إمكانية التوسع و ملائمته في الصلاحيات الرقابية لمجلس الشورى السعودي

0
إمكانية التوسع و ملائمته في          الصلاحيات الرقابية لمجلس الشورى السعودي
تمهيد وتقسيم .
المطلب الأول:  إمكانية التوسع في الصلاحيات الرقابية لمجلس الشورى.
المطلب الثاني: مدى ملائمة بعض وسائل الرقابة لتجربة المجلس.


تمهيد وتقسيم
وبعد، فإن مجلس الشورى له تجربته الخاصة المنبثقة من الخصوصية السعودية ، وما انضمام المجلس للاتحاد البرلماني الدولي وغيره، وكذا الثقة التي يحظى بها المجلس من ولاة الأمر في المملكة وقناعتهم بدوره في المجال التنظيمي والرقابي ومنحه المزيد من الصلاحيات، إلا دليل على الاهتمام بهذه التجربة الشورية التي تتخذ من الشريعة الإسلامية أساساً لها.
جميع ذلك يدعونا للتطلع إلى مزيد من التطوير وزيادة صلاحيات المجلس؛ لتفعيل دوره في الحياة السياسية في المملكة إسوة بغيره من المجالس التشريعية في مختلف النظم السياسية.
وعلى ذلك ، فإننا سنعرض في هذا المبحث لإمكانية التوسع في الصلاحيات الرقابية لمجلس الشورى السعودي ، ومن ثم لمدى ملائمة بعض هذه الوسائل لتجربة المجلس .


المطلب الأول:  إمكانية التوسع في الصلاحيات الرقابية لمجلس الشورى.

الفرع الأول : طريقة اختيار أعضاء المجلس (الانتخاب أو التعيين) لا تمنع التوسع في الدور الرقابي.
مارس ولي الأمر عدداً من الأساليب لاختيار أعضاء المجلس، حيث بدأ المجلس الأهلي 1343هـ بالانتخاب، أما مجلس 1345هـ فقد جمع بين التعيين والانتخاب، وفي مجلس الشورى 1346هـ؛ انتهى ولي الأمر إلى الأخذ بمبدأ التعيين أو الاختيار([1])، وهو ما أخذ به في النظام الحالي لمجلس الشورى 1412هـ، فوفقاً للمادة الثالثة من نظام المجلس فإنه يتكون من رئيس وعدد من الأعضاء، جرى تحديده في بداية تكوين المجلس وفقاً لهذا النظام بستين عضواً، ثم جرت زيادته إلى تسعين في الدورة الثانية([2])، ثم إلى مائة وعشرين عضواً في الدورة الثالثة([3])، ثم إلى مائة وخمسين عضواً في الدورة الرابعة([4])؛ لزيادة أهمية المجلس الوطنية وأخذاً بمبدأ التدرج.
واختيار الأعضاء يكون من قبل الملك، وانتماؤهم للدين والوطن، وبذلك تختفي المزايدات من أجل أشخاص أو فئات، أو أي شكل من أشكال الانتماءات الحزبية، ولا يكون العضو مضطراً للتعرض لضغوط ناخبيه، الذين يسعى لتلبية حاجاتهم ومطالبهم، ويوليها اهتمامه الخاص حتى وإن كان على حساب صلاحية القرارات.
ولا شيء يمنع ولي الأمر من تقرير إسلوب الانتخاب في اختيار الأعضاء؛ فقد قرره في مجالات أخرى([5]) رأى مناسبته لها، لكنه في إسلوب اختيار أعضاء مجلس الشورى رأى مناسبة إسلوب التعيين في هذه المرحلة؛ لأنه يعطي فرصة أكبر لاختيار التشكيل النوعي لأعضاء المجلس الغني بتخصصات كثيرة مثرية لنقاشات الموضوعات المطروحة بمهنية عالية، ومنها يستوفي الموضوع المدروس دراسة تتسم بالإسلوب العلمي المتكامل، وتناقش بحيادية ظاهرة، خصوصاً وأن هذا الاختيار يراعى فيه الاطلاع على التجارب النيابية الأخرى، والتنوع الوظيفي والعلمي، بالإضافة إلى البعد الاجتماعي والمهني والجغرافي.
ومن خلال العرض لوسائل الرقابة البرلمانية على أعمال السلطة التنفيذية، لا نجد حقيقة ما يعوق ممارستها من قبل المجلس، بل العكس، فإسلوب اختيار أعضاء

المجلس بالتعيين قد يعين على الممارسة الأمثل والأكفأ لتلك الوسائل، وأن توجه وفق منهج منظم يجسد الدور الرقابي الذي يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة وحسن أداء الأجهزة الحكومية وحسب، بعيداً عن الأهداف الشخصية والمصالح الخاصة.
الفرع الثاني: أن مظاهر الرقابة تختلف باختلاف النظام السياسي السائد:
رأينا – عند دراستنا للبرلمان بشكل عام([6]) – أن الدساتير تختلف في تقرير بعض الاختصاصات للسلطة التشريعية التي يمثلها البرلمان.
فهناك اختصاصات أساسية ودائمة يندر أن نجد مجلساً لا يمارسها، وهذه تتعلق بالتشريع والمالية.
وهناك اختصاصات متغيرة تمارسها البرلمانات بطرق مختلفة وعلى حسب دساتيرها، مثل الرقابة التي يمارسها البرلمان على الحكومة، فوسائل الرقابة تختلف من دولة لأخرى، كما أن هذه الوسائل هي بمثابة تطبيقاتها عملياً وفقاً لما تنظمه تلك الدساتير واللوائح.







المطلب الثاني: مدى ملائمة بعض وسائل الرقابة لتجربة مجلس الشورى.
من خلال دراستنا لوسائل الرقابة في الأنظمة المقارنة، تبين أن هذه الوسائل مختلفة من حيث درجة خطورتها، وأن منها ما يعد من الوسائل الرقابية الهادئة التي يمكن لمجلس الشورى السعودي أن يمارسها بدايةً، حيث عرضنا لهذه الوسائل بالتفصيل، وتعرفنا على اتجاه الأنظمة بشأنها، والنظام الإجرائي لكل منها، وشروط ممارستها، ومدى التزام الحكومة أو الوزارة بما ورد فيها، وكذا عوارضها وانقضائها.
وعلى ذلك، فإننا سنعرض لهذه الوسائل الرقابية الهادئة بشكل سريع من حيث مدى مناسبتها، وفق نظرة تأخذ في الحسبان أن الملك هو رئيس مجلس الوزراء في المملكة، وهو المرجع الأعلى لجميع السلطات في المملكة، وأن مجلس الشورى يقوم بدوره هذا المتمثل بمعاونة ولي الأمر، وأنه يباشر هذا الدور الرقابي بتفويض منه، وذلك على النحو الآتي:
الفرع الأول: فيما يختص بتقرير حق الإشراف العام:
يمكن تقرير حق الإشراف العام لمجلس الشورى على شؤون الدولة، وذلك انطلاقاً من معاونة المجلس لولي الأمر، وأنه يباشر سلطته بتفويض من الملك المرجع الأعلى للسلطات، حيث يكون لمجلس الشورى إبداء رغبات في موضوعات عامة لرئيس مجلس الوزراء أو نائبه أو أحد الوزراء، خصوصاً أننا قد تعرفنا على الطبيعة القانونية لهذا الحق في الأنظمة المقارنة، فهو ليس إلا وسيلة من الوسائل الفردية لتبادل وجهات النظر، ونقل المعلومات، وتوضيح الحقائق، ونقل الرغبات لما فيه خير للصالح العام؛ مما يعني حق الحكومة في رفض التنفيذ إذا رأت أن في تنفيذ رغبة المجلس ما يخالف أو يعوق تنفيذ السياسة العامة للدولة التي سبق أن وضعتها وهي التي تتولى – على مسؤوليتها – تنفيذها.


الفرع الثاني: فيما يختص بطلب الإحاطة:
يمكن تقرير هذه الوسيلة ؛ لأنها تدخل في إطار الحرص على لفت أنظار الوزراء المعنيين إلى أمور مهمة تدخل في نطاق اختصاصاتهم، وكذلك في إطار سرعة طرح القضايا ذات الطبيعة العاجلة على المسؤولين، ومطالبتهم بالتحرك الفوري لمواجهتها، فهي إذن تفترض أن الوزير لم يصل إلى علمه هذا الأمر أو موضوع الطلب.
وهذه الوسيلة أيضاً تعد من الوسائل الرقابية الهادئة، هدفها مؤازرة الوزير ومعاونته على أداء مهامه، وتبصرته بأمور قد يصعب عليه معرفتها؛ لتعدد أجهزة وزارته وتشعب مهامها مما قد يصعب معه معرفتها بمختلف جوانب الخلل في مرافقها.

الفرع الثالث: فيما يختص بالأسئلة:
يمكن التقرير بأن يكون لكل عضو من أعضاء مجلس الشورى أن يوجه إلى الوزراء أسئلة لاستيضاح الأمور الداخلة في اختصاصهم، ويكون للسائل وحده حق التعقيب مرة واحدة على الإجابة. فهي إذن لا يقصد بها سوى الاستفهام عن أمرٍ لا يعلمه العضو، أو للتحقق من حصول واقعة وصل علمها إليه، أو حتى الاستعلام عن نية الوزارة في أمرٍ من الأمور. على أن يقتصر الموضوع على السائل (عضو المجلس) والمسؤول (الوزير) الذي يرد عليه، ولا يسمح بإثارة مناقشة في المجلس، كما أنه ينتهي بالإجابة عليه أو التعقيب على هذه الإجابة دون اتخاذ أي قرار من المجلس. على أنه يمكن أن يتبع في ذلك إسلوب الأسئلة المكتوبة (حينها يقوم الوزير بالرد الكتابي) أو الأسئلة الشفوية (بالحضور لجلسة المجلس).
وقد تعرفنا على فوائد نظام الأسئلة البرلمانية، من حيث كونها أداة للاستفهام يتيسر من خلالها الحصول على معلومات قد يصعب الحصول عليها من غير هذا الطريق، وكذلك هي أداة للرقابة على العمل الحكومي اليومي؛ لأنها تؤدي إلى الكشف عن الكثير من التجاوزات والمخالفات التي قد تقع من الإدارات الحكومية المختلفة، وتسلط الضوء عليها؛ بهدف دفع الوزراء المختصين للتحرك لمعالجة أوجه القصور بأداء الإدارات التابعة لهم.
ولا يقتصر الأمر على مجرد الكشف عن المخالفات والتجاوزات في المرافق المختلفة، بل قد يمتد إلى النشاط التنظيمي ذاته؛ فيكون سبباً في إعادة النظر ببعض الأنظمة التي تحكم العمل الحكومي.
كما أن الأسئلة هي وسيلة للحصول على تفسير رسمي لما يرد في بعض اللوائح، ولاشك أن الوزراء سيأخذون في حسبانهم ملحوظات أعضاء المجلس الواردة في أسئلتهم عندما يوجهون تعليماتهم ومنشوراتهم الدورية (التعاميم) إلى مرافق وزاراتهم المختلفة.
كما أن ذلك التفسير من قبل الوزير لبعض نصوص اللوائح يكشف عن السياسة العامة التي تتبعها الوزارة عند تطبيقها للوائح؛ مما يمكن المتعاملين معها من معرفة رأيها في الموضوع، ويضاف إلى ذلك ما قد يمتد إليه التفسير ليشمل بعض نصوص المعاهدات الدولية التي ارتبطت بها الدولة وأثرها على الأنظمة الداخلية.
وعندما يقتنع مقدم السؤال بإجابة الوزير أو المسؤول، هنا ينتهي السؤال تماماً بتحقيق أغراضه. أما إذا لم يقتنع بالإجابة، فقد درجت الأنظمة على أن تكون لجنة مختصة لدراسة ذلك ، حيث يقوم رئيس المجلس من تلقاء نفسه أو يطلب رئيس هذه اللجنة أو مقدم السؤال بإحالة الموضوع إلى هذه اللجنة لبحث الموضوع وتقديم تقرير عنه إلى المجلس، ثم يؤخذ رأي المجلس في تقرير هذه اللجنة، على أن ينظر المجلس – بعد ذلك – في مدى ملائمة الاكتفاء بالمرحلة التي وصل إليها الموضوع أو رفعه للملك.
الفرع الرابع: فيما يختص بطرح موضوع عام للمناقشة:
يمكن تقرير طرح موضوع ذي أهمية عامة للمناقشة داخل المجلس، يشترك فيها جميع أعضائه؛ بقصد استيضاح سياسة الحكومة حول هذا الموضوع، وتبادل الرأي بشأنه، فيكون لعدد من أعضاء المجلس أن يطلبوا طرح موضوع عام للمناقشة لاستيضاح سياسة الوزارة بشأنه، فهو إذن لا يرمي إلى المحاسبة والاتهام، وإنما فقط مجرد تنوير الوزارة والمجلس حول الموضوعات المثارة بشأنها المناقشة.
ولذلك، فإن هذا الإسلوب هو أيضاً يعد من الأساليب الرقابية الهادئة، التي تهدف إلى إجراء حوار بين مجلس الشورى والوزير حول موضوع له أهمية معينة؛ بقصد الوصول إلى حل يتفق عليه الطرفان، على أنه يختلف عن الأسئلة من حيث أنه لا يقتصر في الحوار على طرفيه (السائل والمسؤول) فالنقاش مفتوح لجميع الراغبين من أعضاء المجلس.
وعليه، فهو إذن يعد بمثابة تبادل الرأي والتعاون بين المجلس والوزير في جو من التفاهم؛ للوصول إلى أفضل سياسة تنتهج يتفق عليها الطرفان.
كما أنه يعد من الوسائل الرقابية الهادئة التي قد تنتهي إلى إحالة الموضوع إلى إحدى لجان المجلس المختصة، لدراسته وإعداد تقرير عنه، أو قد ينتهي إلى قفل باب المناقشة والانتقال إلى جدول الأعمال أو إصدار قرار برغبة.


الفرع الخامس: فيما يختص بالتحقيق أو (لجان تقصي الحقائق):
 تقرير هذه الوسيلة فيه تمكين للمجلس من الوقوف على حقيقة ما قد يثار من خلال وسائل الرقابة من موضوعات أو مشاكل مالية أو إدارية أو اقتصادية ناتجة عن نشاط إحدى المصالح الحكومية و الهيئات العامة أو أي جهاز تنفيذي أو إداري أو أي مشروع من المشروعات العامة.
فقد يكون الأمر خطيراً كخللٍ في أحد أجهزة الدولة، هنا المجلس قد لا يعتمد على ما قدمته الوزارة إليه من معلومات أو بيانات، فيكون له أن يستقي المعلومات بنفسه وعلى الطبيعة، ويتحقق من الأمر عن طريق إجراء تحقيق تقوم به لجنة يكونها من أعضاءه، حيث يكون لهذه اللجنة أن تجمع ما تراه من الأدلة، وأن تطلب سماع من ترى سماع أقواله، وعلى جميع الجهات التنفيذية والإدارية أن تستجيب لطلبها، وأن تضع تحت تصرفها – لهذا الغرض – ما تطلبه من وثائق ومستندات أو غيرها.
وهذا ما يعد أيضاً من وسائل الرقابة التي تدخل في دائرة التحقيق، فإذا أثير موضوع – مما يدخل في اختصاص المجلس – وأراد أن يصدر فيه قراراً، فأمامه أحد طريقين: إما أن يقتنع بالبيانات التي تقدمها له الوزارة عن أجهزتها المختصة، أو أن يحاول الوقوف على الحقيقة بنفسه إذا ما داخله شك لسبب أو لآخر.
مما سبق، تتضح إمكانية التوسع في الدور الرقابي لمجلس الشورى على أعمال الأجهزة التنفيذية، والأخذ ببعض الوسائل الرقابية الهادئة التي يمكن للمجلس أن يمارسها بداية، بحيث يجعل للمجلس أدوات رقابية جديدة تتمشى مع الخصوصية السعودية وطبيعة العلاقة بين مجلس الشورى ومجلس الوزراء على أن يكون تنظيم ممارستها متفقاً مع هذه الخصوصية، وبكون الملك هو رئيس مجلس الوزراء في المملكة وهو المرجع الأعلى لجميع السلطات في المملكة، حيث يقوم مجلس الشورى بدوره هذا المتمثل بمعاونة ولي الأمر، وأنه يباشر هذا الدور بتفويض منه، فيكون للمجلس حينها إبداء رغبات في موضوعات عامة لرئيس مجلس الوزراء أو نائبه أو أحد الوزراء، أو إحاطة الوزراء المعنيين إلى أمور مهمة تدخل في نطاق اختصاصهم، أو حتى توجيه الأسئلة إليهم لاستيضاح الأمور الداخلة في اختصاصهم، أو طلب طرح موضوع ذي أهمية عامة للمناقشة داخل المجلس لاستيضاح سياسة الوزارة واتجاهها بشأنه.















خاتمة

إن الدور الرقابي للبرلمان يتمثل في دراسة وتقييم أعمال الوزارات، وتأييدها إن أصابت وحسابها إن أخطأت؛ وذلك حتى يتأكد من أن جميع ما تقوم به الأجهزة التنفيذية يتم في حدود الأنظمة ويتفق مع المبادئ الدستورية وتحقيق المصلحة العامة.
وقد اتضح كيف أن ممارسة الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية هو اختصاص أصيل كفلته الدساتير لمجالسها، ورسمت له الطرق التي تسير عليها هذه الممارسة بما يضمن تمكين المجلس من قيامه بدوره على أكمل وجه، ولذلك فإن الرقابة البرلمانية هي وظيفة سياسية بالدرجة الأولى تتصل بمراجعة أعمال الحكومة، وإسداء النصح لها، وإبلاغها بكل رغبة تتصل بالمصلحة العامة.
إن خضوع السلطة التنفيذية للرقابة البرلمانية يختلف من دولة لأخرى وفقاً لطبيعة العلاقة بين هذه السلطات ومدى قدرة البرلمان في مواجهة السلطة التنفيذية، وذلك بالنظر إلى أن بعض الدول يستطيع البرلمان فيها إجبار الحكومة على الاستقالة عن طريق التصويت على الثقة في الحكومة، وفي بعض الدول الأخرى يقوم البرلمان بدور المساند والمعاون للسلطة التنفيذية، وهذا يؤدي إلى عدم اهتمام السلطة التنفيذية بوظيفة رقابة البرلمان على أعمالها.
والرقابة البرلمانية لا يشترط لممارستها أن تكون أعمال السلطة التنفيذية التي تمارس عليها تامة أو منجزة، فلا يلزم أن تكون قد خرجت من طور الإعداد والتحضير إلى نطاق التنفيذ، فهي تمارس أيضاً على الأعمال التحضيرية أو التمهيدية، بل على حتى ما تنوي الحكومة اتخاذه أو حتى مجرد التصريحات التي يدلي بها أعضاؤها وإن لم تأخذ شكلاً نهائياً.
إضافة إلى ذلك، فإن الرقابة البرلمانية تشمل مشروعية الأعمال الإدارية وملائمتها معاً، فلا تقتصر على الاستيثاق من مطابقة العمل الحكومي أو الإداري للقواعد المنظمة له وحسب، وإنما تتجاوزه إلى البحث في مدى ملائمته مع الواقع والظروف المعاصرة له.
على أنه في المقابل، فإن الرقابة البرلمانية تتسم بضيق أثرها، فكل ما يترتب على رقابة البرلمان من أثر لا يعدو أن يكون إثارة المسؤولية السياسية للوزير أو الحكومة، فلا يملك البرلمان أكثر من ذلك، فلا يجوز له مثلاً أن يصدر أوامر إلى الحكومة أياً كان مضمونها أو هدفها أو أنه يلغي قراراً أصدرته الإدارة أو يعدله أو يوقف تنفيذه، وذلك تطبيقاً لمبدأ الفصل بين السلطات.
وارتباط الالتزام الوزاري بالمسؤولية هو أمر مسلم به في النظم الدستورية والبرلمانية، فالمسؤولية إذن تنشأ في حال الإخلال بعمل أو الامتناع عن عمل قانوني من الشخص المكلف به.
ولذلك، فإن المسؤولية الوزارية هي إذن أثر لا وسيلة، فلا تثار بشكل مستقل، وإنما على أثر استجواب، ولأن غالب الوسائل الرقابية الأخرى قابلة للتحول إلى استجواب؛ فإن مفاد ذلك أنها جميعاً يمكن أن تفضي إلى إثارة هذه المسئولية، ولو بطريق غير مباشر.
وعلى الرغم من عدم وضوح الدور التنظيمي والرقابي لمجلس الشورى السعودي، وأن دوره لا يزال غامضاً، حيث أن مجلس الوزراء يشاركه في هذا الدور، إلا أننا نرى أن ذلك لا يلاءم ظروف الحياة السياسية المتطورة في المملكة.
ففي بدء تكوين مجلس الشورى كان ذلك مقبولاً لحداثة التجربة، ومحدودية الصلاحيات الممنوحة للمجلس، وقلة عدد أعضائه.
وحالياً، وبعد مرور الثلاث دورات وبدء الدورة الرابعة للمجلس، وكذلك زيادة عدد أعضائه، بالإضافة إلى توسيع صلاحيات المجلس من خلال تعديل المادتين السابعة عشرة والثالثة والعشرين من نظامه، حيث أن ذلك التعديل قد قرر
- بالإضافة لمرجعية مجلس الشورى للملك – أن مجلس الوزراء لم يعد هو الرقيب والسلطة التي تملك صياغة القرار في صورته الختامية، وأن ما يجري هو تداول الرأي مع مجلس آخر بشأن نظام أو قرار هدفه الصالح العام، إنه من الملائم إذن أن ينفرد مجلس الشورى بأعمال السلطة التنظيمية ومهامها، لأن استمرار مجلس الوزراء في ممارسة اختصاصات تنظيمية لا ينسجم مع ممارسته اختصاصاته كسلطة تنفيذية، وإلا كيف يمكن له أن يمارس الرقابة على نفسه ؟! خاصة بعد أن تعرفنا على الوظيفة الرقابية للسلطة التنظيمية وأبرز وسائلها.
وعلى ذلك ، فإنه مما سبق عرضه في الدراسة ،  نستطيع أن نخلص إلى عدد من المقترحات على النحو الآتي :
أولاً : أنه من الضروري أن ينظر في مسألة فصل السلطة التنظيمية عن السلطة التنفيذية في المملكة، على أن يكون ذلك بشكل تدريجي ،  فالتدرج هو الإسلوب الأمثل لتحقيق التكامل وخاصة فيما يتعلق بالمشاركة في السلطة التنظيمية.
ثانياً : عرضنا لاختصاصات مجلس الشورى ، حيث اتضح ما يمكن أن يمارسه المجلس من دور رقابي على أعمال الأجهزة التنفيذية.إلا أنه يلاحظ أن المجلس يمارس ذلك الدور الرقابي في حدوده الدنيا، فإذا كان المجلس قد جعلت له تلك الصلاحيات الرقابية انطلاقاً من تجربته المنبثقة من الخصوصية السعودية والنظام السياسي في المملكة، إلا أن ذلك لن يعوق أو يمنع التوسع في الدور الرقابي للمجلس على أعمال تلك الأجهزة، والأخذ ببعض الوسائل الرقابية التي يمكن للمجلس أن يمارسها بداية، بحيث يجعل للمجلس أدوات رقابية جديدة تتمشى مع الخصوصية السعودية وطبيعة العلاقة بين مجلس الشورى ومجلس الوزراء، على أن يكون تنظيم ممارستها متفقاً مع هذه الخصوصية، وبكون الملك هو رئيس مجلس الوزراء في المملكة وهو المرجع الأعلى لجميع السلطات فيها، حيث يقوم مجلس الشورى بدوره هذا المتمثل بمعاونة ولي الأمر، وأنه يباشر هذا الدور بتفويض منه، وذلك على نحو ما بيناه في عرضنا لمدى مناسبة تلك الوسائل.
ثالثاً : أهمية تقرير دور رقابي اقتصادي لمجلس الشورى ، ويؤيد ذلك كون المجلس معاوناً للملك والحكومة في برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تهيئه الدولة بقيادة خادم الحرمين الشريفين (حفظه الله)، ومن المفيد إذن توسيع صلاحيات المجلس في متابعة خطط التنمية، وطرح مسودة الميزانية العامة للدولة على المجلس لأخذ مرئياته عليها قبل عرضها على مجلس الوزراء لإقرارها، كما هو ذلك مع التقارير والاتفاقيات والخطط التي تعرض حالياً على المجلس، فقد يكون للمجلس رأي مساعد للدولة في طرح رؤيتها.
        رابعاً : المجلس مطالب بدور أكثر فاعلية بعد تعديل بعض مواده وفق ما بيناه ، خصوصاً أن ذلك التعديل قد أعطاه حق النظر في جميع الشؤون والقضايا والموضوعات التي يرى أعضاؤه تناولها بالبحث والنقاش والدراسة، ولم يقتصر مهمته على دراسة ما يصل إليه فقط، فالمجلس إذن لم يعد معذوراً – وفق رؤية المجتمع – في إتخاذ المبادرات التي تتوافق مع آمال الناس واحتياجاتهم، بل إن الفرصة كبيرة أمامه لصنع مبادرات ترتقي إلى مستوى الطموحات.
خامساً : وأما أعضاء المجلس ، فإن الاختيار الذي وقع عليهم يحملهم مسؤولية كبرى تجاه المجتمع، فهم يمثلونه في تداولات المجلس، عليهم إذن الانفتاح على مجتمعهم وقطاعاته والاستماع إلى آرائهم ومتطلباتهم، وأن يتلمسوا الاحتياجات الأساسية للمواطنين، ويجدوا حلاً للمشكلات والظواهر التي تعتري المجتمع بين الفترة والأخرى. ولذلك فإنه من المستحسن هنا التنويه إلى أهمية عقد المجلس لدورات تدريبية لأعضائه على نحو ما يجري في بعض المجالس؛ حتى يكونوا على دراية تامة بكيفية أداء أدوارهم التنظيمية والرقابية، كما أنه من المستحسن أن يكون لكل منهم موقع على (شبكة الإنترنت)؛ للتواصل مع أفراد المجتمع والتداول معهم، وجمع الآراء، والأمل معقود هنا في إيجاد آلية تواصل بين مجلس الشورى ومجالس المناطق؛ ليكون المجلس وأعضاؤه على ارتباط وثيق بجميع ما يهم المناطق واحتياجاتها.
سادساً : فيما يخص وسائل الإعلام، فالمطلوب أن تقوم بدورها الفعال في مجال توثيق الاتصال بين المجلس والمواطنين، وتصبح نافذة واسعة يطل بها المواطنون على ممثليهم، والعكس كذلك بحيث يسمع ويرى فيها الأعضاء مواطنيهم، كما أن عليها توخي الدقة والمحافظة على نشر ما يحدث دون زيادة أو نقص.
وأما أفراد المجتمع؛ فإن عليهم التريث وعدم الاستعجال في إطلاق أحكامهم على المجلس ودوره الفعال في المجتمع؛ وإلا فإن هناك إمكانية لحضورهم جلسات المجلس، ليطلعوا على دوره الحقيقي المتطور.





([1]) مجلس الشورى. الشورى في الإسلام ممارسة نيابية (تجربة المملكة)، إعداد إدارة المعلومات بالمجلس، الرياض، ط1، 1424هـ، ص 24.
([2]) الأمر الملكي ذو الرقم أ/62 والتاريخ 1/3/1418هـ.
([3]) الأمر الملكي ذو الرقم أ/78 والتاريخ 1/3/1422هـ.
([4]) الأمر الملكي ذو الرقم أ/26 والتاريخ 2/3/1426هـ.
([5]) أخذ بإسلوب الانتخاب الجزئي لأعضاء المجالس البلدية.
([6]) أنظر المبحث التمهيدي من هذه الدراسة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه