إثبات النسب بالزواج الفاسد في القانون الجزائري

0
إثبات النسب بالزواج الفاسد
     ألحق الشارع الحكيم و القانون الزواج الفاسد بالزواج الصحيح في ثبوت النسب لأنّ القاعدة أن النسب يحتاط في إثباته إحياءا للولد(1) و هذا بموجب المادة 40 من قانون الأسرة التي تنص: " يثبت النسب...  وبكل نكاح تمّ فسخه بعد الدخول طبقا للمواد 32 و 33 و 34 من هذا القانون".
أوّلا: مفهوم الزواج الفاسد
من مراجعة المواد 34،33،32 يتّضح لي جليا أن المادة الأولى المعدلة بموجب الأمر 05/02 نصت على
بطلان الزواج إذا إشتمل على مانع أو شرط يتنافى و مقتضيات العقد بعد أن كانت تنصّ على فسخ النكاح أي فساده إذا إختل أحد أركانه أو إشتمل على مانع أو شرط يتنافى و مقتضيات العقد أو تبتت ردة الزوج، أما المادة 33 المعدلة فقد نصت في فقرتها الأولى على بطلان الزواج إذا إختلّ ركن الرضا و في فقرتها الثانية نصت على الزواج الفاسد و بذلك فإن المشرّع فرّق بين بطلان الزواج و فساده، فبالنسبة للزواج الباطل يكون إذا إشتمل عقد الزواج على مانع أو شرط يتنافى و مقتضياته أو إذا إختل ركن الرضا أما الزواج الفاسد فهو الذي فقد شرطا من شروط الصحة(2) المنصوص عليها في المادة 09 مكرّر المتمثلة في أهلية الزواج و الصداق و الولي في حالة وجوبه و الشاهدين مع إنعدام الموانع الشرعية للزواج و هي الحالات التي رتّب المشرّع عليها فساد النّكاح بموجب الفقرة الثانية من المادة 33، حيث يفسخ الزواج قبل الدخول و يثبت بعد الدخول بصداق المثل و في المادة 34 في حالة ما إذا تم الزواج بإحدى المحرمات وفقا للمواد من 23 إلى 30 من قانون الأسرة، حيث يفسخ الزواج قبل الدخول و بعده و يترتب عليه ثبوت النسب و وجوب الإستبراء و هي الحالات التي سبق و أن إعتبرها المشرّع من الموانع الشرعية لعقد الزواج و رتّب عليها بطلان الزواج بموجب المادة 32 من قانون الأسرة، و هذا معناه أن المشرع أخلط مرة أخرى بين الزواج الباطل و الفاسد و رتّب على كليهما ثبوت النسب في حين أن الزواج الباطل عدم و العدم لا يرتّب أي أثر شرعا و قانونا.
ثانيا: شروط ثبوت النسب من الزواج الفاسد
 يتحقق ثبوت النسب في فراش الزوجية في النكاح الفاسد بالدخول الحقيقي، لذا تحسـب  مدة الحمل من
 

(1)- المستشار أحمد نصر الجندي – النسب في الإسلام و الأرحام البديلة ص 81.
(2)- د. محمد سمارة – المرجع السابق ص 375.

تاريخ الدخول، لأنه لو حسبت من تاريخ العقد لكان في هذا ترتيب آثار على العقد الفاسد، و هو قول جمهور الفقهاء و المشرّع الجزائري في المادة 40 من قانون الأسرة و بالتالي إذا ولدت المتزوجة زواجا فاسدا لأقل من ستة أشهر من حين الدخول الحقيقي فلا يثبت نسبه من الزوج لأنها ولدته بأقل من أقل مدة للحمل، فلا بد أن تكون حملت به قبل أن تصير زوجة في العقد الفاسد، أما لو أتت به لستة أشهر فأكثر من تاريخ الدخول فإنّه يثبت نسبه من الزوج. أما أقصى فترة الحمل بالنسبة للزواج الفاسد فإنها تحسب من تاريخ التفريق بين الزوجين، فإّذا جاءت الزوجة بولد قبل مضي عشرة أشهر إعتبارا من يوم التفريق ثبت نسبه من أبوه(1) ويرى الحنفية أن الولد إذا ثبت نسبه بالزواج الفاسد فلا يمكن نفيه أصلا، لأن النفي يستدعي اللعان وهو لا يكون إلا بين زوجين في عقد زواج صحيح إستنادا إلى الآية الكريمة الواردة في الذين يرمون أزواجهم وهذا معناه أن الفراش الثابت بالدخول الحقيقي في الزواج الفاسد أقوى من الفراش الثابت بالزواج الصحيح لأن هذا الأخير يمكن نفي النسب الثابت به وفقا للشروط المذكورة سابقا(2) .
الفرع الثاني: إثبات النسب عند الوطء بشبهة
    ما يعاب على نص المادة 40 من قانون الأسرة أن المشرع أقرّ بثبوت النسب بنكاح الشبهة و بكل نكاح فاسد، و بالتالي المعنى الظاهر أن نكاح الشبهة شيء و النكاح الفاسد شيء آخر وهذا المعنى فاسد و غير صحيح لأن النكاح الفاسد ما هو إلا نوع من أنواع نكاح الشبهة، ومن هنا أرى أن المشرّع إختلطت عليه الأمور إذ كان عليه أن يتكلم عن الوطء بشبهة بدلا من النكاح بشبهة مادام أنه أقرّ بثبوت النسب بالنكاح الفاسد في النص ذاته وهذا هو المعمول به فقها و عليه فإنه لا مناص إذا من إعادة صياغة المادة 40 من قانون الأسرة بحيث تصبح على النحو الآتي: "يثبت النسب بالزواج الصحيح و بالزواج الفاسد و بالوطء بشبهة ..."
أولا: تعريف الوطء بشبهة
المقصود بالشّبهة الأمر الذي يشبه الثابت وهو ليس بثابت فيه و أصل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:
"إدرءوا الحدود بالشبهات ما إستطعتم". و الوطء بشبهة هو الإتّصال الجنسي غير الزنا يقع خطأ بسبب غلط يقع فيه الشخص و قيل هو وطء حرام لا حدّ فيه و الشبهة قد تكون شبهة الفعل أو شبهة الملك أو شبهة العقد.    


(1)- د. بالحاج العربي – الوجيز في شرح قانون الآسرة الجزائري – الجزء الأول - الزواج و الطلاق ص 195.
(2)- إبراهيم عبد الرحمان إبراهيم – المرجع السابق ص  314.

ثانيا: أقسام الوطء بشبهة و قواعد إثبات النّسب فيها
1-   شبهة الفعل:    و فيها يعتقد الشخص حل الفعل و يظنّ  في نفسه أن الحرام حلال فالواطئ  هنا ظنّ حل
الوطء و لذلك كانت الشبهة في الفعل و ليست في محل الوطء كأن يأتي الزوج زوجته التي طلّقها ثلاثا في العدة و على ذلك فإن النسب لا يثبت سواء ظن الحل أو قال أنه علم بالحرمة لأن هذا الأمر متعلق بالفاعل نفسه، إذ الفعل في ذاته لا شبهة مطلقا في أنه زنا و كونه كذلك سيتتبع عدم ثبوت النسب لأن الزنا لا يثبت به النسب البتّة(1) و لبعض الفقهاء إعتراض فيمن زفّت له غير إمرأته و قيل له هذه إمرأتك فوطئها و مع أن هذه عندهم شبهة في الفعل فإن النسب يثبت للواطئ(2).
2-   شبهة المحل أو الملك: و هي عكس شبهة الفعل لأن للواطئ في هذه الحالة ملكا و  تنشأ هذه الشبهة عـن
دليل مثبت للحل في المحل و هذا الدليل ينفي الحرمة مع وجود دليل آخر يحرّم الفعل نفسه غير أن وجود الدليل الآخر يورث شبهة في حكم الشرع فيما يتعلق بهذا التحريم و يضرب الفقهاء مثلا بقولهم من وطئ أمة ولده لا يجب عليه الحد و لقيام الشبهة في المحل  و هو الأمة الموطوءة فقد قال صلى الله عليه و سلم: "أنت و مالك لأبيك" فالفعل في حد ذاته ليس بالزنا لوجود الشبهة في المحل و الحكم، و يثبت النسب للولد الحاصل في الوطء بشبهة بناءا عليها إن إدّعاه الواطئ(3).
3-  شبهة العقد: كالعقد على إمرأة و بعد الدخول تبيّن أنها من المحرمات وهو ما نصّ عليه المشرّع  الجزائـري
في المادة 34 من قانون الأسرة، و مثال هذا النوع من الشبهات أن يتزوج شخص أمّه أو أخته و يدخل بها بناءا على ذلك أو خامسة على أربع في عصمته و فيها يسقط الحد عن الفاعل و إن قال علمت أنها عليّا حرام و أمّا عند أبي يوسف و محمد فإن الحد لازم و لا يثبت النسب إن كان يعلم بالحرمة لأن الفعل صار زنا(4).
و بالرجوع إلى القانون الجزائري فإن المشرع إعتبر النكاح بشبهة سبب من أسباب ثبوت النسب من غير أن
يفرّق بين شبهة و شبهة بقوله: "يثبت النسب بالزواج الصحيح ... و بنكاح الشبهة..." في نص المادة 40 من قانون الأسرة و بالرجوع إلى نص المواد 40، 42 من قانون الأسرة التي أوجبت مراعاة المدة القانونيـة في أقل و


(1)- الامام محمد أبو زهرة – المرجع السابق ص 145.
(2)- المستشار عبد العزيز عامر – المرجع السابق ص 85.
(3)- المستشار عبد العزيز عامر – المرجع السابق ص 87.
(4)- د. بالحاج العربي – المرجع السابق، ص 197.

أقصى مدة الحمل حتى يكون النسب ثابت في نكاح الشبهة، و عليه إن خالط الرجل إمرأة بشبهة كان الفراش ملحقا بالفراش الصحيح و الذي يعتبر فراش قوي يثبت به النسب من غير توقف على دعوة من الرجل.
بعد أن تطرقت في المبحث السابق لطرق إثبات النسب المنشئة، سوف أتطرّق في المبحث التالي للإقرار كدليل

إثبات كاشف للنسب كما يلي:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه