مميزات وأشكال الجريمة المنظمة

0
: مميزات وأشكال الجريمة المنظمة:

تعتبر الجريمة المنظمة الأكثر خطرا على المجتمع وهي التحدي الأكبر الذي يجسد خطورة العمل الإجرامي ، ويبرز خطرها من خلال التنظيم و التخطيط الذي يكفل لها النجاح و الاستمرار ، بحيث يصعب على مؤسسات العدالة أن تطارد الجريمة المنظمة أو أن تمسك بها في عمل غير مشروع ، ذلك أن الذين يقومون بإعداد الجريمة المنظمة هم في الغالب أصحاب خبرة ودراية بالعمل الذي يقومون به ، وهم مؤهلون بحسب تلك الخبرة و الدراية أن يخططوا لتلك الجريمة بطريقة محكمة تكفل نجاح الجريمة في مجال التنفيذ ، ولا يستطيع القضاء أن يفعل أي شيء أمام هذه الجريمة ، لعدم الحصول على الأدلة التي تثبت وقوع الجريمة .
 أولا:
مميزات الجريمة المنظمة:

-التنظيم و التخطيط :   1    
 
يعتبر التخطيط العامل الأهم في الجريمة المنظمة ، لأن كلمة التنظيم تفيد معنى التخطيط ، ولا يمكن اعتبار الجريمة داخلة ضمن إطار الجريمة المنظمة إذا كانت جريمة مرتجلة ، و الجرائم المرتجلة غالبا ما ينكشف أمرها ، لافتقاد عنصر التخطيط المحكم الذي يكفل لها النجاح و الاستمرار ، ومن الطبيعي أن التخطيط يحتاج إلى مجموعة من المجرمين المحترفين الذين يملكون مؤهلات شخصية ومؤهلات في مجال الخبرة و الدراسة ، و المؤهلات الشخصية تمكنهم من اقتحام الأخطار من غير تردد ولا خوف ولا وجل في سبيل نجاح العمل الإجرامي ، أما المؤهلات المتعلقة بالخبرة و الدراية فهي ضرورية ، لأن التخطيط يحتاج إلى معرفة الأخطار المتوقعة و الخبرة السابقة هي الكفيلة بسد جميع الثغرات التي يمكن أن تؤدي إلى اكتشاف الجريمة قبل وقوعها أو أثناء تنفيذها أو بعد ذلك،لأن مبدأ التنظيم في هذه الجماعات الإجرامية يتمحور أساسا على الإدارة في عدم كشف عناصرها و تشخيصهم و بالتالي التعرف عليها و على تنظيمها و من ثم عدم

عدم التمكن من القضاء عليها، كالمافيا الروسية التي تعتمد على "طريقة الوسيط" حيث يسمى الوسيط مع الرأس المدبر بـ     Bossonlaknam و Brigadier

أما المافيا الإيطالية فتعتمد طريقة النواة و الدوائر العائلية ، فالنواة تتشكل من أشخاص كبار في السن 60 سنة ، فما فوق و تربط بينهم علاقات الانتساب و الروابط العائلية و الأسرية ، و بعد ذلك تأتي ثلاثة دوائر حول النواة تتشكل عن طريق العائلة ، حيث تتخذ لها مبدأ في الانتساب إليها و الدخول عن طريق الدم و الخروج عن طريق الدم ، أي الدخول عن طريق العائلة و الخروج بالموت.

من خلال ما سبق ذكره يتضح لنا التنظيم المحكم لهذه المنظمات الإجرامية الذي يساعدها على العمل الإجرامي و يطيل عمرها في الميدان ، فهذا المستوى العالي من التنظيم يمكنها من الاستمرار و النجاح في عملها و عدم تمكن الدوائر الأمنية من اختراقها بالرغم من المحاولات العديدة و المتكررة ، كما أن التخطيط لأعمالها الإجرامية من خلال جمع المعلومات الكافية عن الميدان الذي يمكن أن يكون مجالا لأعمالها و التي تدر عليها أموالا طائلة و ذلك من خلال أشخاص لهم دراية شخصية و خبرة تؤهلهم لاقتحام الأخطار من غير خوف و لا تردد ، حيث أن مرجعيتهم تكمن في الآتي:

*الوضعية المركزية للعائلة ومرجع الشرف (المافيا الإيطالية)
*ثقاة الموت.
*احترام التقاليد
*قواعد الديمومة المتمثلة في الطاعة ، الفعالية ، التأمين.

إن هذه المنظمات ذات هيكلة عالية و الأحسن تنظيما سواء من حيث الوسائل المادية أو البشرية ، ففي الولايات ، مثلا يسيطر رجال الأعمال على الإجرام  المنظم وهناك لجنة مركزية في كل ناحية و خارج هذه اللجنة المركزية هناك لجان خاصة مثل لجان المشاريع الجديدة و لجان الاستعلامات...
 



2-الاحتراف:

يتمثل الاحتراف في مجموعة من القدرات العقلية والجسمية واستعمال الحيلة لتنفيذ المخططات الإجرامية إلى جانب ذلك دراسة كل الجوانب وعدم ترك أي شيء دون التطرق إليه، فالاحتراف المتمثل أصلا في الذكاء والخبرة المكتسبة من الميدان والعمليات المنفذة تجعل هذه المنظمات في مستوى عال يمكنها من استعمال القدرات البشرية والمادية بكل فعالية ودقة.
           
فالاحتراف كذلك له جذوره في تاريخ المافيا الروسية تم تغذيتها من قبل عناصر محترفة من جهاز الاستخبارات KGB خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وما لهذه العناصر من ذكاء وخبرة وفعالية ، حيث التحقت الكثير من العناصر بشبكات المافيا وذلك بعد وجودها معزولة إثر التحولات التي طرأت على النظام فانتشرت وتفرقت دول عديدة من العالم كالولايات المتحدة الأمريكية، ألمانيا، جيورجيا، أوكرانيا.

كما لعبت كذلك الانهيارات المتكررة للدول الاشتراكية مثل يوغسلافيا سابقا دورا كبيرا في تغذية المافيا الألبانية التي وجدت نفسها في أرض خصبة خاصة إذا علمنا بالأوضاع الأمنية القاسية والحرب الأهلية التي تعيشها المنطقة.

كما أن الاحتراف كذلك وجد له جذور في المنظمة الإجرامية عصابات الدراجين (ملائكة الجحيم)حيث أن هذه العصابات والتي تشكلت من مئات الجنود الأمريكيين المسرحين بعد الحرب العالمية الثانية والتي لم تتمكن من التأقلم والاندماج حيث سعت وراء المغامرة من خلال استعمال الدراجات النارية القوية ودخول عالم الإجرام وبالتالي
 
وضع كل التجارب الحربية والمهنية والاحتراف المكتسب في يد هذا التنظيم  ويعتبر شرط من شروط الجريمة المنظمة لأن هذه الجرائم في الغالب ذات أغراض مالية أي الكسب المادي السريع الذي يكفل تحقيق الربح الكثير في وقت يسير ، وهذا هدف لا يبلغه المتطلعون إلى الكسب المشروع, لأن المشروعية قيد تمنع الفرد من اللجوء إلى أسباب غير مشروعة, و الوسائل المشروعة تجد المنافسة ويحسنها جميع الأفراد, وبالتالي يقع فيه التنافس ويقل بسبب ذلك الربح.


أما في إطار  الجريمة المنظمة فإن من اليسير على القائمين و المخططين لها أن يبلغوا أهدافهم دون منافسة أو مزاحمة ، لأن معظم الناس لا يقبل المخاطرة في مجال الكسب, لاعتبارات أخلاقية واجتماعية ،ومن قبل منهم بالمخاطرة فإنه لا يحسن التصرف ولا يملك المؤهـلات التي تمكنه من التخطيـط الدقيق لعمل غير مشـروع يحقق له الربح ، ومعظم هؤلاء الذين لا يملكون مؤهلات الجرائم المنظمة ينكشف أمره بسرعة ويجدون أنفسهم فجأة في قبضة العدالة.

3- التعقيد:

إن تعقد تشكيلات هذه المنظمات الإجرامية وهيكلتها المتشابكة تجعلها صلبة وغير ممكنة الاختراق وهذا ما يميزها عن الجمعية البسيطة التشكيل التي يمكن أن ينكشف أمرها بمجرد ارتكابها لفعل إجرامي والقبض على شخص واحد منها ولهذا فإن سمة التعقيد في الهيكلة والتنظيم من المبادئ الرئيسية في هذه المنظمات الإجرامية وذلك لضمان ديمومة عملها فهي عادة ما تتخفى وراء شركات، محلات تجارية لتغطية أعمالها غير المشروعة،  وفي ظل التعقيد يجد المجرمون مجالاً رحباً لاختيار الأساليب التي تساعدهم على تجاوز القانون ، وهم فيما يفعلون لا يشعر أحد بحقيقة ما يقومون به ، وقد يخفى أمرهم على كثير ممن يشاركونهم العمل ، لأن زاوية الانحراف تكون غير واضحة ، ولهذا فإنهم يخفون تصرفهم المنافي للمشروعية بأعمال تبرز في ظاهرها على أنها أعمال مشروعة ، إلا أن ذكاءهم وخبرتهم مكنتهم من اقتطاف ثمرات مستعجلة ، تكون وسيلتهم إلى الكسب السريع .

4- القدرة على التوظيف والابتزاز:

تكمن هذه الخاصية في القدرة على الإيقاع بالغير في عالم الإجرام من خلال استعمال كل الطرق كالإيقاع بالفتيات الجميلات في عالم المخدرات لاستعمالهن في الدعارة، الإيقاع بالشباب في عالم المخدرات لاستعمالهم في عمليات السطو النصب، كذلك استعمال طرق المساومة والضغط مما يجعلهم في كثير من الأحيان يكتسبون أموالا دون عناء أو جهد كبير وذلك لخوف الغير من الافتضاح وهذا ما يجعلهم يفعلون أي شيء. هذه الخاصية مرتبطة بطبيعة الجرائم المنظمة، لأن المجرم لا يستطيع أن

        
يقوم  بعمله إلا أن طريق تسخير العناصر لتمكينه مما يريد ، وهو يستعمل في سبيل ذلك كل الوسائل الممكنة لإخضاع أفراد آخرين لقاء خدمات أو مصالح مادية أو معنوية وغالبا ما  يكون الإجرام المنظم ذكيا في اختيار الأشخاص الذين يتعاملون معه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، وهم قادرون على بسط سلطانهم على هؤلاء ، و الإمساك بهم في مواقف غير مشروعة وتوريطهم في قضايا مخالفة ثم يكون الابتزاز اللاحق واضحا ومكشوفا ، وإذا ما اعترض طريق الإجرام المنظم عائق من العوائق  تصدى له بكل وسائل المضايقة و القهر و التشويه حتى يزول ذلك العائق عن طريق وهم أقدر من خصومهم على ممارسة الضغط وأحيانا يصل الأمر إلى درجة التصفية الجسدية التي تمكن ذلك الإجرام من الاستمرار وممارسة دوره في الابتزاز و الكسب .
   
القدرة على توظيف الآخرين عن طريق شراء ضمائرهم أو عن طريق تخويفهم و الضغط عليهم يتيح للجريمة المنظمة أن تتوسع وتتحدد في شرايين الأجهزة الرسمية وغير الرسمية بحيث يكون المجرم في ظل الإجرام المنظم سيدا  قوي النفوذ باسطا ذراعيه على كل من حوله ، ويستخدم ذلك النفوذ لتحقيق أغراضه وأحيانا يدفع إلى مواجهة أشخاص من أصحاب النيات الحسنة و النوايا الطيبة لكي يؤدوا دورهم في خدمة الأعمال الإجرامية ، وفي البداية يعجز هؤلاء عن اكتشاف حقيقة العمل الذي يساهمون فيه ، فإذا اكتشفوا الحقيقة بعد حين وجدوا أنفسهم أمام حالة تورط في عمل غير مشروع ويخشون من قبضة العدالة، ويضطرون للاستمرار في أداء نفس العمل الذي كانوا يقومون به من قبل ، مما يوسع من دائرة الإجرام المنظم ، ويبسط من نفوذه إلى أن يكون سلطة قادرة على مواجهة سلطة الدولة ونفوذها.

كما بإمكانهم تغير طرق عملهم إذا ما اعترضهم أي مشكل طارئ مثال ذلك ما لجأت إليه مجموعات التبريد من تغير طريقة استهلاك الهيروين من الحقن في الدم إلى طريقة تتمثل في تدخينه و ذلك على اثر انتشار مرض السيدا واعتبار حقن الهيروين من بين أسباب انتشاره كذلك استعمال هذه المنظمات الإغراء المادي ( المال) الإيقاع بأي شخص له ثمن يمكن أن ينهار له فلا يمكن للقيم و الأخلاق أن تقاوم المال ،السيارات الفخمة ،المساكن  و حتى إغراء النساء





      5- اختراق الحدود:

إن تقنيات الاتصال الحديثة كالهاتف النقال ،الانترنت ،الفاكس،أصبحت تضفي على هذه الجريمة تسمية الجريمة العابرة للقارات بحيث انهارت مع هذا التطور في الاتصال على الحدود الجغرافية و السياسية حيث أصبح أطراف الجريمة متعددوا الجنسيات للسهولة التي يتلقاها هؤلاء في الاتصال و التنسيق و التنظيم حيث أنه يمكن ان يكون المدبر في الدولة و لمنفذ في دولة أخرى هذا ما طرح مشكلة الامتداد المكاني للجريمة المنظمة و الصعوبة الكبيرة في التعامل الدولي معهما.

من المؤسف أن هذا النوع من الإجرام الذي بدأ في المجتمعات الأكثر حضارة أخذ موقعه كأسلوب لا سبيل إلى مقاومته وبخاصة في ظل دول ومجتمعات لا تملك مقومات الإستراتيجيات الأمنية القادرة على بسط سلطان القوة ، مما جعل السلطات الأمنية تقف عاجزة أمام جبروت الإجرام في تحديه المستمر لقيم المجتمع وقوانينه


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه