تنفيذ العقوبات الأصلية في القانون الجزائري

0
: تنفيذ العقوبات الأصلية

        تتمثل العقوبات الأصلية من خلال نص المادة 5 ق.ع في الإعدام، السجن المؤبد والسجن المؤقت و الحبس والغرامة وحيث أن عقوبات السجن المؤبد والمؤقت والحبس هي عقوبات من طبيعة واحدة تقوم على سلب حرية المحكوم عليه، فسندرجها تحت فرع واحد بعنوان العقوبات السالبة الحرية. أما عقوبتي الإعدام والغرامة  فسنخصص لكل واحدة فرع مستقل.

الفرع الأول : تنفيذ عقوبة الإعدام

أولا: ماهيتها:
        يقصد بعقوبة الإعدام إنهاء حياة المحكوم عليه واستئصاله من المجتمع، فهي بهذه الصفة تأتي على رأس كل العقوبات، وتعتبر من أقدم العقوبات التي عرفتها الأنظمة العقابية، وأكثرها إثارة للجدل لحد الساعة حول الإبقاء عليها أو إلغائها، إذ يرى جانب من الفقه ضرورة إلغائها، كونها تتعارض مع الغرض من العقوبة التي تهدف إلى الإصلاح والتهذيب باستئصال أسباب الخطورة الإجرامية لدى الجاني. وتحت تأثير هذا التيار لجأت أغلب التشريعات في بداية الأمر إلى تقليص مجال تطبيقها ثم إلى إلغائها. في حين يرى جانب آخر من الفقه ضرورة الإبقاء عليها، كونها تحقق نوع من الردع العام الذي يحول دون ارتكاب الجريمة، وعموما لا يتسع المجال هنا لعرض أسانيد كل اتجاه بشأن عقوبة الإعدام، فقط نشير إلى أن هناك  عوامل قد تساعد على تضييق تطبيق عقوبة الإعـدام أهمـها منـح

ظروف التخفيف وخاصة وأن المحكمة التي تنطق بها هي محكمة الجنايات يدخل في تشكيلتها قضاة شعبيون لهم صوت تداولي وكذا حق رئيس الجمهورية في منح العفو واستبدال عقوبة الإعدام بغيرها.
 ونحن نرى على ضرورة الإبقاء على عقوبة الإعدام لا إلغائها كونها واجبة، لأن الشريعة الإسلامية نصت عليها فمن واجب التشريع الجزائري احترام ما أتت به الشريعة الإسلامية باعتبار الجزائر دولة إسلامية. ومن جهة أخرى فهي ضرورية لأنها تقلل من معدل الجريمة، كونها تبعث الرعب في نفسية المجرم الذي يقدم على ارتكاب الجريمة، وهو يعلم أن الإعدام أكيد الوقوع حتى لو كان النطق بها قليل الإحتمال، ولو نطق بها فلا يتم تنفيذها نتيجة تدخل عفو رئيس الجمهورية. وأن إلغاءها يعني فتح الباب أمام المجرم لارتكاب أخطر الجرائم وأبشعها، وهو يعلم علم اليقين أنه لن يواجه حكما بالإعدام، وكأنما نقول له " قتل فلن تقتل" وبالرغم من عدم تنفيذها (1) منذ سنة 1992 إلا أن هذا لا يمنع من التطرق إلى إجراءات تنفيذها.
ثانيا: إجراءات تنفيذها:
        يخضع تنفيذ عقوبات الإعدام نظرا لخطورتها إلى عدة إجراءات تتعلق بتاريخ التنفيذ، ومكانه وطريقته يجب احترامها.
1- تاريخ التنفيذ:
        لاتنفذ عقوبة الإعدام مباشرة بعد صيرورة الحكم القاضي بها باتا (كون المحكوم عليه يسجل طعنا بالنقض بمجرد الحكم عليه بالإعدام) بل تنفذ بعد رفض رئيس الجمهورية طلب العفو، إذ يجب رفع ملف القضية إليه لطلب العفو حتى لو لم يطلبه المحكوم عليه لأنه يعد إجراء جوهري لابد من القيام به تلقائيا قبل تنفيذ عقوبة الإعدام، وهذا ما نصت عليه المادة 197 من الأمر 72-02 بقولها : "لا يمكن تنفيذ عقوبة الإعدام إلا بعد رفض طلب العفو"
غير أن الفصل في طلب العفو قد يأخذ وقتا طويلا، مما يزيد في معاناة المحكوم عليه  الذي يعد الدقائق والثواني في انتظار لحظة موته، وحتى لو رفض طلب العفو بالنسبة للمرأة الحامل المحكوم عليها بالإعدام، فإنه لا يمكن تنفيذ الإعدام في حقها إلا عند بلوغ مولودها 24 شهرا، أين يكون المولود قد أخذ حقه من الرضاع، وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أن الجزائر قد صادقت بموجب المرسوم الرئاسي رقم 03/242 الصادر بتاريخ 08/07/2003(2)على الميثاق الإفريقي لحقوق الطفل ورفاهيته المعتمد بأديس بابا في يوليو سنة 1990 والذي ينص في مادته الثلاثين على أنه :« تتعهد الدول الأطراف في هذا الميثاق بأن تكفل معاملة خاصة للنساء الحوامل والأمهات المرضعات وللأطفال الصغار الذين يتهمون أو يدانون بسبب ارتكاب مخالفات للقانون الجنائي وتتعهد بوجه خاص خطر إصدار حكم بالإعدام ضد أولئك الأمهات». كما منع المشرع الجزائري تنفيذها أيام الأعياد الوطنية والدينية ولا يوم الجمعة أو خلال شهر رمضان.
 


(1)لعدم جواب رئيس الجمهورية على طلبات العفو عن عقوبة الإعدام المرفوعة إليه بالرفض (سكوته) وإما باستبدالها بعقوبة السجن المؤبد.
 (2)منشور في الجريدة الرسمية العدد 41 لسنة 09 يوليو 2003.
2 - مكان التنفيذ:
        ينقل المحكوم عليه بالإعدام إلى إحدى المؤسسات التي خصصها القانون لتنفيذ هذه الأحكام والمحددة بالمادة الأولى من القرار المؤرخ في 23 فبراير 1972. وتعمل النيابة العامة على إجراء النقل بواسطة القوة العمومية بعد أخذ رأي وزير العدل. وعند وصوله يوضع في النظام الانفرادي ليلا ونهارا (المادة 196/2  من أمر 72-02). وطبقا للمادة الأولى من المرسوم 72-38 المتعلق بتنفيذ حكم الإعدام فإن عقوبة الإعدام تنفذ في البلدية التي يكون قد نقل إليها المحكوم عليه طبق للمادة 196 من أمر 72-02 وبالرجوع إلى هذه الأخيرة نجدها تنص على أن النقل يكون إلى إحدى مؤسسات السجن المحدد من طرف وزير العدل بموجب المادة 1 من القرار المؤرخ في 23 فبراير 1972. ويفهم من ذلك أن التنفيذ يكون بالمؤسسة العقابية التي نقل إليها المحكوم عليه وليس بالبلدية كما ورد خطأ في المادة السالفة الذكر. ولم ينص المشرع الجزائري بعد تنفيذ عقوبة الإعدام ما إن كانت الجثة تسلم لذوي المحكوم عليه لدفنها أو تدفنها الدولة، كما فعل المشرع المصري الذي أوجب تسليمها لهم في حالة طلبها شرط أن يكون الدفن بغير إحتفال.
3 - طريقة التنفيذ:
        اشتركت التشريعات الجنائية الحديثة وحرصت على أن يكون تنفيذ عقوبة الإعدام بأقل الوسائل إيلاما، واختلفت في وسائل التنفيذ، فنص بعضها على أن يكون التنفيذ بقطع الرأس كما هو الحال في فرنسا (1) والبعض الآخر نص على الخنق بالغاز كما أخذ التشريع المصري  بتنفيذ الإعدام شنقا، أما المشرع الجزائري وطبقا للمادة 198 من الأمر 72-02 فإن عقوبة الإعدام تنفذ على المحكوم عليه رميا بالرصاص ويكون التنفيذ من غير حضور الجمهور إلا من نصت عليهم المادة 4 من المرسوم 72-38 وهم رئيس الجهة القضائية مصدرة الحكم، ممثل النيابة العامة التي طلبت الحكم بها، موظف من وزارة الداخلية، محامي المحكوم عليه، رئيس المؤسسة العقابية، وأمين الضبط، رجل الدين وطبيب. وإذا تعدد المحكوم عليهم بعقوبة الإعدام لا يخرج الأمر عن حالتين: فقد يقضي بإعدامهم في حكم واحد وفي هذه الحالة ينفذ الإعدام في الواحد منهم تلوى الآخر بحسب ترتيبه بالحكم. أما إذا قضي بإعدامهم في أحكام قضائية مختلفة، فيتم التنفيذ وفقا لأقدمية الأحكام، ويحضر في الحالتين على المحكوم عليهم الآخرين حضور عملية التنفيذ (المادة 3 فقرة 2،3 من المرسوم 72-38).
        وبعد تنفيذ عقوبة الإعدام وفقا للإجراءات السالف ذكرها يقوم أمين الضبط بتحرير محضر التنفيذ الذي يوقعه طبقا للمادة 5 من أمر 72-38 القاضيان الحاضران وهما رئيس الجهة القضائية وممثل النيابة ثم يرفق المحضر بأصل الحكم القاضي بالإعدام، والذي يؤشر أسفله بما يفيد تنفيذه ويوقع عليه ويضمنه مكان التنفيذ واليوم والساعة التي تم فيهـا. وبذلك يكون إثباتـا مماثـلا للمحضر

 


(1) ألغيت عقوبة الإعدام بفرنسا. بموجب قانون 21 تشرين الأول 1981.

نفسه، وقد منع المشرع الجزائري من نشر أي وثيقة متعلقة بالتنفيذ، باستثناء محضر التنفيذ والبلاغ الصادر من وزارة العدل. وأخيرا يقوم أمين الضبط بسحب البطاقة  رقم 1 من سجل السوابق القضائية وإتلافها (628/1 ق.ا.ج).

الفرع الثاني : تنفيذ العقوبات السالبة للحرية

أولا: تعريفها:
        يقصد بالعقوبات السالبة للحرية تلك التي تتضمن حرمان المحكوم عليه من حقه في التنقل والحركة وذلك عن طريق إيداعه في إحدى المؤسسات العقابية طوال المدة المحكوم بها عليه(1). ويعرف التشريع الجزائري نوعين من العقوبات السالبة للحرية، السجن بنوعيه (المؤبد والمؤقت) والحبس كعقوبة مشتركة بين الجنح والمخالفات (المادة 5  ق.ع) ولم يأخذ بعقوبة الأشغال الشاقة (2) نظرا للانتقادات الموجهة إليها كونها قاسية ترهق كاهل المحكوم عليه الذي يستخدم في أشق الأعمال. ومن ناحية أخرى تنطوي على عدم المساواة لأن المحكوم عليهم يختلفون ضعفا وقوة في قدرتهم على تحمل الأعمال.
        ويعرف السجن بأنه سلب حرية المحكوم عليه طيلة حياته إذا كان مؤبدا، أو لمدة تتراوح بين خمس  سنوات و عشرين سنة كحد أقصى إذا كان مؤقتا، وهو عقوبة جنائية تكون متبوعة بعقوبات تبعية أو تكميلية. مع العلم أنه يمكن الحكم في جناية بعقوبة الحبس دون السجن، وهذا في حالة الاستفادة من ظروف التخفيف أو من عذر قانوني كصغر السن.
        في حين يعرف الحبس بأنه عقوبة مقررة في مادة الجنح والمخالفات، يقوم على سلب حرية المحكوم عليه لمدة تتراوح بين شهرين كحد أدنى و خمس سنوات كحد أقصى في الجنح ما لم يقرر القانون حدودا أخرى (3).         ولمدة تتراوح من يوم واحد على الأقل إلى شهرين على الأكثر في المخالفات كقاعدة عامة. وتتماثل عقوبة الحبس مع عقوبة السجن المؤقت في جوهرها فهي إيلام مقصود يتمثل في سلب حرية المحكوم عليه لمدة محددة يعينها الحكم، ولكنها مع ذلك تختلف عنها من حيث الشدة والنتائج القانونية التي ترتب على كل منهما، فالحبس عقوبة جنائية تنطق بها محكمة الجنايات ضمن إجراءات خاصـة تختلف عن عقوبة الحبس التي تنطق بها الجهات القضائية المختصة بالنظر في الجنح والمخالفات(4).
 


(1)د/مأمون محمد سلامة: قانون العقوبات القسم العام 1990 دار الفكر العربي القاهرة 1990 ص 642.
(2)أخذ بها التشريع المصري وعرفها في المادة 14 ق.إ جنائية " تشغيل المحكوم عليه في أشق الأعمال التي تعينها الحكومة مدة حياته إذا كانت العقوبة مؤبدة أو المدة المحكوم بها عليه إن كانت مؤقته".
(3)المادة 295/2، 126 من ق.ع، في حالة العود تكون مدة الحبس ضعف المدة القصوى الأصلية أي 10 سنوات.
(4)حول النتائج القانونية المختلفة بين السجن والحبس راجع د/عبد الله سليمان/ شرح قانون العقوبات الجزائري القسم العام الجزء الثاني الجزاء الجنائي/ ديوان المطبوعات الجامعية ص 447 وما يليها.
ثانيا: إجراءات تنفيذها:
        يختلف تنفيذ الأحكام الجزائية القاضية بعقوبات سالبة للحرية  باختلاف الوضعية التي يكون فيها المحكوم عليه بين ما إذا كان موقوفا رهن الحبس المؤقت، وما إذا كان حرا طليقا أثناء المحاكمة، ولم تقرر المحكمة إيداعه بالجلسة. أو إذا كان حاضرا طبقا لنص المادة 358 من ق.إ.ج أو إذا كان غائبا وصدر الحكم ضده غيابيا أو اعتباري حضوري مع الأمر بالقبض، أو بدونه أين تتخذ النيابة إجراءات قانونية لتنفيذ هذه الأحكام. وعليه سنعالج إجراءات التنفيذ في حالة الموقوفين ثم غير الموقوفين.
1 - تنفيذ العقوبات السالبة للحرية يالنسبة للمحكوم عليه الموقوف:
        الموقوف أمام المحكمة هو المتهم الذي أحيل أمامها عن طريق إجراءات التلبس الصادر عن السيد وكيل الجمهورية طبقا للمادتين 59، 338 ق.ا.ج، أو بموجب أمر إحالة صادر عن السيد قاضي التحقيق الذي كان قد أصدر مذكرة إيداع رهن الحبس المؤقت ضده خلال فترة التحقيق، أو بموجب قرار إحالة صادر عن غرفة الإتهام، بعد إعادة تكييف الوقائع من جناية إلى جنحة وكان المتهم موقوف رهن الحبس المؤقت أو بموجب قرار إحالة على محكمة الجنايات صادر عن غرفة الاتهام ونفذ في حقه الأمر بالقبض الجسدي، حيث يستخرج من المؤسسة العقابية بموجب وثيقة استخراج - مؤشر عليها من طرف النيابة- عن طريق الشرطة أو الدرك، ويساق إلى المحكمة يوم الجلسة في وضعية موقوف، وبعد الاستجواب والمرافعات والمداولة، إذا كانت الجهة الناظرة  في الدعوى الغرفة الجزائية بالمجلس أو محكمة الجنايات، وصدور الحكم الجزائي القاضي بعقوبة سالبة للحرية ونافذة، يعاد المحكوم عليه إلى المؤسسة العقابية بواسطة القوة العمومية مصحوبا بصحيفة الجلسة، وهي وثيقة رسمية تتضمن أسماء وألقاب المحكوم عليهم ورقم القضية، طبيعة الجنحة ومنطوق الحكم، ويؤشر عليها أمين ضبط الجلسة ووكيل الجمهورية أو النائب العام حسب الجهة المصدرة للحكم. وتستند عليها المؤسسة العقابية لاستقبال الموقوف المحكوم عليه لتطبيق العقوبة بمجرد صيرورة الحكم باتا، أين يقوم أمين الضبط المكلف بمصلحة تنفيذ العقوبات بإعداد المطبوعات اللازمة، ويرسل صورة حكم أو قرار نهائي للمؤسسة العقابية التي يتواجد بها المحكوم عليه بدلا من الضبطية القضائية، وهنا تُطرح تساؤلات حول تاريخ بدء العقوبة السالبة للحرية، ومصير مدة الحبس المؤقت التي قضاها المحكوم عليه قبل صيرورة الحكم الصادر ضده باتا، هذا ما سنحاول توضيحه فيما يلي:
أ/نقطة انطلاق العقوبة السالبة للحرية:
إذا كان الحبس المؤقت يبدأ من ساعة وصول المحكوم عليه إلى المؤسسة العقابية والتي يجب أن تذكر في مذكرة الإيداع التي تكون قد صدرت طبقا للمادة 118 أو 117/2 ق.إ.ج، فإن نقطة انطلاق أو بدء العقوبـة السالبـة للحرية يكـون بتاريـخ اكتساب الحكـم القاضـي  بهـا قوة الشيء المقضي فيه لأنه حتى لو كان نهائيا وسجل المحكوم عليه طعنا بالنقض فإنه يبقى في إطار الحبس المؤقت طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 499 ق.إ.ج، وما نصت عليه المادة 12 الفقرة الأولى من أمر 72-02 من أن بدء العقوبة يحسب بمذكرة الإيداع في الحبس والتي يذكر فيها ساعة وصول المحكوم عليه إلى السجن فتتعلق بالمحكوم عليهم غير الموقوفين رهن الحبس المؤقت.
        ولسائل أن يتساءل أنه إذا كان من المهم تحديد نقطة انطلاق العقوبة السالبة للحرية بالنسبة للحبس والسجن المؤقت لتحديد تاريخ انقضائها، وخروج المحكوم عليه من المؤسسة العقابية، فما الفائدة من تحديدها بالنسبة للسجن المؤبد ؟.
        ولنا أن نجيب بالقول أنه يجب أكثر من ذلك تحديدها بالنسبة لعقوبة الإعدام، لأن التشريع الجزائري كغيره من التشريعات المقارنة قد أخذ بنظام العفو عن العقوبة سواء الكلي أو الجزئي الذي يقلص العقوبة حتى الإعدام- إلى حد تصبح فيه مؤقتة، وبالتالي يصبح الخروج من السجن الذي كان مستحيلا، أملا مرجوا للمحكوم عليه خاصة إذا تقدم بطلب الإفراج المشروط .
        ونصت المادة 13 من نفس الأمر على ضرورة مسك المؤسسة العقابية لسجـل يدعــى " سجل الحبس " الذي يسجل فيه كل شخص دخل المؤسسة العقابية سواء بموجب حكم نهائي أو أمر إيداع، إذ لا يجوز لأي موظف بالمؤسسة العقابية حبس أي شخص دون أن يكون مصحوبا بأوامر إيداع قانونية أو مستخرج حكم أو قرار نهائي. يتضمن عقوبة وذلك تحت طائلة المتابعة الجزائية بتهمة الحجر التحكمي طبقا للمادة 14 من أمر 72-02، والمنصوص والمعاقب عليها في المادة 110 ق.ع.
        -غير أن السؤال الذي يطرح في هذا المقام هو كيف تحدد نقطة انطلاق مدة العقوبة بالنسبة للأشخاص المحبوسين نتيجة  جريمة أخرى- بموجب حكم جزائي سابق ؟
بالقراءة الحرفية لنص المادة 12/3 من أمر 72-02 نقول أنه  يبدأ حساب العقوبة من يوم حبس المحكوم عليه بموجب أمر إيداع لأجل الجريمة التي أدت إلى الحكم عليه كون المحكوم عليه المتابع بجريمة أخرى يوضع رهن الحبس المؤقت سواء طبقا للمادة 118 أو 117/2 ق.إ.ج، ولكن المشرع الجزائري قد أخذ بمبدأ تعدد الجرائم ودمج العقوبات الذي يقف عائقا أمام تنفيذ الحكم الجزائي وهو ما سنتطرق إليه في الفصل الثاني، وهذا لا يمنعنا من القول مبدئيا أنه في حالة تعدد العقوبات يكون المحكوم عليه ملزما بتنفيذ العقوبتين شرط أن تكون الأفعال التي حوكم عليها في الأول قد صدر فيها حكم نهائي وبات وعلى هذا الأساس تكون نقطة انطلاق العقوبة الثانية من تاريخ انتهاء العقوبة الأولى.
وتحسب مدة العقوبة المقررة بالسنين من تاريخ حبس المحكوم عليه إلى التاريخ المماثل له من السنة الأخيرة، أما إذا كانت بالشهور فتحسب بعددها بغض النظر عن عدد أيام الشهر وتحسب عقوبة اليوم ب 24 ساعة، والشهر ب 30 يوما، والسنة ب 12 شهرا.
ب/خصم مدة الحبس المؤقت:
        يرى الفقهاء أنه من العدل خصم مدة الحبس المؤقت من العقوبة المحكوم بها، لأن الحبس المؤقت يترتب عليه تقييد الحرية كالعقوبات المقيدة للحرية، كما أنه في حالة الحكم بالإدانــة، فالحبس المؤقت يعد تنفيذا معجلا للعقوبة. ومن العدل أن ينتفع بإنقاص العقوبة المحكوم عليـه الـذي


استوفى جزاءه مقدما (1)، وعليه أخذ المشرع الجزائري بخصم مدة الحبس المؤقت (2) في المادة 12 من أمر 72-02  حيث تحسب هذه المدة ابتداء من حبس المحكوم عليه بموجب أمر من العدالة لأجل الجريمة التي حكم عليه من أجلها، واكتفى المشرع بذلك دون إيضاحات أخرى بالرغم من ما تثيره هذه المسألة من إشكالات تتعلق ب:
        -التوقيف للنظر الذي تمارسه الضبطية القضائية في إطار صلاحياتها عند مباشرة التحريات والمنصوص عليه في المادة 51 ق.إ.ج، والذي تصل مدته إلى 12 يوما كأقصى حد في الجرائم الموصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية بتطبيق المادة 12 السالفة الذكر نجده لا يخضع لفكرة خصمه من العقوبة كونه لا يعد حبسا مؤقتا ولا يستند إلى أي أمر، غير أننا نرى أنه لا يوجد مانع من النص على خصمه من العقوبة المحكوم بها وخاصة وأنه يقيد حرية المحكوم عليه ويمارسه ضابط الشرطة القضائية الملزم باطلاع وكيل الجمهورية فورا ( 51 ق.إ.ج)
        -طبقا للمادة 12 من أمر 72-02 يجب خصم مدة الحبس المؤقت من العقوبة حتى لو لم يستمر المحكوم عليه في الحبس المؤقت لحين صدور الحكم كما لو صدر أمر بالإفراج عنه مؤقتا، كما يجب خصمها إذا أعيد حبسه بعد الإفراج عنه إفراجا مؤقتا أو أعيد السير في الدعوى بعد صدور أمر بأن لاجه للمتابعة لظهور أدلة جديدة (3).
        -هل يجوز خصم الحبس المؤقت في القضايا المحكوم فيها بانقضاء الدعوى العمومية أو بالبراءة، أو المحكوم فيها بعقوبة أقل من مدة الحبس المؤقت من العقوبات السالبة للحرية المحكوم بها في قضايا أخرى ؟ فقد يحدث أن يتهم الشخص بعدة جرائم تحبس مؤقتا من أجل واحدة منها ثم يصدر في هذه الجريمة أمر بالبراءة مثلا، بينما يحكم عليه بعقوبات سالبة للحرية عن باقي الجرائم.
        ذهب فريق من الفقه إلى اشتراط الارتباط بين الواقعة التي أوجبت الحبس المؤقت والواقعة التي انبنى عليها الحكم بالعقوبة. في حين ذهب فريق آخر إلى اشتراط لخصم مدة الحبس المؤقت من العقوبة المحكوم بها أن يكون متعلقا بالواقعة التي انبنى عليها الحكم بالعقوبة وهو الرأي الذي أخذ به المشرع الجزائري في المادة 12 من أمر 72-02.
        وتجدر الإشارة إلى أن الخصم يطبق على كل العقوبات المقيدة للحرية ولا يطبق على العقوبات المالية، وبالتبعية الإكراه البدني باعتباره تنفيذ لعقوبة مالية بخلاف التشريع المصري الذي يأخذ بخصم مدة الحبس المؤقت من مقدار الغرامة فتستنزل مائة قرش من الغرامة المحكوم بها عن كل يوم قضاه المحكوم عيه بالحبس المؤقت (4).
 


(1)جندي عبد المالك/ الموسوعة الجنائية الجزء الثاني، دار إحياء التراث العربي ص 704.
(2)لا تطبق هذه القاعدة في جريمة الهروب المنصوص عليها في المادة 188 ق.ع.
(3)جندي عبد المالك/ المرجع السابق ص 707.
(4)المادة 23 ق عقوبات مصري، 509 من قانون الإجراءات الجنائية المصري.
2 - تنفيذ العقوبات السالبة للحرية بالنسبة للمحكوم عليه غير الموقوف:
        أ/تنفيذ الأحكام الحضورية:
        بعد أن يصبح الحكم باتا يحرر أمين الضبط المكلف بمصلحة تنفيذ العقوبات صورة الحكم (قرار) نهائي كما سبق الإشارة إليه- وترسل للشرطة أو الدرك مرفقة بإرسالية وكليل الجمهورية تحمل عبارة " لتقديم المعني من أجل التنفيذ "وبعد تقديم المحكوم عليه أمام وكيل الجمهورية، يتأكد هذا الأخير من هويته الكاملة والتي يجب أن تكون مطابقة للحكم المراد تنفيذه، ثم يطالع وكيل الجمهورية مراسيم العفو التالية على تاريخ صيرورة الحكم باتا وقابلا للتنفيذ إن وجدت، ويتأكد من أن المرسوم يتناول كذلك المحكوم عليهم غير المحبوسين، وإلا صرف النظر. فإذا إستفاد المحكوم عليه من المرسوم أشرّ وكيل الجمهورية بذلك على هامش مستخرج الحكم ثم حفظه وأطلق سراح المطلوب، وإذا لم يكن قابلا للاستفادة أشر على هامش مستخرج الحكم بعبارة " صالح للإيداع ".
        ب/تنفيذ الأحكام الغيابية:
        تنفيذ الحكم القاضي بالحبس النافذ والصادر غيابيا، حضوريا اعتباريا، حضوريا غير وجاهي من دون تبليغ شخصي للمعني امتثالا  للمذكرة الوزارية السالف ذكرها التي حددت أربعة أشهر على الأكثر من تاريخ النطق بالحكم كأجل للتنفيذ بالرغم من بقاء الحكم قابلا للمعارضة والاستئناف. هذا التنفيذ ينطوي على مخاطر كثيرة قد تؤدي إلى حبس الناس تعسفا خلافا لما تقضي به المادة 412  ق.إ.ج وهذا من جراء قيام بعض النيابات عند إلقاء القبض على المعني في دائرة اختصاصها بتحويله مباشرة بعد التأكد من هويته إلى النيابة التي أصدرت صورة الحكم بغض النظر عن المسافة التي تبعد بينهما دون أن تستعمل وسائل الاتصال للتشاور معها وبعد وصوله بعد طول فترة يسجل المعارضة في الحكم الغيابي ويطلق سراحه، في حين نيابات أخرى لا تحول المعني عند القبض عليه بل تلجأ إلى التأشير على هامش صورة الحكم وإيداع المعني مباشرة في المؤسسة العقابية المحلية.
        وللحفاظ على حقوق وحريات الأفراد وجب على المكلف بمصلحة تنفيذ العقوبات أن يشير في صورة الحكم المعد عند التنفيذ بالأحمر بعبارة " غير مبلغ شخصيا " ثم عند إرفاق هذه الصورة بمراسلة النيابة الموجهة سواء إلى الضبطية أو النيابات الأخـرى الحــرص على ألا تحمل هذه المراسلة عبارة " للتنفيذ " بل يجب أن تحمل مراسلة النيابة الجملة التالية "تبليغ المعني بالحكم الصادر ضده وإنذاره بأن له أجل 10 أيام للتقدم أمام المحكمة التي أصدرت الحكم لأجل تسجيل معارضة أو استئناف حسب الحالة وإلا صار الحكم نهائيا وينفذ عليه وفي حالة عدم العثور عليه تحرير محضر بحث بدون جدوى ترجعون إليه عند الحاجة " (1).

 



(1) جباري عبد المجيد وكيل الجمهورية المساعد لدى محكمة عنابة دروس ملقاة على طلبة شهادة الكفاءة المهنية للمحاماة بجامعة باجي مختار عنابة (غير منشورة).
أ/الحكم بالحبس النافذ مع أمر إيداع في الجلسة:
        -جرت العادة في الميدان أن يحرر القاضي أمر الإيداع قبل النطق بالحكم، وينبه شرطة الجلسة بأخذ الحيطة والحذر من هروب المتهم من قاعة الجلسات. فبمجرد النطق بالحكم القاضي بالإدانة بالحبس النافذ مع أمر إيداع في الجلسة طبقا للمادة 358 من ق.إ.ج، ينفذ الأمر مباشرة بأن تقتاد الشرطة المحكوم عليه مرفقا بأمر إيداع في الجلسة بعد أن يؤشر عليه وكيل الجمهورية بأنه صالح للإيداع إلى المؤسسة العقابية، وله أن يسجل بكتابة ضبطها الطعن في الحكم إن كان يقبل ذلك (الاستئناف أو الطعن بالنقض) ولا يفرج عنه رغم ذلك.
ب/الحكم بالحبس النافذ مع أمر بالقبض:
        مباشرة بعد النطق بالحكم يوقع القاضي الذي ترأس الجلسة على الأمر بالقبض يحال على مصلحة أوامر القبض والإحضار أين يقيده أمين الضبط في سجل أوامر القبض. ويرسل نسخا منه مع إرساليات النيابة العامة إلى: المديرية العامة للأمن الوطني، القيادة العامة للدرك الوطني، الشرطة والدرك. وإذا كان المتهم مقيم خارج اختصاص الجهة المصدرة للحكم فيرسل الأمر بالقبض للنيابة المختصة للتنفيذ.
        وفي حالة ما إذا ألقي القبض على المتهم يقدم أمام وكيل الجمهورية الذي يتأكد من هويته على محضر سماع، ثم يحرر أمين الضبط المكلف بالمصلحة السالف ذكرها اخطار بالكف عن البحث يوقع من طرف وكيل الجمهورية يرسل للجهات المعنية. وهنا نميز بين حالتين:
-إذا كان الحكم غيابي: يؤشر وكيل الجمهورية على هامش الأمر بالقبض بأنه صالح للإيداع ويعلمه بأن له مهلة 10 أيام للمعارضة، فله أن يسجل معارضته أمام أمين الضبط المكلف بمصلحة المعارضات والاستئنافات (1)، أو يسجلها أمام أمين الضبط القضائي بالمؤسسة العقابية، حينئذ يقوم وكيل الجمهورية بجدولة قضيته في أول جلسة للجنح وخلال أجل أقصاه ثمانية أيام من تاريخ تسجيله للمعارضة (358/5 ق.إ.ج).
-إذا كان الحكم حضوري اعتباري، أو حضوري غير وجاهي: فإن وكيل الجمهورية يبلغ المحكوم عليه بأجل الاستئناف ويؤشر على الأمر بالقبض بأنه صالح للإيداع. ويقوم بالإسراع في إعداد الملف وإرساله إلى السيد النائب العام في أقرب وقت ممكن لحسن سير العدالة وليس مراعاة لآجال معينة، فلا توجد أية آجال خاصة عدا الأجل الوارد في المادة 423/2 ق.ا.ج وهو شهر على الأكثر من تاريخ تسجيل الاستئناف، طبعا إذا ما سجل المحكوم عليه استئنافا سواء أمام المحكمة أو في المؤسسة العقابية التي أودع فيها.

 


 (1) صحيح أن المعارضة تلغي الحكم المعارض فيه لكن الأمر بالقبض يظل واجب النفاذ فوكيل الجمهورية ينفذ في هذه الحالة الأمر بالقبض.

الفرع الثالث: تنفيذ عقوبة الغرامة

        نص المشرع الجزائري على الغرامة كعقوبة مالية أصلية في مواد المخالفات والجنح في المادة 5 من ق.ع، ورغم أنه لم ينص عليها في مواد الجنايات ضمن العقوبات الأصلية إلا أنه أوردها في بعض المواد: 161 ق.ع وما يليها والمتعلقة بجنايات متعهدي  تموين الجيش. وتعرف بأنها إلزام المحكوم عليه بأن يدفع إلى خزينة الدولة المبلغ المقدر في الحكم، وهي بذلك تشبه الغرامة المدنية (1) من ناحية أن مقدارها معين بمقتضى القانون ويحكم بها لصالح خزينة الدولة إلا أنها تختلف عنها في كون الغرامة المدنية ليست بعقوبة، لأن الأفعال التي تستوجب الحكم بها لا تشكل جريمة كما أنها لا تنفذ عن طريق الإكراه البدني.
        ومن جهة أخرى تشبه التعويضات من حيث أن الغاية منها هو إصلاح الضرر الذي لحق بالمجتمع من جراء تصرف المحكوم عليه، غير أنها تختلف عنها في كون قيمتها مقدرة في النص القانوني بصرف النظر عن أهمية الضرر الذي حدث بخلاف التعويضات التي تقدر بحسب ما لحق المضرور من ضرر.
غير أنه وإن كنا قد جزمنا أن عقوبة الغرامة تختلف عن الغرامة المدنية والتعويضات، إلا أننا لا نستطيع جزم ذلك فيما يتعلق بالغرامة الجمركية ويرجع سبب ذلك إلى اختلاف الفقه والقضاء في تحديد الطبيعة القانونية للغرامة الجمركية حول ما إذا كانت عقوبة جزائية أو تعويض مدني، ولا يسعنا المجال هنا لذكر أسانيد كل اتجاه (2)، فقط نشير إلى أن المشرع الجزائري اعتبرها قبل تعديل قانون الجمارك بموجب القانون رقم 98/10(3) في المادة 259/4 منه تعويضات مدنية، لكنه وبعد صدورالقانون 98/10 وإلغاء الفقرة 4 من المادة 259 عدل عن حكمه والتزم الصمت، ومع ذلك اعتبرالقضاء بأن الغرامة الجمركية تتسم بصفتين، صفة العقوبة وصفة التعويض عن الضرر اللاحق بالخزينة العامة (4)
إجراءات تنفيذها:
        لا تكون الأحكام الجزائية الصادرة بالغرامة قابلة للتنفيذ إلا إذا حازت قوة الشيء المقضي فيه وهو ما نصت عليه المادة 597/2 ق.إ.ج، والمادة 8/1 من الأمر 72-02 (5) وتتولى إدارة الضرائب تحصيل الغرامات بمجرد تلقيها جداول الإرسال المتضمنة لملخصات الأحكام النهائية والمدونة فيها الغرامات المحكـوم بها والمصاريف القضائيـة كما سبق الإشارة إليـه في المبحث الأول. حيث تقوم
 


(1)ومثال الغرامة المدنية ما نصت عليه المادة 565 ق.إ.ج بقولها: « كل قرار برفض طلب رد قاضي يقضي فيه بإدانة الطالب بغرامة مدنية من ألفين إلى خمسين ألف دج وذلك بغير إخلال بالعقوبات المستحقة في حالة ما إذا قدم طلب عن سوء نية بقصد إهانة القاضي».
(2)للاطلاع أنظر د/أحسن بوسقيعة، المنازعات الجمركية الطبعة الثانية، النخلة 2001، ص 324.
(3)القانون رقم 98/10 المؤرخ في 22 غشت 1998 المعدل والمتمم للقانون 79-07 المؤرخ في 21 يوليو 79.
(4)قرار 03/01/1993 في الملف رقم 85084 عن غرفة الجنح والمخالفات، المجلة القضائية العدد 3 لسنة 1994، ص265.
(5) بخلاف التشريع المصري الذي نص في المادة 463 من ق.إ.ج على أن الأحكام الصادرة بالغرامة تكون واجبة النفاذ حتى مع حصول استئنافها، بمعنى أن الاستئناف لا يوقف التنفيذ.
بتوجيه تنبيه بالوفاء للمحكوم عليه طبق لما نصت عليه المادة 604 ق.إ.ج. وللمحكوم عليه أن يدفع المبلغ المحدد في التنبيه بالوفاء اختيارا، وبذلك يتخلص من التزامه وإذا رفض ذلك لمدة تزيد على عشرة أيام فتباشر ضده إجراءات تنفيذ الإكراه البدني.
        لكن وباستقراء المادة 597/2 ق.إ.ج التي تنص على أنه " ويعتبر مستخرج الحكم بالعقوبة سندا يسوغ بمقتضاه متابعة استخلاص الأداء بكافة الطرق القانونية من مال المحكوم عليه ". وعبارة كافة الطرق القانونية عبارة شاملة يدخل ضمنها طرق التنفيذ المدنية الجبرية ومنها التنفيذ على ممتلكات المحكوم عليه بطريق حجز ما للمدين لدى الغير م 355 ق.إ.م الحجز على المنقول المادة 369 ق.إ.م الحجز العقاري 379 ق.إ.م، فالغرامة تعتبر من يوم الحكم بها دينا في ذمة المحكوم عليه (1) اتجاه الخزينة العمومية فنرى أنه يجوز تحصيله بكافة الطرق القانونية.
        ونظرا للمشاكل التي تعترض إدارة الضرائب في تحصيل الغرامات بسبب كثرة الأحكام القاضية بالغرامة الخاصة في مواد المخالفات، ولعدم وصول الاستدعاءات لأصحابها وللإسراع في تنفيذ الأحكام الجزائية وتفادي سقوط الغرامات بالتقادم فإن إدارة الضرائب تلجأ للإكراه البدني كطريق لضمان تنفيذ هذه الأحكام وهو ما سنتناوله في الفقرة الموالية.
الإكراه البدنــي:
        نص عليه المشرع الجزائري في المواد 597 إلى 611 ق.إ.ج مبينا أهم أحكامه من تحديد مدته وحالات تطبيقه ووسائله وتوقيف تنفيذه.
أجاز المشرع الجزائري تنفيذ الغرامة والمبالغ المستحقة للخزينة العمومية عن طريق الإكراه البدني إذا لم يدفعها المحكوم عليه اختيارا، ويكون التنفيذ بالإكراه البدني جوازيا وهو ما يستشف من نص المادة 599 ق.إ.ج ويتم بحبس المحكوم عليه المدين للخزينة العمومية أو للطرف المدني في مؤسسة عقابية وهو بهذا يكون:
-طريق غير مباشر للتنفيذ ووسيلة ضغط على المحكوم عليه واختبار قدرته على الدفع، من شأنه حمل ذوي اليسر من المحكوم عليهم الذين يخفون أموالهم على إظهارها، ودفع ما عليهم، وهو ما يفهم من نص المادة 599/2 ق.إ.ج التي تقضي بأن الإكراه البدني لا يسقط بأي حال من الأحوال الالتزام الذي يجوز أن تتخذ بشأنه متابعات لاحقة بطرق التنفيذ العادية.
-هو حبس مؤقت فلولاه لكان المعسر المحكوم عليه في مأمن من العقاب على جريمة معاقب عليها بالغرامة فقط وبهذه الصفة يكون طريق من طرق تنفيذ الغرامة عند عدم دفعها.
مدتــه:
        طبقا للمادة 600 ق.إ.ج تحديد مدة الإكراه البدني إلزامي بقوة القانون فالقاضي ملزم بتحديدها وإذا سهى عن ذلك فلا يؤثر على سلامة الحكم أو القرار(2) ويجـوز لكل ذي مصلحـة الحق في رفع

          
(1)د/مأمون محمد سلامة: المرجع السابق ص 668.
(2) قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ 12/01/1988 في الملف 44231 المجلة القضائية 1990 العدد 4 ص 248.
الأمر إلى الجهة القضائية المختصة الفاصلة في الموضوع لتستكمل حكمها طبق للمادة 371 ق.إ.ج، غير أنه ليس للقاضي أن يعفي منه المحكوم عليه أو يفيده بظروف التخفيف أو التشديد. ويكون تحديدها طبقا للمادة 602 ق.إ.ج على أساس مجموع المبالغ المالية المحكوم بها على أن لا يتجاوز حدها الأقصى في المخالفات شهرين  وفي مواد الجنايات والجنح لا تتجاوز سنتين.
        وما يلاحظ على هذا التحديد الذي وضع بموجب الأمر 66 - 155 الصادر في 8 يونيو 1966 أنه لم يعد يتماشى مع قيمة الدينار الجزائري من جهة، ومع الغرامات المالية المنصوص عليها في قانون العقوبات والتي عرفت معظمها تعديلات آخرها كانت بموجب قانون 01-03 المؤرخ في 26 يوليو2001 حيث يمكن أن يصل الحد الأقصى للغرامة مبلغ 2000.000 دج (المادة 119 ق.ع)، 2.500.000 دج (144 مكرر 1 ق.ع) ونصت بعض القوانين الخاصة كالقانون البحري على غرامة جنحة اختلاس حطام ذي طابع تاريخي تصل  5.000.000 دج (المادة 490-3 منه) فمن اللاعدل ومن غير المعقول أن تكون مدة الإكراه البدني لحكم قضى بالغرامة الواردة في المادة 144 مكرر 1 مثلا نفسها بالنسبة للحكم القاضي بغرامة 8 آلاف دينار جزائري. فيجدر بالمشرع الجزائري أخد ذلك بعين الاعتبار وإعادة النظر في تحديد مدة الإكراه البدني.
الأشخاص المطبق عليهم:
        كقاعدة عامة يطبق على المحكوم عليه نهائيا فاعلا أصليا، كان أو شريكا في جناية أو جنحة أو مخالفة من القانون العام يدان من أجلها ويحكم عليه علاوة على العقوبات الأصلية بالغرامة المالية المصاريف القضائية والتعويضات المدنية، ويطبق عليه أيضا إذا كان محكوم عليه من أجل متابعات على أساس تشريعات خاصة كالتشريع الضريبي، والتشريع الجمركي طبقا للمادة 293/3 من قانون الجمارك المعدل والمتمم بالقانون 98-10 والتي تنص على أنه: " يمكن تنفيذ الأحكام والقرارات المتضمنة حكما بالإدانة والصادرة عن مخالفة جمركية بالإكراه البدني طبق لأحكام ق.إ.ج" غير أنه واستثناء من القاعدة العامة لا يجوز للقاضي الحكم بالإكراه البدني وتطبيقه في بعض الجرائم و على بعض الأشخاص وهذا في حالات حصرية حددتها المادة 600/2 ق.إ.ج:
-قضايا الجرائم السياسية.
-الحكم بعقوبة الإعدام أو السجن المؤبد.
-إذا كان عمر الفاعل يوم ارتكاب الجريمة يقل عن 18 سنة وهذا ما يجعل تنفيذ الغرامة الصادرة ضد الحدث صعب لأنها تصدر تحت ضمان المسؤول المدني.
-إذا ما بلغ المحكوم عليه الخامسة والستين من عمره.
-ضد المدين لصالح زوجه
-ضد الزوج وزوجته في آن واحد.
        والحكم بالإكراه البدني في حالة من هذه الحالات يكون وجها جديا من أوجه الطعن بالنقض.
        وباعتبار الإكراه البدني يكون عن طريق الحبس فلا يجوز مباشرته إلا ضد مرتكب الجريمة الذي ثبتت مسؤوليته عن الجريمة واستوجب العقوبة المقررة، وعملا بمبدأ شخصية العقوبة فإن الإكراه البدني لا يطبق على المسؤول المدني، وورثة المحكوم عليه المكره بدنيا، أضف إلى ذلك عدم جواز تطبيقه بالنسبة للمحكوم عليه بغرامة مدنية كالشهود طبقا للمادة 97 ق.إ.ج، وكذا الشخص الإعتباري المحكوم عليه بغرامة كالنشرية وفقا للمادة 144 مكرر 1 ق.ع.
إجراءات تنفيــذه:
-عند استنفاذ طرق التنفيذ العادية ولم يكن للمحكوم عليه أموال كافية لتغطية الدين من الغرامة والمبالغ المستحقة الأخرى، تقوم مصلحة الضرائب أو إدارة الجمارك أو الطرف المدني بتقديم طلب الحبس إلى السيد وكيل الجمهورية هذا الأخير وحسب وضعية المحكوم عليه يقوم:
-إذا كان المحكوم عليه حرا: يصدر أمرا بالقبض إلى القوة العمومية هذه الأخيرة تقوم باقتياده إلى وكيل الجمهورية الذي يتأكد من هويته ويؤشر على الأمر بأنه صالح للإيداع ثم يقتاد إلى المؤسسة العقابية لقضاء مدة الإكراه البدني.
-إذا كان محبوسا: يوجه وكيل الجمهورية أمرا إلى المشرف رئيس المؤسسة إعادة التربية بإبقائه فيها طبقا للمادة 605 ق.إ.ج (1) .
غير أنه يمكن وقف تنفيذ الإكراه البدني في الحالات التالية:
أ/إذا أثبت المحكوم عليه عسره الحالي بتقديم شهادة فقر مسلمة من رئيس المجلس الشعبي البلدي، أو شهادة الإعفاء من الضرائب يسلمها له قابض الضرائب التابع له (2)، لكن ماذا عن إدارة الجمارك التي يجوز لها طلب تنفيذ الإكراه البدني بالنسبة للغرامة الجمركية ؟ وخاصة وأن المادة 299 من قانون الجمارك تضمنت تطبيق الإكراه البدني المسبق حيث نصت على أنه: " يحبس كل شخص حكم عليه لارتكابه عمل التهريب إلى أن يدفع قيمة العقوبات المالية الصادرة ضده وذلك بغض النظر عن كل استئناف أو طعن بالنقض ".
        وإثبات المحكوم عليه عسره لا يمنع وكيل الجمهورية أن يجري بحثا اجتماعيا عليه للتأكده من عسره المالي أو يسره حتى يتسنى له أخذ القرار الملائم بالإكراه البدني أو وقف تنفيذه، غير أنه لا يجوز وقف تنفيذ الإكراه البدني بالنسبة للأشخاص الذين حكم عليهم بسبب جنحة أو جناية اقتصادية (3).
ب/تدارك المحكوم عليه بدفع مبلغ ديونه من أصل ومصاريف قضائية، وفي هذه الحالة يتم الإفراج عنه من قبل وكيل الجمهورية بعد التحقق من آداء الديون طبقا للمادة 609 ق.إ.ج.
ج/دفع مبلغ من أصل الدين والمصاريف القضائية غير أن المشرع لم يحدد نسبة هذا المبلغ بالمقارنة مع المبلغ الأصلي، وهو ما يستشف من المادة 610 ق.إ.ج. ويجوز مباشرة الإكراه البدني من جديد على المحكوم عليه إذا لم يسدد المبلغ المتبقي من الدين وذلك بالنسبة لمقدار هذا المبلغ، ولم يحدد المشرع أيضا المهلة التي يجب أن يسدد فيـها المحكوم عليه ما تبقى له من أصل ومصاريف قضائية،
والأرجح أن تحدد المهلة عند الإفراج عنه طبقا للمادة 609 ق.إ.ج.
 


 (1) لكن ماهو جاري به العمل في الميدان هو أن كل من وكيل الجمهورية والضبطية القضائية (شرطة، درك) يمنحان أجلا للمحكوم عليه لتنفيذ ما عليه من دين لتفادي تنفيذ الإكراه البدني.
(2)،(3) المادة 603 ق.إ.ج.     
        ولا يجوز مباشرة الإكراه البدني (1) من أجل أحكام لاحقة لتنفيذه ما لم تكن هذه الأحكام تستلزم بسبب مجموع مبالغها مدة إكراه أطول من المدة التي تم تنفيذها على المحكوم عليه، وهنا يتعين إسقاط مدة الحبس الأول من الإكراه الجديد (المادة 611 ق.إ.ج).
        ولعل ما يعطل إجراءات التحصيل الجبرية هذه الإكراه البدني- هو إجبار مديرية الضرائب في حالة طلب الإكراه البدني توجيه طلبها إلى الجهة القضائية مصدرة الحكم الجزائي القاضي بعقوبة الغرامة بينما المصالح المختصة بالتحصيل هي تلك المتواجدة في محل إقامة المحكوم عليه على الرغم من أن هذا الإجراء يبطل مفعوله بمجرد دفع الغرامة.
        وما يمكن اقتراحه في مجال تنفيذ الغرامة ما يلي:
1)خصم مدة الحبس المؤقت من الغرامة: إذا كان القانون يجيز تنفيذ الغرامة بطريق الإكراه البدني على نحو ما بيناه أعلاه بحبس المحكوم عليه، فلماذا لا نجيز بخصم مدة الحبس المؤقت التي قضاها المحكوم عليه من عقوبة الغرامة المحكوم بها منفردة، أو مع عقوبة سالبة للحرية مشمولة بوقف التنفيذ، أو لم تستنفذ كل مدة الحبس المؤقت إذا كانت نافذة، بمعنى أنه متى جاز تحويل الغرامة إلى الحبس، وكان الحبس المؤقت يخصم من العقوبات السالبة للحرية، فمن باب أولى أن يخصم الحبس المؤقت من الغرامة وينفذ الإكراه البدني فقط للمدة المتبقية بعد خصم الحبس المؤقت(2).وعليه حبذا لو أخذ المشرع الجزائري بهذه القاعدة ونص على استنزال مبلغ محدد عن كل يوم قضاه المحكوم عليه في الحبس المؤقت، ويكون تحديد هذا المبلغ بالنظر إلى تحديد مدة الإكراه البدني بالنسبة لمبلغ الغرامة.
2)استبدال الإكراه البدني بالعمل للمنفعة العامة:        حقيقة أن الإكراه البدني وسيلة فعالة لإجبار المحكوم عليهم بأداء العقوبات المالية، إلا أن مساوءه أكثر من إيجابياته، إذ يشجع المكرهين بدنيا على الانحراف باختلاطهم في المؤسسات العقابية مع المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية، وأنه يدفعهم إلى اتباع وسائل غير مشروعة كالسرقة للحصول على أموال لتسديد ديونهم لتفادي تنفيذ الإكراه البدني عليهم. ومن جهة أخرى يجعل إدارة المؤسسة العقابية تصرف مبالغ مالية كبيرة للتكفل بطعامهم ونومهم وعلاجهم، فلا يعقل أن تصرف عليهم أموال لأنهم لم يستطيعوا الوفاء بديونهم، لهذه الأسباب وغيرها نقترح استبدال الإكراه البدني بالتشغيل للمنفعة العامة، وهذا تماشيا مع التوصيات التي قدمها السيد رئيس الجمهورية في خطابه بمناسبة افتتاح السنة القضائية 2003/2004  بالمحكمة العليا يوم 22/12/2003  والتي من بينها استبدال عقوبة الحبس قصير المدة والتي تقل عن 3 سنوات بالشغل لصالح المنفعة العامة فلما لا نطبق ذلك أيضا على الإكراه البدني وخاصة وأن المدة الأقصى له هي سنتان.
 


(1) لم يعد يطبق الإكراه البدني في المواد المدنية كون الجزائر صادقت بموجب المرسوم الرئاسي رقم 89/167 بتاريخ 16/05/1989 على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية المعد من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة وتم التوقيع عليه من قبل ممثلي الدول الأطراف في 16/12/1966 والذي أصبح ساري المفعول في 23/03/1976 حيث نص في المادة 11 منه :" لا يجوز سجن أي إنسان على أساس عدم قدرته على الوفاء بإلتزام تعاقدي".

(2) أخذ المشرع المصري بهذه القاعدة في المادة 509 قانون إجراءات جنائية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه