التمييز بين الشرط وما يشبهه من ألفاظ

1
التمييز بين الشرط وما يشبهه من ألفاظ       
     وللخروج من اللبس والغموض الذي يشوب التعريف الاصطلاحي للشرط بسبب كثرة استعمالاته، وحتى يتجلى لنا المفهوم الحقيقي للشرط سنتعرض إلى التمييز بينه وبعض المصطلحات المشابهة له، وذلك في المطالب الأربعة الآتية:
المطلب الأول:التمييز بين الشرط والركن
     يعرف الركن في اللغة بأنه: " أحد الجوانب القوية التي يستند إليها الشيء ويقوم به، وهو أقوى جوانب الشيء "[1]، ويعرف الركن في اصطلاح الفقهاء بأنه: ما يتوقف عليه وجود الشيء وكان جزءًا من حقيقته. فالرضا والمحل والسبب كلها أركان متطلبة لقيام العقود.[2]     
      أما الشرط فهو مـا يتوقف عليه وجود الحكم ويكـون خارجا عن حقيقته وماهيته، ويتفق الشرط مع الركن في أن كل منهما يتوقف عليه وجود الحكم، فإذا تخلف الركن بطل الحكم، وإذا تخلف الشرط فسد الحكم، أي أن الحكم يتوقف وجوده على وجودهما، فعدم وجود المحل في العقد يستلزم بطلان العقد. فالوضوء باعتباره شرطا لصحة الصلاة يترتب على تخلفه تخلف الصلاة.[3]
    ويكمن الفرق بين الشرط والركن في أن الركن يعتبر جزءا من حقيقة الشيء المشروط أو ماهيته، بينما يعتبر الشرط خارجا عن ماهية الشيء المشروط وحقيقته وليس جزءًا منه، فالركوع ركن في الصلاة لأنه جزء من حقيقتها، والوضوء شرط صحة في الصلاة لأنه أمر خارج عن ماهيتها، ويترتب على ذلك حصول خلل في الماهية إذا وقع خلل في ركن من الأركان، أما إذا حصل خلل في شرط من الشروط فيترتب على ذلك حصول خلل في أمر خارج عن حقيقة الشيء وهو الوصف.[4] 
المطلب الثاني: التمييز بين الشرط والوعد       
     الوعد في اللغة: من وعد يَعِدُ من باب ضرب يضرب، عِدَةً ووعداً، فأما العِدَة فتجمع على عدات، وأما الوعد فلا يجمع. والمواعدة مفاعلة وهي ما بين طرفين ولا يجوز في رأي جمهور أهل اللغة جمع الوعد.
      أما في اصطلاح الفقهاء، فالوعد معناه الالتزام للغير بما لا يلزم ابتداءا، وقد ورد لفظ الوعد في القرآن الكريم في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: "كَبُرَ مَقْتاً عند الله أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ"[5]، وقال تعالى في مدح إسماعيل عليه الصلاة والسلام والثناء عليه: " وَاذْكُر فِي الكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعْدِ ".[6]  
       ومن السنة فقد وردت عن رسول الله صلى الله علي وسلم أحاديث كثيرة تحث على الوفاء بالعهد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال:" آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا اؤْتُمن خان، وإذا وعد أخلف". ومن ثم فليس للمسلم التشبه بصفات المنافقين.
       ويتميز الوعد عن الشرط في كون الأصل في الوعد أنه لا يلزم صاحبه قضاءً وإن كان الوفاء به مطلوباً ديانة، فلو وعد إنسان شخصاً آخر ببيع منزل معين فلا ينشأ بذلك حق للموعود له، وليس له أن يجبره على تنفيذه بقوة القضاء، إلا إذا صدرالوعد معلقاً على شرط، فإنه يخرج عن معنى الوعد المجرد، ويكتسي ثوب الالتزام والتعهد فيصبح عندئذ ملزماً لصاحبه كما ذهب إلى ذلك فقهاء الحنفية.[7]
      بيد أن الفقهاء وإن كانوا قد فرقوا بين الوعد والشرط من حيث أثر كل منهما فإنهم لم يضعوا ضابطا لتحديد ما يعد شرطا وما يعد وعدا، وتركوا تحديد ذلك إلى أعراف الناس وعاداتهم، وإلى قرائن الأحوال إذا كان الإخبار عن العقد بصيغة المضارع، أما إذا كان بصيغة الماضي فلا يحتاج إلى قرينة.[8] وفي هذا المعنى يقول الشيخ عليش: " وأما الفرق بين ما يدل على الالتزام وما يدل على العِدَة (الوعد) فالمرجع فيه إنما هو إلى ما يفهم من سياق الكلام وقرائن الأحوال "، وجاء في الإقناع للمقدسي:" والشرط بين الناس ما عدوه شرطا، فالأسماء تعرف حدودها تارة بالشرع وتارة باللغة، وتارة بالعرف وكذلك العقود ".[9]
المطلب الثالث: التمييز بين الشرط والسبب 
      يعرف السبب في اللغة بأنه: الحبل الذي يتعلق به الإنسان ويتشبث به للإرتقاء والانتقال، ولهذا سمي الطريق سببا تشبيها بالحبل الممتد، ومنه قوله تعالى:" فاتبع سببا".[10] ومن ثم فإن السبب يطلق أيضا على كل ما يتوصل به إلى غيره ويفضي إليه.                                          والسبب في اصطلاح الفقهاء: " هو كل حـادث ربط به الشرع أمرًا آخر وجودًا وعدمًا، وهو خارج عن ماهيته "[11]، أوهو ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم. فعلى سبيل المثال يعتبر العمل الضار سببًا موجبًا للتعويض طبقا لنص المادة 124 من القانون المدني الجزائري.[12] كما تعتبر كل من القرابة والزوجية أسبابا للإرث حسب نص المادة 126 من قانون الأسرة الجزائري.
    إن ما يمكن ملاحظته من خلال تعريف السبب ومقارنته بتعريف الشرط أنهما يتفقان في حالة العدم، أي أنه إذا انعدم الشرط انعدم المشروط، وإذا انعدم السبب انعدم المسبب. ولكنهما يفترقان من حيث أن السبب متى وجد يلزم من وجوده وجود الحكم مالم يوجد ما يمنع ذلك، فمتى وجدت الزوجية أو القرابة وجب الميراث، بخلاف الشرط فإن وجوده لا يستلزم وجود الحكم أو الأمر المشروط، فلا يلزم مثلا من وجود الشاهدين وجود عقد الزواج.
المطلب الرابع: التمييز بين الشرط والمانع  
       المانـع في اللغة هو الحائل بين الشيئيين، أما في اصطلاح الفقهاء الأصوليين هو: " كل ما يستلزم وجوده انتفاء غيره، أو هو الحكم على الوصف بالمانعية أو هو الوصف الظاهر المنظبط الذي جعله الشارع حائل دون وجود الحكم، فيلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته".[13]
     فعلى سبيل المثال يعتبر قتل الوارث مورثه مانعاً شرعياً من موانع الإرث، يحرم به القاتل من الإرث مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: " ليس للقاتل ميراث ". ففي هذا المثال فإن القاتل لا يرث رغم قيـام سبب الإرث سواء أكـانت القرابة أو الزوجيـة، لأنه لو ورث بسبب القتل لكان منتفعا عن طريق ارتكاب جناية القتل المحرمة شرعا وقانونا، وهذا ينافي الحكمة من ترتيب حكم الإرث، وهذا يعني أن حصول المانع يقتضي رفع مقتضى السبب أو وجود الحكم.
       ويتمثل الفرق بين الشرط والمانع في أن المانع هو كل ما يستلزم وجوده انتفاء غيره، أي أن المانع عكس الشرط لأن الشرط هو ما يلزم من عدمه عدم غيره.[14]
      وفي الأخير نخلص إلى أنه بالرغم من محاولة الفقهاء التمييز بين الشرط وما يشابهه من مصطلحات إلا أن الخلط واللبس والغموض لا يزال يشوب التعريف الاصطلاحي للشرط، فتارة يسمى الركن بالشرط وتارة يسمى السبب بالشرط، وتارة يقع الخلط بين الشرط والوعد، ولتجاوز هذا الإشكال وحتى يكتمل المفهوم الحقيقي للشرط يتعين علينا دراسة أقسام الشرط، وتحليلها من زوايا عدة، لنصل في الأخير إلى تحديد موضع الشرط المقترن بعقد الزواج من بين كل هذه الأقسام.



[1]- حسن حسانين، أحكام الأسرة المسلمة فقهاً وقضاءً، دار الآفاق العربية، 2001، ص95.
[2]- رشدي شحاتة، المرجع السابق، ص34.
[3]- لمطاعي نور الدين، الشرط المقترن بالعقد، مذكرة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة الجزائر، السنة الجامعية 1995/1996، ص 24، ص25.
[4]- رشدي شحاتة، المرجع سابق، ص36، ص37.
[5]- سورة الصف، الآية 03.
[6]- سورة مريم، الآية 54.
[7]- عبد الله بن سليمان، بحث في الوعد وحكم الإلزام به ديانة وقضاءاً، www.Islamiyatonline.com/arabic/maqalat/index.asp                                                                                                                                                  
[8]- أحمد إبراهيم بك، الالتزامات في الشرع الإسلامي، دار الأنصار، بدون سنة، ص215.
[9]- كوثر كامل علي، المرجع السابق، ص41.
[10]- سورة الكهف، الآية 85.
[11]- رشدي شحاتة، المرجع السابق، ص37.
[12]- أمر رقم 75- مؤرخ في 26 سبتمبر 1975، يتضمن القانون المدني الجزائري المعدل والمتمم بالقانون رقم 05- 10 المؤرخ في 20 يونيو 2005.
[13]- رشدي شحاتة، المرجع السابق، ص42، ص43.
-[14] رشدي شحاتة ، المرجع السابق، ص43، ص44.

التعليقات

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه