تقرير مسؤولية القادة أو الرؤساء امام المحكمة الجنائية الدولية

0
تقرير مسؤولية القادة أو الرؤساء

بينا ان الدولة تكون مسؤولة على صعيد القانون الدولي الجنائي عن الافعال التي قد يرتكبها الاشخاص الطبيعيين التابعين لها والعاملين باسمها ولحسابها وتكون مسؤوليتها في هذه الحالة مسؤولية مدنية لا تتعدى جبر الضرر المترتب عن فعل الاشخاص الطبيعيين، الذين يخضعون بدورهم الى المسائلة الجنائية أو العقابية.
ومن الجدير بالذكر ان المسؤولية الجنائية للافراد قي القانون الدولي غالباً ما تقرر في موجهة القادة أو الرؤساء، وهم أولائك الذين يتخذون القرارات والاوامر بصفتهم زعماء الدولة أو العاملين في اداء خدماتها الاساسية، فيترتب على اوامرهم تلك جرائم دولية أو انتهاكات لحقوق الانسان وحرياته.
ومما لاشك فيه ان اثارة مسؤولية هؤلاء القادة أو الزعماء لا يمكن ان تتحقق في الغالب الا من خلال الدول المنتصرة التي تلاحق مرتكبي الجرائم منهم وتوجه التهم الازمة اليهم، فليس لضحايا العدوان ان يباشرو هذه الملاحقة بصورة مؤثرة.
وقد كانت المآسي التي تعترضت لها البشرية على مر العصور هي السبب في التفكير بمحاكمة القادة والزعماء المسؤولين عن المجازر التي يتعرض لها الابرياء غالباً.
ومن السوابق التاريخية في هذا الخصوص هو ما سعت الى تحقيقة الدول المنتصرة على نابليون في مؤتمر فينا عام 1815م حيث اصدر الحلفاء بعد فرار نابليون من جزيرة البا الى اصدار تصريح بتاريخ 13 مارس 1815م يعتبرون فيه نابليون شخصاً طريداً أي محروماً من حماية القانون لانه رفض العيش في سلام وطمانينة ولما تسبب به من دمار وخراب وحروب اشعلها خلال اربعة عشر سنة، ومن ثم اصبح خارج العلاقات المدنية والاجتماعية وعدواً للعالم يجب القصاص منه.
غير انه وبعد هزيمة نابليون الاخيرة لم تلجأ الدول المنتصرة الى محاكمته وانما اكتفت بتكليف اتكلترا بسجنه في جزيرة سانت هيلانه.
ومن السوابق التي تذكر في شأن محاكمة مجرمي الحرب ما حدث في بداية القرن العشرين عندما نشبت الحرب التركية الايطالية عام 1912م وارتكب الطرابلسيين جريمة الاجهاز على الجرحى من الجنود الايطاليين فتقرر اعدامهم.
اما على الصعيد الفقهي فان اول فكرة لانشاء قضاء دولي للمعاقبة على الجرائم التي ترتكب ضد قانون الشعوب كانت من قبل الفقيه السويسري مونيه  Moynier  عام 1872م حيث نادى بأنشاء محكمة تتألف من خمسة اعضاء اثنان منهم يعينان بمعرفة المتحاربين ويعين الثلاثة الباقون من قبل الدول المحايدة، الا ان هذا الاقتراح اصطدم بمعارضة لتجاهل الاختصاص القضائي الوطني وعاده مونية عام 1895م بفكرة اخرى الى معهد القانون الدولي في دورته في كامبروج واقترح ان تختص المحكمة الدولية بمهمة التحقيق والاستجواب الى جانب المحاكمة الا ان اقتراحه لم يلق نجاحاً ايضاً. ([1])
ويمكن اعتبار اتفاقية لاهاي الثانية عشر عام 1907م اول من مهد للمحاكم الدولية حيث نصت على انشاء محكمة دولية تختص في النظر بالشؤون الخاصة بأسر سفينة من قبل سفينة اخرى تابعة لدولة غير دولة السفينة الاولى، الا ان هذه المحاولة لم يكتب لها النجاح.
وفي عام 1919م وعقب الحرب العالميه الاولى اقترحت بالاكثرية لجنة المسؤوليات التي شكلها المؤتمر التمهيدي للسلام، محاكمة مجرمي الحرب بواسطة قضاء جنائي دولي لكن لمعارضة الوفد الامريكي اهمل الاقتراح، وحل محلها محكمة اخرى ثم تشكيلها من الحلفاء لمقاضاة غليوم الثاني امبراطور المانيا في ذلك الوقت. وهي المحكمة التي اشارت اليها المادة ( 227)  الا انه لم يتم تسليم المتهم أستناداً الى ان التهمة الموجهة اليه تشكل اعتداء صارخ ضد الاخلاق الدولية. ولم يكن منصوصاً على ذلك في معاهدة تسليم المجرمين.
و بتاريخ 16 نومبر 1937م تم توقيع اتفاقيتين في جنيف الاولى بشأن الارهاب والثانية بشأن محكمة الجنيات الدولية التي اريد منها محاكمة مرتكبي الجريمة الارهابية التي اودت بحياة الكسندر الاول ملك يوغسلافيا ومسيو بارثر وزير خارجية فرنسا، لكن هاتين الاتفاقيتين لم تجدا حيز التنفيذ لعدم تصديق الدول الموقعة عليهما. ([2])
غير انه وبسبب الفضائع التي ارتكبت اثناء الحرب العالمية الثانية والتي بلغ عدد الضحايا فيها اوربا وحدها 14 مليونا من القتلى و الجرحى والاسرى وعدة ملايين من المشوهين والمشردين، تم الاتفاق على محاكمة مجرمي الحرب .
وبعد اندحار المانيا النازية وانهيارها جرت عدة مشاورات بين الدول المنتصرة لبحث الاجراءات الواجب اتخاذها حيال مجرمي الحرب، وقد انتهت هذه المشاورت الى عقد اتفاقية دولية هي اتفاقية لندن المؤرخة في 8/8/1945 الخاصة بانشاء محكمة عسكرية دولية لمحاكمة كبار مجرمي الحرب. وتنفيذا للاتفاق الموقع من قبل الحكومة المؤقتة للجمهورية الفرنسية وحكومات الولايات الأمريكية والمملكة المتحدة ( لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية ) واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية تم إنشاء محكمة عسكرية دولية لمحاكمة ومعاقبة كبار مجرمي الحرب في بلاد المحور الأوربية.
وقد تمت التفرقة بين طائفتين من مرتكبي الجرائم.
الاولى: طائفة مجرمي الحرب الذين ارتكبوا افعالاً أو جرائم في دول بعينها، وقد تم الاتفاق على ضرورة اعادة هؤلاء المجرمين الى الدول التي ارتكبوا فيها جرائمهم لكي تتم محاكمتهم وتوقيع العقاب عليهم وفقاً لقوانين تلك الدول.
اما الثانية: طائفة مجرمي الحرب الذين ارتكبوا جرائم ليس لها مكان جغرافي محدد. وقد تمت محاكمة هؤلاء امام محكمتين دوليتين الاولى في اوربا ( محكمة نورمبرغ )، والثانية في طوكيو، وقد اختصت الاولى بالجرائم التي تم ارتكابها في اوربا، اما الثانية، فقد اختصت بالجرائم التي ارتكبت في الشرق الادنى.

وتم تقديم كبار مجرمي الحرب الألمان لهذه المحكمة واستمرت من 20 نوفمبر 1945 وانتهت في 1 أكتوبر 1946 أي مدة أحد عشر شهرا وعشرين يوما وأصدرت أحكاماها بعقوبات متفاوتة وصلت إلى حد الإعدام .

وقد مثل امام محكمة نورمبرغ 21 متهماً حكمت على اثني عشر منهم بالاعدام، وعلى سبعة بالسجن لمدد مختلفة، وبرأت اثنين  ([3]) .
وقد اختصت محكمة نورمبرغ بمحاكمة كبار مجرمي الحرب اللذين ليس لجرائمهم محل جغرافي معين و التزم الاعضاء الاطراف في اتفاقية لندن باحضار مجرمي الحرب امام المحكمة واختصت المحكمتين وفقاً الاحكام المادة (6) من النظام الاساس لمحكمة نورمبرغ بمعاقبة مجرمي الحرب اكبار في بلاد المحور الاوربي بمعاقبة كل الاشخاص الذين ارتكبوا، لحساب الدول المحور، بصفتهم الفردية أو بصفتهم اعضاء في منظمات, احدى الجرائم المنصوص عليها ادناه، علماً ان الافعال الاتي ذكرها أو أي فعل منها تكون جرائم خاضعة لاختصاص المحكمة وتترتب عليه المسؤولية الفردية:
أ‌-  الجرئم ضد السلام: أي ادارة او تحضير أو اشعال أو متابعة حرب عدوانية أو حرب مخالفة للمعاهدات أو الضمانات او الاتفاقيات الدولية أو المساهمة في خطة مدبرة او مؤامرة من اجل ارتكاب احد الافعال السابقة.
ب‌-  جرائم الحرب: أي انتهاك قوانين الحرب وعادتها ويشمل هذا الانتهاك على سبيل المثال لا الحصر: اغتيال الاهالي المدنيين في الاقاليم المحتلة، سواء معاملتهم، ابعادهم من اجل العمل الاجباري أو لاي غرض آخر، اغتيال أو اعدام الرهائن، نهب الاموال العامة او الخاصة، تخريب المدن او القرى بدون سبب أو القيام بالتدمير الذي لا تبرره المقتضيات الحربية.
ج- الجرائم ضد الانسانية: أي الاغتيالات، الابادة، الاسترقاق، الابعاد وكل فعل آخر لا انساني ارتكب ضد السكان المدنيين قبل الحرب وخلالها، وكذلك الاضطهادات لاسباب سياسية أو جنسية أو دينية سواء كانت هذه الافعال والاضطهادات تكون أو لا تكون خرقاً للقانون الداخلي في الاقطار التي ارتكبت فيها متى كانت مرتبطة مع هذه الجريمة.
كما شمل نص هذا المادة المدبرين والمنظمين والمحرضين من اجل ارتكاب اية جريمة من الجرائم المحدوده آنفاً بالمسؤولية عن كل الافعال المرتكبة من أي شخص تنفيذاً لهذه الخطة


([1]) –  مجلة القانون الدولي والتشريع المقارن – الجزء الرابع 1872 – ص 351
      - اشار اليها – د. حميد السعدي – ص 326 .
([2]) – د. حميد السعدي – المصدر نفسه – ص 326 .
([3]) للمزيد : ينظر
-         حسين الشيخ محمد طه الباليسياني – القضاء الدولي الجنائي – 2004 – ص 246 وما بعدها .
-         شريف عتلم – المصدر السابق – ص 20 . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه