نهاية القرار الإداري في القانون الجزائري

0
e   نهاية القرار الإداري
ينتهي العمل بالقرار الإداري وينتهي بالتالي تأثيره في المراكز القانونية التي صدرت يهدف التأثير فيها بإحدى الطريقتين : إما بسحب القرار الإداري وإما بإلغائه.
ويقصد بسحب القرار الإداري تجريده من قوته القانونية بالنسبة للماضي والمستقبل، فتزول كل آثاره ويعتبر كأن لم يكن. وفكرة السحب هذه مقصورة أساسا على القرارات الإدارية المعيبة ويقصد بإلغاء القرار الإداري تجريده من قوته القانونية بالنسبة للمستقبل فقط مع بقاء ما خلف من آثار في الماضي وفكرة الإلغاء بالنسبة إلى المستقبل هي فكرة عامة تتأثر بالنسبة إلى القرارات الإدارية جميعا.
وقد يتناول الإلغاء أو السحب القرار الإداري بأكمله كما قد يكون جزئيا يصيب بعضا من هذا القرار في الحالات التي يقبل فيها القرار التجزئة، وذلك كسحب أو إلغاء قرار التعيين بالنسبة لبعض من يشملهم القرار من الموظفين.
وفي ما يلي سنتناول نهاية القرارات الإدارية السليمة والمعيبة[1].
×الفرع الأول : نهاية القرار الإداري عن طريق الإلغاء
كما سبقت الإشارة أن الإلغاء هو جعل لمفعول القرار الإداري مستقبل ابتداء من تاريخ الإلغاء والاحتفاظ بما أنتجه من آثار قبل الإلغاء[2].
وفي هذا المجال يجب أن نميز بين القرارات التنظيمية والقرارات الفردية.

à أولا : القرارات التنظيمية
باعتبار أنه لا تنتج عنها اللامراكز قانونية عامة مجردة وموضوعية كان في حكم الممكن تعديلها أو إلغائها في أي وقت. فالمخاطبين بها ليس له أي احتجاج في مواجهة الإدارة بأي حق مكتسب، اللهم إذا تم تطبيق اللوائح عليه بصفة فردية وشخصية.
à ثانيا : القرارات الفردية
المستقر عليه فقها وقضاء ولاعتبارات استقرار المعاملات هو عدم جواز إلغاء القرارات الفردية حيث يترتب على الإلغاء مساس بالحقوق التي اكتسبها الأفراد من هذه القرارات بيد أنه إذا كان القرارات الفردية لا ترتب حقوقا مكتسبة فإنه يمكن تعديلها أو إلغائها بالنسبة للمستقبل[3].
إلا أن هذه القاعدة ليست مطلقة إذ يجوز للإدارة إلغاء هذه القرارات إذا وجدت المبررات القانونية أي في الحالات وبالإجراءات التي يحددها القانون فيجوز إلغاء الترخيص الممنوح لأحد الأفراد إذا زال شرط من الشروط الترخيص أو اقتضت المصلحة العامة ذلك طبقا لما يقتضي به القانون ويجوز فصل الموظف سواء بالطريق التأديبي أو بغير الطريق التأديبي، وهو يعتبر إلغاء لقرار تعيينه ويجوز في الحالات التي يسمح بها القانون.
ولا يعتبر الاجتهاد القضائي من القرارات المرتبة للحقوق ترخيصات الضبط الإداري، والقرارات ذات الصبغة الوقتية تشمل الطريق العام، والقرارات التي علقت آثارها على شرط، وكذلك القرارات الولائية والتي تخول الفرد مجرد رخصة أو تسامح كمنح الإجازة المرضية لأحد الموظفين في غير الحالات التي يوجب القانون فيها ذلك.
فهذه القرارات تستطيع الإدارة إنهاءها في أي وقت وبالتالي فهي لا ترتب أي حق مكتسب[4].

×الفرع الثاني : نهاية القرارات الإدارية عن طريق السحب
إذا كان إلغاء القرار الإداري يعني وقف نفاذ آثار القرار بالنسبة للمستقبل فقط، فإن سحب القرار الإداري يعني وقف نفاذ آثار القرار بالنسبة للماضي والمستقبل وهذا يترتب عليه زوال كل آثار القرار بآثار رجعي كذلك[5].
وسلطة الإدارة في سحب القرارات الإدارية تختلف إذا كان القرار سليما ومعيبا.
à أولا : القرارات الإدارية السليمة
القاعدة هي عدم جواز سحب القرارات الإدارية الفردية السليمة التي ولدت حقوقا مكتسبة للأفراد احتراما لمبدأ عدم رجعية القوانين الإدارية.
ويستثنى من ذلك جواز سحب القرارات الإدارية السليمة في حالة فصل الموظفين مراعاة لا اعتبارات إنسانية.
أما القرارات التنظيمية فإنها لا تنشئ حقا إلا إذا طبقت على الأفراد ولذلك فإذا لم تكن قد طبقت بعد فالوسيلة القانونية لإنهائها هو الإلغاء وليس السحب لكونها لم تنتج آثار في الماضي. ولكن يتعلق الأمر بعدم تطبيقها مستقبلا فإذا كانت قد طبقت فعلا فإنها وإن كانت لا تكسب أحدا مباشرة حقوقا مكتسبة لكونها عامة ومجردة إلا أن القرارات الفردية التي تصدر بالتطبيق لما تكسب الأفراد حقوقا ويترتب على سحب اللائحة اعتبار القرارات الفردية الصادرة تطبيقا لها في الماضي كأن لم تكن وهذا يعني المساس بالحقوق المكتسبة التي رتبتها القرارات الفردية وبالتالي يتمنع على الإدارة سحبها لمخالفة ذلك لمبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية وعدم المساس بالحقوق المكتسبة[6].
à ثانيا : القرارات الإدارية المعيبة
الأصل أنه يجوز للإدارة أن تسحب قرارها المعيب (غير مشروع)[7] حتى تسقط بأثر رجعي ويترتب على هذا السحب للقرار المعيب سواء كان تنظيما أم فرديا زواله بأثر رجعي يمتد إلى تاريخ صدوره. ويختلف الوضع في سحب القرارات الإدارية بين القرارات التي يترتب عليها حقوقا مكتسبة لأطرافها، والقرارات التي لا يترتب عليها حقوقا مكتسبة لأطرافها.
فالقرارات المعيبة التي يترتب عليها حقوقا مكتسبة لأطرافها يجوز سحبها سواء خلال المدة المحددة للسحب أم بعد انقضائها.
أما القرارات المعيبة التي يترتب عليها حقوقا مكتسبة لأصحابها فلا يجوز سحبها الإخلال المدة القانونية المحددة لإجراء السحب أي خلال الفترة التي يجوز فيها الطعن في القرار وهي في الأصل ستون يوما من تاريخ صدور القرار الإداري المخالف للقانون.
ويترتب على ذلك أن سحب القرار الإداري المعيب "المنشئ لحقوق مكتسبة" بعد انتهاء المدة المحددة للسحب من شأنه أبطال القرار الساحب ذاته[8].
وهناك حالات استثنائية يجوز فيها سحب القرارات الإدارية دون التقيد بالمدة وهي :
õ حالة انعدام القرار : وتتوفر هذه الحالة عندما تبلغ درجة جسامة العيب في القرار المعدم حدا يفقده صفته كقرار إداري، فيجوز سحبه في أي وقت.
õ حالة قيام القرار على غشت أو تدليس : إن الغش أو التدليس كما هو معلوم من عيوب الرضا فإذا ثبت قيام القرار الإداري على ذلك الغش أو التدليس من صاحب المصلحة فإنه يجوز سحب القرار دون التقيد بمدة جواز الطعن لأن الغش كقاعدة يفسد كل شيء، كما أن أحسن نية المستفيد من القرار هي التي تبرر عدم جواز المساس به بعد فوات مواعيد الطعن، أما إذا انتفى حسن النية لذا المستفيد من القرار فإنه يكون جدير بالحماية[9].
õ حالة القرار الذي لم يعلن أو ينشر : إن القرارات الإدارية لا تصبح سارية المفعول تجاه الأفراد الأمن تاريخ شهرها بالإعلان أو النشر حسب طبيعة تلك القرارات سواء أكانت فردية أم تنظيمية فإذا لم يتم الشهر عن تلك القرارات بأية طريقة من طرف الإعلان فإن مدة السحب لا تبدأ في مواجهة الإدارة إذ تستطيع سحبها في أية لحظة وفي مواجهة الأفراد الذين يستطيعون الطعن فيها قضائيا دون التقيد بميعاد غير أن الوضع لا ينطبق الأعلى القرارات الإدارية الصريحة فقط بدون غيرها. أما بالنسبة للقرارات الإدارية الضمنية التي تنشأ حسب القانون من سكوت الإدارة خلال هذه معينة فإنها تصبح نهائية بانتماء هذه المدة ولا يجوز للإدارة سحبها إبان مدة جواز الطعن.
õ حالة تأخر عدم مشروعية القرار الفردي المتخذ أساسا لغيرة : وتتحقق هذه الحالة عند صدور القرار المترتب عليه قد فات، ولا تظهر عدم مشروعية القرار الذي صدور مؤخرا إلا بعد فوات ميعاد الطعن فيه. في هذه الحالة يجوز سحب هذا القرار كما يجوز الطعن فيه قضائيا يصرف النظر عن فوات هذه الطعن. ومثال ذلك أن يصدر قرار بنقل الموظف من مكان إلى آخر بحجة المصلحة العامة. وبتعيين آخر في مكان ولم يكتشف سر نقل الموظف الأول الذي يكمن في تعيين الثاني على أساس رابطة النسب إلا بعد انتهاء مواعيد الطعن. فإن إبطال قرار نقل الموظف مثلا يسمح بسحب القرار الصادر بتعيين خلفه رغم انتهاء مواعيد الطعن في هذا القرار[10].
والأصل أن يتم سحب القرار (المعيب) من نفس الجهة التي قامت بإصداره وبنفس الأداة المستخدمة في الإصدار. وسواء كان اختصاص هذه بالسحب مقررا بنص قانوني أو بموجب قاعدة توازي الاختصاص، فالسلطة الرئاسية مثلا تملك سحب القرارات الإدارية الصادرة عن مرؤوسها لأنها تملك سلطة التعقيب على قرارات هؤلاء المرؤوسين بسحبها لعدم مشروعيتها.
ويترتب عن سحب القرار الإداري أن يعتبر كأن لم يكن من تاريخ صدوره وهو نفس آثار الإلغاء القضائي وبناء على أن السحب بأثر رجعي إزالة للقرار وكل ما يترتب عليه من آثار وإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل صدور القرار المسحوب وزوال آثار السحب قد يكون جزئيا أو كليا إن كان القرار المراد سحبه قابل للتجزئة[11].
وخلاصة القول فإن سحب القرارات الإدارية المعيبة تعتبر أسلوبا قانونيا وضروريا بالنسبة لسير نشاط المرفق العالم ووسيلة لضمان مبدأ الشريعة، كما أن قيام الإدارة بسحب قراراتها اللاشرعية يعبر عن نضجها في مراقبة عملها مراقبة ذاتية بحيث تحكم نفسها بنفسها قبل أن تتبخر العدالة في شؤونها.
وبناء على ما سبق يتبين لنا أن القرارات الإدارية طالما استكملت مقوماتها الذاتية، وبمجرد صدورها عن السلطة الإدارية التي تملكها أصبحت نافذة وتعد سارية في جانب الإدارة من هذا التاريخ بيد أنها لا تسري في حق الأفراد الذين توجه إليها إلا إذا عملوا بها بإحدى وسائل العلم المقررة قانونا. والقرارات الإداري تسري على الماضي كقاعدة عامة ولا يجوز تأجيل آثار القرار الإداري إلا في حالات معينة. كما يمكن للإدارة أن تقوم بتنفيذ قراراتها الإدارية بطريقتين عن طريق التنفيذ المباشر دون حاجة للالتجاء إلى القضاء وهذا يرجع إلى أن الإدارة تتمتع بقرينة سلامة القرارات والدعوى المدينة الذي تعتبر ضمانة لاحترام حقوق وحريات الأفراد. فبعدما يستنفد القرار الإداري كل مضمونه وتحدد المدة المعينة لتطبيقه فبعد انقضاء هذه المدة ينتهي القرار. وتقوم الإدارة بنفسها يسحبه وإلغاء وتختلف عملية السحب عن عملية الإلغاء بحسب طبيعة القرار الإداري. فالقرارات التنظيمية التي لا تنشئ حقوقا مكتسبة ولا تخلق اللامركز قانونية يجوز إلغاءها. في حين أن القرارات الفردية لا يجوز إلغاءها لأنه يترتب على إلغاء مساس بالحقوق المكتسبة للأفراد. أما إذا كانت لا ترتب حقوقا مكتسبة فلأنه يمكن تعديلها أو إلغاءها أما عملية السحب فإنها تختلف إذا كان القرار سليما أو معيبا، فالمقررات الإدارية، السليمة لا يجوز سحبها إذا ولدت حقوقا مكتسبة للأفراد. أما بشأن القرارات الإدارية المعيبة يجوز سحبها حتى ولو تعلقت بها حقوق مكتسبة للأفراد.



أسس تنظيم الرقابة على القرار الإداريالفصل الثاني:



[1]- رضوان بوجمعة، القانون الإداري، مرجع سابق، ص ك 209.
[2]- محمد يحيا، المغرب الإداري، مرجع سابق، ص : 385.
[3]- د. محمد سليمان الطماوي، النظرية العامة للقرارات الإدارية، م.س. ص : 72.
[4]- مليكة الصروخ، القانون الإداري، م.س. ص : 406.
[5]- د. نواف كنعان، القانون الإداري، م.س. ص : 305.
[6]- محمد أنوار حمادة –القرارات الإدارية ورقابة القضاء م.س. ص : 72-73.
[7]- الحكم عدد 239 في 25-09-96 أيت الحسن رشيدة من السيد النائب الإقليمي لوزارة التربية الوطنية عن المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية –عدد 20 و21 سنة 1997 (لا يمكن للإدارة أن تسحب قراراتها إلا إذا كانت غير شرعية).
[8]- د. نواف كنعان، القانون الإداري، مرجع سابق، ص : 307-308.
[9]- د. الحاج الشكرة، القانون الإداري، م.س. 101.
[10]- د. مليكة الصروخ، القانون الإداري، م.س. ص : 407-408
[11]- د. محمد أنور حمادة، القرارات الإدارية ورقابة القضاء،/ م.س. ص : 77-78-79.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه