الخـــــــــــــــبرة في القانون الجزائري

1

: الخـــــــــــــــبرة

            قد يتعذر على القاضي في بعض القضايا المطروحة عليه أن يباشر بنفسه تحقيق في كل أو بعض وقائع الدعوى ، سيما إذا كان التحقيق فيها يتطلب الإلمام بمعلومات فنية دقيقة وهي خارجة نوعا ما عن معارف القاضي ، ولذا يجوز له أن يستعين بالخبراء المختصين في كل المسائل التي يستلزم الفصل فيها استيعاب نقطة فنية معينة، أو كان الفصل في النزاع يتوقف على معرفة معلومات فنية في أي فرع من فروع المعرفة إذ ليس على القاضي أن يكون خبيرا في كل المواد والأمور التقنية المطروحة عليه بل يفترض فيه أن يكون ملما بالمبادئ القانونية والقواعد الفقهية والأحكام القضائية التي هي من صميم وظيفته لذا يمكنه تعيين خبير ولكن هذا لا يمكن أن يكون في أي حال من الأحوال منح من صلاحيات القاضي للخبراء مثل سماع الشهود أو إجراء تحقيق (1) فللقاضي الحرية في ندب الخبراء وبأي عدد يحدده وفي أي مجال من المجالات التي يراها مناسبة دون التنازل لهم عن صلاحياته المخولة قانونا وذلك ما جاءت به صريح المادة : 48 من قانون الإجراءات المدنية " يعين القاضي الخبير إما من تلقاء نفسه أو بناءا على إتفاق الخصوم ".

        وقد جاء في عديد من قرارات المحكمة العليا ما يلي بيانه " من المقرر قانونا أن المهمة التي يكلف بها الخبراء المنتدبين من جهة قضائية معينة تنحصر في جمع المعلومات الفنية التي تساعد القاضي على حسم النزاع وتصور له القضية بصفة أعم وأشمل ، وانه لا يمكن أن تتحول هذه المهمة إلى منح الخبير صلاحيات القاضي مثل سماع الشهود وإجراء التحقيق ولما كان كذلك فان القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا للقانون" (2) وجاء في قرار آخر " من المقرر قانونا وقضاءا أن يأمر القاضي بإجراء الخبرة  وتعيين الخبير مع توضيح مهمته التي تكتسي طابعا فنيا بحتا مع مراعاة عدم التخلي عن صلاحيات القاضي لفائدة الخبير" (3)  .                                                                                


 


1- الدكتور الغوثي بن ملحة : المرجع السابق الصفة 124.

2- ويلاحظ في الوقت الحالي كثرة لجوء القضاة إلى تعيين الخبراء حتى لأمور لا تستوجب ذلك .

3- قرار مؤرخ في 20/11/1985 ملف رقم 34653 المجلة القضائية لسنة 1989 العدد 04 الصفحة 71 .


                                                                                               أولا : سلطة القاضي في تعيين الخبير

         للقاضي الحق في تعيين خبير في الدعوى متى تبين له ذلك فله وحده تقدير لزوم أو عدم لزوم هذا الإجراء ، ولا معقب عليه في ذلك متى كان رفضه لتعيين خبير طلبه أحد الخصوم جاء لأسباب مبررة

        مع الإشارة أن هناك  من الحالات التي يلزم  فيها القانون تعيين خبير و في الغالب  تبقى السلطة التقديرية للقاضي في غير هذه الحالات المحددة قانونا، هي الأساس و من الحالات التي ألزم فيها المشرع القاضي بالرجوع إلى خبير لحسم النزاع مثل الحالات المنصوص عليها في المادة  358 من القانون المدني الخاص بالغبن الذي يزيد عن الخمس والمادة 724 من نفس القانون الخاص بقسمة المال بين الشركاء وكذا حالات طلب رفع بدل الإيجار المنصوص عليها في المادة : 124 من القانون التجاري وكذلك الحالات الخاصة بالتعويض عن حوادث المرور وحوادث الشغل وغيرها من الحالات التي لا تملك فيها المحكمة وسيلة أخرى غير الخبرة للفصل في القضايا المطروحة عليها .                           

      والخبرة هنا تصبح مسألة قانونية لا بد من مراقبتها من طرف المحكمة العليا وكل إخلال بها يترتب عليه نقض القرار، وإذا كان قاضي الموضوع لا يخضع لرقابة المحكمة العليا بصدد عدم الاستجابة لطلب ندب خبير فانه يجب أن يكون رفضه قائما على أسباب مبررة أما إذا كان حكمه غير مسبب أو دون ذكر سبب معقول فيه لرفض الخبرة ودون أن يكون للمدعي وسيلة أخرى لإثبات ما يدعيه يكون القاضي بهذا قد أخل بحقوق دفاع الخصم الذي يعتبرها الوسيلة الوحيدة في الإثبات والتي هي حق لا يسمح القانون بحرمانه منه (1).                                                                                                            










 


1. الدكتور عبد الوهاب العشماني:  نفس المرجع الصفة 226-227 .



                                      

ثانيا : موقف القاضي من تقرير الخبرة

       مبدئيا القاضي غير ملزم برأي الخبير (1) إذ يكون لقاضي الموضوع الحرية التامة في تقدير عمل الخبير الذي ندبه فله إن يأخذ برأيه إذا تبين له أن الحق في جانب هذا الرأي الذي وصل إليه الخبير في تقرير خبرته سيما إذا لم يعترض أحد الخصوم على ما يشير إليه تقرير الخبرة ، كما لقاضي الموضوع أن لا يأخذ برأي الخبير إذا رأى أن تقريره يشوبه البطلان أو أن استنتاجه غير صحيح أو مخالف للواقع أو متناقض مع الوثائق التي قدمها الخصوم في الدعوى ذلك أن القاضي هو خبير الخبراء إذا لم يقتنع الاقتناع الكامل له أن يجري خبرة جديدة ولقد تأكد مبدأ حرية القاضي في تقرير الخبرة في نص المادة 54 الفقرة الثانية من قانون الإجراءات المدنية حيث جاء فيها " إذا رأى القاضي أن العناصر التي بني عليها الخبير تقريره غير وافية فله أن يتخذ جميع الإجراءات اللازمة وله على الأخص أن يأمر باستكمال التحقيق أو أن يستدعي الخبير أمامه ليحصل منه على الإيضاحات والمعلومات الضرورية والقاضي غير ملزم برأي الخبير" .

       وبذلك فان المادة 54 من قانون الإجراءات المدنية قد أوضحت بعضا من المواقف التي قد يأخذها القاضي وهو يدرس و يتمحص تقرير الخبرة فإما أن يقتنع برأي الخبير ويراه مناسبا ومقنعا ومتناسقا مع بعضه البعض  وبالتالي فهو يتبنى رأي الخبير ويحكم بالموافقة على جميع ما جاء بالتقرير " من المقرر قانونا أنه إذا كانت المسألة محل الخبرة فنية تخرج عن اختصاص القاضي فان هذا الأخير يلتزم برأي الخبير فإذا حدد الطبيب نسبة مئوية لعجز شخص معين فلا يجوز للقاضي أن يخفض هذه النسبة إلا إذا استند إلى خبرة طبية أخرى (2) وإما أن يرفض الخبرة كلية.                              

        كما قد يرى القاضي أن بعض النقاط في التقرير جاءت غامضة وبالتالي لا يمكن الموافقة على الخبرة  إلا بعد أن توضح تلك النقاط الغامضة كما يجوز للقاضي أن يأمر الخبير باستكمال النقص الموجود في التقرير ويجوز له في المقابل أن يجزأ رأي الخبير.                    

       وفي كل الأحوال يجب على القاضي أن يعلل حكمه وإلا كان مشوبا بالقصور فلا يمكن للقاضي أن يؤسس رفضه لتقرير الخبير على مجرد التخميم أو الجهل .

 



 


1- قرار رقم 49302 المؤرخ في 11/04/1988 المجلة القضائية لسنة 1992 عدد 02 الصفحة 40.

2- الدكتور آدم وهيب الندوي نفس المرجع  السابق الصفحة 211.


        ومن بين أهم القيود التي ترد على سلطة المحكمة في تقدير رأي الخبير ما يلي :

1. دراسة الخبرة المقدمة بعمق ومحاولة جمع ما لديها من قوة وعدم التسرع في تقديرها.

2.عدم تشويه أو تغيير طبيعة التقرير عند تفسيره .

3.على القاضي تسبيب حكمه سواء كان قد صادق على تقرير الخبرة أو أخذ بما يخالفه ، وسواء أجريت خبرة واحدة أو عدة خبرات .

        وللإشارة فان تقرير الخبرة لا بد أن يقدم محررا وموقعا عليه من طرف الخبير ، كما يمكن أن يقدم شفويا إذا طلبت هيئة المحكمة ذلك ولابد أن ينجز التقرير في المدة التي حددها القاضي ويودع كتابة الضبط في المدة المحددة.                                                                                                  

        وان عين عدة خبراء  فيقومون بتقرير واحد إذا اتفقوا أما إذا لم يتفقوا فيقدم كل واحد منهم تقريره ويبدي رأيه مع التعليل  (1).

        وتقرير الخبرة لابد أن يتضمن جزأين فالجزء الأول يحتوي على تاريخ ومنطوق الحكم الذي عين به الخبير والمهام المحددة له واستدعاء الخصوم والسماع لهم ، أما الجزء الثاني يتضمن رأي الخبير وعادة ما يقفل المحضر بذكر التاريخ والمكان وبإمضاء الخبير(2) .                                            

       وتقرير الخبرة حجة بما اشتمل عليه من تاريخ وحضور الخصوم أو غيابهم أما فيما يتعلق بما أبداه الخصوم من الأقوال فقد كان القضاء الفرنسي يعتبره  حجة بما تضمنه .

      ولكن الأحكام الحديثة تميل إلى إطلاق سلطة المحكمة في تقديرها عند تكوين اعتقادها وأما ما استنبطه الخبير فليس له هذه القوة وللخصوم أن يدحضوه وأن يظهروا خطأه أو عدم مطابقته للوقائع بكل طرق الإثبات.                                                                                                               

      ولابد من الإشارة في نفس السياق أنه  لا يصح الاحتجاج على تقرير الخبير إذا كان هذا الاحتجاج صادر من طرف  لم يكن  خصما في الدعوى التي ندب فيها هذا الخبير(3) .                                  


 


1.  محمود توفيق اسكندر:  الخبرة القضائية -  دار هومة -   طبعة 2002 -   صفحة 72 / 73

 2. الدكتور عبد الوهاب العشماوي : المرجع السابق صفحة 223 .





إجراءات أمر الأداء

1

إجراءات أمر الأداء

   إن إجراءات استصدار أمر الأداء عبارة عن إجراءات سهلة بالمقارنة مع إجراءات التقاضي العادية ،حيث أنها تتميز بالتبسيط من أجل الحصول على مقرر قضائي تنفيذي لتحصيل الدين المطالب بــه.

الفرع الأول 

إجراءات إصدار أمر الأداء

    عمليا يقدم الدائن عريضة من نسختين إلى أمين الضبط التابع لرئاسة المحكمة المختصة محتوية على البيانات التي تطلبها القانون وهي هوية الدائن والمدين ومهنة كل واحد منهما وموطنه ومقدار المبلغ المطالب به على وجه التحديد وسببه، ويرفق المعني بعريضته جميع الوثائق الثبوتية المؤيدة لأقواله والموضحة لمقدار الدين المطلوب وبصفة خاصة جميع الكتابات الصادرة من المدين والمشار فيها إلى الاعتراف بالدين أو التعهد بالوفــاء[1] .

      يقدم أمين الضبط العريضة ومرفقاتها في شكل ملف إلى رئيس المحكمة ليتفحصها ويصدر أمره المناسب على ذيلها بالرفض أو القبول دون حاجة إلى أن يسبب أمره تسبيبا مفصلا مكتفيا بالإشارة إلى أنه اطلع على العريضة وعلى الوثائق المرفقة بها، فإذا ظهرت لرئيس تلك الجهة القضائية الابتدائية صحة الدين فإنه يصدر أمره بأسفل العريضة ووجوب إبلاغ أمر الأداء إلى المدين، وهنا يوجب القانون على أمين ضبط المحكمة أن يقدم إلى العارض مستخرجا من أمر الأداء في شكل شهادة تتضمن هوية الأطراف المذكورة في العريضة وتاريخ أمر الأداء ومبلغ الدين وسببه ورقم قيد العريضة في السجل الخاص بأوامر الأداء المعد لهذا الغرض، ومن الناحية التطبيقية يعيد أمين الضبط إلى العارض إحدى النسختين من عريضتـه مؤشـرا على ذيلـها بأمــر رئيس المحكمة لتبليغها مع ذكر رقم قيدها في السجــل.

     يقوم العارض بعد ذلك بعملية تبليغ الأمر والعريضة إلى المدين بواسطة المحضر القضائي

 الذي يقع عنوان المدين بدائرة اختصاصه، فيسلم له هذا العون القضائي الوثيقتين وينذره في محضر تبليغه بأن يسدد الدين المطالب به وملحقاته من فوائد ومصروفات والمصاريف القضائية وأتعاب المحضر ذاته وهي مبالغ ينبغي أن تذكر جميعها بالتفصيل ويجب أن يتم دفعها في ميعاد خمسة عشر (15) يوما من تاريخ ذلك التبليغ وإلا أجبر على الدفع بجميع الطرق القانونية وهذا طبقا لنص المادة 178/1و2 من قانون الإجراءات المدنية،كما ينبغي على المحضر القضائي الذي يتولى عملية تبليغ المدين أن يذكر في محضر التبليغ الذي يعده لهذا الغرض بأنه نبهه إلى أنه إذا كانت لديه أوجه دفاع مخالفة يمكنه رفع اعتراض على أمر الأداء المبلغ له خلال ميعاد الدفع المذكور "15 يوما" وأنه عليه في هذه الحالة الأخيرة أن يقوم بدفع مبلغ مصاريف لأمر المبلغ إليه (الرسوم القضائية وأتعاب المحضر والرسم على القيمة المضافة )[2].

الفرع الثاني

 طرق الطعن في أمر الأداء

      غني عن البيان أن الدائن إذا رفض طلبه لا يمكنه أن يعارض في أمر الرفض لأنه يصدر حضوريا بالنسبة إليه، أما المدين فلم يخوله المشرع حق المعارضة في ذلك الأمر الذي يصدر في غيبته ،وإنما سمح له بأن يطعن في أمر الأداء عن طريق الاعتراض عليه أمام نفس المحكمة. ويجوز استئناف الأمر أمام المجلس القضائي بتقنيات خاصة بهذا النظام الاستثنائي، فهذان الطريقان منصوص عليهما في قانون الإجراءات المدنية ويمكن للمدين أن يطعن في أمر الأداء بطريق النقض وهذا شأن مختلف فيه حسب الاجتهاد القضائي الفرنسي، كما يجوز للغير المضرور من صدور أمر الأداء أن يطعن فيه بطريق اعتراض الغير الخارج عن الخصومة ،وفقا للقواعد العامة المنظمة لهذا الطريق الغير عادي للطعــن.

1-       الاعتراض على أمـر الأداء :

    خول قانون الإجراءات المدنية إلى المطلوب الحق في رفع اعتراض عـلى أمر الأداء في المادة 179 التي نصت على أنه :" ترفع المعارضة في أمر الأداء بكتاب يسلم إلى قلم كتاب الجهة القضائية التي صدر عنها الأمر ...  ".

     تجدر الإشارة هنا في البداية إلى رفع بعض اللبس عن بعض المصطلحات الواردة في هذه المادة، فالمعارضة التي تقصدها المادة هي ترجمة خاطئة لكلمة "contredit"  التي تعني اصطلاحا "اعتراض" مثلما هو منصوص عليه في الصياغة الأصلية للنص الذي أعد سنة 1966 باللغة الفرنسية منقولا عن النص الفرنسي الموروث ،وأن كلمة "كتاب" الذي يرفع بمقتضاه الاعتراض في أمر الأداء عبارة عن عريضة أو رسالة بسيطة مثلما هو وارد في الصياغة المفرنسة للمادة بعبارة " une simple lettre "، كما أن عبـارة " قلم الكتاب" تعني كتابة الضبط.

    ويثور التساؤل بشأن نوعية الجهة القضائية التي ينبغي رفع الاعتراض أمامها ؟

    ولكن في الحقيقة والواقع أن تحفظ الشخص المطالب بدفع الدين بموجب أمر الأداء يجعل منه آخذا لموقف المدافـع وغير المعترف بالدين أو على الأقل بجزء منه سواء لأنه أوفى به أو لأنه سقط بالتقادم أو لعدم أحقية العارض فيه أصلا ومثل هذه الدفوع تناقش أصل الحق وجوهر النزاع وعليه ينبغي ترك الأمر إلى قضاء الموضوع ليمحصه سواء أمام القاضي المدني أو التجاري حسب الأحوال، وهنا تنقلب الأوضاع ويصبح المعترض على الدين مدعيا ينبغي عليه تسبيق مصاريف رفع دعواه ويصبح العارض السابق مدعي عليه، وتأخذ المنازعة مجراها الإجرائي العادي ويتبادل طرفاها مذكراتهم ومقالاتهم وطلباتهم إلى أن ينتهي النزاع بصدور حكم قضائي قابلا للاستئناف[3].

2- استئناف أمر الأداء:

    نصت المادة 181/1 من قانون الإجراءات المدنية على أنه :"إذا كان أمر الأداء قابلا للاستئناف فيسري ميعاد الاستئناف من تاريخ انتهاء ميعـاد المعارضة "الاعتـراض" أومن تاريخ النطق بالحكم الصادر برفضها ... "

     فالأمر الصادر عن رئيس المحكمة يعد حكما في مضمونه رغم أن شكله أمر ولائي و بإرادة المشرع خول لمن صدر ضده أن يستأنفه أمام الغرفة المدنية بالمجلس القضائي في حدود ما ورد بالمادة 02 من قانون الإجراءات المدنية.

     فالاستئناف يمكن رفعه من المدين وحده في الحكم الصادر في الاعتراض بعد انقضاء أجله "15 يوما من تاريخ تبليغه أمر الأداء " ويبقى ميعاد الاستئناف تحكمه القواعد العامة المنصوص عليها بالمادة 102 وهي مدة شهر من تاريخ التبليــغ.

     تجدر الإشارة إلى أن الحق في الاعتراض على أمر الأداء يسقط إذا طعن فيه مباشرة بالاستئناف لأن ذلك يعد تنازلا ضمنيا عنه، كما أن أمر الأداء الذي لم يحصل فيه اعتراضا ولم يمهر بالصيغة التنفيذية خلال سنة (06) أشهر من تاريخ صدوره يسقط تلقائيــا ولا يترتب عنه أي أثــر[4].

 3- الطعن بالنقض في أمـر الأداء:

     لقد كانت محكمة النقض الفرنسية في البداية متساهلة في قبول الطعن بالنقض في أوامر الأداء متى انتهت أجال الطعن فيها أمام قضاء الموضوع بالطرق العادية التي رسمها القانون وأعطى الاجتهاد القضائي الفرنسي أمثلة على حالات قبل فيها الطعن مثل حالة تسليم الصيغة التنفيذية لأمر الأداء قبل فوات الأجل القانوني لتشكيل الاعتراض عليه وهو مدة شهر من تاريخ التبليغ، وحالة الاستجابة إلى طلب العارض في تثبيت أمر الأداء دون مراعاة الاعتراض الذي سبق أن رفعه الطرف المقابل ، ومثل الحالة التي ينصب فيها الاعتراض على أمر متقادم.

   وقضت محكمة النقض الفرنسية بأن الطعن لا يكون له موضوعا إلا إذا كان منصبا على افتقاد المشروعية الشكلية لأمر الأداء  " نقض في 23/01/1991 ".

   ومن الأمثلة الأخرى التي قبلت فيها المحكمة العليا الفرنسية الطعن بعد ذلك، نذكرأيضا حالة وضع الصيغة التنفيذية على أمر الأداء من قبل كاتب الضبط بكيفية غير قانونية وحالة عدم احتواء أمر الأداء ذاته على بعض البيانات الأساسية مثل اسم القاضي الذي أصدره وتوقيعه " نقض في 05/04/1993 ".

     ولقد انتقد الفقه هذا القرار الأخير على أساس أنه قبل وضعية أدخلها ضمن أوجه الطعن بالنقض، وهي حالة إثارة تجريحات في أمر الأداء ذاته والتي كان من الأجدر أن تجد مكان التصدي إليها في إطار الاعتراض على أمر الأداء أو عند استئنافه، وفي مرحلة موالية استدركت محكمة النقض الوضع وأصبحت تقلص من الحالات التي يتم فيها قبول الطعن بالنقض من طرف المدين، وأصبح من الواضح التأكد على أن المدين لا يمكن أن يثير في هذا المستوى من الإجراءات "النقض" سوى غياب الشرعية الشكلية للصيغة التنفيذية.

      وهكذا قضت محكمة النقض الفرنسية بعد ذلك برفض الطعن المبني على عدم ذكر اسم رئيس المحكمة التجارية الذي أمضى على أمر الأداء " نقض في 18/12/1996 " وأن مثل هذا التجريح يدخل في إجراءات الاعتراض وحده وكذا رفض الطعون المبنية على عدم إمضاء كاتب الضبط على أوامــر الأداء[5].

4- اعتراض الغير الخارج عن الخصومة:

     يبدو أن لكل شخص مضرور من صدور أمر أداء لصالح غيره أن يطعن فيه بهذا الطريق ولقد رأى القضـاء الفرنسي أن أمر الأداء الذي يصبح قابلا للتنفيذ بصفة نهائية لا يفلت من الطعن فيه من طرف الغير، عندما قبل اعتراض الغير الخارج عن الخصومة في قضية كان قد صدر فيها أمر الأداء على مدين لـدفع مبلغ من النقود، وأن هذا الأخير لم يحرك ساكنا مفضلا أن مسألة دفع الدين تتولاه الوكالة الضامنة، بل أن هذا المدين أهمل حتى إثارة وجه التقادم الذي يحرره من الدين أصلا وبالتالي يعفي الوكالة من الضمان. في هذه القضية لم يقدم المدين الأصلي اعتراضا على أمر الأداء وإنما قامت الوكالة باستئنافه على أساس أنه أصبح في حكم المقرر القضائي الوجاهي الصادر عن الدرجة الأخيرة، ومن هذا المنطلق قبلت محكمة الاستئناف الاعتراض من طرف الوكالة باعتبارها غيرا خارجا عن الخصومة وسايرت محكمة النقض هذا التوجه بقولها أن :"غش المدين الأصلي يكفي قبول اعتراض الغير المقدم من طرف الوكالة الضامنة . " قــرار في 10/12/ 1991".


الفرع الثالث

تثبيت أمر الأداء

   نصت المادة 180 من قانون الإجراءات المدنية أنه يتم تثبيت أمر الأداء متى لم تحصل فيه معارضة في الميعاد، ويمكننا إضافة شرط أخر وهو أن تنتهي هذه المعارضة بالرفض أو الشطب مادام أن نتيجة هذين الشرطين واحدة وهو بقاء أمر الأداء.

   ويتم تثبيت أمر الأداء من طرف القاضي بناءاً على طلب يرفع إليه بعريضة من الدائن يطلب فيها تثبيته بعد أن يلفت إنتباه المحكمة بصدور أمر الأداء ضد المدين وتبليغه إليه، وعدم قيام هذا الأخير بمعارضة أو إستئناف فيه، وبالطبع تكون العريضة مرفقة بالوثائق كسند الدين ومحضر التبليغ، وبعد ذلك يصدر القاضي أمراً بتثبيت أمر الأداء ويكون بالصيغة التالية: "نأمر بتثبيت أمر الأداء طبقا للمادة 174 من قانون الإجراءات المدنية".

      ويمر أمر الأداء قبل تنفيذه بمرحلتين:

-المرحلة الأولى هي صدور أمر الأداء.

-المرحلة الثانية هي تثبيت أمر الأداء.

   ولكن لم يبين المشرع ما هو الميعاد الذي يفصل بينهما، والذي يمكن من خلاله تثبيت أمر الأداء، وبغض النظر عما يمكن قوله في ذلك فإن المادة 180 من قانون الإجراءات المدنية لا تبدو متناقضة في حكمها مع المادة 181 من ذات القانون بنصها بأنه بانتهاء مهلة المعارضة يقرر القاضي تثبيته، ومن جهة أخرى أن الأمر يمكن إستئنافه من تاريخ إنتهاء مدة المعارضة فإذا كانت المادة تقصد إستئناف الأمر الذي يبدأ من تاريخ إنتهاء مهلة المعارضة وهو يمكن أن نسجل بأن هناك خلل إذ كيف يمكن تثبيته بصيرورته حكما وإستئنافه باعتباره أمراً.

أما إذا كانت المادة 181 المذكورة تقصد إستئناف الحكم فإنها قد عبرت عنه بالأمر ولم تذكر في نصها الحكم، ويمكن في رأينا وضع نص المادة 180و181 في إطارها الصحيح والقول بأن الأمر الذي يثبت هو الأمر الصادر إبتدائيا نهائيا، أما الأمر الصادر إبتدائيا فإنه لايمكن تثبيته إلا إذا إنقضى أجل الإستئناف، وبعد تثبيت الأمر فإنه يصبح حكما حضوريا ويترتب عليه كافة أثار الحكم الحضوري.      



    يناط برئيس المحكمة إضافة للأعمال القضائية أعمالا ولائية يقوم من خلالها بإصدار أوامر تكون على ذيل العرائض، وأعمالا إدارية تخول له متابعة التنظيم والسير الحسن للمحكمة.


المبحث الأول




[1] المادة 175/2 من قانون الإجراءات المدنية تنص على: "ويرفق بالطلب جميع المستندات المؤيدة له والمعززة لوجود الدين والموضحة لمقداره وبصفة خاصة جميع الكتابات الصادرة الصادرة من المدين والمشار فيها إلى الاعتراف بالدين أو التعهد بالوفـــاء . "    
[2] نصت المادة 178/3 من قانون الإجراءات المدنية في شطرها الثاني على أنه : "وعلى المدين في هذه الحالة أن يقوم بإيداع مبلغ المصروفات. ". 
[3] عبد العزيز نوري : المرجع السابق ، ص : 108 .
[4] الطيب زروتي : تحرير العرائض والأوراق شبه القضائية ، طبعة الكاهنة ،  سنة 2000 ، ص :141 .
[5] عبد العزيز نوري : المرجع السابق ، ص: 113.

أساس سلطة المستخدم في إجراء التعديل غير الجوهري للعقد القانون الجزائري

0

: أساس سلطة المستخدم في إجراء التعديل غير الجوهري للعقد.

     يستمد المستخدم سلطته في تعديل عناصر عقد العمل تعديلا غير جوهري من سلطته في ادراة و تنظيم مشروعه، ومن موافقة العامل على التعديل، ومن مبدأ حسن النية ومن نصوص القانون.

الفرع الأول: السلطة التنظيمية للمستخدم

   تستند سلطة المستخدم في إجراء التعديل غير الجوهري لعقد العمل إلى سلطته التنظيمية التي تخول له إصدار الأوامر و القرارات التي تمكنه من المحافظة على مشروعه،وفي هذا الإطار نصت المادة 58/1 من القانون العمل المصري على مايلي< يجب على العامل أن يؤدي العمل بنفسه تبعا لإشراف وتوجيه صاحب العمل> (2)

     فالعامل الذي أبرم عقد العمل ودخل في حالة تبعية للمستخدم ملزم بالخضوع لسلطته التنظيمية، وما يستتبع ذلك من قبوله لما يمارسه المستخدم من تعديل في شروط تنفيذ العمل، لذلك فإن التعديل غير الجوهري يعد من قبيل ممارسة المستخدم لسلطته الإدراية أكثر من اعتباره تعديلا للعقد، إلا أنه في الحقيقة ليس تعديلا له وإنما تنفيذا له (3)






1- د/ محمد عبد الغفار البسيوني – المرجع السابق ص 56

2- د/ عبد العزيز المرسى حمود – المرجع السابق ص 38

3- نفس المرجع  ص 39

        وتعترف جميع القوانين المقارنة بسلطة المستخدم في تنظيم مؤسسته، وقد أقرت محكمة النقض المصرية ذلك في الاجتهاد الصادر بتاريخ 08/12/1960 و الذي جاء فيه يملك صاحب العمل سلطة تنظيم إدارته على الوجه الذي يراه كفيلا بتحقيق مصلحة منشأته ولاوجه للحد من سلطته في هذا الخصوص طالما كانت ممارسته مجردة عن أي قصد الإساءة إلى عماله (1).

      أما القانون الفرنسي فإن سلطة المستخدم التنظيمية محدودة و مراقبة و محاطة بمجوعة من النظم القانونية الآمرة بموجب الاتفاقيات الجماعية و عن طريق مفتش العمل وبواسطة إلزامية استشارة لجنـة المؤسسة حول الإجراءات الهامة المتعلقة بتنظيم وسير المؤسسة ،حيث قلص القانون الصادر في 04 أوت 1984 المتعلق بحرية العمال داخل المؤسسة من سلطات المستخدم، فلم يعد مثلما كان سابقا يفرض عن طريق النظام الداخلي ما يراه مناسبا وفعالا لحسن سير المؤسسة من مذكرات مصلحية و لوائح داخلية لكون أن سلطته أصبحت محدودة (2).

      في حين نجد أن المشرع الجزائري لم يوسع كثيرا في سلطة المستخدم التنظيمية مثلما فعل المشرع المصري، إذ أعطى الحق للمستخدم في تنظيم ساعات العمل خارج التوقيت العادي اليومي على أساس فرق متعاقبة أو عمل تناوبي إذا اقتضت الحاجة (3). وجعل اللجوء إلى الساعات الإضافية استثناء لا يمكن للمستخدم القيام به إلا لوجود ضرورة مطلقة في الخدمة ومن هذه الحالات:

- الوقاية من الحوادث الوشيكة للوقوع أو إصلاح الأضرار الناجمة عن الحوادث

- إنهاء الأشغال التي يمكن أن يتسبب توقفها بحكم طبيعتها في أضرار

كما قيد المشرع اللجوء إلى ساعات إضافية باستشارة ممثل العمال وإعلام مفتش العمل المختص إقليميا (4).









1-                عصمت الهوا ري – المرجع السابق –ص 178

2-                 Corinne pizzio :op. cit. –p67

3-                أنظر المادة 30 من قانون 90/11 المؤرخ في 21 أفريل 1990 يتعلق بعلاقات العمل

4-                أنضر المادة 31 من قانون 90/11 المعدلة و المتعلقة بالأمر 96/21


     الفرع الثاني: اتفاق الطرفين

    قد يستمد المستخدم سلطته في تعديل عناصر معينة من اتفاق صريح بينه و بين العامل، وقد يرد هذا

الاتفاق في صورة شرط صريح في عقد العمل الفردي أو في عقد العمل الجماعي أو في النظام الداخلي

للمؤسسة (1).

     وقد يرد هذا الاتفاق على مكان العمل أو زمنه أو اختصاص العامل، و الذي بموجبه يستطيع المستخدم إجراء تعديل على أي عنصر من العناصر المتفق عليها دون الرجوع إلى العامل، وقد يرد الاتفاق مقيد بشرط ما كالاحتفاظ ببعض المزايا التي كان يتقاضاها العامل في عمله السابق أو أن يكون التعديل بصفة مؤقتة لحين تعيين عامل آخر في مكان العمل المنقول إليه العامل، وفي هذه الحالة يتعين على المستخدم أن يتقيد بهذا القيد و الإ جاز للعامل رفض هذا التعديل (2).

    وحتى و إن ورد شرط يجيز للمستخدم تعديل أحد عناصره، فإنه يتعين تفسير هذا الشرط تفسيرا ضيقا باعتباره استثناءا على مبدأ القوة الملزمة للعقد، وإذا جاء الاتفاق مطلقا على إمكانية إجراء أي تعديل في العقد فإن هذا الاتفاق يقع باطلا (3)

   كما أن اتفاق الطرفين قد يكون صريحا وقد يكون ضمنيا، وذلك باتجاه نيتهما عند التعاقد على اعتبار مثلا مكان العمل ليس عنصرا جوهريا،وهذا في البنوك متعددة الفروع وفي الشركات و المقاولات التي تستدعى انتقال العمال إلى أماكن مختلفة، وبذلك تكون نية العامل والمستخدم قد اتجهت وقت التعاقد إلى إجراء تعديل في مكان العمل ويعد ذلك اتفاقا ضمنيا (4).

                                                                                                  

الفرع الثالث: مبدأ حسن النية

    يعد مبدأ حسن النية من أهم المبادئ التي تحكم تنفيذ العقد، وقد كرس المشرع الجزائري هذا المبدأ في المادة 107 من القانون المدني بنصها: (يجب تنفيذ العقد طبقا لما أشتمل عليه وبحسن نية) أما المشرع المصري فقد كرس هذا المبدأ المذكور من خلال نص المادة 147 من القانون المدني التي تنص (يجب تنفيذ العقد طبقا لما أشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية) فجميع العقود قوامها التنفيذ بحسن






1-د/ عبد العزيز المرسى حمود المرجع السابق –ص 40

2- د/ عصام أنور سليم : قانون العمل ط2 منشأة المعارف – الإسكندرية 2002 ص 509

3- د/ محمد عبد الغفار البسيوني – المرجع السابق ص 156

4- نفس المرجع ص 156

النية، ولعل عقد العمل من أكثر العقود التي يفترض فيها توافر حسن النية لما يتضمنه العقد من تعاون وتضامن ووفاء و إخلاص بين العامل و المستخدم ،ويتجلى هذا التعاون في أن يمتنع العامل من كل ما من شأنه عرقلة تنفيذ العقد ومنع المتعاقد الآخر من الحصول على الفوائد المعتادة من العقد، لذلك فإن مبدأ حسن النية يعد أساسا لسلطة المستخدم في إجراء التعديل غير الجوهري للعقد ،وهو التزام عقدي يترتب عن الإخلال به مصدرا للمسؤولية العقدية (1).  


الفرع الرابع: الاستناد إلى نصوص القانون

     تجد سلطة المستخدم في التعديل غير الجوهري لعقد العمل أساسا لها في قانون العمل، إلا أن المشرع الجزائري لم يفصل في تعديل عقد العمل وجاء بعبارات عامة، حيث نصت المادة 62 من قانون علاقات العمل 90/11 على مايلي:( يعدل عقد العمل إذا كان القانون أو التنظيم أو الاتفاقيات و الاتفاقيات الجماعية تملي قواعد أكثر نفعا للعمال من تلك التي نص عليها عقد العمل )أما المادة 63 من نفس القانون فقد اشترطت موافقة كل من العامل و المستخدم على تعديل شروط العقد وطبيعته على أساس القوة الملزمة للعقد التي تجد سندا لها في القانون المدني وفقا لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين، وعند تعديل هذا العقد يجب مراعاة أحكام قانون العمل في بعض المسائل كالحد الأدنى للأجور و الحد الأقصى لساعات العمل وبعض القيود الواردة على عمل الأطفال و النساء وعدم تشغيلهم في العمل الليلي إلا برخصة من مفتش العمل المختص إقليميا، وهذا مانصت عليه المادة 28 وكذا المادة 29 من قانون علاقات العمل 90/11

     في حين نصت المادة 54 من قانون العمل المصري على أن لرب العمل أن يكلف العامل بعمل غير المتفق عليه إذا كان لا يختلف عليه اختلافا جوهريا بشرط عدم المساس بحقوق العامل المادية (2).

    ونظرا لما يثيره تغيير مكان العمل من خلافات لكونه يمس استقرار العامل، فإن بعض تشريعات العمل الحديثة كقانون العمل الليبي و التشيكي تلزم أطراف العقد بتحديد مكان العمل في العقد ذاته (3).








1-د/ محمد عبد الغفار البسيوني: المرجع السابق ص 159

2- د/ عبد العزيز المرسى حمود: المرجع السابق ص 44

3- د/ محمد إبراهيم أبو العينين: مبادئ القانون لرجال الأعمال في المملكة العربية السعودية ط1981 ص 385

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه