: التأصيـــل الفقهـــي لحــق الـــزوج فــي التعويـــض عـــن
التطليــــق للشقــــــــاق
لقد
أولى الإسلام عناية فائقة لسلامة الأسرة ودعم استقرارها و الحفاظ على استمراريتها
في الزمن ، من خلال حثه للزوجين على المعاشرة بالمعروف و تبادل الاحترام و المودة
و الرحمة و الحرص على العمل لما فيه خيرها ، حيث يقول تعالى في كتابه العزيز : ) و من
آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة و رحمة ( ، فالتوجـه الإسلامي المنظم لأحكام الفضيلة المترتبة بالأسـرة ،
ينبذ كل ما من شأنه أن يفرغ مقاصد و أهداف عقد الزواج من محتواها الشرعي و يعبث
بقدسيته ، خاصة من خلال الاستهتـار بالعلاقة الزوجية بالمبالغـة و التعسف في
استعمال حق اللجوء إلى الطلاق أو التطليق حسب الأحوال من طرف أحد الزوجين ، أو أن
يكون سلوكات و تصرفات أحدهما المتسمة بالتعسف هي التي حملت الآخر على اللجوء إلى
ذلك .
فالإسلام
من هذا المنطلق يبغض الطلاق بمفهومـه العام و ينفـر المسلميـن منه ، بوضع العراقيل
أمام الرجل كي لا يقدم على طلاق زوجته منه مثل تحريمه أثناء الحيض أو في طهر جمعها
فيه أو وقوعه أكثر من مرة في وقت واحد ... ، كما
98
وعد
الزوجة التي تطلب الطلاق من زوجها بدون سبب يبرره
بحرمانها من رائحة الجنة ، حيث يقول r :» إن
أبغض الحلال عند الله الطلاق « ، و قـال عليه السلام : » أيما
امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بـأس فحرام عليها رائحة الجنة « ، ذلك
أن الطلاق في الإسلام غير مطلق بل مفيد بالحاجة إليه ، فلا يجوز اللجوء إليه إلا
عند الضرورة القصوى التي يراعي فيها حدود الله ، حيث تكون الغاية المتوخاة منه
الوقاية من الأضرار التي قد تنشأ عن الاستمرار في علاقة زوجية لا خير يرجى من
استمراريتها ، و علاج للمشاكل القائمة بين الزوجين ، إذ أن انحلال العلاقة الزوجية
وفق ضوابطه الشرعية يندرج ضمن مبدأ التيسير و رفع الحرج عنهما ، مادام أنه يستند
على سبب معقول و مقبول شرعا يبعده عن وصف التعسف في استعماله و الكفر بنعمة الزواج
(1) .
و مما
لا يخفى على كل لب حصيف أن الحقوق الممنوحة للأفراد في الشريعة الإسلامية ، وسيلة
لتحقيق المصالح أو درء المفاسد و ليست غاية في حد ذاتها ، حيث إن الفقهاء يجمعون
على أنها مقيدة بحدود السلامة بالمجتمع و الأفراد ، لذلك فاستعمال أي حق منها رهين
بتحقيق الغاية من إقراره إلا اعتبر تعسفا و انحرافا عن حدوده وعن نطاق مشروعيته ، مما
يستوجب الضمان لفائدة المضرور عما لحقه من إساءة ، استنادا إلى نظرية التعسف في
استعمال الحق التي تجد أصولها في الفقه الإسلامي من خلال الحديث النبوي الشريف : » لا
ضرر و لا ضرار « ، حيث يستفاد منه تأكيد الشرع الإسلامي على
حظر الأفعال و التصرفات التي تؤدي إلى إلحاق أضرار بالأفراد ، و لو كانت تستند
أحيانا على حق القائم بها ، لأن مناط الحظر فيها هو ما تتسبب فيه من أضرار في
مواجهة الغير بغض النظر عن كونها مشروعة أم لا (2) .
ـــــــــــــــــ
(1) عبد الرحمان الجزيـري :
كتاب الفقه على المذاهـب الأربعة ( قسم أحوال شخصية ) ، المجلد الرابـع ، دار
إحياء التراث العربي بيروت 1980 ، ص : 296 .
(2) بدران أبو العينين بدران
: الفقه المقارن للأحوال الشخصية بين المذاهب الأربعة السنية و المذهب الجعفري و
القانون ، الجزء الأول ( الزواج و الطلاق ) ،طبعة 1967 ، ص : 310 .
99
و هكذا
فان القول الراجح عند الفقهاء أن الأصل في الطلاق الحظر ، بحيث إن اللجوء إليه
ينبغي أن يكون في إطار الغاية التي شرعه الله من أجلها ، بناء على أسباب معقولة و
مقبولة من الناحية الشرعية ، و لم يحد عن ذلك إلا البعض الذي ذهب إلى اعتبار أن
الحق في الطلاق مطلق و غير مقيد بسبب الحاجة إليه ، بمعنى أن للرجل حسب أصحاب هذا
الرأي الأخير أن يطلق زوجته لمجرد الرغبة في التخلص منها ، و نفس الشيء بالنسبة
للزوجة التي تملك هذا الحق لأي سبب من الأسباب (1) .
عموما
يعتبر التعسف في اللجوء إلى الطلاق من طرف أحد الزوجين ، مبررا من الناحية الشرعية
للحق في الضمان ( التعويض ) لفائدة الزوج الآخر ، جبرا لخاطره و تعويضا له عما
لحقه من ضرر من جراء ذلك ، حيث يقول الإمام العزالي في هذا الشأن : » و هو
مباح ( أي الطلاق ) إذا لم يكن فيه إيذاء بالباطل ، و مهما طلقها فقد أذاها و لا
يباح إيذاء الغيـر إلا بحاجة من جانبهـا أو ضرورة من جانبـه « (2) ، فهذا
القول إذا كان ينطبق على طلاق الزوج لزوجته ، فانه بمفهوم المخالفة ينطبق من باب
أولى على الطلاق الذي تطلبه الزوجة ضد زوجها ، و منه التطليق التعسفي للشقاق
كتطبيق من تطبيقاته ، كما خلص الفقيه ابن العربي المعافري المالكي الأندلسي في
مقابلة منطقية أجرها بين عقود الأموال و عقود الأبدان إلى القول : » ...
فأما عقود الأبدان فلا تتم إلا باتفاق و التآلف و حسن التعاشر ، فإذا فقد ذلك لم
يكن لبقاء العقد وجه ، و كانت المصلحة في الفرقة و بأي وجه رأياها ( يقصد الحكمين
) ، في المتاركة ( أي بدون تعويض ) أو أخذ شيء من الـزوج أو الزوجة ( أي فرض تعويض
لفائدة الطرف المتضرر عما لحق به من ضرر ) « (3) .
ــــــــــــــــــ
(1) بدران أبو العينين بدران
: مرجع سابق ، ص : 311
(2) نقلا عن المرحوم علال
الفاسي : النقد الذاتي ، مطبعة الدار البيضاء ، ص :290 .
(3) ابن العربي : مرجع سابق
، ص : 176 .
100
نافلة
القول ، أن الإسلام أحاط العلاقة الزوجية بسياج من الضوابط الشرعية التي تنظمها و
تحكمها وفق ما تقتضيه مقاصد عقد الزواج و نظامه الشرعي ، بحيث أن كل إخلال بها من
طرف الزوجة عن طريق تعسفها في اللجوء إلى طلب الطلاق أو التطليق حسب الأحوال ، أو
أن سلوكاتها المتسمة بالتعسف كانت هي السبب المباشر في الشقاق الحاصل بينها و بين
زوجها ، اضطر معها هذا الأخير إلى تطليقها ، يبرر حق الزوج في التعويض عما لحقه من
ضرر في إطار ما يصطلح عليه في الفقه الإسلامي بالضمان الـذي يتأسس في تطليـق
أحكامه على قاعـدة : » لا ضرر و لا ضرار و أن الضرر يزال « .
إذا ثبت ذلك ، فما هو الأساس القانوني الذي يبرر
حق الزوج في التعويض
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق