عوارض الأهلية التجارية في القانون الجزائري

0
عوارض الأهلية

        إن بلوغ الشخص السن القانونية المؤهلة له لممارسة مختلف الأعمال القانونية والتجارية بصفة خاصة، لا تجعله بالضرورة أهلا للقيام بها و ممارستها، ما لم يكن مرشدا لذلك (2) باعتبار أن الترشيد مرتبط بخلو إرادة الشخص من أي عارض قد يصيبه سواء كان هذا العارض طبيعي، قضائي أو قانوني.

الفرع الأول:
العوارض  الطبيعية

        و تنقسم بدورها إلى عوارض معدمة و عوارض منقصة.
        فأما الأولى تتمثل في الجنون و العته: فكلاهما آفة تصيب العقل فتسبب له اضطرابات تؤدي إلى زواله، ضف إلى ذلك الاضطرابات الخارجية التي يسببها الجنون عكس العته الذي لا يؤدي إلى زوال العقل كله و لا يسبب اضطرابات خارجية.
        ويأخذ حكم المعتوه حكم المجنون، فكل مصاب بهما يعتبر تصرفه باطلا بطلان مطلق، وتكون أهليته منعدمة وهذا بنص المادة 42 من القانون المدني.
        و تجدر الإشارة إلى أنه إذا وقع التصرف من المصاب بهما قبل الحجر عليه فإن تصرفه هذا يكون صحيحا ولا يقع باطلا، خاصة إذا كانت حالة الجنون أو العته غير شائعة(3).


 


(1)د.صبحي عرب، محاضرات في القانون التجاري « الإفلاس و التسوية القضائية»، طبعة سنة 2000، ص 34 و35.
(2)وقد أقر الشارع الحكيم هذا الحكم في قوله تعالى:«وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن أنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم»سورة النساء الآية (05)
(3)د.صبحي عرب، المرجع السابق، ص 35-36.
و عليه و حتى لا يكون هذين السببين عرضة لإفلاس التاجر و ضياع ماله تدخل المشرع لمنع المصاب بهما من اكتساب صفة التاجر، إذ لا بد من صدور حكم للحجر عليه، صادر من المحكمة المختصة.
        و بخصوص العوارض المنقصة فهي : السفه و الغفلة : فالسفه هو «تبذير المال و إتلافه على خلاف مقتضى العقل و الحكمة(1) وأن هذا العيب لا يخل بمناط أهلية الأداء لدى السفيه وهو العقل بل يمس تدبيره، وعليه فالسفيه كامل العقل ولكن مغلوب بهواه، لذا يمنع من التصرف في ماله.
        أما فيما يتعلق بذي الغفلة فقد عرفته محكمة النقض المصرية :« هو ضعف بعض الملكات الضابطة في النفس ترد على حسن الإدارة و التقدير و يترتب على قيامه أن الشخص يغبن في معاملات مع الغير »(2).
        وإذا بلغ الشخص سن الرشد وكان سفيها أو ذي غفلة فإنه يحجر عليه، و يتوقف الحجر على حكم القاضي مع شهر قرار الحجر، وقد اعتبر القانون تصرفات القاصر صحيحة إذا كانت نافعة له نفعا محضا، أما التصرفات الدائرة بين النفع و الضرر فتكون قابلة للإبطال و يؤول حق التمسك بإبطالها عند الإجازة الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة- وفي كل الأحوال نأخذ بأحكام القاصر المميز.
        كما أن التصرفات الصادرة عن السفيه أو ذي الغفلة قبل إشهار قرار الحجر، فلا تكون باطلة أو قابلة للإبطال، إلا إذا كانت نتيجة سوء نية واستغلال صادر ممن تعاقد معه (3)وهذا عكس تصرفات المجنون و المعتوه الصادرة قبل توقيع الحجر فإبطالها يكون واقع على أساس انعدام الإرادة.
العاهات البدنية : بالرجوع إلى المادة 80 ق.م.ج، نجدها قد أوردت حكم خاص إذ نصت على            أنه :«إذا كان الشخص أصم أبكم، أو أعمى أصم أو أعمى أبكم، وتعذر عليه بسبب تلك العاهة التعبير عن إرادته جاز للمحكمة أن تعين له وصيا قضائيا يعاونه في التصرفات التي تقتضيها مصلحته و يكون قابلا للإبطال كل تصرف عين من أجله وصي قضائي، إذا صدر من الموصي عليه بدون حضور الوصي بعد تقيد قرار الوصاية فإن هذا التصرف يعتبر قابلا للإبطال لمصلحة صاحب العاهة.
 


(1)د.عطية عبد الموجود إبراهيم، مدى أهلية الصبي لمباشرة التصرفات المدنية، دراسة مقارنة بين الشريعة الإسلامية         و القانون المدني، طبعة 1987، ص: 271.
(2)د. محمد سعيد جعفور، التصرف الدائر بين النفع و الضرر في القانون المدني الجزائري، طبع في سنة 2002، ص: 23
(3)د.صبحي عرب، المرجع السابق، ص 37.
        فالتاجر المصاب بهاته العاهات تعين له المحكمة وصيا يساعده في ممارسة تجارته، وإلا كانت أعماله قابلة للإبطال.

الفرع الثاني
العوارض القضائية

بخصوص هذه العوارض نفرق بين حالتين:
الحالة الأولى/الأشخاص الذين حكم عليهم بعقوبة الحبس النافذة: فإذا صدر حكم قضائي في جريمة شائنة بالنسبة للتاجر، فإن هذا الحكم يعتبر بمثابة عارض من عوارض أهلية الاتجار يفقد من صدر الحكم في مواجهته صفة التاجر، وهذا ما نصت عليه المادة 149/2 من ق.ت :«الأفراد المحكوم عليهم بالجرائم التالية : جناية، إفلاس مصرفي، سرقة، خيانة أمانة، احتيال، اختلاس، ابتزاز أموال، تزوير توقيع، أو قيم منقولة، إ  إصدار شيك بدون رصيد،  الجرائم الواقعة على أموال الدولة، اليمين الكاذبة، الشهادة الكاذبة، تحريض و إغراء شاهد، محاولة القيام أو المشاركة في الجنايات أو الجنح المذكورة، المفلسون الذين لم يرد لهم اعتبارهم»، ونصت المادة 150 من           ق.ت : «يعاقب بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر و بغرامة لا تتجاوز 100.000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من يخالف الحظر المنصوص عليه في المادة السابقة و تضاعف العقوبة في حالة العود»(1).
        وقد يبدوا للوهلة الأولى أن المادة 149 ق.ت حظرت على الأشخاص الذين صدر بحقهم أحكام جزائية من ممارسة أي نشاط يتعلق بالمحلات التجارية بشكل مباشر أو غير مباشر-الفقرة الأولى من المادة- إلا أنه على العكس من ذلك فقد تعدى مفهومها المحل التجاري لتشمل نشاط التاجر بذاته و أهليته لأنه من غير المعقول اكتساب الشخص صفة التاجر الحقيقي دون أن يرتبط بالمحل التجاري(2).
        أما المنع الوارد في التشريع الفرنسي بسبب بعض العقوبات الجزائية وذلك بموجب القانون المؤرخ في 30/08/1947 المتعلق بتطهير المهن التجارية وضع منع عام من ممارسة التجارية بالنسبة لفئات الأشخاص الذين وقعت عليهم بعض العقوبات وذلك بالنظر إلى مدة العقوبة النهائية وهي ثلاثة أشهر حبس نافذة على الأقل و النظر لنوع الجرم المعاقب عليه وهو كل جرم شنيع و شائن أو مخل بالشرف.
 


(1)رفع مبلغ الغرامة من 10.000 دج إلى 100.000 دج بموجب المرسوم التشريعي رقم 93-08 المؤرخ في 25/04/1993.
(2)د.صبحي عرب، المرجع السابق، ص 38.
وكذلك الأشخاص الذين صدرت ضدهم إجراءات عقابية جنائية وكذالك بالنسبة لجرائم الأموال إلخ(1).
        و في حالة ممارسة النشاط التجاري و تقع إحدى العقوبات المذكورة سلفا على التاجر فإنه يمكن للمحكمة حرمانه من نشاطه على أن لا يقل الحرمان عن 05 سنوات و يسري هذا الحرمان إلى حد كل وظيفة تسير أو إدارة شركة تجارية أو صناعية مهما كان شكلها القانون(2)، وأن شطب التاجر من السجل التجاري أو من إدارة الشركة يجب أن يكون صادر مباشرة من الجهة القضائية الناطقة بالعقوبة، و ممارسة التجارية من طرف شخص معاقب يشكل جريمة يعاقب عليها القانون.
الحالة الثانية: حالة الأشخاص الذين شهر إفلاسهم ولم يرد اعتبارهم: بالرجوع إلى نص المادة 366 ق.ت، والتي تنص في فحواها أنه « لا يقبل رد الاعتبار للأشخاص المحكوم عليهم في جناية  أو جنحة مادام من آثار الإدانة منعهم من ممارسة مهنة تجارية أو صناعية »، و تجدر الإشارة أنه من يحدد مدة المنع هو القاضي على أن لا تكون أقل من 05 سنوات و يجوز في هذه الحالة طلب رد الاعتبار.
        أما بخصوص المفلس فإن المنع من ممارسة التجارية ينشأ بقوة القانون و يمتد إلى حين رد الاعتبار أو قد يرد الاعتبار بقوة القانون في الحالة التي يوفي فيها التاجر كل مبالغ المدين وهذا ما نصت عليه المادة 358 ق.ت.
        كما أنه يمكن  رد الاعتبار التاجر المفلس إذا أثبت استقامته وذلك سواء بإبراء الدائنين له من جميع الديون أو الموافقة الجماعية على رد الاعتبار و إما بموجب صلح(3).
        وإن الإفلاس الشخصي في النظام الفرنسي والذي جاء به القانون المؤرخ في 25/01/1985 يوقع على التجار و الحرفيين و كذا المسيرين و المراقبين سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة، شركة تجارية، أو مقاولة حرفية أو الشخص معنوي ذو طابع اقتصادي، وبعض النظر عن تقرير الإفلاس الشخصي رغم شدته فإنه يمكن للمحكمة الحكم على التاجر في حالات خاصة سقوط بعض الحقوق و هو ما يشكل نوع من القطع اليسير و الأقل خطرا كالمنع من التسيير الإداري أو الرقابة سواء  بصفة مباشرة أو غير مباشرة(4).
 


(1)TRAITE  de droit commercial GEORGES- RIPERT-RENEROBLOT Tome 1, 16e Edition par Michel GERMAIN, p 160.
(2) TRAITE de droit commercial – Même ouvrage, p 160.
ويصل حتى إلى وظائف أعضاء مجلس الرقابة أو محافظي الشركات، وقد تم توسيع هذا الحرمان إلى نشاط الممثلين التجاريين.
(3)أنظر في هذا الشأن المادة 359 ق.ت، د. فرحة زراوي صالح: الكامل في القانون التجاري الجزائري، الجزء الأول، الأعمال التجارية، التاجر، ص 193.
(4) TRAITE de droit commercial – Même ouvrage, p 161.

وقد ذهب التشريع الفرنسي إلى حد المنع من مزاولة النشاط التجاري بسبب الشهر الجبائي للأشخاص الذين وضعت ضدهم شكوى من طرف الإدارة الضريبة في الحالات المنصوص عليها في المواد 1741 و 1743 من القانون العام للضريبة CGI   الفرنسي يمكن أن يتعرضوا للمنع المؤقت من مزاولة نشاط التجاري أو صناعي مباشرة أو عن طريق أشخاص آخرين لحسابهم،               أو لحساب الغير.
        وإن قانون 21/10/1957 أعطى أكثر ضمانات للأشخاص المتهمين كون أن المنع المؤقت الصادر بقرار وزاري بعد أخذ رأي لجنة يرأسها المحافظ إلا أنها تصبح نهائية قانونا في حالة صدور حكم بالعقوبة من المحكمة بغرامة أو بالسجن(1).*
الفرع الثالث: العوارض القانونية
        قبل التطرق لهذه العوارض أو الموانع القانونية المتعلق بممارسة النشاط التجاري يستلزم علينا التفرقة بين الموانع المتصلة بالشخص و الموانع المتصلة بموضوع العمل التجاري فهذه الأخيرة نجدها تتعلق بالنظام العام وهي تخضع لأحكام خاصة فقد يكون سبب المنع فيها راجع لاحتكار الدولة أو الجماعات العمومية لنشاط تجاري معين، وقد يكون سبب المنع مقيد كطلب رخصة إدارية لممارسة هذا النشاط، ومن قبيل هذه الموانع : الأنشطة المنجمية و الاستثناء فيها أنه يجوز البحث عن المواد المعدنية غير الإستراتيجية بعد الحصول على رخصة يسلمها الوزير، كما يمنع ممارسة تجارة المخدرات و الأسلحة كقاعدة عامة.
        أما الموانع المتصلة بأهلية الشخص، والتي تجعله رغم بلوغه سن الرشد القانوني و خالي من جميع العوارض السالفة الذكر، إلا أنه لا يسمح له بممارسة العمل التجاري بقوة القانون، ويتعلق هذا المنع ببعض الأشخاص نظرا لمهنتهم، وعليه فإن التجارة ممنوعة على الموظفين العموميين والقضاة «فيمنع على القاضي ممارسة كل وظيفة عمومية أو خاصة تدريجيا، غير أن باستطاعة القضاة ممارسة مهنة التعليم والتكوين طبقا للتنظيم المعمول به»(2).       
        ويمنع كذلك أصحاب المهن الحرة من بينهم المحامين طبقا لنص المادة 87 من قانون 91-04 ونفس الحكم ينطبق على الموثقيـن المادة 17 من قانون 88-27 (3) كذلك الأمـر بالنسبـة للمحضر

 


(1)TRAITE de droit commercial – Même ouvrage, p 161.
*وقد نصت المادة 362/3 ق.ض.م.ر.م« في إرتكاب جرائم جناية ينتج عنه حكم فإن القانون أقر بمضاعفة العقوبات وذلك دون الاخلال بالعقوبات الخاصة المنصوص عليها في نص آخر كالمنع من ممارسة المهنة أو السقوط بعض الحقوق.
(2)أنظر المادة 13 من القانون رقم 89-21 المتضمن القانون الأساسي للقضاء، الجريدة الرسمية 13/12/1989، العدد 53.
(3)تنص هذه المادة :« يحظر على الموثق سواء بنفسه أو بواسطة أشخاص أو بصفة مباشرة أو غير مباشرة القيام بعمليات تجارية أو مصرفية، وعلى العموم بكل عملية مضاربة أخرى».
القضائي المادة 15 من قانون 91-03 ونصت المادة 420 من القانون المدني على فقد أهلية الإتجار من تكون حصته في شركة التضامن متمثلة بماله من نفوذ.
        وعلى النظير من ذلك فإن التشريع الفرنسي يمنع كل من يزاول وظيفة عامة مدنية           أو عسكرية وكذا الضباط و الوزاريين و أعوان العدالة وأعضاء المهن التداولية والمجالس القانونية و الخبراء و المحاسبيين إلخ من ممارسة نشاط تجاري(1).
        لكن السؤال المطروح بخصوص هاته المسألة هو: ما الحكمة التي جعلت مختلف التشريعات من منع هذه الطائفة من ممارسة أنشطة تجارية؟.
        لعل الحكمة المتوخاة  من هذا المنع مردها التعارض المتوقع حصوله بين ممارسة التجارية و المهنة المكلف بها هؤلاء، وعليه فإن القانون يراعي مصلحة الزبائن بصفة خاصة و مصلحة العموم بصفة عامة، فلو قام الشخص الواقع عليه المنع من مزاولة التجارة رغم التحريم القانوني لها، فلا شك أنه سيستغل وظيفته خدمة لنشاطه التجاري أو اشتغاله بتجارية يكون على حساب وظيفته وفي كلتا الحالتين تكون المصلحة العمومية في خطر(2).

        و تجدر الإشارة إلى أنه في حالة زوج أحد الموظفين مارس نشاط تجاري معين فعليه إعلام الإدارة المختصة بذلك حتى يمكنها من اتخاذ التدابير اللازمة بما يوافق فائدة المرفق العام(3) وهذا ما ذهب إليه التشريع الفرنسي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه