:
الحـالات الأخـرى لتطبيـق مسطـرة الشقــــاق
هذه الحالات التي يحيل
بشأنها المشرع من خلال بعض مواد مدونة الأسرة على مسطرة الشقاق ، تشكل في الحقيقة
تطبيقات للسبب العام و الرئيسي المتمثل في وجود نزاع بين الزوجين يخاف منه الشقاق
، حيث تتحدد على سبيل الحصر فيمـا يلــي :
أولا : إخلال أحد الزوجين
بواجباته .
ثانيا : عدم إثبات الزوجة
للضرر الموجب للتطليق .
ثالثا : عدم استجابة الزوج
لطلب الخلع المقدم من طرف الزوجة .
رابعا : رفض الزوجة للرجعة .
و سندرس بتفصيل كل حالة على
حدة من هذه الحالات الموجبة لتطبيق مسطرة الشقاق .
الفقـرة الأولـى : إخـــلال
أحـــد الزوجيـــن بواجباتـــه
يعتبر عقد الزواج من أهم و أخطر العقود التي يمكن للإنسان أن يبرمها في
حياتـه ، نظرا للآثار التي يرتبها تجاه طرفيه و المجتمع بشكل عام ، فخصوصيته من
زاوية آثاره اقتضت تدخل الشرع الإسلامي لتنظيم حقوق و واجبات الزوجين حرصا على و
حدة الأسرة ، يقول تعالى : ) و لهن مثل الذي عليهن بالمعروف
( (1) .
فأهم ما يتطلبه الاستقرار
الأسري و يحقق للزوجين أجواء السكينة و الراحة النفسية و يدعم روح المودة و الرحمة
بينهما ، معرفة كل منهما لواجباته تجاه الآخـر و حسن قيامه بها ، ذلك أن من أهم
الآثار الناتجة عن عقد زواج صحيح إنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين ، متمتعين بحقوقهما و متحملين لواجباتهما التي
رتبتها عليهما الشريعة الإسلامية و نظمها القانون بقواعده المنظمة للعلاقة
الزوجيـة ، و بذلك فجعلية
ــــــــــــــــ
(1) سورة البقرة الآية : 228 .
23
آثار عقد الزواج جعلته يختلف
عن باقي العقود المدنية التي يحكمها مبدأ سلطـان الإرادة (1) .
و قد حددت مدونة الأسرة
الآثار الشرعية لعقد الزواج في مادتها 51 التي تنص على أن : » الحقوق و الوجبات المتبادلة بين الزوجين :
1-
المساكنة الشرعية بما
تستوجبه من معاشـرة زوجته وعدل و تسوية عند التعدد ، و إحصان كل منهما و إخلاصه
للآخـر بلزوم العفـة و صيانة العـرض و النسل .
2-
المعاشرة بالمعروف و تبادل
الاحترام و المودة و الرحمة و الحفاظ على مصلحة الأسرة .
3-
تحمل الزوجة مع الزوج
مسؤولية تسيير و رعاية شؤون البيت و
الأطفال .
4-
التشاور في اتخاذ القرارات
المتعلقة بتسيير شؤون الأسرة و الأطفال و تنظيم النسل .
5-
حسن معاملة كل منهما لأبوي
الآخـر و محارمـه و احترامهـم و زيارتهم و استزارتهم بالمعروف .
6-
حــق التـوارث بينهمــا « .
و بذلك فمدونة الأسرة من خلال هذه المادة جاءت بصياغة جديدة لآثار عقد
الزواج بالنسبة للزوجين ، بالجمع بين حقوقهما و واجباتهما على اعتبار أن ما يعتبر
حقا لأحدهما فهو واجب على الطـرف الآخر ، خلافـا لما كان عليه الوضع في ظـل
ــــــــــــــــ
(1) هذا لا يعني أن عقد الزواج لا يخضع لمبدأ سلطـان
الإرادة ، بل إن لهذه الأخيـرة دورا مهما في إنشائـه و إنهائه ، كما للمتعاقدين
إمكانية الركون إلى إيراد شروط خاصة في صلب العقد أو في اتفاقات خاصة ، حول هذا
الموضوع انظر : إدريس الفاخوري ، " دور الإرادة في عقود الزواج على ضوء مدونة
الأسرة " ، جريدة الاتحاد الاشتراكي ، عدد ، 7442 .
24
مدونة الأحوال الشخصية
الملغاة ، حيث كانت تقسم تلك الآثار إلى حقوق و واجبات بين الزوجين (1)
، و حقوق المرأة على الزوج (2) ، و حقوق الزوج على المرأة (3)
.
و إذا كانت الغاية من هذا
التنظيم التشريعي لآثار عقد الزواج ، ضمان الاستقرار الفعلي للعلاقة الزوجية ، فان
إخلال أحد الزوجين بواجباته تشكل من المنظور القانوني خرقا للقانون و للمبادئ التي
يقوم عليها عقد الزواج ، لذلك فالطرف المتضرر منهما يمكنه اللجوء إلي القضاء
لالزام المخـل بالتنفيـذ العينـي أو الشخصي متى كان ممكن ، و عند الاقتضاء اللجوء
إلى طلب تطبيق مسطرة الشقاق طبقا للمادة 52 من مدونة الأسرة .
و فيما يلي نموذجا لحكم
قضائي صادر عن ابتدائية الناظور حول تذييل الحكم الأجنبي بالصيغة التنفيذية قضى
بالتطليق للشقاق بسبب إخلال الزوجة بواجباتها ، جاء فيه : » و حيث
أنه بالرجوع إلى وثائق الملف و خاصة الحكم الأجنبي المراد تذييله بالصيغة
التنفيذية من خلال ترجمته إلى اللغة العربية ، يتضح أن المدعي قد استصدر عن القضاء الفرنسي حكما قضى بالتطليق بينه و بين زوجته ، و عللت المحكمة الأجنبية حكمها بكون زوجته قد غادرت بيت الزوجيـة دون عذر ، و أن هذه الواقعة ـــــــــــــــــ
(1) تتمثل طبقا للفصل 34 فيما يلي :" المساكنة
الشرعية – حسـن المعاشـرة و تبادل الاحترام و العطـف و المحافظة على خير الأسـرة –
حق التوارث بين الزوجين – حقوق الأسرة كنسب الأولاد و حرمة المساهرة "
(2) حددها الفصل 35 فيما يلي : " النفقة الشرعية
من طعام وكسوة و تمريض و إسكان – العـدل و المساواة إذا كان الرجل متزوج من واحدة –
السماح لزوجة بزيارة أهلها و استزارتهم بالمعروف – للمرأة حريتها الكاملة في
التصرف في مالها دون رقابة الزوج إذ لا ولاية للزوج على مال زوجته "
(3) وردت في الفصل 36 كما يلي : " حقوق الرجل
على المرأة : صيانة الزوجة نفسها و بحصانها – طاعة الزوجة لزوجها بالمعروف – إرضاع
أولادها عند الاستطاعة – الإشراف على البيت و تنظيم شؤونه – إكرام والدي الزوج و
أقاربه بالمعروف " .
من خلال المقارنة بين هذه المقتضيات و تلك الواردة
في الفصل 51 أعلاه ، يلاحظ أن المشرع من خلال مدونة الأسرة تبنى أسلوبا جديدا عند
حديثه عن حقوق و واجبات الزوجين ، خاصة على مستوى استخدامه مصلحات أكثر إنصافا
للمرأة ، حيث عمد إلى إلغاء مصطلح "الطاعة" و تكريس مبدأ المساواة بين
الزوجين .
25
تشكل خرقا خطيرا و متجددا لالتزامات و واجبات
الزواج مما يجعل الابتعاد عن الحياة المشتركة شيئا لا يطاق ، و حيث أن هذا الحكم
قد صدر عن جهـة قضائية مختصـة
و أصبح نهائيا بدليل تسجيله
ضمن السجل المدني للوثائـق الملحقة ، كما أنه لم يمس في أي محتوى من محتوياته
بالنظام العام المغربي ، و أسس على سبب من أسباب التطليق الواردة في مدونة الأسرة
و هو الشقاق للإخلال بالواجبات المتبادلة بين الزوجين « (1) .
الفقـرة الثانيـة : عـدم
إثبات الزوجـة للضرر الموجـب للتطليــــق
إن مناط الحكم بالتطليق
المؤسس على أحد الأسباب المنصوص عليها في مدونة الأسرة دفع الضرر قبل أو بعد حصوله
، مصداقا لقوله تعالى : ) و لا تمسكوهـن ضرارا
لتعتدوا و من يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ( (2) و قولـه سبحانـه : ) فإمساك بمعروف أو تسريـح
بإحسـان ( (3) و قولـه أيضـا : ) و لا تضاروهـن لتضيقوا عليهـن ( (4) ، حيث اعتبر التطليق للضرر
من أكثر صور التطليق التي كانت رائجة أمام المحاكم المغربية في ظل مدونة الأحوال
الشخصية الملغاة ، لكونه يستوعب عمليا حالات كثيـرة للإضرار بالزوجة ، طبقا لفصلها
56 الذي كان ينص على مـا يلـي :
( التطليق للضرر :
1- إذا ادعت الزوجة على زوجها إضراره بها بأي نوع من أنواع الضرر الذي لا
يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهـا ، و ثبت ما ادعتـه و عجز القاضي عن الإصلاح
بينهما طلقها عليه .
2-
إذا رفض طلب التطليق و تكررت
الشكوى و لم يثبت الضرر ، بعث القاضي حكمين للسداد بينهما ... ) .
ــــــــــــــــــ
(1) حكم رقم 448 ملف رقم 1153/2003 بتاريخ 17/05/2004
( غير منشور) .
(2) سورة البقرة ، الآية : 231 .
(3) نفس السورة ، الآية : 229 .
(4) سورة الطلاق ، الآية : 6 .
26
فهذا الفصل يعطي للضرر
الموجب للتطليق مفهوما عاما (1)
يخضع في تقديـره و إثباته لسلطة القاضي ، حيث كان بإمكان المرأة أن تطلب
التطليق لأي ضرر كان كيفما كان نوعه ، ماديا كالإيذاء الجسدي أو معنويا كالشتم و الإهانة التي يوجهها الزوج
لها أو لأفراد عائلتها ، و سواء حصل الضرر منه مباشرة أو من غيره مادامت واجباته
الزوجية تفرض عليه تجنيبها منه ، كالضرر الذي يلحق الزوجة من أفراد عائلته الذين
يسكنون معها (2) .
غير أن الزوجة عندما تطالب
بالتطليق للضرر تصطدم بعقبة إثبات إضرار الزوج بها ، كمظهر من مظاهر إشكالية
الإثبات التي يعاني منها المتقاضيـن أمام القضاء ، ذلك أن وجه الصعوبة يتمثل في
خصوصية العلاقة الزوجية ، فحتى عندما يكون الضرر حقيقيا أحيانا من الناذر أن يمارس
أمام الشهـود ، مما يجعل إثباته متعذرا (3) ، فكيف و الحالة هذه يمكن
تصور استمرار العلاقة الزوجية في ظل غياب أي تفاهم بين طرفيها بسبب إضرار أحدهما بالآخر ؟ ، فإكراه الزوجة
المتضررة على الاستمرار في الحياة الزوجية مع رجل تكرهه ، بسبب عدم إثباتها للضرر
الموجب للتطليق ، و عدم إعطائها مقابل ذلك إمكانية أخرى لتسوية هذا المشكل ، من
شأنه أن جعل لهذا الإجتماع اللامرغوب فيه آثارا سلبية و خيمة لا تقتصر على الأسرة
فحسب بل تمتد لتشمل المجتمع الذي يحتضنها .
لذلك رغبة من المشرع في إيجاد حلول قانونية للعديد
من الأوضاع التي كانت سائدة في ظل مدونة الأحوال الشخصية ، فقد أتاح طبقا للمادة
100 من مدونة الأسـرة
ــــــــــــــــ
(1) هذا المفهوم العام للفراغ اقتبسه المشرع من
المذهب المالكي الذي يعتبر من أكثر المذاهب توسعا في مفهوم الضرر و الشقاق الذي
يخول للمرأة حق طلب التطليق .
(2) أحمد الخمليشي :
التعليق على قانون الأحـوال الشخصية الجـزء الأول ( الزواج و الطلاق ) دار نشر المعرفة ، الطبعة الثالثة ، ص : 585 .
(3) رجاء ناجي مكاوي : " الطلاق و التطليق
القضائي : أي مفاضلة بين نظامين لهدم الأسرة " جريدة العلم عدد 18299 ، الجمعة ربيع الأول
1421 ه الموافق 32 يونيو 2000 .
27
للزوجة التي لم تثبت الضرر و
أصرت على طلب التطليق ، إمكانية اللجوء إلى طلب تطبيق مسطرة الشقاق بنصها على أنه
: » إذا
لم تثبت الزوجة الضرر ، و أصرت على طلب التطليق ، يمكنها اللجوء إلى مسطرة الشقاق « .
و قد دفعت هذه الإحالة بعض
الفقه المغربي إلى اعتبار أن سلوك مسطرة الشقاق في حالة فشل إثبات الضرر وتكرر
الشكوى ، كان منصوصا عليـه في الفصل 56 من مدونة الأحوال الشخصية (1) ،
و بالتالي فهي في اعتقاده لا تعدو أن تكون دعوى تطليق للضرر ، مع فرق بسيط هو أنه
خلافا لما كان عليه الحال في مدونة الأحوال الشخصية التي لم تكن تجز بعث الحكمين
إلا بعد ثبـوت الضرر و تكرر الشكوى ، يمكن حاليا في ظل مدونة الأسرة اللجوء مباشرة
إلى دعوى الشقاق دون المرور عبر دوى التطليق للضرر ، و بذلك فالفهم الدقيق لمسطرة
الشقاق دائما حسب هذا الرأي يتوقف على فهم المقتضيات المنظمة للتطليق للضرر في
النظام القانوني السابق ، على اعتبار أن الضرر مناط التطليق أما باقي أسبابه
الأخرى و منها الشقاق فهي مجرد تطبيقات لهذا السبب العام مما يفسر أن بعض الكتابات الفقهية التي تناولت
موضوع التطليق في ضوء الفقـه الإسلامي تدمج بين الضرر و الشقـاق تحت عنوان : التطليـق للضرر و الشقاق (2)
.
و رغم واجهة هذا الرأي ، فان
التشابه المشار إليه بين مسطرة التطليق للضرر في ظل مدونة الأحوال الشخصية و مسطرة
الشقاق في مدونة الأسرة ، لم يعد له ما يبرره حاليا لاختلاف المقتضيات القانونية
المنظمة لكل منهما ، بحيث أن مسطرة الشقاق أصبحت تعتبر حلا تشريعيا بديلا تلجأ إليه الزوجة بعد سلوكها دعوى التطليق
للضرر و فشلها في إثباته .
ــــــــــــــــ
(1) محمد الشتوي : مرجع سابق ، ص : 214 .
(2) مصطفى السباعي : مدى حرية الزوجين في الطلاق في
الشريعة الإسلامية – بحث مقارن – الجزء الثاني ، طبعة 1383 ه / 1962 م ، ص : 788 و
ما بعدها .
28
الفقرة الثالثة : عدم استجابـة الزوج لطلـب الخلع
المقـدم من طـــرف الزوجــــــــــــة
حرصا على عدم جعل الرابطة
الزوجية غلا في عنق الزوجة و قيدا لا فكاك لها منه ، فقد جعل لها الشرع و القانون
طريقة يمكن لها من خلالها أن تفك عصمتها من زوجها رغم عدم توفرها على أي سبب من
الأسباب الموجبة للتطليق ، و هي التي يصطلح عليها فقها و قانونا بالخلـع .
و يعرف الفقهاء الخلع بأنه :
عقد معاوضة تملك به المرأة نفسها و يملك به الزوج العوض ، و عرفوه كذلك بأنه صفة
حكمية ترفع حلية متعة الزوج بسبب عوض عن التطليق (1) أما المشرع
المغربي فقـد نظم أحكام الطلاق الخلعي في المواد 115 إلى 120 من مدونة الأسرة ،
حيث يشترط لتوقيع هذا النوع من الطلاق توافر شرطيـن أساسيـن :
1- تراضي و اتفاق الزوجين على الخلع .
2-
عدم المساس بحقوق الأطفال
إذا كانت الأم معسرة .
و بذلك فالطلاق بالخلع يقوم
على مبدأ الرضائية ، حيث تنص المادة 115 على أن : » للزوجيـن أن يتراضيا على الطـلاق بالخلع طبقـا لأحكـام المادة 114 أعلاه « ، حيث يعتبر بذلك نموذجا
للطلاق الاتفاقي الذي يمكن من خلاله للزوجين أن يتفقا على مبدأ إنهاء العلاقة
الزوجية ، بدون شروط أو بشروط لا تتنافى مع أحكام مدونة الأسرة و لا تضر بحقوق
الأطفال .
و ضمانا لمبدأ الرضائيـة في
إنهاء العلاقة الزوجيـة عن طريـق الطلاق بالخلع ، فان المشرع أحاطـه بضمانات قانونيـة ، منها أن غير الراشدة أي دون
سن الرشد القانوني إذا خولعت و وقع الطلاق ، إلا أنها لا تلزم ببذل الخلع إلا
بموافقة نائبها الشرعي ( المادة 116 ) ، كذلك إذا ثبت أن الخلع وقع نتيجة إكراه و
إضرار الـزوج
ـــــــــــــــــ
(1) محمد بن معجوز : "أحكام الأسرة في الشريعـة
الإسلامية وفق مدونة الأحوال الشخصية" الجـزء الأول ، الطبعة الثانية 1415-1994
ص : 257 ، نقلا عن ميارة على التحفة 1/234 .
29
بزوجتـه ، فان هذه الأخيرة و
طبقا للمادة 117 يحق لها أن تسترجع ما خالعت به
و ينفذ الطلاق في جميع الأحوال (1) ، فالشرع يحرم على الزوج أن
يدفع زوجته إلى مخالعته لقوله تعالى : ) و لا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما
آتيتموهن ( (2) .
وقد ثار خلاف فقهي بخصوص
وجوب أو عدم وجوب الخلع عن طريـق القضاء ، بمعنى هل يمكن أن ينشئه الزوجان
باتفاقهما و تراضيهما فقط ، أم لا بد لهما من الالتجاء إلى القضاء لاتمام إجراءاته
؟
نظرا لكون الطلاق بالخلع
يعتبر كما سبقت الإشارة إلى ذلك نموذجا للطلاق الاتفاقي ، فان إيقاعه لا يقتصر فقط
على اتفاق الزوجين على مبدأ الخلع ، بل لا بدا من لجوئهما إلى القضاء من خلال
تقديمهما طلبا للتطليق مرفقا بالإذن بتوثيقه ، حيث تحاول المحكمة ما أمكن الإصلاح
بينهما ، و إذا تعذر ذلك أذنت بالإشهاد علـى الطلاق و بوثيقة ، كذلك اتفق الزوجان
على مبدأ الخلع و اختلفا في المقابل فان مدونة الأسرة في مادته 120 تنص على
إمكانية رفع الأمر إلى المحكمة لمحاولة الصلح بينهما ، و إذا لم تنجح فيها حكمت
بنفاذ الخلع بعد تقدير مقابله ، مراعية في ذلك مبلغ الصداق و فترة الزواج و أسباب طلب
الخلع و الحالة المادية للزوجة .
أما إذا أصرت الزوجة على طلب
الخلع و لم يستجب لها الزوج ، يمكن لها طبقا للمادة 120 من مدونة الأسرة اللجوء
إلى طلب تطبيق مسطرة الشقاق ، لأن مطالبة المرأة بالخلع يؤكد وجود خلاف بينها و
بين زوجها ، و هذا الخلاف قد يتحول إلى نزاع عميق و مستمر نتيجة عدم استجابة الزوج
لذلك ، مما يجعلهما يعيشان حالة شقاق يتعذر معها استمرارية العلاقة الزوجية بينهما
، و الشقاق يفرض على المحكمة الحكـم بالتطليق لفائـدة الزوجـة بعد تأكدهـا من
وجوده ، من خلال
ـــــــــــــــــ
(1) بخصوص وسائل إثبات الضرر الدافع إلى الخلع ، أنظر
محمد بن معجـوز مرجع سابق ، ص : 260 و ما بعدها .
(2) سورة النساء ، الآية : 9
30
قيامهـا بكل الإجراءات القانونية المنصوص
عليها في المواد 94 إلى 97 من المدونـة .
و عليه فاللجـوء إلى مسطـرة
الشقـاق في هذه الحالة يعتبـر حلا قانونيا بديلا ، أتاحه المشرع للزوجة قصد طلب
تسوية النزاع القائم بينها و بين زوجها الذي يرفض طلب الخلع الذي تقدمت به و تصر
عليه .
الفقـرة الرابعـة : رفـض
الزوجـة للرجعـة
ينقسم الطلاق شرعا و قانونا
إلى رجعي و بائن ، و من آثار هذا التقسيم : أن الطلاق البائن ينهي العلاقة الزوجية
بمجرد وقوعه ، بحيث يمنع على الزوج أن يراجع زوجته خلال فترة العدة إلا بعقد جديد
تتوافر فيه كافة الشروط و الأركان المتطلبة في كل عقد زواج صحيح ، في حين أن
الطلاق الرجعي لا ينهي العلاقة الزوجية حالا و إنما هو إنذار بهذا الإنهاء الذي
يتحقق بانقطاع فترة العدة ، و هو ما يعطي للزوج خلالها الحق في أن يراجع زوجته
المطلقة لاستئناف حياتهما الزوجية دون حاجة إلى عقد جديد .
و هذا الحق المخول للزوجة في
الطلاق الرجعي هو الذي يصطلح عليه في الشرع و القانون بالرجعة ، حيث عرفها الفقيه
ابن عرفة بقوله : » الرجعة رفع الزوج أو الحاكم حرمة المتعـة بالزوجة لطلاقهـا « (1) ، و هو حق ثابت في قوله
تعالى : ) و بعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا
إصلاحا ( (2) .
و من المسائل الخلافية حول
موضوع الرجعة مسألة الإشهاد عليها ، بحيث انقسم الفقهاء بشأنها إلى رأيين : الأول
: يرى بأنه يجب على الزوج أن يشهد عدلين على الرجعـة و ذلك بقولـه تعالى : ) و أشهدوا ذوي عدل منكم ( (3) لأن الأمـر
إذا أطلق انصرف إلى الوجوب ،
و الثاني و من أنصاره الإمام مالك رحمه الله
ــــــــــــــــ
(1) أشار إليه
، محمد بن معجوز ، مرجع سابق ، ص : 302 .
(2) سورة البقرة ، الآية : 228 .
(3) سورة الطلاق ، الآية : 2 .
31
فيعتبر أن الإشهاد أمرا
مندوبا لا واجبا ، و بذلك فلإشهاد على الرجعة أمرا مستحبا مثل الإشهاد على سائر
الحقوق (1) .
هذا الخلاف الرائج في الفقه الإسلامي حول الإشهاد على الرجعة نجد تطبيقاته
في العمل القضائي المغربي ، بحيث أن المجلس الأعلى باعتباره أعلى جهة قضائية
ببلادنا لم يستقر على موقف موحد بخصوص هذا الموضوع ، كما تؤكد ذلك بعض قراراته ،
حيث نجده تارة يتبنى الرأي القائل بوجوب الإشهاد على الرجعة بقضائـه : » ... و أن إعلام العدل السيد الفاسي للمطلوبة
برجعتها و سكوتها على ذلك ، نعم أن ذلك على فرض ثبوته لا يفيـد مادام لم يتـم ذلك
بحضور عدلي الإشهاد بالرجعـة ، لأن الرجعة كالنكاح لا تثبت إلا بعدلين « (2) ، و تارة أخرى يأخذ برأي
الإمام مالك القاضي بعدم وجوب ذلك كما جاء
في قراره : » بمقتضى المادة 68 من المدونة فان الزوج من الطلاق الرجعي أن يراجع
مطلقته بدون صداق و لا ولي أثناء العـدة ، و بذلك فلمحكمة عندما ثبت لديهـا إرجاع
الطاعن من خلال الوثائـق و سلطتها التقديرية لزوجته إلى بيت الزوجية ، لم تكن في
حاجة إلى التأكد من رسم الرجوع ، لأنه كما ذهب إليه جمهور المالكية لا تجب الشهادة
في الرجعة و إنما تستحب ، و لذلك لم تخرق الفصل 5 من مدونة الأحوال الشخصية الذي
لا موجب لتطبيقه ، لأنه يتعلق بحالة إرجاع الزوج لزوجته المطلقة « (3) .
و لتجاوز هذا الخلاف نص المشرع في مدونة الأسرة على وجوب الإشهاد على
الرجعة و إخضاعها لرقابة القضاء ، ضمانا لحقوق الزوجين و تفاديا لأي نزاع مستقبلي
بينهما ، بحيث إن الزوج وفقا للمادة 24 إذا رغب في إرجاع زوجته المطلقة
ـــــــــــــــــ
(1) الشيخ خليل المالكي : مختصر خليل ، طبعة 1401 ه
طبعة دار الفكر ، ص : 148 .
(2) قرار عدد 150 الصادر بتاريخ 16 مارس 1981 في
الملف الاجتماعي رقم 88867 ، منشور في مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 28 السنة
السادسة ، دجنبر 1981 ، ص : 144 .
(3) قرار عدد 828 الصادر بتاريخ 7/02/1984 ( أشار إليه عبد المجيد غميجة في :" موقف
المجلس الأعلى من ثنائية الفقه و القانون في مسائل الأحوال الشخصية " ،
أطروحة الدكتوراه ، جامعة محمد الخامس أكدال ، السنة الجامعيـة 1999 / 2000 ، ص :
438–439 ) .
32
طلاقا رجعيا عليه أن يشهد
على ذلك عدلين يقومان بإخطار القاضي بذلك ، و قبل خطاب هذا الأخير على وثيقة
الرجعة يجب عليه استدعاء الزوجة المطلقة لإخبارها بما ينوي الزوج فعله لمعرفة
موقفها ، فإذا وافقت على الرجوع إلي بيت الزوجية فلا إشكال يطرح ، أما إذا امتنعت
و رفضت و أصرت على ذلك فان القانون خولها حق اللجوء إلى طلب تطبيق مسطرة
الشقاق ، قصد تسويـة هذا النـزاع و ضمان
كافة حقوقها الشرعية و القانونية .
و إخضاع الرجعة لهذه
الإجراءات القانونية التي يشرف عليها القضاء ، لا يعني إفراغها من غايتها الشرعية
بقدر ما يعتبر ذلك استجابـة للحاجة الملحة التي أصبحت تفرض ضبط العلاقات الأسرية
بالتوثيق ، حماية لحقوق أفراد الأسرة و توخيا للعدل و المساواة و المعاشرة
بالمعروف ، كضوابط حرص المشرع على ضرورة مراعاتها في كل ما يتعلق بتطبيق مدونة
الأسرة .
و هكذا يتضح من خلال دراستنا
لهذه المبررات المتعلقة بتطبيق مسطرة الشقـاق ، أن المشرع المغربي توخى من خلالها
معالجة أوضاع محددة و معقدة تنم عن وجود صعوبات حقيقية تواجهها الأسرة نتيجة النزاع
القائم بين الزوجين ، و الذي إذا لم يتم تسويته قضائيا وفق إجراءات قانونية ستكون
له لا محالة نتائج سلبية على أفرادها و على المجتمع برمته .
33
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق