تعريف جريمة استغلال النفوذ في القانون الجزائري

0
تعريف جريمة استغلال النفوذ
الفرع الأول : تعريفها اصطلاحا وفقها و لغة
إن الفقه يتوخى السهولة و التراخي و الركون إلى منطق الأقوياء و أصحاب السلطة و النفوذ من التجار و العسكر ، و بدلا من التصدي و استدعاء الألمعية الفقهية في محاصرة الظواهر السلبية و التصدي للفساد و مقاومته ... بدلا من ذلك يقوم الفقهاء بالاستسلام لمنطق الأقوياء و الاستجابة لذوق الغالبية ، فنراهم في آخر الإفتاء يقولون بمشروعية استغلال النفوذ للحصول على وظيفة أو مسكن .
كما تنصب فتاوى الفقهاء على المسؤولين و التجار و أصحاب السلطة في إدارة شؤون العباد و البلاد  أن تتوجه تلك الفتاوي للنيل من هؤلاء و فضحهم و تحذيرهم و عظهم و تهذيبهم لنقص الفساد في الحياة و قيمة الخلق بإباحة استغلال النفوذ .
إن الدين الذي يحرص على حياة كريمة شريفة يحرض الناس على عمل الخير و مجابهة الفساد و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، أليس هؤلاء الفقهاء قادرين على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، أم أنهم قادرون فقط على تسخير سلطتهم في الاستجابة إلى مزاجهم (1)
فنرى الفقه يعتبر جريمة الإستغلال أداة و جريمة يجب مكافحتها و مجابهتها لأنها تنشر الفساد في الحياة و تفرق بين الناس و تنشر الطبقية حيث تكون طبقة الأقوياء و أصحاب السلطة و تصبح بذلك طبقة الفقراء خاضعة لهم، فالأغنياء كالحكام تماما من حقهم كل شيء حيى فرض سلطاتهم، فأصحاب السلطة يخضعون لطلبات أصحاب المال و الجاه لتلبية طلباتهم و الإستجابة لمصالحهم، فهم بذلك يعتبرون إستغلال النفوذ أكثر من جريمة فهم ينظرون إليها كفعل ضار لكن ضرورات الحياة تستوجب أحيانا إستعمال السلطة في سبيل الحصول على منفعة و مثال ذلك قوله تعالى: " حرمت عليكم الميتة و الدم...." فمن إضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم ، ومنه فإن إرتكاب هذه المحرمات من الأطعمة لا يجوز إلا  في الضرورة و مشروعية جوازها مرهون بالإبقاء على حياة مرتكبها فالمضطر لإستغلال النفوذ في شأن وظيفة أو مزية ليس مضطرا لأنه قادر على التغيير دون إستغلال النفوذ .
الفرع الثاني:تعريفها قانونا
سنتناول هذه الجريمة طبقا لنصوص  قانون  العقوبات الجزائري
لقد إعتبر المشرع الجزائري جريمة إستغلال النفوذ في حكم الرشوة و نص على عقابها في المادة 32 ق م ف، إستغلال النفوذ هو كل شخص يطلب أو يقبل عطية أو وعدا أو يتلقى هبة أو هدية أو أية
منافع آخرى و ذلك ليتحصل على مميزات أو مكافئات أو مراكز أو وظائف أو خدمات أو أية مزايا
تمنعها السلطة العمومية أو على صفقات أو مقاولات أو غيرها من الأرباح الناتجة من إشراف السلطة العمومية أو مع مشروعات أستقلالية موضوعة تحت إشراف السلطة العمومية أو يحاول الحصول على








 

(1)- د عبد الله سليمان-مرجع سابق-84
أي من ذلك أو يستصدر بصفة عامة قراره من مثل هذه السلطة أو تلك الإدارة لمصالحه أو يحاول إستصداره و يشغل بذلك نفوذا حقيقيا أو مزعوما .
فإن كان الجاني قاضيا أو موظفا أو ذا وكالة نيابية تضاعف العقوبة المقررة.
و لقد قرر المشرع وضع هذه العقوبة نظرا لما يلحق نزاهة الوظيفة من مضرات إستعمال الشخص نفوذه الحقيقي أو المفترض، و القانون حين يعاقب على هذه الجريمة لا يتطلب أن يكون الجاني من أرباب الوظائف العمومية بل قد يكون من أحد الناس.
فحسب نص المادة 32 قانون مكافحة الفساد،فمستغل النفوذ هو الشخص الذي يطلب أو يقبل عطية أو وعد أو يتلقى هبة أو هدية أو أية منافع آخرى بهدف حصوله على مزايا و منافع تمنحها السلطة العمومي.(1)
علة التجريم: نلاحظ من خلال التعريف السابق لإستغلال النفوذ و حسب نص المادة 32 ق م ف، فإن علة التجريم في هذه الجريمة هي ما يمثله فعل الجاني،من إخلال بالثقة في الوظيفة العامة، فالجاني يقوم بالإساءة و لا يتصرف وفقا للقانون و إنما يتصرف تحت قدر المال المقدم، و بهذا فإن إستغلاله يؤدي إلى الإثراء غير المشروع للموظف صاحب النفوذ و السلطة إذا ما إتخذها سلعة يتاجر فيها، و إذا كان نفوذه مزعوما فهنا الجاني يكون محتالا و يجمع بين الغش و الإحتيال و الإضرار بالسلطة العامة، كما يمكن أن تقوم جريمة النصب إلى جانب هذه الجريمة(2) و الملاحظ أن هذه الجريمة كثيرة الشبه بجريمة الرشوة السلبية من حيث الطلب أو تلقي عطية أو وعدا أو بطلب أو بتلقي هبة أو هدية أو أية منافع، وتختلفان من حيث الصفة و هي في هذا تتشابه مع جريمة الرشوة الإيجابية .
نلاحظ أن جريمة إستغلال النفوذ تشترك مع جريمة الرشوة السلبية من حيث المنافع و تشترك مع جريمة الرشوة الإيجابية من حيث الصفة.
الفرع الثالث: موقف المشرع الجزائري
إن جريمة إستغلال النفوذ هي جريمة صاحب النفوذ الذي يتاجر بنفوذه و لقد نصت المادة 32 ق م ف على هذه الجريمة كما أن هذه المادة حددت أركانها و العقوبة تضاعف عندما يكون الجاني ذو صفة عامة (موظف، قاضي ...) و إن الفاعل غير مختص بالعمل المطلوب و لا يزعم أنه من إختصاصه، و إنما يستعمل نفوذه الحقيقي لتحقيق الغرض المطلوب و لذلك يعاقبه القانون(3)  فالإتجار بالنفوذ معاقب عليه مهما كان من يتاجر به سواءا كان موظف عمومي أو غيره عكس جريمة الرشوة التي تفترض صفة الموظف العمومي من ناحية و متاجرته بمهنته و عمله من ناحية ثانية، فالجريمة تتم عند طلب الوعد أو العطية، فالمشرع إعتبر العطية إذا إتخذها الجاني أو إتفق عليها أو حتى و لو طلبها تعتبر جريمة تامة لما لها من خطورة إجرامية،كما أنه يلجأ إلى إستغلال نفوذ حقيقي أو مزعوم ليجمع بين الأضرار بالثقة الواجبة في الجهات و المصالح الحكومية و بين الغش قصد الحصول على شيئ أو أية مزية، كما ورد في المادة 32 ق م ف فهو نص عام شامل لكل الصور التي تصدر عن الجهات الحكومية و الجهات الخاضعة لها و الإدارة.
تتحقق هذه الجريمة سواءا تحقق الغرض أو لم يتحقق، أو تحصل الفاعل على منفعة أو لم يتحصل، فهذه الجريمة تعتبر في حكم جريمة الرشوة من حيث الأفعال المادية و المنافع و التأثير السلبي على الثقة العامة لسير الإدارة.(

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه