خصائـص إجــراء الصلـح في دعــــاوي الشقـــــاق

1
: خصائـص إجــراء الصلـح في دعــــاوي الشقـــــاق

يتميز الصلح طبقا للمواد المنظمة له في مدونة الأسرة بمجموعة من الخصائص يشترك في بعضها مع  العقود المدنية الأخرى ، و البعض الآخر ينفرد به نظرا لخصوصية المجال الذي يجري فيه ، حيث يمكن إجمالها فيمـا يلـي :
- وقوع نزاع بين الزوجين و سبقية رفع دعوى الشقاق
- إلزاميـة القيـام بالصلـح من طـرف المحكمـة
- رضائيـة إجـراء الصلح في دعـاوي الشقـاق
الفقرة الأولى : وقوع نـزاع بين الزوجيـن و سبقية رفـع دعـوى الشقـاق
فلئن كان المشرع المغربي و على غرار باقي التشريعات الوضعية المقارنة يسمح في بعض الحالات خاصة في مجال عقود التجارة الدوليـة ، باللجوء إلى إجراءات الصلح لتفادي الآثار المستقبليـة التي قد تنجم عن كل نزاع متوقـع حدوثـه ، على اعتبار أن عقد الصلح طبقا للفصل 1098 ق . ل . ع  يرمي إلى السماح للمتعاقدين بحسم النزاع القائم بينهما أو الذي يتوقيان وقوعه (1) ، فان من الخصوصيات المميزة للصلح في دعاوي الشقاق كتدبير بديل لتسوية النزاعات الزوجية ، أن تفعيل إجراءاته يقتضي ضرورة وجود نزاع بين زوجيـن كيفما كانت
ــــــــــــــــــ
 (1) يجد هذا الفصل مصـدره في المادة 2044 من القانون المدني الفرنسي التي تعـرف الصلـح بما يلـي :
"La transaction est un contrat par la quel les parties terminent une contestation née ou préviennent une contestation à naitre "   .                                                               
35


 طبيعته و أسبابه ، أدى الخوف من تحويله إلى شقاق بينهما إلى لجوئهما معا أو أحدهما إلى القضاء ، لطلب حله وفق الإجراءات المسطرية المنصوص عليها في المواد 94 إلى 97 من مدونة الأسرة .
لذلك فمادامت غاية الصلح في دعاوي الشقاق محاولة تحقيق تسوية ودية للنزاعات الزوجية ، فان انتفاء النزاع بين الزوجين يعني بمفهوم المخالفة عدم الحاجة إلى إجرائه بينهما ، بحيث إن الصلح و النزاع في الشرع و القانون مرتبطان عمليا من حيث الوجود و العدم (1) .
غير أن اشتراط سبقية رفع دعوى الشقاق لإجراء الصلح بين الزوجين ، لا ينفي أحقيتها في اللجوء إليه مباشرة دون الالتجـاء إلى القضاء ، لما يتيحه ذلك لهمـا من إمكانية الحفاظ على أسرار علاقتهما الزوجية و عدم إفشائها في جلسات المحكمة ، خاصة و أن من مظاهر اهتمام الإسلام بالأسرة حرصه على أن تظل الخلافات التي تنشأ بين الزوجين محصورة في بيت الزوجية بقدر الإمكان ، من خلال السعي إلى حلها وفق المنهج الإسلامي لحل النزعات الزوجية الذي يقوم على أساس الصلح بينهما ، حيث يقول تعالى في كتابه العزيز : ) و اللاتي تخافون نشوزهن فعضوهن و اهجروهن في المضاجع و اضربهن فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ( ، و قوله سبحانه : ) و إن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا و الصلح خير و أحضرت الأنفس الشح و إن تحسنوا و تتقوا فان الله كان بما تعملون خبيرا ( (1) و قوله أيضا : و إن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله و حكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيـرا ( ، فالمنهج
 ــــــــــــــــ
 (1) محمـود محجوب عبد النور : "الصلح و أثره في إنهاء الخصومة في الفقه الإسلامي "، الطبعة الأولى  1407ه / 1987 م ، ص : 34 .   
(2) سورة النساء ، الآية : 128 .

36


الإسلامي المتكامل بالنسبة لحل النزاعات الزوجية يقوم على أساس الصلح بين الزوجين لمجرد الخوف من وقوعها ، مما يعكس هاجسه في الحفاظ على استقـرار و تماسك الأسرة ، أما إذا فضل الزوجان أو أحدهما وفق مدونة الأسرة اللجوء إلى القضاء لطلب حل النزاع القائم بينهما ، فان تفعيل إجراءات الصلح بشأنه يتوقف على رفع الدعوى في الموضوع أمام المحكمة المختصة .
الفقـرة الثانيـة : إلزامية القيام بالصلح من طرف المحكمــة
إن أهمية الصلح النظرية و العملية في تسوية النزاعات الزوجية من حيث مساهمته في تخفيف العبء عن القضاء و الخصوم ، و تحقيق العدل و نشر السلم الاجتماعي بالمحافظة على استقرار الأسرة ، دفعت المشرع من خلال المدونة الجديدة إلى إضفاء الطابع الإلزامي عليه ، بحيث إن المحكمة ملزمة باللجوء إلى تفعيل إجراءاته بمجرد عرض النزاع عليها من طرف الزوجين أو أحدهما طبقا للمادة 94 التي تنص على أنه : » إذا طلب الزوجان أو أحدهما من المحكمة حل نزاع بينهما يخاف منه الشقاق وجب عليها أن تقوم بكل المحاولات لاصلاح ذات البين طبقا لأحكام المادة 82 أعلاه « .
 و بذلك فإجراءات الصلح في دعاوي الشقاق مهمة و ضرورية ، لكونها من متعلقات النظام العام التي لا يجوز للمحكمة مخالفتها أو التغاضي عنها ، تحت طائلة بطلان الحكم الصادر في موضوع النزاع ، لما في ذلك من مس بحق من حقوق الدفاع التي حرص المشرع على أن يمارس من طرف القضاء لمصلحة طرفـي النزاع ، و هو ما أكده المجلس الأعلى في العديد من قراراته التي أصدرها في الموضوع ، منها قراره الصادر بتاريخ 19 أبريل 1980 الذي جاء فيه : » ... أن إجراء التصالح من النظام العام ... « (1) .
ـــــــــــــــــ
(1)قرار رقم 164 ، في الملف الاجتماعي عدد 153/81 ( أشار إليه محمد الكشبور في قانون الأحوال الشخصية – الزواج و الطلاق – الطبعة الأولى 1411ه/1991 م .ص : 243 ) .


37


و إذا كان المشرع المغربي قد حسم في المرحلة التي يجب أن يجرى فيها الصلح بين الزوجين في دعاوي الشقاق ، بعد إلغائه للطعن بالاستئناف في الأحكام الصادرة عن قضاء الأسرة ، في جانبها القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية طبقا للمادة 128 من المدونة (1) ، فان تلك المرحلة أثارت خلافا فقهيا و قضائيا في ظل التطبيق القضائي لمدونة الأحوال الشخصية حول مدى اقتصار إجراء الصلح بين الزوجين على المرحلة الابتدائية بعد إثارة دعوى التطليق ، أم يجب القيام به حتى بعد الطعن في الحكم الصادر فيها بالاستئناف ، حيث اقتضى حسمه تدخل المجلس الأعلى الذي قضى في بعض القرارات التي أصدرها بهذا الخصوص ، أن الصلح باعتباره إجراء أوليا و جوهريا إضافة لتعلقه بالنظام العام ، يجب تفعيل إجراءاته في جميع المراحل التي تمر منها الدعوى ابتدائيا و استئنافيا ، كما يستفاد من القرار الصادر بتاريخ 12 غشت 1983 الذي جاء فيه: » حيث تبين صدق ما نعته الوسيلة على القرار المطعون فيه ، ذلك أن الطاعن تمسك بهذا الدفع أما المحكمة الدرجة الثانية ، فأجابت عنه بأن هذا الإجراء لا يكون ضروريا إلا عند عدم قيام الحجة على الضرر في حين أنه سواء في ذلك مدونة الأحوال الشخصية أو قانون المسطرة المدنية في فصله الثاني عشر بعد المائتين جعلا من محاولة الإصلاح بين الزوجين إجراء جوهريا تفتح به دعوى التطليق « (2) .
وفي معرض رده على هذا التوجه الذي نحاه المجلس الأعلى بشأن إجراء الصلح من طرف محكمة الاستئناف أشار الأستاذ أحمد الخمليشي أن الصلح مأمور به قبل المرافعات القضائية ، لذلك إذا فشلت محاولاته في البداية و واصل الطرفان إجراءات التقاضي إلى أن صدر الحكم في الدعوى ، فلا تبقى فائدة في فرض الصلح من جهة على محكمة الاستئناف (3) .
ــــــــــــــــ
 (1) جاء في فقرتها الأولى : " المقررات القضائية الصادرة بالتطليق أو بالخلع أو بالفسخ طبقا لأحكام هذا الكتاب ، تكون غير قابلة لأي طعن في جزئها القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية " .
(2) هذا القرار منشور بمجلة القضاء و القانون عدد مزدوج 133-134 ص :190 و ما بعدها .
(3) أحمد الخمليشي : مرجع سابق ، ص : 405 .
38


و لأجل رقابة مدى احترام المحكمة المختصة لإجراءات الصلح ، فإنها ملزمة قانونا بالإشارة إلى نتيجته في الأحكام التي صدرها بخصوص دعاوي الشقاق ، لأن القضاة يعلنون معرفتهم للواقع و القانون في ورقة الحكم ، ومن خلال هذا الإعلان تتحدد المبررات و الأسباب التي تحمل نتيجة أحكامهم ، ذلك أن تسبيب الأحكام يعتبـر من القيود الأساسية المفروضة على سلطة المحكمة في تفعيلها لمسطرة الشقاق ، خاصة فيما يتعلق بقيامها بمحاولة الصلح بين الزوجين بناء على إرادتهـم و رضاهم .
الفقـرة الثالثـة : رضائيـة إجـراء الصلح فـي دعــاوي الشقــــاق
يشمل منهج التراضي طبقا للشرع و القانون جميع القضايا و المشاكل التي تمس الحياة الزوجية طيلة مراحلها ، فعلى ضوئه يمكن للزوجين أن يجتهدا في إيجاد الصيغ الملائمة لسعادتهما في إطار مقاصد عقد الزواج و نظامه ، بحيث إذا كان المشرع من خلال مدونة الأسرة قد خول للمحكمة صلاحيات مهمة بخصوص تفعيل إجراءات الصلح بين الزوجين في دعاوي الشقاق ، إلا أن نتيجة ذلك تبقى متوقفة على إرادتهما نظرا لكون الصلح يرتكز على أساسين : إرادة أطراف النزاع و إقرار المشرع لهذه الإرادة (1) .
فالصلح باعتبار الغاية منه رفع النزاع و قطع الخصومة بين المتصالحين برضاهما ، فان عنصر التراضي فيه ضـروري و لازم ، شأنه في ذلك شـأن باقـي العقود المدنية الأخرى ، مما يجعـل منه نموذجا لتطبيـق بعض القواعد المرتبطـة بنظرية العقد عليه ، بحيث إذا شابه عيب من عيوب الإرادة كالإكـراه أو
ـــــــــــــــــ
(1) يس محمد يحيـى : " عقد الصلح بين الشريعة الإسلاميـة و القانون المدني – دراسـة مقارنـة – فقهيـة ، قضائية ، تشريعية" ، دار الفكر العربي 1978 ، ص : 34 .




39


 التدليس ، يمكن نقضه من طرف الطرف المتضرر وفقا للقواعد القانونية المقررة لكل عيب من هذه العيوب  (1) .  
و من مظاهر رضائية إجراء الصلح بين الزوجين في دعاوي الشقاق ، أن العوض فيه يكون في شكل تنازل متبادل لكل منهما عن حقه في كل ما يدعيه بشأن النزاع القائم بينهما ، و تعهده على معاملة الآخر معاملة حسنة وفق ما تقتضيه المعاشرة بالمعروف ، عن طواعية و اختيار و على سبيل التسامح بينهما (2) ، فليس هناك في القانـون ما يفيد الوجوب في اللجوء إلى الصلح من طرف الزوجين ، لذلك فالمحكمة لا يمكنها أن تباشر محاولات إصلاح ذات البين بينهما إلا بعد استشارتهمـا و موافقتها و تأكدها من ذلك .
و مما يجدر بنا التأكد عليه أن إجراء الصلح طبقا للمنهج الإسلامي المتكامل بخصوص إنهاء النزاعات الزوجين ، يقوم على أساس مبدأ التراضي بينهما ، كما يستنتج ذك من قوله تعالى : ) فلا جناح عليهما  أن يصلحا بينهما صلحا، و الصلح خيرا ( و كذلك قوله سبحانه : ) إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ، إن الله كان عليما خبيرا (  فالآيتين الكريمتين تتضمنان ألفاظا توحي بتحبيب الصلح للزوجين لحل خلافاتهما وديا مع إزالة كل ما يشعر  بالإلزام في اللجوء إليه ، حتى تكون النفوس سمحة تريد أن تتصالح على الخير و مستحضرة لكل المشاكل الناجمة عن تفكك الأسرة ، مما يعكس سمو التشريع الإسلامي في معالجة النشوز و الشقاق بين الزوجين .
ـــــــــــــــــ
 (1) من المستجـدات التي جاءت بها مدونـة الأسرة إخضاعها عقد الزواج للقواعد المتعلقة بعيـوب الإرادة ، حيث تنص المادة 63 على أنه : " يمكن للمكره و المدلس عليه من الزوجين بوقائع كان التدليس بها هو الدافع الى قبول الزواج أو اشترطها صراحة في العقد ، أن يطلب فسخ الزواج قبل البناء و بعده خلال أجل يتعدى شهرين من يوم زوال الإكراه ، و من تاريخ العلم بالتدليس مع حقه في طلب التعويض" .
(2) هذا التنازل المتبادل بين الزوجين في حالة الصلح ، هو الذي يميـزه عن باقي التصريحات الحاسمـة و الواقعية للمنازعات كالإبراء و ترك الخصومة و اليمين الحاسمة ... الخ .


40

التعليقات

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه