: الأســاس القانونــي لحـــق الـــزوج في التعويــض عــن التطليــــق
الشقــــــاق
مما لا
شك فيه أن التعويض عن الأضرار التي تلحـق مقومات الأفراد المادية و المعنوية ،
تكتسي أهمية بالغة ليس فقط من حيث تنظيم
سلوكاتهم و تصرفاتهم داخل المجتمع من خلال
حفظ حقوقهم و مصالحهم الخاصة ، بل كذلك من حيث إقامة العدالة الاجتماعية التي ترمي
إلى إحقاق الحق و رفع الظلم ، بما يتطلبه ذلك من تحميل المسؤولة لكل من تسبب في
إلحاق ضررا بالغير و إرغامه على تعويضه جبرا لخاطره (1) .
فقد
ازدادت أهميـة الضمان في عصرنا الحاضر نتيجـة تشعب أنماط الحيـاة و تعقدها و تنوع
متطلباتها ، إضافة إلى غلبة المصالح الخاصة على المصالح العامة
ـــــــــــــــــ
(1) خديجة عشور : الحماية
القانونية للمقومات المادية و المعنوية للشخصية الإنسانية ، أطروحة لنيل الدكتوراه
القانون الخاص ، كلية الحقوق أكدال الرباط ، السنة الجامعية 1998/1999 ، ص : 284 .
101
و ما ترتب عن ذلك من تزايد حالات الإساءة بالغير
، خاصة في ظل تراجع الوازع الديني و تنامي التحايل على القيم الأخلاقية و الضوابط
القانونية سيما في حالة وجود أحيانا الفراغ القانوني ، للعبث بالحقوق و لو تعلقت
بحق بغيض عند الله تعالى الذي هو الطلاق أو التطليق حسب الأحوال .
لذلك
فان تحقيق التفاعل بين القانون و الواقع ، اقتضى تدخل المشرع في المدونة الجديدة
للأسرة لتطعيم مقتضياتها بمضامين جديدة ، انفتح من خلالها على باقي الفروع
القانونية الأخرى خاصة القانون المدني ، كما يتضح ذلك من خلال إقراره لحق الزوجيـن
في التعويض متى ثبتت مسؤوليـة أحدهما في التطليق للشقـاق ، إذ تنص في مادتها 97
على أنه : » في حالة تعذر الإصلاح و استمرار الشقاق تثبت المحكمة ذلك في محضر
و تحكم بالتطليق و بالمستحقات ... مراعية مسؤولية كل من الزوجين عن سبب الفراق في
تقدير ما يمكن أن تحكم به على المسؤول لفائدة الزوج الآخر « ، حيث أن القانون المغربي بهذا المقتضى
يتفاعل مع بعض الأنظمة القانونية المقارنة
التي تقر حق التعويض لفائدة أحد الزوجين في حالات الطلاق ، كالقانون الفرنسي في
المادتيـن 242 و 280 من القانـون المدني و المادة 700 من القانون الجديد للمسطرة
المدنية (1) ، و
كذا القانون المصري رقم 25 لسنة 1929 المعدل بقانون 100 لسنة 1985 ، حيث جاء في
مادته العاشرة ما يلي : » إذا عجز الحكمان عن الإصلاح :
أ –
فإذا كانت الإساءة كلها من جانب الزوج اقترح الحكمان التطليق بطلقة بائنة دون مساس
بشيء من حقوق الزوجة المترتبة عن الزواج و الطلاق .
ب- إذا
كانت الإساءة كلها من جانب الزوجة اقترحا التطليق نظير بدل مناسب يقدر أنه تلتزم
به الزوجة .
ج- إذا
كانت الإساءة مشتركة اقترحا التطليق دون بدل أو ببدل يتناسب مع نسبة الإساءة .
ـــــــــــــــــ
(1) Cathelineau . Indemnité
exeptionnelle . edition 1994 . P . 148
102
و تجب
الإشارة إلى أن التعويض عن انحلال العلاقة الزوجية خاصة عن طريق الطلاق ، أثار في
البداية خلافا فقهيا و قضائيا يتراوح بين رأيين : الأول يرفضه استنادا إلى ما يسمى
بالحق التقديري لصاحبه يمارسه وفق إرادته بحيث لا يوصف بالتعسف في جميع الأحوال ،
و الثاني يوجبه بدعوى أن الطلاق الذي يتم بدون سبب معقول و مقبول ينطوي في الحقيقة
على إساءة في استعمال الحق المخول لصاحبه شرعا و قانونا ، مما يلزم معه تعويض
المضرور عنا لحقه من ضرر ماديا كان أو معنويا (1) .
و عليه
بعدما حسم المشرع في مسألة التعويض لفائدة الزوج متى ثبتت مسؤولية الزوجية عن سبب
الفراق ، و نظرا لكون التعويض يستلزم عنصر الضرر لنشوئه في ذمة المضرور ، فإننا
نتساءل عن فحوى و طبيعة الضرر الذي يصيب الزوج بسبب التطليق للشقاق ؟ .
مادام
الزوج هو الذي يتحمل كافة الالتزامات المالية المترتبة عن عقد الزواج باعتباره
صاحب الحق في القوامة ، فان انحلاله يضر به خاصة عندما تكون الزوجة هي المتسببة
فيه ، و لو كان هو المبادر مكرها إلى طلبه بفعل سلوكاتها و تصرفاتها المتسمة
بالمبالغة و التعسف ، حيث يصبح بعد واقعة التطليق في وضعية صعبة من حيث التكاليف و
التابعات الناجمة ، أو من حيث تربيـة أبنائه بعيـدا عنه ، إضافة إلى المشاكل
النفسيـة التي قد يعاني منها نتيجة عـدم الاستقرار الأسري الذي يعيشـه ، ... الخ ،
مما يجعل من تلك الواقعة من أبرز المحطات السلبية التي تؤثر على حياة كثير من
الأزواج و تغير مجرى حياتهم ، و بذلك فالضرر الذي يلحق الزوج من جراء التطليق
للشقاق يتداخل فيه ما هو مادي بما هو معنوي ، مما يجعل حقه في التعويض مبررا شرعا
و قانونا ، لكن ما هو الأساس القانوني الذي يمكن على ضوئه الحكم له به ؟ هل على
أساس قواعد المسؤولية المدنيـة التقصيريـة ؟ أم على أساس نظرية التعسف في استعمال
الحق ؟ .
ـــــــــــــــــ
(1) بدران أبو العينين بدران
: مرجع سابق ، ص : 320 .
103
إن
التعويض طبقا لقواعد المسؤولية المدنية التقصيرية يقتضي توافر عناصر الخطأ و الضرر
و العلاقة السببية ، حيث ينص الفصل 77 من ق.ل.ع على أنـه : » كل فعل ارتكبه الإنسان عن بينة و اختيار
ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول
الضرر « ، كما ينص الفصل 78 منه أيضا على أن : » كل شخص مسؤول عن الضرر المعنوي أو المادي
الذي أحدثه لا بفعله و لكن بخطئه « ، و بذلك فهذين الفصلين يفصحان عن حكم عام
يقرر وجوب التعويض عن كل ما من يأتي فعلا يلحق أضرار بالغير سواء كانت مادية أو
معنوية ، غير أن الإشكال القانوني الذي يثار بمناسبة تفعيل هذه القواعد يتعلق
بصعوبة إثبات العلاقة السببية بين الخطأ و الضرر و الذي يقع عبؤه على المضرور طالب
التعويض (1) ، في
حين أن الخطأ لا يتوفر في الحالات التي يستعمل فيها الإنسان حقا له من دون أن
يتجاوز الحدود المرسومة لهذا الحق ، حيث جاء في الفصل 94 من ق.ل.ع ما يلي : » لا
محل للمسؤولية المدنية إذا فعل شخص بغير الإضرار ما كان له الحق في فعله « ، و
ذلك باستثناء الحالات الأخرى التي قد يكون فيها استعمال الحق ينطوي على الخطأ ، و
هذا ما يصطلح عليه في الفقه الإسلامي بالإساءة أو التعسف في استعمال الحق (2) ،
الذي يمكن أن ندرج ضمن تطبيقاته المعاصرة تعسف الزوجة في طلب التطليق للشقاق ، حيث
يمكن للمحكمة في إطار السلطة التقديرية المخولة لها أن تحكم عليها بالتعويض لفائدة
زوجها المتضرر من جراء ذلك ، خاصة و أن الفصل 5 من ق.م.م ينص على أنه : » يجب
على كل متقاض ممارسة حقوقه طبقا القواعد حسن النية « ، و التعسف في استعمال حق طلب التطليق
للشقاق مظهـرا من مظاهر سوء نيـة الزوج ، و التي يمكـن للمحكمة أن
ــــــــــــــــــ
(1) سعدون العامري : تعويض
الضرر في المسؤولية التقصيرية ، الجزء الثاني ، منشورات مركز البحوث القانونية
بغداد ، ص : 99 .
(2) مأمون الكزبري : نظرية
الالتزامـات في ضوء قانـون الالتزامات و
العقود المغربي ، الجـزء الأول ، ص : 448 – 449 .
104
تستشفها
كذلك حتى عندما يكون الزوج هو المبادر إلى رفع دعوى الشقاق ، عندما ترفض الزوجة كل
المحاولات الرامية إلى إصلاح ذات البين بينها و بين زوجها (1) .
و يبدو
أن نظرية التعسف في استعمال الحق هو التوجه الذي تأخذ به جل أقسام قضاء الأسرة بالمملكة
، للحكم بالتعويض لفائدة الزوج خاصة عندما
تكون الزوجة هي المبادرة إلى رفع دعوى التطليق للشقاق ، فمما جاء في الحكم القضائي
الصادر عن قسم قضاء الأسرة التابع لابتدائية الحسيمة ما يلي : » ... 2
- في الطلب المقابـل : حيث يهدف المدعى إلى الحكم على المدعى عليها بإبدائها له
40.000 درهم كتعويض عن الضرر اللاحـق به للتعسف الذي لحقه من زوجته طالبة التطليـق
، و حيث إن المحكمة استنتجت من خلال ظروف النازلة و ملابساتها أن الزوجة كانت
متعسفة في طلب التطليق ، خصوصا و أنها لم تثبت ادعائها بأية وسيلة إثبات ، و حيث
أن المحكمة و بما لها من سلطة تقديرية ترى تحديد التعويض في مبلغ 20.000 درهم ... « (2) .
إن
الاستناد إلى نظرية التعسف في استعمال الحق ، لتأسيس الزواج في التعويض عن الضرر
الذي لحقه من جراء طلب زوجته للتطليق ، أكثر انسجاما مع قواعد العدل و الإنصاف
التي تعتبر أحد الركائز الأساسية التي تقوم عليها المدونة الجديدة للأسرة ، لكن حق
الزوج في التعويض يبقى قاصرا إذا لم يتم تفعيله قضائيا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق