تتراوح ما بين 200  % و 250  % من قيمة محل الجنحة .
           و الملاحظ هنا هو أن المشرع لم يميز بين الشخص الطبيعي و الشخص المعنوي .
 
             يتاح  لمرتكب المخالفة اجل عشرين   20 يوما ابتداء من تاريخ استلام مقرر المصالحة لدفع مبلغ المصالحة وإذا لم يدفع هذا المبلغ تودع شكوى ضد المعني بالأمر لدى الجهة القضائية المختصة .
            و عندما يرفض طلب المصالحة ترد الكفالة إلى مرتكب المخالفة .
* إذا كانت قيمة محل الجنحة تتجاوز 500.000  دج : يوجه الطلب إلى اللجنة الوطنية للمصالحة التي تتكون من : ممثل رئاسة الجمهورية ، رئيسا ، و ممثل رئاسة الحكومة ، ووزير المالية و محافظ بنك الجزائر ، أعضاء . و يتولى أمانتها وزير المالية .
        و يميز القانون في هذه الفرضية بين حالتين :
 
--- الحالة الأولى : إذا كانت قيمة محل الجنحة  تقل عن 50.000.000  دج : ترسل الطلبات إلى رئيس اللجنة و تتولى مصالح وزير المالية تسجيل الطلبات و كذا تكوين الملفات الخاصة بها و متابعتها ، فيما يتولى وزير المالية أمانة اللجنة.
                    تخضع باقي الإجراءات لنفس القواعد المقررة أمام اللجنة المحلية .
 
             و فيما يتعلق بقراراتها ، تتخذ بأغلبية أصوات أعضائها ، و في حالة تساوي الأصوات يرجح صوت الرئيس ( المادة 7 من المرسوم التنفيذي رقم 03/111 ) . و قد حددت المادة 4 من المرسوم التنفيذي رقم 03/111 مبلغ المصالحة حسب الجدولين الآتيين :
-- إذا كان مرتكب المخالفة شخصا طبيعيا :
 
قيمه محل الجنحة  ( بالدينار )
نسبة مبلغ تسوية الصلح بالنسبة الى قيمة محل الجنحة
من 1 دج  إلى 12.500.000 دج
من 12.500.000 دج إلى ما يقل عن 25.000.000 دج
من 25.000.000 دج  إلى ما يقل عن 37.500.000 دج
من 37.500.000 دج إلى ما يقل عن 43.750.000 دج
من 43.750.000 دج إلى ما يقل عن 50.000.000 دج
%200    الى%من    240
%280    الى%من    241
 
%320    إلى%من    281
 
 
                                 
%360    إلى%من    321
 
%400    إلى%من    361
 
 
 
قيمة محل الجنحة ( بالدينار )
نسبة مبلغ تسوية الصلح بالنسبة الى قيمة محل الجنخة
من 1 دج إلى 10.000.000
من 10.000.000 دج الى ما يقل عن 20.000.000 دج
من 20.000.000 دج ال ما يقل عن 30.000.000 دج
من 30.000.000 دج ال ما يقل عن 40.000.000دج
من 40.000.000 الى ما يقل عن 50.000.000 دج
%460    الى%من   400
%520    الى%من    461
 
 
 
 
%580    الى%من    521
 
%640    الى%من    581
 
%700    الى%من    641
 
 
--- الحالة الثانية : إذا كانت قيمة محل الجنحة تساوي 50.000.000 دج أو تفوقها : تبدي اللجنة الوطنية للمصالحة رأيا مسببا و ترسل الملف إلى الحكومة لاتخاذ القرار في مجلس الوزراء ( المادة 5 من المرسوم التنفيذي رقم 03/111 ) .
 
       تقترح اللجنة الوطنية للمصالحة ، عندما تبدي رأيا ايجابيا ، مبلغ المصالحة الواجب دفعه و الذي لا يمكن أن يقل بالنسبة للشخص الطبيعي عن ضعف قيمة محل الجنحة ، و بالنسبة للشخص المعنوي عن أربعة 04 أضعاف هذه القيمة .
 
2 --- الأشخاص المرخص لهم بالتصالح مع الإدارة :
        تجيز المادة 9 من الأمر رقم 96/22 المعدل و المتمم المصالحة في جرائم الصرف و أحالت  بخصوص شروط إجرائها إلى التنظيم .
        و بالرجوع إلى المرسوم التنفيذي رقم 03/111 ، نجد أن المادة 2 منه ترخص لكل من ارتكب مخالفة إزاء التشريع و التنظيم الخاصين بالصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج أن يطلب إجراء مصالحة .
         من هم هؤلاء الأشخاص ؟  ما هي الأهلية المطلوبة لإجراء المصالحة ؟
 
بالرجوع إلى الأمر رقم 96/22 يمكن حصر المرخص له بالتصالح في مرتكب المخالفة .
        و قد يكون مرتكب المخالفة فاعلا أصليا أو شريكا ، على أساس أن المادة 44/ 1  ق . ع  تعاقب الشريك في الجنحة بالعقوبة المقررة للجنحة .
        و قد يكون أيضا شخصا طبيعيا أو شخصا معنويا ، باعتبار أن المادة 5 من الأمر رقم 96/22 تقر المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي .
 
 2 --- 1 الشخص الطبيعي :   إذا كان مرتكب المخالفة شخصا طبيعيا ، يشترط فيه أن يتمتع بالأهلية المطلوبة لمباشرة حقوقه المدنية و من ثم يجب أن يكون بالغا متمتعا بقواه العقلية .
         و يثور التساؤل حول المقصود بمفهوم  " البالغ "  ، نظرا الاختلاف سن الرشد في القانون الجزائي و المدني حيث يكون سن الرشد في القانون الأول ببلوغ سن الثامنة عشر 18 و ببلوغ سن التاسعة عشر 19 في القانون الثاني .
 
        فأيهما نقصد ؟  تختلف الإجابة عن هذا التساؤل باختلاف الطبيعة القانونية للمصالحة في محال جرائم الصرف ، فإذا غلبنا طابع العقد المدني عليها يكون سن الرشد ببلوغ التاسعة عشر ، و إذا غلبنا الطابع الجزائي على المصالحة يكون سن الرشد ببلوغ الثامنة عشر .
      و من جهتنا ، نحن نميل إلى اعتبار المصالحة في الجرائم الجزائية بوجه عام جزاء إداريا ، و من ثم نقول بجواز إجراء المصالحة في جرائم الصرف لمن بلغ سن الثامنة عشر.
             و قد يكون مرتكب المخالفة قاصرا ، ففي هذه الحالة يجب التمييز بين القاصر الذي بلغ سن الثالثة عشر 13 من عمره و بين من لم يبلغها . فأما من بلغ سن 13 فيجوز له التصالح عن طريق المسؤول المدني  ( المادة 2/2 من المرسوم التنفيذي رقم 03/111 المؤرخ في 05/03/2003 ) ، و المسؤول المدني هو والد القاصر أو والدته أو من يتولى و لايته .
          و أما من لم يبلغ سن الثالثة 13 عشر فلا يسال  جزائيا  ( المادة 49 /1  ق ع ) ، و من ثم فلا مجال للحديث عن المصالحة فيما يخصه .
 
2 --- 2 الشخص المعنوي :  إذا كان مرتكب المخالفة شخصا معنويا ، يجوز له أن يتصالح بواسطة ممثله الشرعي ( المادة 2/2 من المرسوم التنفيذي رقم 03/111 ).
            و في القانون المقارن خول المشرع الفرنسي حق التصالح لإدارة الجمارك و الوزير المكلف بالميزانية و حدد المرسوم رقم 78/1297 الصادر في 28 /12/1978 قائمة المسؤولين المؤهلين لممارسة حق التصالح ووزع مستويات اختصاص كل منهم حسب قيمة محل الجنحة .
 
              و بالنسبة للوزير ، لا يتخذ قراره إلا بعد استشارة لجنة المنازعات الجمركية و النقدية التي أشارت إلى تأسيسها المادة 20 من القانون رقم 77/1453 الصادر في 29/12/1977 المتضمن منح ضمانات إجرائية للأشخاص الخاضعين للضريبة في المواد الجبائية و الجمركية .
       تتكون هذه  اللجنة من 12 عضوا دائما و 12 عضوا إضافيا يعينون من بين مستشاري مجلس الدولة و محكمة النقض و مجلس المحاسبة بمرسوم لمدة ثلاث 03 سنوات .
 
              تختص هذه اللجنة حسب المادة 20 بإبداء رأيها في المصالحة التي تتجاوز حدود اختصاص المصالح الخارجية للإدارة العامة للجمارك ، و يتم إخطارها من طرف وزير الميزانية ، و يكون رأيها استشاريا غير ملزم له .
 
ثالثا --- أثار المصالحة :  نتناول في ما يلي أثار المصالحة بالنسبة للمتهم ثم بالنسبة للغير .
      أ --- أثار المصالحة بالنسبة للمتهم :  للمصلحة اثرين : انقضاء الدعوى  العمومية و اثر التثبيت .
      1 --- انقضاء الدعوى العمومية : نصت المادة 9 مكرر من الأمر رقم 96/22 المعدل و المتمم بالأمر رقم 03/01 صراحة على انقضاء الدعوى العمومية بالمصالحة ، سواء تمت المصالحة قبل المتابعة القضائية أو بعدها أو حتى بعد صدور حكم قضائي ما لم يحز على قوة الشيء المقضي .
    1 --- 1 إذا حصلت المصالحة قبل إحالة الملف إلى النيابة العامة : يحفظ الملف على مستوى الإدارة المعنية .
    1 --- 2 إذا حصلت المصالحة بعد إخطار النيابة العامة : يختلف الأمر حسب المرحلة التي وصلت إليها الإجراءات :
       --  إذا كانت القضية على مستوى النيابة و لم يتخذ بشأنها أي إجراء ، تتوقف الدعوى العمومية بانعقاد المصالحة فيحفظ الملف على مستوى النيابة ، أما إذا كانت النيابة قد تصرفت في الملف فحركت الدعوى العمومية إما برفع القضية إلى التحقيق و إما بإحالتها إلى المحكمة ففي هذه الحالة يتحول اختصاص اتخاذ التدبير المناسب إلى هاتين الجهتين .
 
    -- و إذا كانت القضية أمام قاضي التحقيق أو غرفة الاتهام تصدر الجهة المختصة أمرا أو قرار بان لا وجه للمتابعة بسبب انعقاد المصالحة ، و إذا كان المتهم رهن الحبس الاحتياطي يخلي سبيله بمجرد انعقاد المصالحة .
         -- و إذا كانت القضية أمام جهات الحكم يتعين عليها التصريح بانقضاء الدعوى العمومية بفعل المصالحة .  و نشير هنا إلى أن القضاة غير متفقين على الصيغة التي يجب أن يكون عليها منطوق الحكم أو القرار ، فمنهم من يفضل الحكم بانقضاء الدعوى العمومية بسبب المصالحة و منهم من يحكم بالبراءة بسبب المصالحة و لقد تدخلت المحكمة العليا لحسم الموقف فقضت بان المصالحة تؤدي إلى انقضاء الدعوى العمومية و ليس إلى البراءة .
 
           و يبدو أن هذا النقاش لا ينفرد به القضاء الجزائري فلقد قضى في مصر بان الحكم الصادر بانقضاء الدعوى العمومية هو في الواقع و حقيقة الأمر حكم صادر في موضوع الدعوى إذ أن معناه براءة المتهم لعدم وجود وجه إقامة الدعوى عليه و في هذا الاتجاه قضي ببراءة المتهم لانقضاء الدعوى العمومية في عدة قضايا و أيده الفقه .
          و كذلك قضي في فرنسا ببراءة المتهم بسبب انقضاء الدعوى العمومية بفعل المصالحة و قضي أيضا في قضية أخرى متعلقة بسحب الشكوى بانقضاء الدعوى العمومية . 
 
        -- أما إذا كانت القضية أمام المحكمة العليا فيتعين عليها التصريح برفض الطعن بسبب المصالحة بعد التأكد من وقوعها ، كما قضت بذلك المحكمة العليا في مناسبتين .
 
2 --- اثر التثبيت :   تتفق ، عموما ، جرائم الصرف مع الجرائم الجمركية من حيث كيفية تحديد مقابل الصلح ، ذلك أن المشرع لم يحدد هذا المقابل في نص القانون و إنما أحال بهذا الخصوص إلى التنظيم و ترك للإدارة قسطا من الحرية في تحديده إذ اكتفى بوضع الحدين الأدنى و الأقصى فحسب المادتان 4 و 9 من المرسوم التنفيذي رقم 03/111 .
             و يتضمن مقرر المصالحة المبلغ واجب الدفع ووسائل النقل التي يجب التخلي عنها كما يحدد اجل الدفع  يعين المحاسب العمومي المكلف بالتحصيل .  و في كل الأحوال يصرح مقرر المصالحة بتخلي مرتكب المخالفة على محل الجنحة و على وسائل النقل فتنتقل ملكيتها إلى الخزينة العامة و الأملاك العامة.
 
       ب --- أثار المصالحة الجزائية تجاه الغير : تقضي القواعد العامة بان أثار العقد لا تتصرف إلى غير عاقديه ، فهل تنطبق هذه القاعدة أيضا على المصالحة في المسائل الجزائية ، بحيث لا ينتفع الغير بها و لا يضار الغير منها ؟
     1 --- لا ينتفع الغير بالمصالحة : يقصد ب " الغير " هنا الفاعلون الآخرون و الشركاء ، فما مدى تطبيق قاعدة لا ينتفع الغير بالمصالحة على هؤلاء ؟
      تتفق التشريعات الجمركية  و الجزائية الأخرى التي تجيز المصالحة على حصر أثار المصالحة في من يتصالح مع الإدارة وحده و لا تمتد للفاعلين الآخرين الذين ارتكبوا معه نفس المخالفة و لا إلى شركائه .
 
               و لا تشكل المصالحة التي تتم مع احد المخالفين حاجزا أمام متابعة الأشخاص الآخرين الذين ساهموا معه في ارتكاب المخالفة أو شاركوه في ارتكابها ، هذا ما قضت به المحكمة العليا في قرار صدر بتاريخ 22/12/1997 ، بشان مخالفة جمركية .
              و هو ما استقر عليه القضاء الفرنسي منذ القرار الصادر عن محكمة النقض في 26/08/1820 التي ألغت بمقتضاه قرار صدر عن محكمة استئناف قضى بإسقاط الدعوى العمومية بالنسبة للمتهم المتصالح و غيره من المتهمين الآخرين المتابعين من اجل التهرب من أداء الرسوم الجمركية .
            و هكذا فان المصالحة في المسائل الجزائية بوجه عام ، و في المادة الجمركية بوجه خاص ، ينحصر أثرها بالنسبة لانقضاء الدعوى العمومية في المتصالحين وحدهم و لا يمتد للمتهمين غير المتصالحين سواء كانوا فاعلين أو شركاء .
 
           و لقد أثير التساؤل في المجال الجمركي ، حول ما إذا كان على القضاء عند تقدير الجزاءات المالية أن يأخذ بعين الاعتبار ما دفعه المتهم المتصالح ، أم انه يقضي على باقي المتهمين دون خصم حصة المتهم المتصالح مع الإدارة .
          أجاب القضاء الفرنسي على هذا السؤال بقوله ، في عدة مناسبات ، بأنه على الفاعلين الآخرين و الشركاء دفع الجزاءات المالية كاملة بالتضامن فيما بينهم بدون خصم حصة المتصالحين و للإدارة عند تحصيل العقوبات المالية أن تخصم المبالغ التي سبق أن حصلت عليها من المتهم المتصالح معها .
         وأكد ذلك في قرارين لاحقين لمحكمة النقض :
  -- الأول صدر في 26/11/1964 في قضية  " سلمون  Salmon " .
  -- الثاني صدر في 08/12/1972 في قضية  " بورليق Burleigh  " .
       و هكذا استقر القضاء الفرنسي على مبدأين :
-- المبدأ الأول : هو أن المصالحة الجمركية لا يستفيد منها إلا من كان طرفا فيها و لا يمكن أن تشكل عائقا أمام متابعة الأشخاص الآخرين فاعلين كانوا أم شركاء .
 
-- المبدأ الثاني : وهو أن المصالحة لا تأخذ بعين الاعتبار عند تحديد العقوبات المالية للمتهمين غير المتصالحين، فعلى جهات الحكم أن تقضي عليهم بكامل الجزاءات المالية المقررة للفعل المنسوب إليهم ، أي من دون خصم المبلغ الذي دفعه الطرف المتصالح مع الإدارة .
 
            وإذا كان ليس في علمنا ما أن طرحت مثل هذه القضايا على القضاء الجزائري فإننا متأكدون لو عرضت عليه بان قضاءه لن يخرج عن هذه القواعد نظرا لتطابق التشريعين الجمركي الجزائري و الفرنسي في هذا المجال .
            و هكذا فان المصالحة في المجال الجمركي لا تحول دون القضاء على باقي المتهمين غير المتصالحين بكامل الجزاءات المالية المقررة للمخالفة المتابعين من اجلها .
 
            و تبعا لذلك فقد تؤدي المصالحة إلى نتائج مجحفة كان يستفيد المتهم الرئيسي من المصالحة و يتحمل شريكه أو الفاعل الثانوي تبعة الفعل الإجرامي كله.
            و تفاديا لحدوث مثل هذه المفارقات و حتى لا تحول المصالحة عن هدفها الاصلي ينبغي ان تتحلى إدارة الجمارك بالحذر و اليقظة عند تقرير المصالحة و ذلك بمنح الاسبقية و الافضلية للمتهمين الذين  لعبوا دورا ثانويا على مسرح الجريمة .......
            ويبقى التساؤل قائما بالنسبة لجريمة الصرف حول ما إذا كان القضاء ملزما بالحكم على المتهمين غير المتصالحين بكامل الجزاءات المالية المقررة قانونا للمخالفة المرتكبة أم انه عليه بخصم المبلغ الذي دفعه المتهم المتصالح ؟
 
           يعاقب التشريع الخاص بقمع جرائم الصرف ، و المادة الأولى مكرر من الأمر رقم 96/22
تحديدا ، على جنح  الصرف بمصادرة البضاعة محل الجنحة ووسيلة النقل المستعملة في الغش ، و تضيف ذات المادة في فقرتها الأخيرة انه في حالة ما إذا لم تحجز الأشياء المراد مصادرتها أو لم يقدمها المتهم لسبب ما ، يتعين على الجهة القضائية المختصة أن تقضي على المدان بغرامة تقوم مقام المصادرة و تساوي قيمة هذه الأشياء .
 
          فلو حصل ، فرضا ، أن ضبط شخصان بمكتب  جمركي عند الحدود و هما يحوزان مبالغ مالية بالعملة الصعبة مخبأة داخل السيارة في تجاويف أعدت خصيصا لاستقبالها ، و يقوم احدهما و هو صاحب السيارة بإجراء مصالحة مع إدارة الجمارك يتخلى إثرها على سيارته و على كامل المبلغ المالي المضبوط ، فهل يحكم على الفاعل الثاني في حالة متابعة قضائية بغرامة تساوي قيمة العملة الصعبة ووسيلة النقل تقوم مقام مصادرتها  ؟  أم انه سيقضي عليه بالحبس و الغرامة الجزائية فحسب دون الجزاءين المذكورين ؟
            نحن نميل إلى انه لا يسوغ لجهات الحكم ، في مثل هذه الحالة ، إلا الحكم على المتهم بالحبس و الغرامة الجزائية فحسب ، و ذلك على￿أ￿￿س￿ا￿ه لا يجوز مصادرة الشيء مرتين ، وهو المبدأ المستقر عليه في المحكمة العليا في مواد جرائم الصرف ، قبل صدور الأمر رقم 96/22 .
 
2 --- لا يضار الغير من المصالحة : الأصل أن أثار المصالحة مقصورة على طرفيها ، فلا يترتب ضرر لغير عاقديها و هذه القاعدة تجد تبريرها في أحكام القانون المدني فالمادة 113 تقضي بان لا يرتب العقد التزاما في ذمة الغير و يمكن تبريرها أيضا بالنظر إلى القانون الجزائي على أساس شخصية العقوبة .
           و على ذلك ، فإذا ما ابرم احد المتهمين مصالحة مع الإدارة فان شركاءه و المسؤولين مدنيا لا يلزمون بما يترتب على تلك المصالحة من أثار في ذمة المتهم الذي عقدها .
            و لا يجوز للإدارة الرجوع إلى أي منهم عند إخلال المتهم بالتزاماته ، ما لم يكن من يرجع إليه ضامنا له أو متضامنا معه أو أن المتهم كان قد باشر المصالحة بصفة وكيلا عنه .
            أما بالنسبة للمضرور فمن حقه الحصول على التعويض اللازم لإزالة الضرر الذي أصابه بسبب المخالفة و بما انه لم يكن طرفا في هذه المصالحة فهي لا تلزمه و لا تسقط حقه في التعويض و له أن يلجا للقضاء لاستيفائه .
        و من جهة أخرى لا يمكن للإدارة أن تحتج باعتراف المتهم الذي تصالحت معه بارتكاب المخالفة لإثبات أذناب شركائه فمن حق كل من هؤلاء نفي الجريمة ضده بكل طرق الإثبات و لا يكون للضمانات التي قدمها المتصالح كذلك أي اثر على باقي المخالفين .
 
 
 
 
 

الــــــــــــخاتــــــــمـــــــــــة :

              جدول المقارنة بين جرائم الصرف و حركة رؤوس الأموال و مخالفات الجمارك

    
الجانب
 
جرائم الصرف و حركة رؤوس الأموال
 
مخالفات الجمارك
 
 
التشريع
-- أمر رقم 03/11 المؤرخ في 26/08/2003 المتعلق بالنقد و الصرف
-- أمر رقم 96/22  المؤرخ في 09/07/96 المتعلق بمخالفة الصرف ، التشريع ، و التنظيم الخاصين بالصرف و حركة رؤوس الأموال  من و إلى الخارج .
 -- قانون العقوبات
 -- قانون الجمارك
 -- قانون المالية
 
 
 
 
 
 
 
 
الأشخاص المؤهلون للمعاينة
 -- ضابط الشرطة القضائية
 -- أعوان الجمارك
 -- موظفو المفتشية العامة للمالية
 -- أعوان البنك المركزي الممارسون على الأقل مهام مفتشي أو مراقب المحلفون و       المعينون وفق شروط و كيفيات يحددها التنظيم
 -- الأعوان المكلفون بالتحقيقات الاقتصادية و قمع الغش ، المعينون بقرار وزاري مشترك بين وزير العدل ووزير التجارة وفق شروط و كيفيات يحددها التنظيم .
 
 
 
أعوان الجمارك
 
السلطة المختصة برفع الشكوى
إلا بناء على شكوى الوزير المكلف بالمالية أو احد ممثليه المؤهلين لذلك محافظ البنك أو احد ممثليه.
-- حالة العود اختصاص مباشر للنيابة العامة
 
 
الجمارك
 
 
العقوبة
-- وجود الشروع
-- الحبس من سنتين 2 إلى 7 سنوات
-- غرامة لا تقل ضعف قيمة محل الجريمة
-- المصادرة لمحل الجريمة ووسائل النقل
-- يمكن مباشرة الدعوى العمومية صد الشخص المعنوي المادة 05 من الأمر 96/22 معدل و متمم بالأمر 03/01 المؤرخ في 09/07/2001 
 
-- لا وجود للشروع
-- الغرامات
-- الحجز التحفظي للسلعة أو البضاعة 
 
 
الدعوى العمومية
-- تنقضي الدعوى بالمصالحة
-- النائب العام
-- لا تتوقف الدعوى إذا رفعت أمام القضاء
الحجز
-- حجز محل الجريمة و الأشياء المستعملة في الجريمة
 
المحضر
له حجية و لكن يمكن الطعن فيه
-- اوجب شروط شكلية بموجب التنظيم
-- القوة الثبوتية
-- لا وجود لشروط شكلية ،لا يمكن الطعن فيه الا بالتزوير .
محل الجريمة
على سبيل الحصر
-- كل شيء يمر على الجمارك من سلع
-- يجب أن يصرح به
التحقيق و التفتيش
-- التفتيش
-- توسيع الاختصاص في مجال هذه الجرائم
لا يوجد تفتيش
لا يوجد توسيع الاختصاص الإقليمي
القصد الجنائي
-- التصريح الكاذب
-- لا يعذر الجهل " نص خاص "
 
-- التصريح الناقص أو الكاذب
-- تطبق القواعد العامة

 

 

 

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه