الأفعال المادية المشكلة لجرائم ضد الإنسانية في القانون الدولي

0


: الأفعال المادية المشكلة لجرائم ضد الإنسانية
الجرائم ضد الإنسانية كبقية الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ذات علاقة وثيقة بحقوق الإنسان لأنها تحصر القيم الأساسية التي ينبغي أن تسود في المجتمع الدولي.
و كما أشار إليه (بيار تروش ( Pierre Truche-  ؛فإن الجريمة ضد الإنسانية إنكار للإنسانية من أعضاء جماعة بشرية ، تطبيقا لإيديولوجية معينة، و لا تعد جريمة رجل ضد رجل  و لكنها تنفيذا لمخطط مدروس لاستبعاد أساس عن الجماعة البشرية. و يضيف أنه لا اقتراف للجريمة ضد الإنسانية دون أن يكون هناك إيديولوجية أساسها و هدفها الهيمنة، و تتجسد هذه قي إتباع سياسة معينة.
و قد نص النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 على الأفعال التي تشكل  جرائم ضد الإنسانية في المادة السابعة منه بنصها أي فعل من الأفعال التالية متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أي مجموعة من سكان المدنيين و على علم بالهجوم وارتأينا أن تتطرق لما يلي من الأفعال .
1- القتل العمد.جريمة القتل العمد هي إحدى الجرائم ضد الإنسانية وردت في الفقرة الأولى من المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية  الدولية.
2- الإبادة : نصت المادة السابعة الفقرة الأولى على الإبادة كصور من صور الجرائم ضد الإنسانية ووفقا لملحق النظام الأساسي فإن عملية الإبادة تكون:
بقيام المتهم بقتل شخصا أو أكثر أو بإجبار الضحايا على العيش في ظروف تؤدي حتما إلى هلاك جزء من مجموعة السكان المدنيين، و هنا لاتهم الوسيلة المستعملة في القتل، و يرى الأستاذ البسيوني أنه يدخل في إطار هذه الأعمال محاصرة السكان المدنيين على نحو يمنع وصول الأدوية الضرورية إليهم ، و من تم هلاك السكان المدنيين و هو الشيئ الذي حدث في العراق حيث أنه تمت محاصرته من 1991 إلى 2002 مما أدى إلى موت مليون طفل نظرا لنقص الأدوية.
الإضافة إلى أنه يجب أن ترتكب الأفعال السابقة في إطار عملية قتل جماعي.
3- الاسترقاق :و نعني بالاسترقاق ممارسة أي من السلطات المترتبة على حق الملكية، أو هذه السلطات جميعها على شخص ما، بما في ذلك ممارسة هذه السلطات في سبيل الاتجار بالأشخاص و لا سيما النساء و الأطفال .
و يرى الأستاذ علي عبد القادر القهوجي أنه لا يشترط لوقوع الجريمة ضد الإنسانية بهذا الفعل، أن يكون الاسترقاق متعلقا بمجموعة من السكان تربطهم إحدى الروابط السابقة ، إذ ترتكب هذه الجريمة مجرد تكرار استرقاق مجموعة من الأشخاص المقيمين على أرض الدولة أو حتى خارجها لطالما أن هذا السلوك تنفيذا لسياسة دولة أو منظمة أو برضاء منها لأنه ينسجم من تلك السياسة     و يعززها.
4- الإبعاد أو النقل القسري للسكان :نعني بإبعاد السكان أو النقل القسري حسب الفقرة ((2)/ د) من المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية أن ينقل الأشخاص المعنيين قسرا من المنطقة التي يوجدون فيها بصفة مشروعة بالطرد أو بأي فعل قسري آخر دون مبررات يسمح بها القانون الدولي.
و لكن نطرح التساؤل التالي ماذا لو قامت الدولة بترحيل سكانها لأسباب أمنية ؟
و الحقيقة أن هذا السؤال أجابت عنه المادة 31/1 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ويمكن اعتباره كاستثناء حيث تنص "أنه لا تطبق المادة (7/1/د) في حق الجناة أمام المحكمة الجنائية الدولية متى كانت عمليات النقل أو الترحيل تبررها الضرورة.
5- ا لسجن و الحرمان الشديد من الحرية البدنية: نصت المادة 7 /(هـ) على اعتبار السجن أو الحرمان الشديد على أي نحو آخر من الحرية البد نية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي كجريمة ضد الإنسانية.
6-التعذيب: ورد التعذيب في المادة 7/1/و و قد فسرته الفقر (2/هـ) من نفس المادة كالتالي :"إلحاق ألم شديد أو معاناة شديدة سواء بدنيا أو عقليا،بشخص موجود تحت إشراف المتهم أو سيطرته،و لكن لا يشمل التعذيب أي ألم أو معاناة ينجمان فحسب على عقوبات قانونية أو يكونان جزءا منها أو نتيجة لها".
و التعذيب بمفهومه الدقيق ينطوي على قدر من الجسامة و الخطورة بحيث يلغي من يمارسه كافة اعتبارات للإنسانية   و الاحترام الواجبة لآدمية الإنسان حيث يقوم بممارسة هذه الأفعال و لهذا عدت جريمة التعذيب من الجرائم ضد الإنسانية.
7-جرائم العنف الجنسي : تعتبر جرائم العنف الجنسي من الصور الحديثة للجرائم ضد الإنسانية   و قد أشارت إليها المادة 7/1/(ر) و تضم الاغتصاب،الإبعاد الجنسي ،الإكراه على البغاء ،الحمل القسري، التعقيم القسري،أو أي شكل من أشكال العنق الجنسي و تتضمن :
أ‌- الإغتصاب: و حسب نظام المحكمة الجنائية الدولية فإن جريمة الإغتصاب (1) تقوم باعتداء من الجاني على المجني عليه يستوي فيه أن يكون المجني عليه رجلا أو امرأة فأي اعتداء على الحياء



 
(1) تناولها قانون العقوبات الجزائري في المادة 336 و استعمل لفظ هتك عرض بدل الإغتصاب بينما النص الفرنسي نجد عبارة viol  و الذي يعني الإغتصاب.
العرضي للمجني عليه بمثابة اغتصاب بحيث أن نظام المحكمة الجنائية الدولية وسع من هذا المفهوم و يجب أن ترتكب هذه الأفعال تحت الاعتداء أو التهديد بالاعتداء.
ب‌-  جريمة الاستعباد الجنسي: و حسب ملق نظام المحكمة الجنائية فإن هذه الجريمة تعني أن يمارس الجاني سلطته على شخص أو مجموعة من الأشخاص بوصفه مالكا له كالقيام بأعمال البيع أو الشراء أو الإعارة أو المقايضة(1) و إجبارهم على ممارسة الأفعال الجنسية.
ج -الإكراه على البغاء: إن الأفعال المجرمة في جريمة الإكراه على البغاء و على اعتبار المحكمة الجنائية الدولية هي تلك الأفعال التي قد تقع من رجل أو امرأة مع آخر أو على نفسه طالما حملت الدلالة أو الإيحاء ذات الطابع الجنسي و في الوقت ذاته فإن المقابل المالي في هذه الجريمة لا يحصل عليه الضحية أو الضحايا إنما يذهب إلي  الجاني الذي يكره هؤلاء الضحايا على مثل هذه الجريمة.
د -جريمة الحمل القسري:من خلال استقراء المادة 7/2/و و كذا ملحق الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فإن هذه الجريمة تقوم باحتباس مرتكب الجريمة امرأة أو أكثر حملت بالقوة بهدف التأثير في التكوين العرقي لدولة أو لمجموعة عرفية من السكان.
ه- جريمة التعقيم القسري: مفاد هذه الجريمة جعل الإنسان سواء ذكر أو أنثى غير قادر على الإنجاب بأي طريقة كانت بشرط ألا تكون عملية التعقيم تتطلبها ضرورات العلاج،لأنه بذلك ينتفي القصد الجنائي(2).
و- العنف الجنسي: و تتلخص هذه الجريمة في قيام الجاني بارتكاب فعلا جنسيا ضد المجني عليه أو بإجباره على ممارسة هذه الأفعال وذلك باستخدام القوة أو التهديد باستخدامها و الفعل الجنسي هنا جاء مطلقا دون تقييد.
و اشترطت المادة السابعة من الملحق أن يكون هذا التصرف على درجة من الخطورة تمكن مقارنتها بالجرائم الأخرى المنصوص عليها في الفقرة (1)/(ز) من نفس المادة السابقة.
8- جريمة الاضطهاد:من خلال استقرائنا فحوى المادتين السابعة/(ح) و كذى الفقرة الثانية نستنتج أن جريمة الاضطهاد تواجه أي انتهاك للحقوق الأساسية للمواطنين كحق الإنسان في التنقل أو حريته في التعبير عن رأيه أو حقه في رعاية صحية كاملة.

 

(1) أبرمت العديد من الاتفاقيات الدولية من أهمها اتفاقية الأمم المتحدة التي أقرتها الجمعية العامة بقرارها 317 (د/ب) في 06/10/1949 و التي دخلت حيز النفاذ في 25/07/1951 حاربت جريمة الدعارة و ما يصاحبها من أفت الإتجار في الأشخاص لأغراض الدعارة و ما لهذه الجريمة من أثر يتعدى الفرد إلى المساس بمصلحة الجنس البشري كله.

 (2) صدر في ألمانيا قانون 14/جويلية 1933 تمكنت ألمانيا فيه من تعقيم 45 ألف شخص في 1934 حيث كان الحماية قاسرا على الأشخاص الذين يتمتعون بالصحة.
و تعتبر جريمة عنصرية لأنها تستهدف الأشخاص بسبب انتمائهم لفئة أو جماعة محددة،و يكون ذلك لسبب طائفي أو قومي،بمعنى أن ترتكب جريمة الاضطهاد لأسباب عرقية أو وطنية أو إثنية أو ثقافية أو دينية أو نوع الجنس أو أسس أخرى محظورة حسب القانون الدولي.
و نلخص إلى أن جريمة الاضطهاد تواجه أي فعل يعد جريمة ضد الإنسانية و لا يندرج ضمن التصنيف السابق للجرائم ضد الإنسانية كالقتل أو الإبادة.
9-  جريمة الاختفاء القسري للأشخاص: نص على هذه الجريمة الفقرة 1/(ط) من المادة السابعة من نظام المحكمة الجنائية الدولية،و تقوم هذه الجريمة حسب الملحق الخاص بالنظام الأساسي على 03 أفكار أساسية:
الأولى:  تمكن في قيام الجاني الذي قد يكون دولة أو منظمة سياسة بإلقاء القبض على المجني عليه أو احتجازه أو اعتقاله و قد يكون دور الدولة هنا مجرد العلم بها و السكوت عنها.
الثانية: تتمثل في رفض الجاني الإقرار بحرمانه المجني عليه من حريته أو إعطاء أي معلومة عن مكانه أو مصيره.
الثالثة: و هي ارتكاب الأفعال السابقة بهدف حرمان المجني عليه و يرى الأستاذ الحجازي أنه يمكن إدماجها ضمن القصد الجنائي الخاص لهذه الجريمة، الذي سوف نتكلم عنها لاحقا في المطلب الموالي.و يشترط في الأفعال السابقة أن ترتكب باسم الدولة أو منظمة سياسية معينة و بدعم منها لهذا التصرف أو الإقرار به.
10-  جريمة الفصل العنصري:إن المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نصت على أنه:"يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة و الحقوق و قد وهبوا عقلا و ضميرا،و عليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإيخاء".و تضيف المادة الثانية"لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق     و الحريات الواردة في هذا الإعلان دون تمييز" كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو رأي آخر أو الأصل الديني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر.
و لذلك فإن الفصل أو التمييز العنصري يتضمن أي فعل غير إنساني لفرد أو مجموعة أفراد على أساس العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين............إلخ  حسب ما ورد في المادتين أعلاه،و يشترط في هذه الأفعال حسب نظام المحكمة الجنائية الدولية(1)أن ترتكب من جانب جماعة عرقية ضد جماعة عرقية أخرى.



 
(1) الفقرة 1/ي من المادة السابعة من النظام الأساسي
 11- الأفعال اللاإنسانية المسببة للأذى البدني و العقلي الجسمي:وردت هذه الجريمة ضمن الفقرة (1/ ك) من المادة السابعة من نظام المحكمة الجنائية :"يعد جريمة ضد الإنسانية ،الأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تسبب عمدا في معاناة شديدة ،أو في أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية"
و هنا على عكس الصور الأخرى للجرائم ضد الإنسانية نلاحظ أن النص جاء على إطلاقه،فذكر الأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل لتلك الأفعال المشار إليها في المادة 7/1 كالتعذيب أو الاعتقال أو الحجز أو أي حرمان من الحقوق الأساسية كحق المأكل و المشرب و التنقل و يجب أن تسبب هذه الأفعال في معاناة شديدة للمجني عليه أو تمس سلامته الجسدية سواء عقله أو بدنه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه