نبذة تاريخية حول جريمة تبييض الأموال
إن ظاهرة تبييض الأموال
ظاهرة قديمة ظهرت مع ظهور الإنسان نفسه على سطح الأرض ودخوله في علاقات اجتماعية مع
بني جنسه تلك العلاقات بما انطوت على مطامع لدى البعض للاستحواذ على ما في يد
الغير من ثروة بطرق ملتوية ، و إلى حاجة الإنسان لمحاولة إخفاء وطمس مصادر ثروته
التي تحصل عليها من مصادر غير مشروعة ، فهي كما يرى الدكتور أمجد القطيفان الخريشة
" ظهرت قبل القرن الماضي بكثير وإن اختلفت غاياتها و وأساليبها عن وقتنا
المعاصر [1]
وعرف الصينيونمو رابي
عام 1728 قبل الميلاد قانونه الشهير ينظم العمليات المصرفية نظرا لما تكتسيه من
أهمية في الحياة الاقتصادية و التجارية للمجتمع ونظرا لكون هذا النوع من النشاط
كان مزدهرا في ذالك الوقت فقد احتوي هذا القانون على 151 بندا يتضمن المبادئ العامة
التي تراعي عمليات الصرف و الفائدة و الرهن و غيرها.
وعرف الصينيون في العهد القديم إخفاء الثروة ، حيث كان التجار يقومون باستثمار أموالهم في مناطق خارج إقليم الإمبراطورية الصينية خشية أن تصادر من قبل الأباطرة ، وترى مها كامل[2] أنها تعود 300 سنة خلت حيث كان
الصينيون يقومون بإخفاء عائدات أنشطتهم
التجارية عن طريق تحويل أصولها ، وهذا لنفس الغاية السالفة الذكر .
ويذهب آخرون أنها ظهرت
في القرون الوسطى لقيام المرابين بمحاولة إخفاء الفوائد الناجمة من الربا خشية من
أن تطلهم يد الكنيسة الكاثوليكية التي تحرم الربا وتجعله من الخطايا، كما لجأ تجار
المجوهرات بالهند على غسل أموالهم الناجمة عن تجارتهم خلال الدعارة،اسع عشر.
ولقد تم استعمال مصطلح
تبييض الأموال في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأزمة العالمية [3] من قبل
رجال الأمن الاتحاديين " الفيدراليين " وهذا للدلالة عن نشاطات جماعات
المافيا لقيامها باقتناء محالات تجارية بأموال ناتجة عن القمار و الابتزاز و
الدعارة ، و من بينها محالات الغسالات الكهربائية لخلط الأموال الناتجة عنها
بأموال المحصلة من العمليات غير المشروعة ، ويذكر الأستاذ الدكتور أمحمد سعود
قطيفان الخريشة [4] أن "
الوسائل الفنية الحديثة لتبييض الأموال تعود لسنة 1932 باشرها المسمى " Meyer Lansky" ماير لانسكي الذي كان يتوسط المافيا الإيطالية والأمريكية
خلال الحرب العالمية الثانية وذلك تسهيلا منه لدخول الحلفاء لجزيرة
صيقيلية .
وهناك من يذكر أنها ظهرت خلال فترة
السبعينيات عندما كان تجار المخدرات يقومون بغسل الدولارات الملوثة بآثار المخدرات
بواسطة البخار قبل أن يتم إيداعها البنوك، ويذهب البعض أنها ظهرت خلال فضيحة واتر
قايت water gate عام 1973 .
غير أنالثاني:مؤكد [5] أن مصطلح
تبييض الأموال أستخدم أول مرة عام 1988 في حكم المصادرة للأملاك العائدة من عمليات
الاتجار بالكوكايين الكولومبية.
الفرع الثاني : تعريف
تبييض الأموال
التبييض لغة هو التزين بإضافة
لون أبيض لتغطية اللون السابق الأصلي، ومن ثمة فإن استعمال التبييض هو لإخفاء
اللون السابق أو الأوساخ وغيرها.
والقاعدة الأصولية " أن كل مالا يتوصل إليه إلا بعمل حرام فهو حرام
"[6]
أي كل ما نتج عن حرام فهو حرام.
وفي الاقتصاد تعني المرحلة الزمنية التي تستغرقها عملية تبييض الأموال بدأ بمزج أو
توظيف الأموال الناجمة عن النشاطات غير المشروعة ثم خلطها بأموال أخرى شريفة
" أي من مصدر مشروع " ثم ضخها معا في النظام المالي، بحيث يصعب معه
التوصل إليها ومعرفة حقيقة مصادرها، الأمر الذي يمكن أصحاب العملية من إعادة تشغيلها
ثانية في أوجه أخرى مشروعة تكون محصنة من إجراءات المتابعة و المصادرة.
1. التعريف الفقهي:
تعددت التعريفات التي جاء بها الفقه لتبييض الأموال، غير أنهم يجمعون أنها
جريمة تنصب على إضفاء صفة الشرعية على مال غير مشروع.
فقد عرفت جمعية القانون لبريطانيا – ويلز – willes - غسيل الأموال عام
1997 بأنه " عملية تغيير طبيعة المال
القذر – أي متحصلات الجريمة و ملكيتها الحقيقية – حيث تبدو هذه المتحصلات وكأنها
مستقاة من مصدر مشروع "[7]
وعرفت المنظمة
الدولية للشرطة الجنائية ICPO غسيل الأموال " أنه يشمل كل عمل أو الشروع
فيه يهدف إلى إخفاء أو تمويه طبيعة المتحصلات المستمدة من طريق غير مشروع كي يبدو
وكأنها مستمدة من مصدر مشروع "
وعرفه البعض
بأنه" أي فعل يرتكب من شأنه إيجاد تبرير كاذب لمصدر الأموال الناتجة بصورة
مباشرة أو غير مباشرة عن نشاط غير مشروع، أو يساهم في عملية توظيف أو إخفاء أو
تحويل مثل هذه العائدات غير المشروعة [8]
وهناك اختلاف في
الفقه حول مفهوم أو نطاق الجرائم الأصلية التي يبنى عليها تجريم التبييض فالبعض
أخذ بالمفهوم الضيق بحصره على ألموال غير المشروعة الناتجة عن الاتجار بالمخدرات،
و هناك اتجاه أخر أخذ بالمفهوم الواسع شمل كافة النشاطات الإجرامية و الأعمال غير
المشروعة المدرة للأموال وليس فقط الأموال نتاج جرائم المخدرات [9]
ويتجلى المفهوم الضيق
ضمن المادة 03 من اتفاقية الأمم المتحدة بفيينا لعام 1988 لمكافحة الاتجار غير
المشروع في المخدرات و المؤثرات العقلية ، التي حثت الدول الموقعة على الاتفاقية
على" تجريم تحويل الأموال أو نقلها
مع العلم بأنها مستمدة من أي جريمة من جرائم المخدرات و إخفاء أو تمويه حقيقة
الأموال أو مصدرها أو مكانها أو طريقة التصرف بها أو حركتها أو الحقوق المتعلقة
بها مع العلم بأنها مستمدة من جرائم المخدرات " .
بينما يتضح لنا بأن
الأمم المتحدة قد أخذت بالمفهوم الواسع خلال الاتفاقية مكافحة الجريمة عبر الوطنية
المعتمدة و المعروضة للتوقيع و التصديق و الانضمام بموجب قرار الجمعية العامة رقم
25 للدورة 55 المؤرخ في 15 نوفمبر 2000 حيث نصت المادة 04 من الاتفاقية:"
تعتمد كل دولة طرف وفقا للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي م قد يلزم من تدابير
تشريعية و تدابير أخرى لتجريم الأفعال التالية جنائيا عندما ترتكب عمدا:
أ-
تحويل الممتلكات أو نقلها مع العلم
بأنها عائدات جرائم بغرض إخفاء
أو تمويه المصدر غير المشروع لتلك الممتلكات أو مساعدة أي شخص ضالع في ارتكاب الجرم
الأصلي الذي تأتت منه على الإفلات من العواقب القانونية لفعلته.." وقد عرفت
المادة 6/2 من اتفاقيالجنائية أعتبرمة الخطرة " كل سلوك يمثل جريمة يعاقب
عليه القانون بسلب الحرية مدة لا تقل عن 04 سنوات ".
فالاتجاه
الدولي في إطار السياسة الجنائية أعتبر أن
كل الجرائم تعد أصلا لجريمة تبييض الأموال ، حيث أن الجماعات الإجرامية المنظمة
تتاجر في الكثير من السلع و الخدمات غير المشروعة ويربحون منها أموالا طائلة تقتضي
التبييض ففي روسيا مثلا نصف أنشطة
الإجرامية للمافيا تنحصر في الغش والابتزاز و السيارات المسروقة و الأسلحة و مواد
الدفاع و الهجوم و النساء " الرقيق الأبيض و استغلال الدعارة أو الاسترقاق
الجنسي " بالإضافة على النشاطات الإجرامية المنصبة على الجرائم المستحدثة
" الاتجار في الأعضاء البشرية – السياحة الجنسية – الأسلحة البيولوجية و
النووية - الأسرار الصناعية .. وغيرها
2.التعريف القانوني:
عرف المشرع الجزائري
جريمة تبييض الأموال بالمادة 02 من قانون 05-01 المؤرخ في 06 فبراير 2005 و
المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال و تمويل الإرهاب ومكافحتهما و كذا بالمادة 389
من قانون 06 - 22 المؤرخ في 18 ديسمبر
2006 المعدل و المتمم لقانون العقوبات، بقوله " يعتبر تبييضا للأموال:
1-
تحويل
الممتلكات أو نقلها مع علم الفاعل بأنها عائدات إجرامية بغرض إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع لتلك الممتلكات أو مساعدة أي شخص متورط
في ارتكاب الجريمة الأصلية التي تحصلت منها هذه الممتلكات على الإفلات من الآثار
القانونية لأفعاله.
2-
إخفاء أو تمويه
الطبيعة الحقيقية للممتلكات أو مصدرها أو مكانها أو كيفية التصرف فيها أو حركتها
أو الحقوق المتعلقة بها مع علم الفاعل أنها عائدات إجرامية.
3-
اكتساب الممتلكات
أو حيازتها أو استخدمها مع علم الشخص القائم بذلك وقت تلفيها أنها تشكل عائدات
إجرامية.
4-
المشاركة في
ارتكاب أي من الجرائم المقررة وفقا لهذه المادة أو التواطؤ أو التأمر على ارتكابها
أو محاولة ارتكابها و المساعدة و التحريض على ذلك وتسهيله و إسداء المشورة ".
فالمادتين السالفتين الذكر حددتا حصريا الأفعال
المحددة و الواقعة في نطاق جريمة تبييض الأموال دون أن تضييق في طبيعة الجريمة الأصلية بل اعتبرت كافة الجرائم
محلا و مصدرا للتبييض .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق