تقييم المادة الثامنة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية

0


: تقييم المادة الثامنة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية

تثير المادة الثامنة من النظم الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بعض النقائص التي لا تقليل من أهميتها وهو ما سوف يكون محل دراسة هذا المطلب بتقسيمه إلى فرعين لتقيمها.

الفرع الأول : النقائص و الملاحظات التي تثيرها المادة الثامنة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية
أول ما يلفت الانتباه في المادة الثامنة أنها طويلة النص لكن هذا التفصيل الحريص لم يسلم من الانتقادات لأن الصعوبة لا تكمن فقط في  تنظيم و ترتيب  الأفعال ، و إنما الممارسة الحديثة تطرح فيما يخص تصنيف  جرائم الحرب بتقدير نوع النزاع المسلح إذ تقتضي المادة الثامنة من قضاة المحكمة التمييز بين النزاعات الدولية و الغير الدولية ويزداد تعقيد المسألة أكثر لكون النزاعات الغير الدولية تتضمن صنفين متميزين " الانتهاكات الجسيمة للاتفاقيات جنبف المؤرخة في 12 أوت 1949 والانتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين و الأعراف السارية على المنزعات الدولية المسلحة في النطاق الثابت للقانون الدولي "، فهذا التفصيل من شأنه الإضرار بالروح النص و أنه من الخطأ الاعتقاد بأن طول نص هذه المادة يعد توسيعا في مفهوم  جرائم  الحرب ، لأن المغالاة في تحديد أحكامها و تقييدها يرجع بالدرجة الأولى إلى تخوف الدول من المبتاعات عن جرائم الحرب و التستر  وراء ضرورة       .Shabas التعامل مع نصوص قانونية و قداسة مبدأ المشروعية حسب تعبير الأستاذ     

و يطرح إشكالا أخر حول شرط تضمنته المادة الثامنة  و المتمثل في وجود نزاع مسلح سواء كان دوليا أو غير دولي لأن  كثير من جرائم الحرب يمكن ارتكابها بعد انتهاء الاعتداءات المكشوفة ، إذ ترتبط خصوصا بإعادة أسرى الحرب إلى دولهم  ، و منه يمكن أن ترتكب جرائم الحرب لاحقا عندما لايكون نزاع مسلح أو بعبارة أخرى عند انتهاء النزاع .                                                                                                                                                                                   
كما يلاحظ أن ما ورد بخصوص الصنف الأول من الجرائم الحرب المتضمن " الانتهاكات الخطيرة الاتفاقيات جنيف " يعد ابتكارا غريبا في الوقت الر اهن إذ أن إعلان هذا الجزء من النص يترتب عنه التزام الدول بالتحقيق و المتابعة و تسليم الأشخاص المشتبه في ارتكابهم لللإنتهاكات الخطيرة  بصرف النظر عن جنسياتهم أو المكان الذي ارتكبت فيه الجريمة، وهذا ينطوي على صعوبة كبرى في التطبيق فبذالك ضيقت هذه المادة ما اعتمدته اتفاقيات جنيف لسنة 1949 بخصوص تعريف الجرائم الدولية و المسؤوليات عنها  عندما ربط ارتكاب الانتهاكات  الخطيرة بالنزاع الدولي المسلح  .
                     
تطرح هذه المادة أيضا عيب القصور عن شمول جميع جرائم الحرب حيث لم يتضمن أي حكم يجرم التأخير غير المبرر في نقل أسرى الحرب أو المدنيين إلى أوطانهم و كذا الهجومات  العشوائية التي تصيب المدنيين، أما فيما يتعلق بجرائم الحرب التي ترتكب خلال النزاعات المسلحة الغير الدولية فانه يستدعي التأسف عدم حضر تجويع المدنيين عمدا أو التعمد في تسبيب أضرار واسعة النطاق وطويلة الأجل و جسيمة بالبيئة .
                                                                                         
 كما تم انتقاد البنود  الواردة في الفقرة "ب"   من هده المادة المتعلقة بالأسلحة المحظورة التي تم خفضها  إلى  الحد الأدنى  إذ أن وجود نص يتضمن" حضر السموم أو الأسلحة المسممة ، الغازات الخانقة أو السامة  أو غيرها من الغازات و جميع ما في حكمها من السوائل أو المواد والرصاصات التي تتمدد بسهولة في الجسم البشري و غيرها  " توحي للقارئ غير المتخصص بأنه يقرأ نص حرر في القرن التاسع عشر، لأن هدا النوع من الأسلحة أصبح مهملا و تجاوزه  الزمن بفعل تطور الأسلحة الحديثة ذات الدمار الشامل و الأسلحة النووية و البيولوجية و الكيماوية  و الألغام ضد الأشخاص و أسلحة الليزر، فالدول النووية الكبرى لا تعترف بوجود قاعدة في القانون الدولي الحالي تحضر الأسلحة النووية و كل ما يمثلها بشكل عام (1).

و من بين النقائص الأخرى التي تخللت هذه المادة ما ورد في التفرع "ب" 13 من الفقرة الثانية و الذي يعتبر تدمير ممتلكات العدو الإستلاء عليها ما لم يكن تحتمه ضرورات الحرب ، إن عبارة ضرورات الحرب لم تحدد بشكل دقيق مما قد يسمح باستبعاد تجريم بعض الأعمال و تكييفها بأنها جرائم الحرب لارتكازها على ما يسمى بالضرورات الحرب . 
                                                                
 كما تطرح الفقرة الثانية "ج/ د" إشكال عندما تنص على أنه ما يؤثر على مسؤولية الحكومة  عن حفظ أو  إقرار القانون و النظام في الدولة أو عن الدفاع عن وحدة الدولة و سلامتها الإقليمية بجميع الوسائل المشروعة .فمصطلح الوسائل المشروعة عام جدا مما يسمح بالتحجج بكل الاحتمالات و التفسيرات لتبرير بعض التجاوزات. 
                                                                                       
و ما يعاب أيضا على هذه المادة أنها قدمت مفاهيم مثل الضرورة العسكرية ، العقلانية و التصرف  غير القانوني ، دون وضع معيار واضح يمكن أن يكون مدخلا لتلك الإضافات و من ثم فان ذلك سوف يترك لقرارات و اجتهادات المحكمة على أساس المصادر المماثلة الواجبة التطبيق. 
                     
و لعل أهم انتقاد لجرائم الحرب هو تقيد اختصاص المحكمة حول جرائم الحرب بالحكم الوارد في نص م 124 فهو حكم انتقالي خطير على حسب تعبير بعض الفقهاء ، وقد وصفت   م 124  بالمادة الفاضح
 (2) من طرف كل المنظمات غير الحكومية و الدولين المدافعين عن Un article scandaleux



 
(1)-موقف الولايات المتحدة الأمريكية فيما يخص استعمال السلاح النووي.
Il n’existe en droit international conventionnel ou coutumier aucune interdiction générale quant à l’emploi d’armes nucléaires….. » Exposé écrit du gouvernement des Etats-Unis d’Amérique –p-23.
(2)-أ / بلخيري حسينة المرجع السابق ص 150.

الحقوق الأساسية  و الجوهرية للإنسان فهذه المادة المكيفة بالانتقالية تمنح لكل دولة طرف في الاتفاقية
حق تعليقها و عدم تطبيق بنودها  لمدة سبع سنوات ، و هي  المدة التي قد ترتكب فيها أعمال بشعة على إقليم هذه الدولة أو من قبل رعاياها فهو قيد قانوني زمني طويل قياسا بأهمية الحقوق  التي يفترض حمايتها و بذلك لا يضمن التصدي الفعال لجرائم الحرب و هي الأكثر وقوعا ويعد تساهلا لا مبرر له مما يعطي انطباعا بأنها أقل  جسامة عن باقي الجرائم  المدرجة في اختصاص المحكمة.

الفرع الثاني: المزايا التي تسجلها المادة الثامنة

إن النقص الذي شاب المادة الثامنة المتعلقة بجرائم الحرب لم يحل دون الإشادة بالإنجاز الذي حققه مجال  لتعامل مع هذا النوع من الجرائم فا لحل التوفيقي الذي توصل إليه المؤتمرون بين من أراد اشتراط   حد صارم لكي تمارس المحكمة اختصاصها على جرائم الحرب، و بين من عارض وجود أي حد لذلك و صل إلى عدم  اشتراط حد معين للمتابعة عنها و أو كل الاختصاص بشأنها للمحكمة    و لكن ليس اختصاصا خالصا، و إنما على الخصوص إذا كانت مرتكبة في إطار واسع أو في إطار سياسة معينة مما يعني أن اشتراط الخطورة الذي تتطلبه المتابعة عن الجرائم الدولية متوفر في جرائم الحرب.

أما الإنجاز الأهم الذي حققته المادة الثامنة هو تضمين جرائم الحرب المرتكبة في النزاعات المسلحة غير الدولية رغم معارضة بعض الو فود ، إذ بهذا النص سجل النظام الأساسي  إثراء  في القانون الدولي الإنساني ذا أهمية بالغة حيث أعطى الإقرار الرسمي لما  ألت  إليه  سيرورة عرفية ساهمت في تعديل إصلاحي أساسي للقانون الإتفاقي لعام  1977 في غضون سنوات قليلة فقط.
 فمن المعلوم أنه أثناء التفاوض الذي تم قبل اعتماد البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف رفضت  الأغلبية  الساحقة فكرة إدراج مفهوم  جرائم الحرب في القانون المطبق على النزاعات المسلحة غير الدولية مما نتج عن أنه منذ سنة 1977 حتى بداية الستينات كان الاعتقاد العام السائد يرى أن هذه الانتهاكات حتى الجماعية و الخطيرة منها الواردة في نص المادة الثالثة المشتركة  بين اتفاقيات جنيف أو الأحكام المتصلة  بالموضوع الواردة في البروتوكول الإضافي لا  يمكن تكيفها بأي حال من الأحول كجرائم حرب حسب قانون الإنساني الساري آنذاك و لا تنجر عنها النتائج الملتصقة بهذا المفهوم ، و هو الأمر الذي اعتمدته المادة الثامنة   و المكسب  الذي حققه مؤتمر روما في هذا المجال، و له الفضل في إنشاء قانون لاهاي لنزاعات الغير الدولية .

إن العيب الذي أثاره منتقدو نص المادة الثامنة حول قصورها في استيعاب أسلحة حديثة ذات خطورة على البشرية  بحيث لم يتم النص على العقاب عنها ، يمكن التلطيف من حدته بالنظر إلى الشرط العام الذي تضمنه النظام الأساسي المتعلق    بانعقاد مؤتمر التعديل اللاحق الذي من المحتمل فيه توسيع نطاق قائمة الأسلحة المحظورة بما يتجاوب مع ضرورة الحد من استعمالها وتوقيع  العقاب على مستعمليها .
و نجد العزاء ذاته في الطبيعة الانتقالية للحكم الوارد في المادة 124 الذي يجيز للدول استبعاد اختصاص المحكمة بشأن جرائم الحرب لمدة سبعة سنوات من تاريخ نفاذ اتفاقية روما ، حيث يثور معه إمكانية إعادة النظر في هذا النص و إلغائه عند عقد أول مؤتمر ينظر في تعديل نظام روما الأساسي.و إن كان بعض القانونين قد حاولوا التمسك بطبيعة حكم المادة 124 لتخفيف من صرامة النقد الموجه إليها فان هناك من يتمسك بالنص مؤكدا على الميزة التي يتضمنها فيما يتعلق بتوفير الحماية للقوات التي تشارك في عمليات السلم .
أن منح الاختصاص  للمحكمة لتتابع وتحاكم عن جرائم الحرب يمكن أن ينجر عنه انحرافها نحو أهداف أخرى غير تلك المقاصد القضائية و القانونية وهذا ما يسعى إلى استبعاده نص المادة 124
   Hubert vedrine  وقد أوضح وزيرالخارجية الفرنسي الأسبق
 بأن الدول التي تعد كثيرة التطوع على الصعيد الخارجي  في إطار التدخل الإنساني و عمليات حفظ السلم – كما هي فرنسا مثلا – تصبوا إلى تفادي سهولة استعمال الأحكام المرتبطة بجرائم الحرب بحيث تكون موضوع دعاوى تعسفية غير مؤسسة و مشوبة بخلفيات سياسية يكون هدفها الوحيد العرقلة العلنية و لمدة زمنية قد تطول للدولة المعينة و حتى المجلس الأمن ذاته لاعتبار عمليات حفظ السلام ضرورية و تزداد مع الوقت صعوبة ، و ترغب الدول  الدول بشأنها أقل الأخطار، فينبغي و الحال كذلك عدم الإسراف في  إضافة مخاطر أخرى و حسب تقدير مؤيدي  إدراج  حكم نص المادة 124 فان مكنة المتابعة عن جرائم الحرب التي يتاح فيه المساءلة  عن الأفعال الفردية يحتمل معها وجود شكاوى عديدة ، الأمر الذي يتناسب مع إعطاء مهلة زمنية تقدر بسبع سنوات لتقييم فعالية الضمانات المتوفرة ، فضلا عن إدراج مثل هدا الحكم الانتقالي له تأثير إيجابي من حيث جذب عدد من الدول بقبول إنشاء المحكمة بدلا عن رفضها للمشاركة في المحكمة في ضل عدم جواز التحفظ على نظامها الأساسي عملا بأحكام المادة 120 و هو ما قد يؤثر سلبا على مصداقيتها .
و لعل أهم ما جاءت به المادة الثامنة هو أنها لم تكتفي بترديد وورد في اتفاقيات  جنيف  ولاهاي بل أوجد في الفقرة "ب" منه جرائم جديدة لم تكن مكرسة في القانون العرفي  في الوقت الذي اعتمد فيه النظام الأساس .
كما نستخلص من مختلف فقرات المادة الثامنة أن ميدان القاعدة التي تحرم جرائم الحرب تمتد إلى أوسع نطاق، وهذا ما جعلها نصا قانوني محكم الصياغة لا سيما  إذ ما وضعنا في الحسبان  جل النصوص القانونية السابقة. مما يجعلها مكسب مهم على الصعيد الدولي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه