-مفهوم الإحساس:
هو حادثة أولية بسيطة تنتج عن تأثير منبه
خارجي على إحدى الحواس فتأثير البرد على حاسة اللمس(الجلد) يتولد عنه إحساس
بالبرودة كنتيجة لتأثير المنبه الخارجي
ومنه فيمكن النظر إلى الإحساس من حيث
طبيعته نظرة مزدوجة:
-الإحساس
كانفعال أولي: فهو عملية أولية لأنه مباشر فلا توجد واسطة أو فاصلة بين
المنبه الخارجي والحواس الخمس وهو كذلك بسيط لأنه مشترك بين الحيوان والإنسان
-الإحساس
كوظيفة تكيف مع العالم الخارجي: إن الإحساس حاجة حيوية لتحقيق التكيف
مع المحيط والعالم والتأقلم مع البيئة وطبيعتها وما يدعم هذا هو أن الحيوانات تكاد
تعتمد على حواسها فقط في تكيفها فالبعض لديها قدرة فائقة على الشم مثلما يلاحظ على
الكلاب حتى تصطاد فريستها والصقور التي تحبذ الأماكن العالية لها حدة البصر التي
تجعلها تتكيف مع هذا الوضع وترى فريستها من مكان بعيد وحال الإنسان غير مختلف عن
هذا فهو يعتمد على حواسه لكي يتلاءم مع محيطه الذي هيئ للعيش فيه
2-مفهوم
الإدراك :
هو عملية عقلية معقدة تقوم بإعطاء
معنى للمنبهات الخارجية التي تنقلها الحواس فهو فعل ينظم به الإنسان إحساساته كي
تصبح صورة مجردة وثابة في العقل
خصائص الإدراك :
-تأويل
للمعطى الحسي:أي أنه ترجمة لأحاسيس التي تقدمها الحواس نتيجة تأثرها
بالمنبه الخارجي
-معرفة مجردة:فهو
يقوم على إدراك المعاني المجردة عن طريق فعلي التحليل والتركيب وذلك بالاستعانة
بالوظائف العقلية العليا كالتذكر والخيال والتفكير...الخ
النسبية في الإدراك
أ-عوامل
الإدراك:
وهي مصنفة ضمن قسمين:
-عوامل
ذاتية :وهي تمثل جملة العوامل المتعلقة بالشخص المدرك كحالته الجسمية والنفسية وعامل الخبرة حيث
نجده يدرك بسهولة الأشياء التي سبق لها وأن مرت بخبرته بالإضافة إلى الانتباه الذي
يعد عامل ذاتي أساسي في إدراك الأشياء حيث يساعد العقل في التركيز على شيئا واحد
بين العديد من الأشياء هذا ولا يمكن إهمال دور التوقع في عملية الإدراك عند
الإنسان لأننا ندرك بسهولة الأشياء إذا توقعنا مسبقا حدوتها
-عوامل
موضوعية:وهي جملة العوامل المتعلقة بالشيء المدرك وقد حاول
الجيشطالتيون إحصائها فيما يلي:
*الشكل والأرضية فيتم إدراك كل الأشياء في أرضية معينة
فندرك مثلا القمر كشكل قرص في أرضية وهي السماء
*التشابه
والتقارب :فالأشياء المتشابهة والمتقاربة تدرك مجتمعة كإدراكنا للطاولات
التي في قسم حيث يتم هذا الإدراك دفعة واحدة ولا تدرك منفصلة عن بعضها البعض كذلك
الأشياء المتقاربة في الزمان والمكان تدرك مجتمعة
*الاتصال:فالأشياء
المتصلة كالخطوط تدرك كصيغ متكاملة غير منفصلة
*الإغلاق:فنحن
نميل في إدراكاتنا إلى سد الثغرات وإكمال النقائص فمثلا الدائرة الناقصة في بعض
أجزائها ندركها كاملة
ب-أمراض
الإدراك وأخطائه:
*أخطاء
الإدراك :وهي كثيرة نذكر منها نوعين رئيسيين:
*الخداع
البصري:كالعصا عندما يغمس نصفها في الماء فتبدو لنا منكسرة أو كإدراكنا
للقمر على أنه قرص صغير ومثل رؤيتنا للسراب ذلك أن إدراك الشيء يتأثر بالمسافة
واللون والحركة وغيرها من عوامل
*الخداع
الحركي:وهو عبارة عن إدراك حركة في مكان لا توجد فيه أشياء تتحرك في الأصل
فمثلا تقدير المسافة بين بالونين في السماء أحدهما أكبر حجما من الآخر يظهر أن
البالون الأكثر حجما يبدو أنه يقترب والأصغر يظهر أنه يبتعد
*أمراض الإدراك:وأشهرها أمراض المعرفة التي تصيب الحساسية فلا يستطيع صاحبها التمييز بين إحساسين أو لأكثر بإضافة إلى الأمراض النفسية التي تصيب الشخصية مثل الهذيان والهلوسة التي يخلط فبها الإنسان بين الأحلام والواقع ويرى ما لا وجود له
العلاقة بين الإحساس والإدراك 1-الإدراك أساس
كل معرفة: حيث يرى أصحاب التيار العقلاني أمثال أفلاطون
وديكارت وليبنتز
أنه من المتعذر إثبات أي صلة بين تواصلية بين الإحساس والإدراك والإدراك عندهم
مرتبط بالعقل وهو من فعاليته العليا لذلك
هو أساس معرفة الأشياء والموضوعات ومصدر المعاني أما الإحساس فهو مجرد تعبيرات
ذاتية مرتبطة بالبدن لا ترتقي إلى درجة المعرفة الموضوعية :
*-نظرية المثل تفصل بين الإحساس والإدراك:لقد عبر أفلاطون عن هذا الموقف من خلال نظريته في المعرفة المبنية على تقسيم
الوجود إلى صنفين متباينين عالم المثل والمعقولات الثابتة والأزلية المطلقة وعالم
الحس ذو الطبيعة المتغيرة النسبية والفانية وينسجم هذا التصنيف مع ثنائية
الروح والبدن عند أفلاطون فنجد طبيعة الروح عنده كجوهر مثالي أزلي تتوافق مع
ميزات عالم المثل ومن هنا يقرر أفلاطون أن النفس البشرية قبل حلولها بالبدن
كانت تحي في عالم المثل وتشاهد الحقائق الخالدة والصور الثابتة لكن عن مخالطتها
للبدن الحسي نسيت كل تلك الصور والحقائق ولهذا
فإن ممارسة فعل المعرفة عند أفلاطون تقوم على أساس وظيفة التذكر فقال
قديما<المعرفة تذكر والجهل نسيان> وفي مقابل هذا يربط أفلاطون بين طبيعة
البدن الفانية والنسبية وطبيعة عالم الحس النسبي والمتغير والفاني ومن خلال كل
ما سبق فإن أفلاطون يظعنا أمام مرتبتين من الوجود تقابلهما مرتبتين من المعرفة معرفة
البدن النسبية المتوجهة نحو عالم الحس عن طريق الإحساس ومعرفة الروح التي تنشد
عالم المثل عن طريق التذكر والإدراك العقلي وينفي أفلاطون أي صلة بين
الإحساس كمعرفة ناقصة نقص وسائلها وموضوعاتها وبين الإدراك كمعرفة كاملة كمال
وسائلها وموضوعاتها وقد فهم الفيلسوف الألماني ليبنتز جيدا موقف أفلاطون هذا
فعبر عنه قائلا <لا يمكن أن تكون
الأفكار الموجودة في الروح مأخوذة من الحواس وإلا وجب أن تكون الروح مادة والروح
ليست مادة> ومنه فالمعرفة الحسية التي تتم بالإحساس ليست صورة كاملة عن الحقيقة
بل هي عند أفلاطون ظل لها وصورة مشوهة عنها وهنا يبدو تفاضل الإدراك عن الإحساس من
حيث القيمة .
الأفكار
الفطرية والأفكار الحسية: نجد أبو الفلسفة الحديثة روني ديكارت يؤيد
أفلاطون في هذا الفصل بين الإحساس والإدراك ويدعمه من وجهة نظر مختلفة حيث يؤكد أن
العقل ملكة مستقلة قادرة لوحدها على الوصول إلى المعرفة انطلاقا من مبادئها الخاصة
الفطرية فقط أي أن العقل بإمكانه تحصيل المعرفة حتى في غياب المعطيات الحسية فتكون
عندها المعرفة قبلية وسابقة عن كل تجربة ونجد ديكارت في التأمل الثالث من كتابه
تأملات يقسم أفكار النفس إلى ثلاث أصناف أدناها الأفكار الاتفاقية أو الخارجية
العارضة ويقصد بها الأفكار الحسية أو ما ينطبع في عقولنا حين ندرك الأشياء
المادية الخارجية بالإحساس مثل الألوان والطعوم وهذا النوع من الأفكار لا قيمة
له في بناء معرفة موضوعية لأن مصدره الحواس وهي تخدعنا كرؤية العصا منكسرة في
الماء وكما يقول ديكارت<لا تطمئن لما يخدعك ولو لمرة واحدة> تليها الأفكار
الخيالية أو المصطنعة و يقصد بها ديكارت تلك الأفكار التي نصل إليها بفعل
المخيلة ويكونها الخيال على أساس الأفكار الحسية فتعتمد على خيال الإنسان وقدراته على إيجاد أفكار لا
وجود لها في الواقع رغم أن عناصرها موجودة فيه مثل فكرة الحصان المجنح وكذلك فكرة حيوان له وجه إنسان وجسد أسد مثل
أبو الهول وأفكارنا عن كائنات تسكن كواكب أخرى
وهذه الأفكار ليس لها قيمة لأنها تعتمد على الإحساس والخيال وكلاهما
لا قيمة له في مجال المعرفة الحقة وثالث أصناف الأفكار عند ديكارت وأعلاها
مرتبة هي الأفكار الفطرية وهي مبادئ يزود بها الطفل عند ولادته يضعها فيه
الإله بالفطرة ومن هنا فهي بديهية تدرك بالحدس لا تبرهن بل إن البرهان يبنى عليها ومنه
فلا وجود لأي صلة بين الإحساس والإدراك كمعرفة قبلية فطرية لأن كل إدراكتنا
المعرفية صادرة بصورة قبلية من العقل الفطري وهنا تبدو المفاضلة بين معرفة الإحساس
الساذجة ومعرفة الإدراك اليقينية.
الإحساس مصدر كل معرفة :حيث يذهب أصحاب الاتجاه التجريبي إلى اعتبار الإحساس والتجربة الحسية مقياس لكل معرفة ومصدرها الأول وأن كل ما يحصل لنا من معارف في العقل مردها إلى العالم الحسي الخارجي ومن هنا يرفض جون لوك نظرية الأفكار الفطرية التي قال بها ديكارت وينفي وجود معارف قبلية سابقة عن التجربة بل هي مكتسبة منها فالعقل عندهم ملكة تابعة للإحساس عاجزة عن إنشاء أفكار ذاتية خاصة بل إنه ليس أكثر من مستودع للخبرات والصور الحسية حيث يقول لوك<العقل صفحة بيضاء تسجل عليها التجربة ما تشاء>ومنه فكل المدركات العقلية ما هي في الحقيقة سوى خبرات حسية تحصلنا عليها شيئا فشيئا نتيجة انطباع صور المحسوسات في الذهن ومن هنا يقول التجريبيين<لا وجود لشيء في الأذهان ما لم يوجد أولا في الأعيان "وبهذا تكون حواسنا نوافذنا نحو معرفة العالم الخارجي وضعف الحواس أو فقدان إحداها يعني فقدان نفذة من نوافذ المعرفة لهذا قال هيوم<من فقد حسا فقد قدرة على المعرفة >وبتالي فكل المعارف عند الحسيين بعدية مكتسبة بالتجربة الحسية وعلى هذا يعد الإحساس مصدر المعرفة والمتحكم في المدركات والموجه لها ومن ثم وجب التميز بينه وبين الإدراك من حيث الأسبقية الزمنية والمرحلية في المعرفة الإنسانية
طبيعة
العلاقة بين الإحساس والإدراك
المدرسة
الجشطالتية:ترى مدرسة الجيشطالت بزعامة كوهلر وفيرتهيمرت أن الإدراك ليس
مجموعة إحساسات وهو
ما تدل عليه بوضوح كلمة جشطالت التي تعني" الشكل أو الصيغة " والصيغة هي وحدة
منظمة ومتماسكة مكونة من مجموعة أجزاء متفاعلة ومتواصلة بحيث أن تلك الأجزاء
المكونة للصيغة الكلية لا يمكن فهمها منعزلة عن الوحدة الكلية ومنه فالصيغة
الكلية هي التي تعطي للأجزاء معناها وصفاتها فالأنغام الموسيقية لا قيمة لها
إلا في تواصلها ضمن قطعة موسيقية متماسكة وكلية كذلك الأمر في سقوط الأمطار فنحن
لا نركز ذهننا على الحركات الجزئية للقطرات الصغيرة بل ندرك الحركة الكلية للأمطار
المتساقطة التي تفرض نفسها علينا كمعطى موضوعي مباشر لا تكون الأولوية فيه للعناصر
الجزئية بل للأشكال الكلية ومن هنا تصبح الصيغة الكلية هي أساس الإدراك الذي
يعود إلى عوامل خارجية موضوعية والدليل على ذلك أن إدراك العناصر الجزئية يكون
مختلفا تبعا للشكل الذي تنتمي إليه فنحن مثلا لا ندرك في هذا الشكل ......... كل
نقطة على حدى بل ندرك من الوهلة الأولى سلسلة من النقط ويمكننا إدراكها على هيأة أحرى إذا غيرنا
بنيتها العامة إلى هذا الشكل .. .. .. ..
حيث ندرك سلسلة النقط مثنى مثنى وإذا ما نحن أضفنا إلى هذه السلسة عنصرا
أخر تغير إدراكنا لها كذلك مثل الصيغة التالية .._.._.._.. والملاحظ من كل هذا أن
تغير الصيغة الكلية في كل مرة أدى إلى تغير إدراكنا للعناصر الجزئية ومنه
فالبنية الكلية الخارجية هي التي تحكم عملية الإدراك وتفرض قوانينها علينا وبذلك فهي تحد من
قدراتنا العقلية حيث يكون نشاط الذهن شكلي وليس رئيسي تابع لشكل وبنية الموضوع
الخارجي ومحكوم به لأن أي تغير في الصيغة ينتج عنه تغير ضروري في الإدراك العقلي
وعلى هذا فإن المدرسة الجشطالتية لم تأخذ بالعوامل الحسية لوحدها ولا بالعوامل
العقلية فقط بل أخذت بالإحساس والإدراك معا
المدرسة الظواهرية:ترفض المدرسة الظواهرية بزعامة هوسرل وميرلوبونتي وغيرهما الفصل بين الإحساس والإدراك حيث يقول الفيلسوف الألماني هوسرل <إن كل شعور هو شعور بشيء > وهذا يعني أن شعورنا يوجد دائما بكيفية واحدة فقط وهي <الشعور بشيء ما > سواء كان هذا الشيء ماديا أو معنويا واقعيا أو خياليا فلا يمكن للشعور أن يوجد وجودا مطلقا فارغا من كل محتوى ومجردا من كل موضوع فهو عند الظواهريين نشاط نزوعي وقصدي فهو يقصد دائما شيئ موجود في العالم الخارجي أي خارج الذات الشاعرة فالخوف مثلا هو دائما وفي جميع الحالات خوف من <شيء>معين وهذا الأمر ينطبق كذلك على التذكر والتفكير والغضب وغيرها ففي كل مرة "نشعر"نتوجه بكيفية ما إلى أشياء معينة فلا شعور بدون موضوع نشعربه وبمقابل هذا فوجود الأشياء بالنسبة إلينا مشروط بشعورنا بها ومن هنا يظهر ترابط الإحساس والإدراك حيث لا وجود لإحساس خالص ليس مسبوق بشعور ذهني كما لا يوجد إدراك ذهني غير مرتبط بشيء حسي وبتالي فلا يمكن الفل بينهما
إستنتاج
خلاصة القول أن النظرة إلى الإحساس بوصفه علاقة أولية بالعالم الخارجي والإدراك باعتباره معرفة مجردة بهذا العالم مجرد تصوران فلسفيان إفتراضيان نتج عنهما الفصل بين الإحساس والإدراك لكن الأبحاث العلمية المعاصرة في مجال علوم الحياة والإنسان أثبتت إستحالة هذا الفصل فحواسنا تنفعل لمداركنا وتشكل لها معينا من المعطيات و المعلومات وفي نفس الوقت تتفاعل مداركنا معها قبل وأثناء وبعد الاتصال بالعالم الخارجي وهذا ما يميز المعرفة الإدراكية الإنسانية على غيرها من الكائنات الحية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق