مبرارات التعديل الجوهري لعقد العمل

0

: مبرارات التعديل الجوهري لعقد العمل

   تنقسم مبررات التعديل الجوهري لعقد العمل إلى ثلاث طوائف، فمنها ما يرجع إلى الظروف الاقتصادية للمؤسسة وهو ما يسمي بالتعديل الاقتصادي ومنها ما يرجع إلى حالة الضرورة و القوة القاهرة التي تتعرض لها المؤسسة، ومنها ما يرجع إلى ظروف العامل الشخصية.


الفرع الأول: التعديل الجوهري لأسباب اقتصادية (التعديل الاقتصادي )

   يقصد بالتعديل الاقتصادي هو ذلك التعديل الذي يعود إلى أسباب ليست لها صلة بشخص العامل، وإنما ترجع إلى أسباب خاصة بظروف المؤسسة أو المشروع، فقد ترجع إلى أسباب اقتصادية خاصة بالمشروع في الظروف العادية كرغبة المستخدم في إعادة تنظيم العمل أو تغيير نظم العمل ووسائل الإنتاج وقد يرجع إلى أسباب اقتصادية خاصة بالمشروع في الظروف غير العادية كإصابة المشروع بأزمة مالية أو اقتصادية صعبة،وقد تصل هذه الظروف إلى إنهاء عقد العمل أو تعديله بدلا إنهائه (1)

أولا: التعديل الجوهري للعقد في الظروف العادية للمؤسسة:

   تعتبر رغبة المستخدم في إعادة تنظيم مشروعه لما يحقق مصلحته أو تغيير نظم العمل ووسائل الإنتاج قصد تطوير المشروع وما يقتضيه من تعديل في عناصر العقد مبررا اقتصاديا للتعديل الجوهري لعقد العمل.


1-إعادة تنظيم المشروع:  لقد استقر الفقه و القضاء على أن للمستخدم سلطة إعادة تنظيم مشروعه بما يحقق مصلحة العمل، فله أن ينقل العامل من عمل إلى آخر أو من إدارة إلى أخرى أو من فرع إلى آخر ولو كان العمل الجديد أقل ماديا أو أدنى معنويا من العمل الذي كان يؤديه، و في هذا الصدد نجد القضاء المصري مستقر على أن للمستخدم سلطة تنظيم منشأته واتخاذ ما يراه من الوسائل لإعادة تنظيمها متى رأى من ظروف العمل ما يدعو إلى ذلك، حتى وإن أدى به إلى تضييق دائرة نشاطه أو ضغط مصروفاته، فإذا اقتضي هذا التنظيم إغلاق أحد فروع المنشأة أو أحد أقسامها وإنهاء عقود بعض عماله ،كان لهذا الإنهـاء مـا يبرره وانتـهى عنـه وصف التعسـف، وهـذا خاضـع لسلطـة المستخـدم التقديريـة ولا يجوز لقاضي الموضوع أن يحل محلـه فيهـا، و إنمـا


1-د/ محمود عبد الغفار البسيوني: المرجع السابق ص 195.

تقتضي رقابته على التحقق من جدية المبررات التي دعت إلى ذلك، وهو غير ملزم بأن يلحق العامل المفصول بعمل آخر (1).

   غير أن المشرع الجزائري لم يتطرق لتعديل عقد العمل في الظروف العادية للمؤسسة واقتصر على حالة تغيير الوضعية القانونية للهيئة المستخدمة، حيث أورد ذلك في نص المادة 74 من قانون90/11 المتعلق بعلاقات العمل والتي تقضي" إذا حدث تغيير في الوضعية القانونية للهيئة المستخدمة تبقي جميع علاقات العمل المعمول بها يوم التغيير قائمة بين المستخدم الجديد و العمال ولا يمكن أن يطرأ أي تعديل في علاقات العمل إلا ضمن الأشكال وحسب الشروط التي ينص عليها هذا القانون وعن طريق المفاوضات الجماعية".

     وقد صدر في هذا الشأن حكم اجتماعي عن محكمة بشار قضى بإعادة إدماج المدعى في منصب عمله بالمؤسسة المدعى عليها في منصب مماثل وبنفس الإمتيازات (2). وذلك بعد حل الشركة القابضة إلى شركة تسيير المساهمات للغرب وتم تحويله إلى مكتب الدراسات التقنية وهو المستخدم الجديد الذي فرض على العامل إبرام عقد محدد المدة بعد أن كان العقد غير محدد المدة.

   مما يتضح أن المشرع الجزائري قد ضيق من سلطة المستخدم في تعديل عقد العمل سواءا بصفة جوهرية أو غير جوهرية، وبيدوا أنه متمسك بقاعدة العقد شريعة المتعاقدين إلى حد بعيد،وأن قضاء المحكمة العليا مستقر على أنه لا يجوز نقل العامل دون إرادته مؤسسة ذلك على نص المادة 106 من القانون المدني (3).

  كما أن المشرع الجزائري لم يتطرق لحالات عديدة تثير إشكاليات قانونية مثل نقل العامل أو تغيير نوعية نشاطه أو حل المؤسسة المستخدمة.

   أما القانون المصري فقد أجاز للمستخدم نقل العامل إلى مركز أقل ميزة أو أقل ملائمة من المركز الذي كان يشغله متي اقتضته مصلحة مؤسسته (4).






1- عصمت الهوا ري : المرجع السابق – ص 281 وما يليها

2- انظر الحكم الاجتماعي لمحكة بشار رقم 371/ 2005 المؤرخ 12/10/2005 مرفق رقم 3

3- انظر قرار المحكمة العليا رقم 101449 الستار إليه سابقا – المرفق رقم 2

4- د/ محمود جمال الدين زكي: قانون العمل،الطبعة الثالثة ،مطبعة جامعة القاهرة 1983 ص 492 .


2- تغيير نظام العمل و وسائل الإنتاج: بإمكان المستخدم أن يغير نظم العمل و وسائل الإنتاج إذا رأى أن ذلك  يؤدي إلى تطوير و تحديث المشروع و زيادة الإنتاج، فله أن يتبع وسائل جديدة في الإنتاج بما يساير التطورات العلمية و الفنية المتعلقة بنشاط المؤسسة، و قد يتطلب ذلك توسيع نشاط المؤسسة أو فتح فروع أخرى لها في أماكن مختلفة، أو إلغاء بعض الوظائف التي لم تعد تتماشى مع الوضع الجديد، مثل إلغاء وظائف الحراس الليليين و استبدالهم بنظام الرقابة الآلية و نقلهم إلى وظائف أخرى تتلاءم مع كفاءتهم المهنية أو نقلهم إلى أماكن أخرى نتيجة إدماج المشروع في مشروع آخر، أو فتح فروع جديدة له أو تغيير في مواعيد العمل، فإذا لم يوافق العامل على هذا التعديل جاز للمستخدم إنهاء عقد عمله إنهاءا اقتصاديا(1).

  و تجدر الإشارة إلى أن محكمة النقض الفرنسية قد استقرت في بادىء الأمر على أحقية المستخدم في إنهاء عقود العمال الذين كانوا يشغلون الوظائف الملغاة إنهاءا اقتصاديا دون أن تلزمه بإسناد وظائف أخرى إليهم تتلاءم مع كفاءتهم المهنية، إلا أن المحكمة قد تراجعت عن هذا الحكم و أصبحت تلزم المستخدم بإعادة تأهيل العامل في أي وظيفة من الوظائف الجديدة بعد إلغاء الوظيفة التي كان يشغلها، فإذا خالف المستخدم ذلك و أنهى عقد العمل عقب إلغاء وظيفته فإن هذا الإنهاء يعتبر غير مشروع لعدم وجود ما يبرره(2).

  ثانيا: التعديل  الجوهري للعقد في الظروف غير العادية للمؤسسة:

    قد تمر المؤسسة بأزمات اقتصادية أو مالية صعبة تجعل المستخدم مضطرا إلى اتخاذ إجراءات ضرورية لحماية مشروعة من الزوال كتضييق دائرة نشاطه أو ضغط مصروفاته ، وقد يكون له مطلق الحرية في اختيار الوسائل التي تحقق له ذلك، حتى ولو كانت أسباب هذه الضائقة تعود إلى إهماله وسوء إدارته، وقد تتضمن هذه الوسائل قيام المستخدم بتعديل عقد العمل لمواجهة كساد اقتصادي، كأن يقوم بإلغاء وظيفة رئيس العمال ويقترح عليه منصب آخر أقل ميزة ،أو يعرض على العامل أن يحتفظ بمنصبه مع تخفيض أجره، أو يخفض له مدة العمل ليصبح عاملا بالتوقيت الجزئي، وإذا لم يوافق العامل على هذا التعديل الذي فرضته الحالة المالية الصعبة التي تمر بها المؤسسة فإمكـان المستخـدم أن ينـهي عقـد


1-د/ محمد عبد الغفار البسيوني المرجع السابق ص 196

2- cass.soc.25 février 1992 ; voir Corinne pizzio-de la porte : op. cit. p 110


عمله ولا يكون متعسفا في هذا الإنهاء لوجود ما يبرره (1).

  غير أن المشرع الجزائري لم ينص على حالة التعديل الجوهري لعقد العمل من طرف المستخدم في الوضع العادي للمؤسسة، غير أنه تعرض لإمكانية التعديل الجوهري في حالة مرور المؤسسة بظروف اقتصادية صعبة ،وفي هذا الإطار نص المرسوم التشريعي رقم 94/09 المؤرخ في 26/05/1994 على إمكانية تعديل أجور العمال أو نقلهم استنادا إلى إجراءات اللجوء إلى تقليص العمال ،حيث نصت المادة 07 منه على" تشمل المرحلة الأولى من الجانب الاجتماعي إجراء واحد أو عدة إجراءات أو كل الإجراءات الآتية:

-       تكييف النظام التعويضي و لاسيما العلاوات و التعويضات المرتبطة بنتائج العمل.

-       إعادة دراسة أشكال مرتبات العمال و مستوياتها بما فيها مرتبات الإطارات المسيرة أو تجميد الترقية.

-       تنظيم عملية التكوين التحويلي للإجراءات الضرورية لإعادة توزيع العمال.

-       إلغاء تدريجي للجوء إلى العمل بالساعات الإضافية...".

   و من استقراء المادة 07 المذكورة آنفا يتضح بأن المشرع الجزائري تطرق إلى إمكانية تعديل الأجر و ذلك بتخفيضه من خلال الفقرة الأولى من المادة 07 المذكورة آنفا و الفقرة 2 من نفس المادة، حيث أن تكييف النظام التعويضي للعمال و لاسيما العلاوات و التعويضات المرتبطة بنتائج العمل ينطوي على تعديل جوهري في عنصر الأجر، كما أن إعادة دراسة أشكال مرتبات العمال بما فيها مرتبات الإطارات المسيرة أو تجميد الترقية و إدخال العمل بالتوقيت الجزئي ينطوي على تعديل في عنصر الأجر و كم العمل.

   كما تطرق المشرع الجزائري من خلال المرسوم التشريعي 94/09 السابق ذكره إلى إمكانية تعديل مكان العمل ونوعه وهذا ما أشارت إليه المادة 7/4 من نفس المرسوم بصفة ضمنية

    وفي هذا الشأن قضت محكمة النقض الفرنسية سنة 1937 بأن إنهاء عقد العمل استنادا إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها المؤسسة يعتبر إنهاء غير تعسفي، وذهبت نفس المحكمة في حكم لاحق سنة 1991 في نفس الإتجاه وأيدت الإجراء الذي اتخذه المستخدم بتخفيض أجور عماله وذلك بالعـدول عن العـرف الذي كـان بموجبه يحصل العمال على الشهر الثالث مكافأة، و التي


1- أحمية سليمان - التنظيم القانوني لعلاقات العمل في التشريع الجزائري – علاقة العمل الفردية – د.م.ج .الجزائر 1998 ص 381

أصبحت حقا مكسبا لهم بمقتضي العرف الساري في المؤسسة، غير أن الظروف المالية الصعبة التي مر  بها المشروع دفعت المستخدم إلى إلغاء هذه المكافأة، مما يعد تعديلا جوهريا في العقد، وترتب على رفض العمال لهذا التعديل إنهاء عقودهم إنهاء اقتصاديا بسبب الظروف المالية الصعبة للمؤسسة ورفضت المحكمة تعويضهم عن إنهاء عقودهم، وأسست هذا الرفض على أن إنهاء العقود كان له ما يبرره من رفض العمال لتعديل مشروع (1)

    أما محكمة النقض المصرية فقد قضت بأن لصاحب العمل قانونا السلطة في تنظيم منشأته باعتباره هو المالك لها و المسؤول عن إدارتها ولا معقب على تقديره إذا رأى لأزمة اقتصادية ظهر أثرها عليه أو كارثة مالية توشك على أن تنزل به، تضيق دائرة نشاطه أو ضغط مصروفاته،مما يجعل له الحرية تبعا لذلك في اتخاذ ما يراه من الوسائل الكفيلة بتوقي الخطر الذي يهدده و المحافظة على مصالحه المشروعة (2) وكان هذا الحكم بمناسبة ظروف اقتصادية تعرضت لها شركة للسنما وهددتها بكارثة مالية بسبب انتشار التلفزيون ،ولم تعد مداخيلها كافية لتغطية مصاريفها فقامت بتخفيض أجور بعض العمال وتسريح بعضهم واسناد أعمالهم للعمال المتبقين مما ترتب عنه زيادة حجم العمل المسند إليهم ،وتعد هذه الإجراءات من قبيل التعديل الجوهري لعقد العمل المبرر بالظروف المالية و الاقتصادية التي تمر بها الشركة (3).

الفرع الثاني: التعديل الجوهري في حالة الضرورة أو القوة القاهرة

   قد تمر المؤسسة بظروف صعبة أو قاهرة، ويكون من شأن هذه الظروف أن توثر على وجودها سلبا إذا لم يسارع المستخدم باتخاذ الإجراءات الكفيلة لمواجهتها، وتقتضي هذه الظروف من العامل أن يتعاون مع المستخدم إعمالا لمبدأ حسن النية ،وقد تصل إلى إجراء تعديل جوهري لعنصر أو أكثر من عناصر العقد الجوهرية دون حاجة إلى رضا العامل .

    والمشرع الجزائري قد أشار إلى ذلك من خلال المادة 31 من قانون علاقات العمل المعدلة بالأمر 96/21 المـؤرخ في 09 جويليـة 1996 حيـث تنـاولت في فقرتهـا الثانيـة و الثالثـة إمكانية تعديـل حجم العمـل وذلك باللجـوء إلى ساعات الإضافية للوقاية من الحوادث الوشيكة

1-                د/ عبد العزيز المرسى حمود  – المرجع السابق –ص 53

2-                د/ محمد عبد الغفار البسيوني المرجع السابق ص 201 وانظر كذلك الطعن الاجتماعي رقم 83 لسنة 1959 الذي  أو رده سعيد أحمد شعلة : المرجع المرجع السابق ص 49 .

3-                د/ عبد العزيز المرسى حمود – المرجع السابق ص 54

الوقوع أو لإصلاح الأضرار الناجمة عن الحوادث أو من أجل إنهاء الأشغال التي يمكن أن يتسبب توقفها بحكم طبيعتها في أضرار، وقد قيد المشرع هذا الحق بوجوب استشارة ممثل العمال وإلزامية إعلام مفتش العمل المختص إقليميا إذا تعدت الساعات الإضافية 20% من المدة القانونية للعمل أما إذا لم تتعداها فلا تحتاج إلى استشارة.

    كما نصت المادة 37 من قانون علاقات العمل الجزائري على إمكانية تأجيل الراحة الأسبوعية للعامل في حالة الضرورة، غير أن المشرع الجزائري لم يدج في قانون العمل نصا صريحا خاصا بحالة الضرورة ومدى إمكانية تعديل عقد العمل استنادا لها، عكس المشرع المصري الذي جاء في المادة 54 من قانون العمل المصري بإمكانية التعديل الجوهري لعقد العمل لمواجهة ماقد يعترض السير المعتاد للمؤسسة من حوادث تفرضها الضرورة أو القوة القاهرة محاولة لمنعها أو لإصلاح أثارها بنصها ( لا يجوز لصاحب العمل أن يخرج عن القيود المشروطة في الاتفاق أو يكلف العامل بعمل غير متفق عليه إلا إذ دعت الضرورة إلى ذلك منعا لوقوع حادث أو لإصلاح ما نشأ عنه أو في حالة القوة القاهرة على أن يكون ذلك بصفة مؤقتة (1)

     أما القانون الفرنسي فلا يعترف للمستخدم بتعديل العقد تعديلا جوهريا إلا بسبب الخطأ الجسيم و القوة القاهرة ،وهذا  ما نصت عليه المادة L 122-3-8  من قانون العمل الفرنسي (2)

    وقد أعتبر القضاء الفرنسي أن كل تعديل في مكان ونوعية العمل المنصوص عليهما في العقد في غياب الخطأ الجسيم أو القوة القاهرة يعتبر إنهاءا تعسفيا (3)


الفرع الثالث: التعديل الجوهري لعقد العمل لأسباب خاصة بالعامل

     يمكن أن تكون الظروف المتعلقة بالعامل سببا ومبررا لإجراء تعديل في عقد العمل إذا ما رأى المستخدم ذلك تحقيقا لمصلحة العمل،وقد ترجع هذه الأسباب إما  إلى عدم كفاية العامل للعمل المسند إليه أو ارتكاب العامل خطأ تأديبيا ، وإما بسبب ظروفه الصحية .






1- همام محمد محمود  زهران – قانون العمل_ عقد العمل الفردي – دار المطبوعات الجامعية_الإسكندرية 2003 ص 334

2- CAMERLYNCK ET JEAN LAROQUE/ MODIFICATION DU CONTRA DU TRAVAIL ,OP,CIT,P2

3- SOC 18 JUILL 1998 ,CAHIERS SOCIAUX , BERREAU DE PARIS 1988 N°2

أولا : تعديل العقد بسبب عدم كفاية العامل

    ويسمى بالتعديل المهني، ويقصد به عدم قدرة العامل على القيام بأعباء الوظيفة المسندة إليه على الوجه المطلوب بسبب انخفاض مستوى أدائه لهذه الوظيفة ،وقد يظهر قصور العامل بعد انتهاء فترة التجربة أو بعد إعادة تنظيم العمل ،وإسناد وظيفة أخرى للعامل ،فإذا تبتت عدم كفاية العامل للعمل المسند إليه جاز للمستخدم أن يسند إليه عملا آخر يتلاءم مع كفايته على الأقل .

    أما القانون الجزائري فلم ينص على إمكانية تعديل عقد العمل أو إنهائه بسبب عدم كفاءة العامل ويبدوا أن المشرع الجزائري قد إكتفي بالنص على فترة التجربة وأعطي المستخدم الحق في فسخ وإنهاء عقد العمل خلال هذه الفترة ،ولا يكون الإنهاء أو الفسخ إلا بسبب إخلال للعامل بالتزاماته أو عدم كفاءته ولعل المشرع الجزائري ترك ذلك للاتفاقيات الجماعية ،وبالرجوع إلى الاتفاقية الجماعية الوطنية لعمال إطارات متوسطة وإطارات سامية للشركة  الجزائرية للتأمين SAA نجدها تنص في الفصل الثاني عشر بعنوان عدم الكفاءة المهنية في المادة 71 منه أنه في حالة عدم كفائة العامل المهنية الناتجة عن عجز أو عدم تكيف جسماني ،فكري،أو مهني لابد على رب العمل أن يوجه ملاحظة مكتوبة و  في حالة استمرار عدم الكفاءة يجب على صاحب العمل بعد الإفصاح عن رأي مندوبي المستخدمين أن يقترح ويتخذ إي إجراء من شأنه أن يسمح للعامل المذكور باستكمال مستوى تأهيله حتى يتكيف مع مستوي التأهيل الخاص بمنصب العمل  ،أما إذا تعذر ذلك يعاد تعيين العامل في منصب  ذي مستوى أدنى يتلاءم مع مؤهلاته الحقيقة .

   ومن خلال استقراء  هذه المادة ،فإنه يجوز لرب العمل تعديل عقد العمل تعديلا جوهريا بسبب عدم كفاءة العامل (1)   

     أما محكمة النقض المصرية فقد استقر اجتهادها على الاعتراف للمستخدم باحقيته في تعديل عقد العمل، وذلك بوضع العامل في المكان الذي يتلاءم مع كفايته وقدرته، ومن أمثلة ذلك ما قضت محكمة النقض في الطعن رقم 333 الصادر بتاريخ 12/05/1965 حيث ورد فيه (من سلطة رب العمل التنظيمية تقدير كفاية العامل ووضعه في المكان الذي يصلح له لما يحقق مصلحة الإنتاج ، بحيث إذا استبان عدم كفايته أعتبر ذلك مأخذا مشروعا لتعديل شروط عقد العمل أو إنهائه ،وعلى من يدعي عدم صحة هذا المأخذ و التعسف في إنهاء العقد عب أثابه (2)

1-     أنظر المادة 71 من الاتفاقية الجماعية الوطنية لعمال إطارات متوسطة وسامية للشركة الجزائرية للتأمين المبرمة في 22 سبتمبر 1994 المودعة بكتابة ضبط محكمة باب الواد بتاريخ 4 أكتوبر  1994                        2-  سعيد أحمد شعلة – المرجع السابق ص 51


ثانيا:  تعديل عقد العمل بسبب خطأ العامل

    ويسمى بالتعديل التأديبي، و الخطأ التأديبي هو كل مخالفة للتعليمات و الأوامر و القواعد العامة المتعلقة بتنظيم العمل في المؤسسة، والتي يستقل المستخدم بتقديرها وتحديدها من الناحية الفنية و الاقتصادية، والتي من شأنها الإخلال بالسير الحسن للمؤسسة أو إحداث اضطراب بها (1)

     كما عرف الخطأ التأديبي بأنه <مخالفة العامل لالتزام مهني شرعي >ولذلك يتعين لإثبات أي خطأ إثبات الالتزام المرتبط به وطابعه المهني وشرعيته (2).

    ومن الطبيعي أن العامل عندما يرتكب خطأ تأديبيا يفتح المجال للمستخدم لممارسة سلطته التأدبية وتوقيع جزاءات متنوعة عليه، منها نقله من مهنة إلى أخرى أومن مكان آخر أو حرمانه  من بعض الإمتيازات أومن الترقية مما يشكل تعديلا جوهريا لعقد العمل، وقد يصل الجزاء إلى حد التسريح إذا كان الخطأ جسيما، وقد نصت المادة 73 من قانون علاقات العمل 90/11 المعدلة بالقانون رقم 91/29 المؤرخ في 21 ديسمبر 1991 على سبع (07) حالات يترتب على ارتكاب العامل لها تسريحه بدون مهلة عطلة وبدون تعويض .

  - غير أن المشرع الجزائري، لم ينص على إمكانية تعديل عقد العمل إذا ارتكب العامل أخطاء جسيمة بل جعل جزاء الخطأ الجسيم هو التسريح وهذا ما اخذ به  المشرع الفرنسي، أما الأخطاء البسيطة التي لم يتم ذكرها في المادة 73 فإن المشرع ترك أمر تحديدها وتحديد عقوبتها للنظام الداخلي الخاص بكل مؤسسة والذي يعد إلزاميا لكل مستخدم يشغل أكثر من 20 عاملا (3).

    ومن بين صور العقوبات التأدبية، التنبيه، الإنذار، التوبيخ، التوقيف المؤقت عن العمل الحرمان من الترقية، التنزيل من الدرجة، وتخلتف هذه العقوبات من مؤسسة إلى أخـرى نظـرا لعدم تحديدهـا مـن طـرف القـانون.

   أما القانـون الفـرنسي فقـد أورد الجزاءات التأديبية على سبيـل المثـال لا على سبيـل الحصر حيث نص قانـون العمل الفرنسـي الصـادر 1982 على ((يشـكل كـل جـزاء يتخذه المستخدم                                                                                                                                                                                                                                                                              





1-د/ أحمد شوقي محمد عبد الرحمان: الخطأ الجسيم للعامل وأثره على حقوقه الوارة في قانون العمل_ المطعبة العربية الحديثة – القاهرة 1979 ص 48 وما يليها.

     2- ديب عبد السلام: المرج السابق ص 420.                                                                                                                                       

     3- انظر المادة 77 من قانون 90/11 المتضمن علاقات العمل

    ماعدا التنبيهات الشفوية، على إثر التصرفات السيئة للعامل و التي يعتبر مخطئا بسببها ويكون  من طبيعة ذات تأثير مباشر أو غير مباشر على وجود العامل في المشروع أو على وظيفة أو مدة عمله أو أجره بحيث يشمل هذا التعريف النقل وتثبيت الأجر وتنزيل الدرجة ، مما يشير  إلى أن القانون يسمح بدخول صور كثيرة لجزاءات تأديبية تشكل تعديلا جوهريا لعقد العمل (1)

    وتأييدا لذلك أجازت محكمة النقض الفرنسية التعديل التأديبي الذي يشكل في نفس الوقت تعديلا جوهريا لعقد العمل ،وذلك بإقرارها بشرعية تنزيل عامل من درجته بسبب عصيانه ،وإنهاء عقده بسبب رفضه التوجه إلى عمله الجديد ، حيث قضت المحكمة بأن رفض العامل تنفيذ هذا التعديل يعد خطأ جسيما يترتب عليه إنهاء العقد مع حرمانه من التعويض عن هذا الإنهاء ،إذ يعتبر برفضه الخضوع للجزاء التأديبي مرتكبا لخطأ جسيم ومتسببا في إنهاء العقد )2( ,

    أما المشرع المصري فقد أورد الجزاءات التأديبية على سبيل الحصر ،خلافا لما أورده المشرع الجزائري ، والذي حصر الأخطاء الجسمية المستوجبة للتسريح وترك الأخطاء الأخرى لسلطة المستخدم التقديرية ، وألزمه بوضعها ضمن النظام الداخلي على ألا تتعارض مع تشريع العمل، كما أن المشرع المصري حصر الأخطاء التأديبية عكس المشرع الفرنسي الذي أوردها على سبيل المثال ، وتتمثل الجزاءات التأديبية في قانون العمل المصري في الإنذار،الغرامة – الوقف عن العمل – الحرمان من العلاوة السنوية أو جزء منها – الإنذار الكتابي بالفصل –الفصل من الخدمة.

    غير أن المشرع المصري لم ينص على إمكانية تنزيل درجة العامل بسبب خطئه الجسيم أو تخفيض أجره مما يحد من سلطة المستخدم في توقيع مثل هذه الجزاءات على العامل.

    وقد أكدت ذلك محكمة النقض المصرية في حكم حديث لها نع عدم أحقية رب العمل في توقيع عقوبة تأديبية على العامل بتخفيض أجره وتنزيل درجته الوظيفية، عندما اعتدى على رئيسه ،لكون أن هذه العقوبة غير منصوص عليها في القانون لأن العقوبات التأديبية وردت على سبيل الحصر ولم تكن ضمنها هذه العقوبة (3 ) .

    

1-  Javillier (J.C) : droit du travail, manuel de droit du travail ,2eme édition .librairie générale de droit et de jurisprudence, 1988,p195

2- عبد العزيز المرسي حمود :المرجع السابق .ص 68.

3-نفس المرجع – ص- 68.


ثالثا : تعديل عقد العمل بسبب الحالة الصحية للعامل

    ويسمى التعديل الصحي ،فقد يصاب العامل بمرض أو حادث يجعله غير قادر على أداء العمل المسند إليه بصفة دائمة أو بصفة مؤقتة ، الأمر الذي يبرر للمستخدم إنهاء عقد العمل أو تعديله ،وتختلف سلطة المستخدم في التعديل  بحسب نوعية العجز الذي أصابه ،فإذا أصيب العامل بعجز كلي مستديم وأصبح غير قادر على أداء عمله جاز للمستخدم إنهاء عقد عمله.

وقد نصت المادة 66 من قانون علاقات العمل 90/11 على ما يلي "تنتهي علاقة العمل في الحالات التالية : البطلان أو الإلغاء القانوني – انقضاء أجل العقد ذي المدة المحدودة -الاستقالة – العجز الكامل عن العمل كما ورد تحديده في التشريع ....."

      ويثبت العجز الكامل عن العمل بموجب رأي طبيب العمل ويخول للمستخدم إنهاء عقد العامل العاجز عجزا كاملا عن العمل.

    أما إذا أصيب بعجز جزئي فبإمكان المستخدم أن يغير له منصب العمل ويكون ملزما برأي طبيب العمل(*)  الذي يبت في تبديل العامل في منصب آخر (1) فإذا رفض المستخدم الآخذ برأي طبيب العمل فإنه يخضع لعقوبات جزائية محددة بالمادة38 من قانون 88/07/ المؤرخ في 26/01/1988 (2).

     أما إذا رفض العامل نقله إلى منصب آخر بسبب حالته الصحية فإنه يعد مرتكبا لخطأ جسيم يستوجب التسريح (3)

     وإذا تم نقل العامل إلى منصب أدنى بسبب حالته الصحية فإنه سيؤدي حتما إلى  تخفيض أجره مما يشكل تعديلا جوهريا لعنصر الأجر. 






      (*) أنظر قرار المحكمة العليا رقم 84360 المرفق رقم 5

1-أنظر المادة 36 من المرسوم التنفيذي 93/120 والتي تنص على "عملا  بالمادة 175 من القانون رقم 88-07 المؤرخ في 26 جانفي 1988 والمذكور أعلاه يجب أن تأخذ الهيئة المستخدمة آراء طبيب العمل بعين الاعتبار، لا سيما فيما يتعلق بما يأتي: القرارات الطبية – تطبيق التشريع المتعلق بالمناصب المخصصة للمعوقين -  التبديل في المناصب بسبب إصابة العامل – تحسين ظروف العمل...."

2-تنص المادة 38من قانون 88/07 على معاقبة كل مخالف لأحكام المواد 28 , 27, 26,25,24,23,17,14,13,11,07,06,05,03


3- NASRI HAFNAOUI : op. , cit. ; p26



        أما المشرع المصري فيفرق بين العجز المستديم الكلي والذي تنقضي به علاقة العمل ،والعجز الجزئي الذي يؤدي كذلك إلى انقضاء علاقة العمل متى ثبت عدم وجود أي عمل آخر، ويثبت عدم وجود العمل الآخر طبقا لأحكام قانون التأمين الاجتماعي (1)

     أما في  القانون الفرنسي فإن طبيب العمل هو الذي يختص بتقدير الحالة الصحية للعامل ،فإذا قدر عدم قدرته على ممارسة عمله الأصلي فإن المستخدم يصبح ملزما بإعادة تأهليه في منصب آخر بعد استشارة طبيب العمل،الذي يقترح نقل العامل إلى منصب آخر أقل مشقة ،مما يؤدي إلى تخفيض أجره،ويعد ذلك تعديلا جوهريا لعقد العمل (2)

     أما إذا لم تكن هناك مناصب شاغرة تلائم حالة العامل الصحية ،فإن المستخدم غير ملزم بإحداث منصب جديد لهذا العامل ،أما في حالة وجود أكثر من منصب شاغر فإن المستخدم هو الذي يحدد نوعية العمل الجديد وشروطه،دون أن يتعسف في ذلك ،وإذا رفض العامل المنصب الجديد جاز للمستخدم انهاء عقده على مسؤولية العامل (3)

     أما في التشريع الجزائري فلم ترد حالة  المرض من بين حالات انتهاء العقد ،بل وردت ضمن الحالات التي تعلق فيها علاقة العمل إلى غاية شفاء العامل وبدون تحديد ،وبعد شفاء العامل يلتزم المستخدم بإعادة إدراج العامل في منصب عمله أو في منصب ذي أجر مماثل، وهذا ما نصت عليه المادة 65 من قانون علاقات العمل الجزائري

     ويتضح من استقراء  هذه المادة أن المستخدم يمكنه تعديل نوع العمل دون إمكانية تعديل الأجر، غير أنه  يمنع من إنهاء عقد العامل المريض طوال مدة مرضه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه