نظـــرة التشريــع الوضعــــي للتحرش الجنسي

0
نظـــرة التشريــع الوضعــــي


قبل التطرق إلى هذا الموضوع يجدر بنا أن نعرج على التعريف اللغوي               و الاصطلاحي لعبارة التحرش الجنسي، حتى نرفع اللبس عما قد يعتريها من تداخل في الدلالة.

لغة يعتبر قاموس المنهل فعل - تحرش - مرادفا لضايق، أزعج، أنهك و نكد،  و يقال تحرش بالعدو أي ناوشه، و يقال تحرش بالمدين أي لاحقة بكثرة المطالبة بالدين، كما اعتبر المعجم الجديد فعل - تحرش - من مصدر التحرش إذ يقال تحرش به أي تصدى له ليثيره.

أما المعجم الفرنسي لروس، فقد عرف فعل - تحرش - بأنه إخضاع شخص أو مجموعة إلى هجمات متوالية و ملحة، و قد تعمدنا إدراج تعريف المصطلح باللغة الفرنسية حتى لا يلتبس في قراءة نص المادة القانونية باللغة الفرنسية في قانون العقوبات الجزائري.

أما كلمة - جنسي -ـ فهي نسبة إلى الجنس و هو في لسان العرب النوع من كل شيء، و ليس فيه أي دلالة على غريزة الوطء و شهوة الفرج على عكس ما يقابله في اللغة الفرنسيـة Sexuel فهو يشير بوضوح إلى ما يدل على الجماع و المضاجعة و التناسل     و التوالد، و استعمال كلمة جنسي بهذا المعنى في اللغة العربية يعتبر هجينا و مستحدثا.

إن إلحاق كلمة - جنسي -  بالتحرش لا يدل على ماهية الفعل كممارسة جنسية ، بقدر ما يدل على النتيجة و مبتغى المتحرش و هو إشباع غريزة و نيل شهوة الفرج، غير أن ذلك لا ينفي أن بعض أفعال التحرش الجنسي تقوم على أفعال و ممارسات جنسية سطحية إلا أنها لا توصف بالضرورة بفعل الوطء الذي هو في الغالب غاية المتحرش و مبتغاه حسبما سنورد لاحقا.
أمــا اصطلاحا فالمبدأ أن التحرش الجنسي يطال النساء فقط، و هو عمل واعي مقصود يقوم فيه إنسان مهووس، له نزعة جنسية أو شهوة، يريد بأساليب مختلفة، سمعية أو بصرية، أو رمزية و أحيانا جسدية مباشرة مثل الملامسات و التقارب الجسد يبتغي به الإثارة الجنسية أو إشباع رغبة جنسية، فيقوم عادة باقتحام حميمية الآخر أو اندفاع جسدي مباشر دون رضاه، إذ بعد رفض الغير يصبح هذا العرض فرضا و بالتالي فإستراتيجية المعتدي تقوم على إضعاف إرادة الضحية و حملها على القبول بمشاعره و هو ما يثير لدى الضحية مشاعر قرف و ارتباك و انزعاج بحدة، و قد يتصور أن يكون هذا الاقتراب عن طريق الهاتف عندما يصبح قرينا بالإلحاح و الملاحقة.  

و الواقع أن أكثر حالات التحرش الجنسي تقع من الرجال على النساء، غير أن هذا لا ينفي العكس فقد يقع من غير الرجال على غير النساء، فلم تحدد معظم التشريعات جنس الجاني و الضحية، و ها هنا لا عجب فالقرآن الكريم تحدث عن أشهر قصة تحرش جنسي في التاريخ، كان المتحرش فيها امرأة و المتحرش به رجلا، أوردتها سورة يوسف، حيث تحرشت زوجة عزيز مصر بنبي الله يوسف عليه السلام، و الأعجب أن قصة هذا التحرش تنطبق حيثياتها مع ما يشترطه التشريع اليوم من وجود علاقة سلطة أو وصاية قائمة بين المتحرش و الضحية، و ما يشترط في إثبات الركن المادي من ممارسة الإغراء        و الإكراه “ و راودته التي هو في بيتها عن نفسه و غلقت الأبواب و قالت هيت لك “ الآية23 و المراودة تقتضي تكرير المحاولة، و النفس هنا كناية عن غرض المواقعة، فقد راودته على أن يسلم إليها إرادته و حكمه في نفسه.

كما استعملت الإكراه و المساومة و إصدار الأوامر و التهديد، و قد ورد ذلك في قوله تعالى " و لئن لم يفعل ما آمره ليجسنن و ليكوننا من الصاغرين" الآية36، و قوله تعالى " و قالت اخرج عليهن " الآية 31 ، فهيت اسم فعل أمر بمعنى بادر كما أن أمرها له بالخروج عليهن كان لبلوغ غاية و مقصد في نفسها تأتى لها فيما بعد " فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن" الآية  31  ، كما أن علاقة السلطة و الوصاية بين المتحرش و الضحية قائمة في هذه القصة القرآنية، فقد كان يوسف عليه السلام غلاما مملوكا في قصر العزيز    " و قال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا " الآية 21  ، كما أن عبارة الذي هو في بيتها دلالة على أنه من جملة أتباع ذلك المنزل.
و قد يقع التحرش الجنسي على الأطفال غير أنه غالبا ما يصعب وصف أفعال التحرش الجنسي بالأطفال في القانون الجزائري مستقلة عن جريمة تحريض القصر على الفسق و الدعارة أو جريمة الانحراف الجنسي تجاه الأطفالLa pédophilie ، رغم أن المشرع في الدول الغربية عامة و حتى بعض دول العالم الثالث حدد إطار كل منها    و عدد بعض السلوكات و الأفعال المجرمة التي تميز هذه عن تلك.

فالتحرش الجنسي في مضمونه خطوة أولية تتمثل في أفعال مجرمة إذا بلغ المتحرش مقصده من خلالها، امتد أثرها إلى جرائم ماسة بالعرض و الآداب كهتك العرض، الاغتصاب، زنا المحارم و تحريض القصر على الدعارة.

و سنعرض فيما يلي نظرة التشريعات لهذه الجريمة و ما نصت عليه المواثيق الدولية و المعاهدات في مجال حماية حقوق المرأة، ثم نظرة التشريع الجزائر لها و الجوانب التي تم التصديق عليها من قبل الحكومة الجزائرية عقب انضمامها إلى هاته المواثيق والاتفاقيات.














ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه