الشروط الشكلية للانعقاد التسيير الحر وجزاء مخالفته في القانون الجزائري

0

تعتبر الشروط الشكلية من بين أهم المميزات التي يمتاز بها عقد التسيير الحر من حيث إبرامه, و كذا انتهاءه مثلما سنراه في حينه, فقد أحاطه المشرع الجزائري على غرار باقي التشريعات العالمية بضمانات شكلية هامة نظرا لأهميته المالية, و خطورته تتمثل في اشتراط إفراغ إرادة المتعاقدين في قالب الكتابة الرسمية, و كذا نشر العقد, و عند تخلف هذه الشروط الشكلية تترتب جزاءات على المخالفين, تتمثل في البطلان بالإضافة إلى عقوبات مالية.       

   و على هذا الأساس نتناول في الفرع الأول الكتابة الرسمية لعقد التسيير الحر, بينما نخصص الفرع الثاني إلى إجراءات نشر (شهر) العقد, وفي الفرع الثالث نتناول جزاءات الإخلال بالشروط الشكلية.

 

الـفــرع الأول: إفـراغ عـقـد الـتـسـيـيـر الـحـر فـي الـقـالـب

                    الـرسـمـي

انطلاقا من المبدأ العام، فان المادة 324 مكرر 1 من القانون المدني الجزائري التي تنص» زيادة عن العقود ............ يجب تحت طائلة البطلان تحرير العقود ........ أو عقود تسيير محلات تجارية أو مؤسسات صناعية في شكل رسمي «   و هذا تأكيدا للمادة 12 من قانون التوثيق الصادر في 15/12/1970 الذي بدا العمل به في 01/01/1971 الملغى بالمادة الخامسة من القانون رقم 88/27، و هذا ما تم تكريسه في القرار الصادر عن الغرف المجتمعة تحت رقم 136156 المؤرخ في 18/02/1997(1).

و لقد جاء التأكيد بالمادة 203/3 من القانون التجاري »........ و يحرر كل عقد تسيير في شكل رسمي ... «  مع الإشارة أنه ساد, و مازال يسود استقرار في المحكمة العليا حول هذه المسألة و هي : أن العقد العرفي الموقع من قبل الأطراف لا يمكن أخذه بعين لاعتبار لإثبات إيجار التسيير الذي يتمسك به المؤجر طبقا لمقتضيات المادة 203 من القانون التجاري و ما بعدها ، و بالتالي فلا أثر ينجم عن عقد باطل(2).

 

 

(1): نشرة القضاة: العدد 51 سنة 1997, ص 116

(2): قرار المحكمة العليا رقم 142105مؤرخ في 24/09/1996, م ق لسنة 1999, العدد 05, ص220

 إن عقد التسيير الحر يعتبر من أهم العقود الخاضعة للشكل الرسمي تحت طائلة البطلان(1), و على هذا الأساس يعتبر من أهم مجالات تدخل الموثق بصفته ضابط عمومي، وقد حظيت الرسمية المشترطة للتسيير الحر بقضاء واسع للمحكمة العليا, فقد جاء في إحدى قراراتها » متى كان من المقرر قانونا أن عقد إيجار التسيير يبرم في شكل رسمي، و ينشر خلال خمسة عشر يوما من تاريخه .... «(2).   

    و هو ما يؤكد قرار آخر: » متى كان من المقرر قانونا أن المشرع نظم أحكام التسيير الحر أو تأجير التسيير في أحكام المادة 203 من القانون التجاري وما بعدها، كما نظم كل العقود و التصرفات التي هي من طبيعة تجارية و إذا اختلف الأطراف حول تحديد طبيعة تكييف العقد إذ أحدهما يكيفه على أساس أنه تسيير حر، في حين أن الآخر ينازعه في ذلك باعتبار إن العقد لم يفرغ في الشكل الرسمي كما تشترط المادة 203 تجاري فإنه من المتعين على قضاة الموضوع البحث في هذه المسألة القانونية الأساسية التي يتوقف عليها مصير النزاع, و ذلك بتحديد طبيعة العقد و تكييفه القانوني ليتمكن المجلس الأعلى من مراقبة مدى تطبيق القانون(3).

    و قد ورد أيضا في نص المادة 63 من القانون رقم 91/25 المتعلق بقانون المالية ما يلي »يمنع مفتشوا التسجيل من القيام بإجراء تسجيل العقود العرفية المتضمنة نقل ملكية أو حقوق عقارية، المحلات التجارية أو الصناعية أو كل عنصر يكونها, التنازل عن الأسهم و الحصص في الشركات التجارية الإيجارات التجارية, إدارة  المحلات التجارية أو المؤسسات الصناعية، العقود التأسيسية أو التعديلية للشركات « (4).

    تجدر الإشارة إلى أن القانون اللبناني يشترط الكتابة، غير أنه إذا تخلفت, يجوز إثبات العقد بالإقرار

و اليمين(5).  

   

 

 

   

 

 

 



 


(1): Alain Piédeliévre, op,cit .p : 150 -

(2): قرار المحكمة العليا رقم 36164 مؤرخ في 29/06/1985 .م. ق لسنة 1989عدد03 ص 116

(3): قرار المحكمة العليا رقم 28766 مؤرخ في 07/05/1983 م .ق. لسنة 1989، العدد 01، ص: 135

(4): قانون رقم 25/91 مؤرخ في 16/12/1991، قانون المالية لسنة 1992

(5): د. القاضي إلياس ناصف، المرجع السابق ص 143

الـفـرع الـثـانـي: نـشـر عـقـد الـتـسـيـيـر الـحـر

تنص المادة 203 من القانون التجاري  »  و يحرر كل عقد تسيير في شكل رسمي و ينشر خلال خمسة عشرة يوما من تاريخه على شكل مستخرج أو إعلان في النشرة الرسمية للإعلانات القانونية، و فضلا عن ذلك في جريدة مختصة بالإعلانات القانونية « .

و بتفحص المواد من 203 إلى 214 من القانون التجاري المنظمة لعقد التسيير الحر, لا نجد أي نص يحدد مضمون النشر في النشرة الرسمية للإعلانات القانونية, خلاف ما هو وارد بالنسبة لبيع المحل التجاري, و الذي يجب أن يشتمل تحت طائلة البطلان على تواريخ و مقادير التحصيل ورقمه أو في حالة التصريح البسيط على تاريخ ورقم الإيصال الخاص بهذا التصريح و الإشارة في الحالتين إلى المكتب الذي تمت فيه هذه العمليات و يذكر بالإضافة إلى ذلك تاريخ العقد و اسم كل من المالك الجديد و المالك السابق و لقبه و عنوانه و نوع المحل التجاري و مركزه و الثمن المشروط بما فيه التكاليف أو التقديرات المستعملة كقاعدة لاستيفاء حقوق التسجيل و بيان المهلة المحددة فيما بعد المعارضات و اختيار الموطن في دائرة اختصاص المحكمة (المادة 83/2 ق.ت.ج ) لأن الإشراف على السجل التجاري يكون للقضاء على غرار بعض التشريعات العربية(1)، و باجتماع الإعلانين في هدف إعلام الغير نرى أنه يجب أن يشتمل على جميع المعلومات المتعلقة بالطرفين, و خاصة المستأجر و كذا التحديد الدقيق للمحل التجاري أو المؤسسة الحرفية  و التركيز خاصة على  جميع  الشروط   المحتملة  لإنهاء  العقد(2).

     كما تنص المادة 15 من القانون رقم 04/08 المؤرخ في 27 جمادى الثانية عام 1425 الموافق ل 14 غشت سنة 2004 المتعلق بشروط ممارسة الأنشطة التجارية على ما يلي  » يجب على كل شخص طبيعي تاجر أن  يقوم بإجراءات الإشهار القانوني « .

يهدف الإشهار القانوني الإلزامي بالنسبة للأشخاص الطبيعيين التجار إلى إعلام الغير بحالة و أهلية التاجر و عنوان المؤسسة الرئيسية للاستغلال الفعلي للتجارة و ملكية القاعدة التجارية... « 

كما تضيف المادة 12 من نفس القانون على المقصود بالإشهار القانوني بالنسبة للأشخاص الاعتبارية, و أوردت من ضمن أهدافه هو إعلام الغير بإيجار تسيير و بيع القاعة التجارية، و لكن كلا النصين لا يحددان مضمون الإشهار القانوني الإلزامي.

     



 


(1): محمد فريد العريني،و محمد السيد العقي: القانون التجاري، الأعمال التجارية و التجار و الشركات، منشورات الحلبي   

     القانونية 2003 ص:224

(2): قرار المحكمة العليا رقم 36164 السابق ذكره

و على هذا الأساس فإن الهدف من الإشهار هو اطلاع الغير على محتوى كافة العمليات الواقعة على المحل التجاري(1)، إذ يجب أن يعلم الغير و خاصة موردي المسير Les fournisseurs   حتى يتجنبون الغلط حول المستغل الحقيقي للمحل التجاري(2).

     تجدر الملاحظة في الأخير أن عقد التسيير الحر يخضع لإجراءات التسجيل لدى مفتشية الضرائب المتعددة الواقع بمقرها مكتب التوثيق الذي حرر فيه العقد(3).

 

الـفـرع الـثـالـث: جـزاءات الإخــلال بـالـشـروط الـشـكـلـيـة

بالإضافة إلى تقرير البطلان عن تخلف الشروط الشكلية, الذي يجد مصدره في المادة 212 من القانون التجاري كما سبقت الإشارة أليه عند التطرق إلى جزاءات الإخلال بالشروط الموضوعية لعقد التسيير الحر على اعتبار أن النص شامل لجميع شروط انعقاد التسيير، فإن المادة 324 مكرر1 من القانون المدني تخضع هذا النوع من العقود إلى الشكل الرسمي  تحت طائلة البطلان » زيادة عن العقود التي يأمر القانون بإخضاعها إلى شكل رسمي : يجب تحت طائلة البطلان تحرير العقود .....أو عقود تسيير محلات تجارية أو مؤسسات صناعية في شكل رسمي .... «.

 

 

 

 

 

 

 

 

 



 


(1): د.فرحة زراوي صالح : الكامل في القانون التجاري ، السجل التجاري ص 254 ،255

(2): في فرنسا حددت إجراءات النشر و كيفيا ته المرسوم 86/465 المؤرخ في 14/03/1986

               - Yves Guyon, op.cit, page 737+ Jean Derruppe, op.cit page 47+C.Dupouy, op.cit

 page 133+ Alain Piédeliévre, op cit page 151                

    + د.عباس حلمي المنزلاوي : القانون التجاري : الأعمال التجارية و التجار و المحل التجاري .ط2 .ديوان المطبوعات الجامعية        سنة 1987 ، ص 64 + د. القاضي الياس ناصف ، المرجع السابق ص 143  .

(3): معاصمي محمد، المرجع السابق.ج 1 ص 17.

 

و على هذا الأساس إذا لم يحرر العقد في القالب الرسمي اعتبر باطل بطلان مطلق على نحو ما هو ساري في فرنسا(1).

و يراعى مع ذلك أن نظام العقود التجارية في هذا القانون قد مر بتطور كبير ، ففي معظم العقود التجارية نقلص دور الإرادة بشكل واضح بسبب تدخل المشرع المتواصل في تنظيم النشاط الاقتصادي, و هو ما أدى إلى كثرة القواعد الآمرة في شأن العقود التجارية, و إحاطتها بجزاءات ذات طابع جزائي تكفل احترامها حماية للطرف الضعيف في العقد أو ضمانا لغاية معينة(2). 

كما إن عدم القيد في السجل التجاري يعتبر خطأ قد يترتب عليه ألزام التاجر بالتعويض على أساس المسؤولية المدنية، وفق القواعد العامة، هذا بالإضافة إلى حرمان التاجر من ميزة الصلح الواقي من الإفلاس، كما يرفض تسجيله في الغرف التجارية(3).

بالإضافة إلى الجزاءات المدنية أعلاه, و حرصا من المشرع على احترام الشروط و خاصة منها المتعلقة بالقيد في السجل التجاري و الإشهارات القانونية جاء بجزاءات مالية ردعية.

حيث جاء في القانون رقم 04/08 المؤرخ في 14غشت 2004 المتعلق بشروط ممارسة الأنشطة التجارية في باب الجرائم و العقوبات, و في المادة 30 منه على أنه زيادة على ضباط الشرطة القضائية المؤهلين بمراقبة  و معاينة الجرائم المنصوص عنها في هذا القانون: يؤهل الموظفين التابعين للأسلاك الخاصة بالمراقبة التابعة للإدارات المكلفة بالتجارة و الضرائب حسب ما ورد في المادة 31 بغلق محل كل شخص طبيعي أو اعتباري يمارس نشاط تجاري قار دون التسجيل في السجل اتجاري إلى غاية تسوية مرتكب الجريمة لوضعيته، هذا إضافة إلى تغريمه بغرامة تتراوح بين 10.000 إلى 100.000 د.ج, كما تعاقب المادة 35 من نفس القانون إلى عدم شهر البيانات القانونية المنصوص عليها في أحكام المواد 11، 12، 14 من هذا القانون بغرامة تتراوح بين 30.000 إلى 300.000 د.ج, و كذا المادة 36 من نفس القانون على عدم إشهار البيانات القانونية المنصوص عليها في المادة 15 بغرامة بين 10.000 د.ج إلى 30.000 د.ج, و يتعين على المركز الوطني للسجل التجاري إرسال قائمة للأشخاص الطبيعيين و المؤسسات التي لم تقم بإجراءات الإشهارات القانونية إلى المصالح المكلفة بالرقابة التابعة للإدارة المكلفة بالتجارة.

 

 



 


- C.Dupouy, op.cit, page 132+Alain Piédeliévre, op. cit. page 150 :(1)

(2): د.محمد السيد الفقي،  القانون التجاري: الإفلاس، العقود التجارية، عمليات البنوك، منشورات الحلبي الحقوقية، ط1. 2004

(3): جلال وفاء محمدين : المبادئ العامة للقانون التجاري ،الدار الجامعية للطباعة و النشر، الإسكندرية   

كما تطبق المادة 37 من نفس القانون جزاء عدم تعديل بيانات مستخرج السجل التجاري في أجل ثلاثة أشهر تبعا للتغييرات الطارئة على الوضع أو الحالة القانونية للتاجر, يتمثل في غرامة تتراوح بين 10.000  و 100.000 د.ج  و السحب المؤقت للسجل التجاري من قبل القاضي إلى أن يسوي التاجر وضعيته.

كما تعاقب المادة 40 من نفس القانون على ممارسة نشاط أو مهنة مقننة خاضعة لتسجيل في السجل التجاري دون الرخصة أو الاعتماد المطلوبين بغرامة تتراوح بين 50.000 و 500.000 د.ج, علاوة على غلق المحل من قبل القاضي، و عند عدم تسوية الوضعية خلال مدة ثلاثة أشهر ابتداءها من تاريخ معاينة الجريمة يقوم هذا الأخير تلقائيا بشطب السجل التجاري.

و الملاحظ على هذه الجزاءات المالية أنها ردعية ومن شأنها جعل احترام الشروط المفروضة أمر لا مفر منه حماية المتعاقدين أنفسهم, و حماية على الأخص للغير.      

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه