ما هو المنطق وما
وظيفته؟
لقد تعدد
إجابات الفلاسفة والمناطقة عن هذا السؤال
ومن ثم تعددت تعاريفهم للمنطق واختلفت
وتجتمع معظم تلك
التعاريف حول معنى عام يجعل من المنطق <آلة قانونية (أرغانون) تعصم مراعاة
قواعدها الذهن من الوقوع في الخطأ> ويعتبر هذا الأصل الذي تتفرع عنه بعض
التعاريف الفردية الأخرى
فيعرفه بول
روايال بقوله<المنطق هو الصناعة التي يحسن بها الإنسان قيادة عقله في معرفة
الأشياء عند التعلم أو التعليم>
بينما يعرفه
جيفونز بأنه<علم قوانين الفكر> ويعتبر الفيلسوف اليوناني أرسطو الملقب
بالمعلم الأول هو أول من أراد أن يجعل للمنطق
قواعد ثابتة ومنظمة من خلال استقرائه لقواعد التفكير الإنساني وسمى هذا
الفرع من المعرفة بالتحليل بينما أطلق عليه أحد شراحه وهو الإسكندر الأفردوديسي
اسم المنطق ثم شاعت هذه التسمية بين أوساط الفلاسفة والمناطقة حتى اليوم.ومنه تظهر
عصمة الذهن من الوقوع في الخطأ الوظيفة المحورية السامية التي يرجو علم المنطق
بلوغها
الوضعية المشكلة:
متى ينطبق الفكر مع نفسه ؟ وهل حصول هذا الإنطباق كاف لضمان إتفاق جميع العقول؟ وهل يكفي أن نعرف قواعد المنطق الصوري حتى نكون في مأمن من الخطأ؟
متى ينطبق الفكر مع نفسه؟
أولا :معرفة وحدات الفكر المنطقي وقواعده:
1-التصور والحد:
أ-التصور: <هو مثول المحسوس في الذهن عند غيابه عن الحواس > ومعنى هذا أن التصور هو المعنى المنفصل عن الوجود الحسي فهو صورة ذهنية مستقلة عن الإحساسات المتولدة من الوجود الحسي للشيء في الخارج
تحليل التصور:إن التصور من حيث هو صورة ذهنية مركبة من عدة صفات مجردة من الشيء الذي يتصف بها يجعل له عنصران فلكل تصور عدد من الصفات يفهم منها وعدد من الأشخاص تتصف بهذه الصفات لهذا ينظر المناطقة إلى التصور من وجهتين:
-وجهة المفهوم:وهو <جملة الصفات التي يتألف منها المعنى في العقل والتي لولاها جميعا لما إئتلف المعنى>
فتصور الإنسان مثلا مفهومه كائن حي عاقل ولو نقصت صفة واحدة من هذه الصفات لما استقر معناه في الذهن
-وجهة الماصدق: ويعرف بأنه <جملة الأفراد الذين يصدق عليهم مفهوم معين>
ومثال ذلك المفهوم التالي كائن عاقل مسلم يصدق على المسلمين فقط
تحديد العلاقة:إذا قمنا بمقارنة بين تصور (الحيوان) وتصور (الإنسان) من حيث المفهوم وجدنا ما يلي:
-الحيوان :هو جسم-حي-حساس
-الإنسان:هو جسم –حي-حساس-عاقل
وجدنا أن مفهوم "الإنسان" أوسع من مفهوم"الحيوان" فهو يزيد عنه بصفة عاقل
وإذا قارنا من ناحية أخرى بين نفس التصورين من جهة المصادق وجدنا ما يلي:
ماصدق الحيوان: يشمل العاقل وغير العاقل فهو يظم الحيوان والإنسان
ماصدق الإنسان:هو العاقل فقط
والملاحظ هنا أن ماصدق الإنسان أضيق وأصغر من ماصدق الحيوان ومن هنا وصل المناطقة إلى العلاقة التالية:إن المفهوم والماصدق متناسبان
بعلاقة عكسية فكلما كان مفهوم التصور واسعا كان ماصدقه ضيقا وكلما كان ماصدقه واسعا كان مفهومه ضيقا
ب-الحد:إن الإنسان مدني بالطبع وهو ما يجعله لا يكتفي بمعرفة الأشياء والتصورات فقط بل عليه أن ينقلها إلى غيره وهذا ما يتم بواسطة اللغة ومن هنا يعرف الحد اللفظي بأنه<الكلمة التي تعبر عن التصور>
مثال كلمة إنسان حد لتصور الإنسان
وينقسم الحد إلى صنفين :
الحد الكلي: ويتمثل في الألفاظ التي تطلق على مجموعة من الأفراد تشترك في صفات جوهرية واحدة مثل إنسان، حيوان
الحد الجزئي : وهي الألفاظ التي تنطبق وتصدق على شيء واحد أو فرد واحد بعينه لها صفات يختص بها وحده مثل قسنطينة ،رغاية فهي تصدق على مدينة واحدة بعينها
2-التعريف مقولاته وقواعده:
تعريف التعريف:هو قول يشرح طبيعة الشيء أو معنى الكلمة مثل الإنسان يعرف بأنه "حيوان ناطق" وينبغي لنا هنا التميز بين المعرف بكسر الراء الذي هو حيوان ناطق وبين المعرف بفتح الراء الذي هو الإنسان
وكي يستقيم التعريف ويؤدي وظيفته حدد له المناطقة مقولات وقواعد:
أ--قواعد التعريف: للتعريف جملة من القواعد جعلها المناطقة ستة قواعد أهمها:
أ-أن يكون التعريف معبرا عن ماهية الشيء وهو ما يحققه التعريف بالحد لأن الماهية ثابتة لا تتغير مع تغير الأعراض
ب-أن يكون التعريف جامعا مانعا ونقول جامعا أي شاملا لجميع أفراد المعرف وصفاتهم ومانعا لغيرهم من الدخول فيهم
ج-يجب أن يكون التعريف قابلا للانعكاس بحيث تصلح المساواة بين المعرف والمعرف ويجوز استبدال أحدهما بالآخر
ب-مقولات التعريف:
-الجنس:هو حد كلي تندرج تحته مجموعة من الأنواع يشتركون في صفات جوهرية واحدة حيث يقول إبن سينا في تعريفه للجنس<هو المقول على كثيرين مختلفين بالأنواع في جواب ما هو ؟ فعندما يتعلق الأمر بالإنسان مثلا وسئلنا ما هو فإن الجواب المناسب هو أن نقول <هو حيوان> وهو نوعان
حيث يكون الجنس قريبا إذا كا جوابا عن الماهية وجميع مشتركيها في الجنس كالحيوان هو جواب عن ماهية الإنسان وعن جميع من يشاركه في الحيوانية
ويكون الجنس بعيدا إذا كان جوابا عن الماهية وبعض مشتركيها فقط مثل الجسم بالنسبة إلى الإنسان والجبل.
-النوع :هو حد كلي يقال على كثيرين متفقين في الماهية(الصفات الجوهرية)ومختلفين في (الأفراد) كالإنسان بالنسبة إلى هذا أو ذاك من الناس
يقول فورفوريوس<النوع هو المحمول على كثيرين مختلفين بالعدد من طريق ما هو>
-الفصل النوعي :هو حد كلي يعبر عن صفة جوهرية تفصل نوعا من الأنواع عن غيره ممن يشتركون معه في الجنس مثل عاقل صفة تفصل الإنسان عن باقي الحيوان
العرض العام:وهو حد كلي يعبر على ما يمكن أن يعرض أو لا يعرض لنفس الشيء دون أن يغير من حقيقته أو ماهيته فالشيء يبقى هو هو سواء قام به هذا العرض أو لم يقم كالبياض والسواد بالنسبة للإنسان
الخاصة: وهي الصفة التي تختص الشيء بعينه ويمكن أن تدخل معه في علاقة انعكاسية فتوجد بوجوده ويوجد هو بوجودها مثال:
تعلم النحو صفة خاصة بالإنسان فإذا كان س إنسان فإن س قادر على تعلم النحو
وبالعكس
إذا كان س قادر على تعلم النحو فإن س إنسان
فهذه جملة المقولات التي يمن أن يؤسس عليها التعريف وتسمى بالكليات الخمس وتختلف أنواع التعريف حسب العلاقات التالية بين الكليات
الجنس+الفصل النوعي =التعريف الماهوي أو بالحد حسب الاصطلاح العربي القديم
الجنس+الخاصة =تعريف وصفي أو تعريف بالرسم حسب الاصطلاح العربي
الجنس+العرض العام =تعريفا بالعرض
ويعتبر النوع الأول (التعريف بالحد) هو المعبر عن طبيعة الشيء وماهيته(المفهوم)
3-الحكم والقضية:
أ-ما هو الحكم:هو عند المناطقة إسناد حد إلى حد آخر إيجابيا أو سلبيا بحيث يحتمل هذا الإسناد الصدق أو الكذب وإذا كتب أو نطق به سمي قضية
-ما هي القضية ؟ مما سبق هي التعبير اللفظي على الحكم القائم في الذهن ويعرفها محمد عابد الجابري بأنها<إسناد محمول إلى موضوع> وهما أي المحمول والموضوع عناصر القضية الأول يشير إلى مسند إليه والثاني ‘لى ما يقال عن شيء آخر أي إلى المسند مثل زيد قائم
فزيد موضوع ويأتي الأول في القضية وقائم محمول ويأتي ثاني في الترتيب
أنواع القضية:القضية نوعان
قضية بسيطة تسمى بالقضية الحملية لأن الموضوع فيها يتبع بمحمول
ومركبة من قضيتين الأولى يطلق عليها المقدم والثانية التالي تسمى بالقضية الشرطية وهي بدورها نوعان :
قضية شرطية متصلة :وهي القضية المؤلفة من قضيتين بسيطتين تربط إحداهما بالأخرى رابطة اللزوم المعبر عنها بالأداتين <إذا> و<لو>
مثل إذا أشرقت الشمس طلع النهار
إذا العبارة الرابطة
أشرقت الشمس المقدم
طلع النهار التالي
وقضية شرطية منفصلة :وهي القضية المركبة من قضيتين بسيطتين بينهما رابطة عناد وتنافر بحيث أن صدق إحداهما يستلزم صدق الأخرى تربط بينهما الأداة أو وأفضل منها في الدلالة الرابطة (إما ...وإما)
مثل :إما أن يكون العدد زوجيا أو فرديا
هذا وتصنف القضايا الحملية من حيث الكم والكيف إلى أربعة أنواع
الكلية الموجبة(كم):كل إنسان فان
الكلية السالبة(كس):لا إنسان خالد
الجزئية الموجبة(جم): بعض الأفارقة عرب
الجزئية السالبة(جس):ليس بعض الناس فلاسفة
وتصنف القضايا الشرطية من جهة الكيف فقط إلى أربعة أصناف كذلك هي:
الشرطية المتصلة الموجبة
الشرطية المنفصلة الموجبة (وهي نفي للموجبة بليس)
الشرطية المتصلة السالبة
الشرطية المنفصلة الموجبة (وهي نفي للموجبة بليس)
الشرطية المنفصلة السالبة
آليات الاستدلال:الاستدلال المباشر والقياس:
*االإستدلال المباشر:هو حركة الفكر من قضية إلى قضية أخرى لازمة عنها مباشرة ومن دون التوسط بقضية أخرى أو هو استعمال معرفة دليلا إلى معرفة أخرى وبه يكتسب العقل معرفة جديدة من معرفة سابقة وله وجهان:
-التقابل:سبق أن رأينا أن القضية من حيث الكم والكيف أربعة أنواع كم،كس،جم،جس وهو ما يعطينا أربعة أنواع من التقابل كنتيجة عن تغير القضية الواحدة من حيث كمها وكيفها :
-التقابل بالتناقض:ويكون بين كم وجس وبين كس وجم والقضيتان المتناقضتان لا يصدقان معا ولا يكذبان معا
-التقابل بالتضاد:ويكون بين كم وكس
والقضيتان المتضادتان لا تصدقان معا وقد تكذبان معا
-التقابل بالدخول تحتى التضاد : ويكون بين جم وجس والقضيتان المتقابلتان بالدخول تحتى التضاد لا تكذبان معا لكن قد تصدقان معا
التقابل بالتداخل:ويكون بين كم وجم وبين كس وجس والقضيتان المتقابلتان بالتداخل إذا صدقت فيهما الكليات صدقت الجزئيات بالضرورة وإذا كذبت الجزئيات كذبت الكليات بالضرورة
-عكس القضايا:وعكس القضية هو وضع أحد طرفيها (المحمول أو الموضوع)موضع الآخر لكي تعبر عن نفس الحقيقة فيكون هناك قضية أصلية(أصل) وقضية معكوسة(عكس)
-قواعد العكس:أ-يجب المحافظة على كيف القضية الأصلية عند العكس
ب-لا يستغرق حد في القضية المعكوسة إذا لم يستغرق في القضية الأصلية
-أنواع العكس :
العكس المستوي التام :وهو الذي يكون بين كس وجم
العكس المستوي الناقص:ويكون بين كم وجم
عكس النقيض:وهو خاص بالجس وفيه نقوم بنقض محمول القضية الأصلية قبل أن نعكس
*الاستدلال غير المباشر(القياس):هو استدلال مؤلف من قضيتين أو أكثر تلزم عنهما قضية أخرى بالضرورة مثال كل إنسان فان
سقراط إنسان
سقراط فان
تسمى ق1 بالمقدمة الكبرى والق2 بالمقدمة الصغرى بينما تسمى الثالثة بالنتيجة
أسماه أرسطو <السلوجسموس> ويترجم إلى اللغة العربية بالقياس الجامع أو القياس في بعض الترجمات
قواعده
للقياس ثلاث قواعد أساسية هي :
-أن لا يكون في القياس أكثر ثلاث حدود حد أكبر في المقدمة الكبرى وحد أصغر في المقدمة الصغرى وحد أوسط يتكرر فيهما معا ولا يظهر في النتيجة
-لا إنتاج من مقدمتين سالبتين
-لا إنتاج من جزئيتين
أشكال القياس الحملي البسيط:
نرمز هنا ب<ك>للحد الأكبر وب<و للحد الأوسط وب<ص>للحد الأصغر
الشكل الأول : و ك
ص و
وله قاعدتان هما أن تكون الصغرى موجبة والكبرى كلية
مثال كل مغاربي إفريقي
كل الجزائريين مغاربة
كل الجزائريين أفارقة
الشكل الثاني:ك – و
ص-و
وله قاعدتان هما أن تكون إحدى المقدمتين سالبة
وأن تكون الكبرى كلية
مثال:
لا مفترس عاشب
كل ثور عاشب
لا ثور مفترس
الشكل الثالث:و-ك
و-ص
وله قاعدتان هما أن تكون الصغرى موجبة وتكون النتيجة جزئية
مثال: كل جزائري عربي
بعض الجزارين مسلمين
بعض المسلمين عرب
الشكل الرابع:ك-و
و-ص
وله ثلاث قواعد هي
-إذا كانت الكبرى موجبة وجب أن تكون الصغرى كلية
-إذا كانت الصغرى موجبة وجب أن تكون النتيجة جزئية
-إذا كانت إحدى المقدمتين سالبة وجب أن تكون الكبرى كلية
مثال: كل نبات كائن حي
كل كائن حي يتغذى
بعض ممن يتغذى نبات
توافق المقدمات مع النتائج:
1-مبادئ العقل:إن العقل يتحرك وفق قوانين ومبادئ لا يحصل التفكير إلا بها وهي تنحصر في خمسة
مبدأ الهوية :هو أحد مبادئ العقل الأساسية وفحواه أن الشيء هو هو أي أن المعاني والحقائق ثابتة ف"أ" هو "أ"
مبدأ عدم التناقض:وفحواه أنه من الممتنع أن يكون الشيء موجودا معدوما أو متصفا بصفة معينة وغير متصف بها في الوقت الواحد
مبدأ الثالث المرفوع :وله ثلاث صور فالبنسبة للشيء إما أن يكون موجودا أو معدوما وليس له حالة ثالثة
وبالنسبة للقضية إما أن تكون صادقة أو كاذبة وليس لها حالة ثالثة
وبالنسبة للقضيتين المتناقضتين :إذا صدقت احدهما كذبت الأخرى وإذا كذبت احدهما صدقت الأخرى فليس هناك حالة ثالثة
مبدأ السببية :فحواه أن لكل ما يحدث سببا
مبدأ الحتمية:وفحواه نفس الأسباب تؤدي إلى نفس النتائج
مبدأ الغائية:وفحواه أن لكل موجود غاية خلق لأجلها
2-انتقاء واحترام الضرورة الملزمة:
إن العقل بقدر ما يلتزم بهذه المبادئ الفطرية الجوهرية وقواعد الاستدلال بقدر ما يضمن قدرته على الانطباق مع نفسه ولا يكون له هذا أيضا إلا بانتقائه لأسلم المقدمات والانتقال منها إلى ما يلزم عنها ضرورة وأي إهمال من الفكر لواحدة من تلك المبادئ أو القواعد يؤدي به ولا شك إلى الزيغ عن الصواب وعندها لن يصبح بمقدوره تحقيق الانطباق مع نفسه وفي هذه الحالة لا يعدو حطابه سوى خطاب ساذجا لا يحتفظ بأي قيمة صورية ضرورية لكن لنفرض أن العقل التزم بكل تلك المبادئ والقواعد وجسدها في تفكيره فهل يضمن هذا اتفاق جميع العقول حول حقائق منطقية واحدة؟
أولا:حصول الانطباق لا يضمن اتفاق العقول
إن انطباق الفكر مع نفسه من الناحية الصورية لا يلزم عنه اتفاق العقول ذلك أن الاتفاق حول الصورة أو الشكل لا يمنع من الاختلاف حول المضمون وهذه إحدى عيوب المنطق الصوري التي رصدها بعض فلاسفة العصر الحديث ومنهم بيكون وهي اهتمامه بالصورة فقط على حساب مضمونها فهو لا يعير اهتماما لمادة المعرفة و لا شك أن قيمة الاستدلال لا ينبغي حصرها في صحته الصورية فحسب بل يجب أن تتعداها إلى صدق مادة الفكر كما يوضحه المثال التالي:منديلي في القمر
القمر في جيبي
إذن فمنديلي في جيبي
فهذا المثال صحيح من الناحية الصورية لإستفائه جميع قواعد القياس من الشكل الأول لكن مادته ساذجة لا قيمة لها ولا يمكن أن تتفق حولها العقول أبدا كما أن أراء الإنسان وأفكاره تتأثر عادة بمبادئه الدينية وأرائه السياسية وهو ما يجعل من العقول غير متفقة حول مضمون التفكير رغم اتفاقها حول صورته كما أن توظيف المنطق الصوري للغة الطبيعية يعد عيب فيه وهو ما يؤكده بول فاليري حين يقول<ليس للمنطق إلا مزايا جد متواضعة حينما يستخدم اللغة العادية > ويوافقه في ذلك مويي فيقول مدعما له<إن اللغة غير دقيقة فالكثير من أهم ألفاضها مبهم> فالمنطق مادام يتعامل بالألفاظ بدل الرموز فإنه يبقى مثال جدال حول معاني المفاهيم والتصورات المستعملة
وهذا راجع لضعف اللغة الطبيعية منها تعدد المعاني للفظ الواحد والاشتراك في الصيغة مثل ما يؤكده المثال التالي:
كل مختار مسئوول
هذه السلعة مختارة
إذن فهذه السلعة مسؤؤلة
وبالإضافة إلى هذا فالمنطق الصوري وجهت له إنتقدات أخرى منها:
-أنه تحصيل حاصل المقدمات أوسع فيه من النتائج وهذا ما يجعله منطق إستاتيكي ثابت لا يأتي بشي جديد كقولنا كل إنسان فان
سقراط إنسان
إذن سقراط فان
فهنا النتيجة متضمنة في المقدمة ولم تأتي بمعلومة جديدة وهذا ما دفع غوبلو لإصدار حكمه التالي <المنطق الصوري تحصيل حاصل> وهو ما يجعل من المنطق الصوري أصلح للمجادلة والمناقشة منه إلى البحث عن الحقيقة فهو وسيلة لإثبات ما نعرف لا للكشف عما لا نعرف
-كما أنه منطق ضيق جزئي لا يعبر إلا عن بعض العلاقات المنطقية ولا يتجاوز في أبلغ صوره علاقة التعدي
وهذا ما أدى بالمناطقة إلى محاولة تجاوز هذه النقائص و وتبلورت هذه المحاولات بشكل جذري بداية من منتصف القرن التاسع عشر
المنطق الرمزي أو اللوجيستيكي: وهو منطق حديث يستخدم بدل اللغة الطبيعية والألفاظ اللغة الرمزية والرموز وكان من مهد له هو الفيلسوف الألماني ليبنتز من خلال محاولته إيجاد لغة موحدة للعلم لكل رمز فيها معنى واحد وليس متعدد كما هو حال ألفاظ اللغة الطبيعية فتواضع المناطقة المحدثون على بعض الرموز واستخدموها للتعبير عن العلاقات المنطقية بدل الألفاظ ومن هنا اقترب هذا المنطق الرمزي من الطابع الرياضي وتشابهت لغته مع لغة الرياضيات حتى أن البعض أسماه بالمنطق الرياضي وبات الارتباط بين المقدمات والنتائج ليس تحليلا كما في القياس بل هو إنشائي أي يكسبنا معرفة جديدة زائدة على المقدمات وينقل الفكر من المعلوم إلى المجهول(القياس ينقل الفكر من المعلوم إلى إثبات المعلوم)
المنطق الثابت والمنطق المتغير:
يقسم المناطقة المنطق إلى صوري ومادي الأول يهتم بالتصورات والمفاهيم والرموز أي الفكر من حيث صورته والثاني يتجه إلى الأشياء ويهتم بالفكر من حيث مادته
المنطق المتعدد القيم
وهو منطق ارتبط ظهوره بالتطور المتسارع للعلوم الحديثة والمعاصرة خاصة في مجال الفيزياء والرياضيات بحيث بات من المتعذر على المنطق الثنائي القيمة القائم على مبدأ الهوية وعدم التناقض مسايرة تلك التطورات الحاصلة في مجال العلم وهو ما دفع المناطقة إلى الاستعاضة عنه بمنطق متعدد القيم يتجاوز ثنائية الصدق والكذب التي تربط المتناقضين ففي مجال الفيزياء مثلا لم تعد نظريتي الإشعاع الجسيمي والتموجي متناقضتين كما في السابق فكل واحدة منهما لا يمكن الحكم عليها بالصدق أو الكذب بل تكون صادقة أو كاذبة حسب المجموعة التجريبية التي تجسد فيها ونتج عن هذا التجدد المنطقي من حيث المبادئ ظهور المنطق الجدلي على يد الفيلسوف الألماني المثالي هيجل وإذا كان المنطق التقليدي قائم على مبدأ الهوية الذي يظمن له الثبات والسكون فإن المنطق الجدلي يرفض هذه المبادئ كونها أنتجت فكرا ساكن ومغلقا عاجز عن مسايرة تطورات العلم الطبيعي فاتخذ من التناقض أو التغاير مبدأ جوهري له ف"أ" لا يبقى "أ" لأنه حتما يتطور إلى "س" أو "لاأ" وهذا ما يمكن هذا المنطق الجدلي من فهم تطور الأشياء والكائنات والعلوم جميعها
هل معرفة قواعد الفكر المنطقي كافية لعصمة العقل من الوقوع في الخطأ؟
تأثير الحتمية النفسية والاجتماعية على الحكم المنطقي
إن الحكم وهو الوحدة الأساسية في المنطق ورغم ارتباطه بوظيفة عقلية خالصة صادرة عن الذات المفكرة هي الحكم بالصدق أو الكذب إلا أن هذا لا يجعل هذه الذات المفكرة تسلم من تأثر أهوائها وميولاتها النفسية وتربيتها الاجتماعية على أحكامها.
فالحكم مرتبط بالذات وتحكمه مقاييسها الذاتية المحضة ما يؤكد ذلك بروتاغوراس عندما يقول<الإنسان مقياس الأشياء جميعا > فما أراه أنا صحيحا هو كذلك بالنسبة إلي وقد يكون خاطئا بالنسبة لغيري
بل إن القوانين المنطقية ليست إلا تعميمات لتجارب ذاتية وهكذا فقانون عدم التناقض ناشئ عن ما نشعره بأن الحركة والسكون لا يجتمعان ولهذا نجد جيمس يحاول تعميم تجربته فيجعل من المنفعة والنجاح معيارا لصدق الفكرة والحكم بالإضافة إلى التأثير البارز لجانبنا العاطفي في أحكامنا حينا نتصور النتائج مسبقا
كما أن الحكم يتأثر بالوسط الاجتماعي والعقل الجمعي الذي يفرض على العقل الفردي أحكاما معينة دون رغبة منه كما يؤكد ذلك دوركايم ويقول غوبلو"إن فكرة الحقيقة لا يمكن أن تفهم ولا أن تفسر إلا بالحياة الاجتماعية ومن دونها لا يتعدى الفكر حدود الفرد وحينئذ تكون طيبة أو رديئة ولكنها لن تكون صائبة أو خاطئة"
وعليه فمبادئ العقل يفرضها المجتمع من الخارج على الإنسان وبما أن المجتمع يتطور فلا شك أن مبادئ العقل وأحكامه تتغير بن المجتمعات
تأثير الحتمية الفلسفية على الحكم المنطقي
إن المنطق ورغم ما حققه من تطورات نتج عنها تعدد أشكال التعبير عنه إلا أنه ليزال يعتبر أحد فروع مباحث المعرفة المرتبطة بالفلسفة ومذاهبها المتعددة لهذا نجد النظرة إليه تتغير حسب المذهب الفلسفي فنجد المذهب المثالي يوظف منطق المثالية الجدلية بينما نجد المذهب المادي بزعامة كارل ماركس يدعو إلى المادية الجدلية في حين كان قبله فلاسفة العصر الحديث ينادون إلى المنطق الرياضي تأثرا بتطور الرياضيات وفي عصر تطور العلوم الطبيعية كان العلماء يسعون إلى تطبيق المنطق التجريبي أو الاستقراء وكل هذا التعدد والارتباط بالمذهب الفلسفي ينتج عنه شيوع الأخطاء والمغالطات على حساب التفكير المنطقي السليم
استنتاج: إن المنطق الصوري ممثلا في القياس ورغم المؤاخذات المتعددة التي وجهة إليه إلا أنه يبقى إضافة عظيمة في مجال تحقيق استقامة الفكر وتجنب الوقوع في الأخطاء وإن معظم المغالطات المشار إليها عند منتقديه ليس صادرة من ذات المنطق بقد ما هي ناتجة عن طريقة توظيفه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق