درس الفلسفة الحديثة في مادة الفلسفة للسنة الثالثة ثانوي

تمهيد

لقد عرفت أوروبا في العصر الوسيط سيطرت الكنيسة على جميع مظاهر الحياة السياسية والاقتصادية وحتى الفكرية  من خلال السلطة المطلقة الممنوحة لآباء الكنيسة بمبرر تمثيل الإرادة الإلهية في الأرض وبتالي فكل مخالفة للسلطة الكنسية هي مخالفة للسلطة الإلهية ومن هنا تكونت فكرة مطلقية العقل الكنسي في الـتأويل والتشريع من خلال المبدأ الثابت "اعتقد ولا تنتقد" وهو ما ألغى أي إمكانية أمام العقل الغربي من اجل التفلسف والتأمل فكيف استطاعت الفلسفة الغربية الحديثة كسر جدار الكنيسة ورفع الحضر عن البحث العقلي الفلسفي؟

 

مدلول الفلسفة الحديثة:

يقصد بالفلسفة الحديثة ذلك الإنتاج العقلي الذي خلفه العقل الأوربي من خلال ثورته الفكرية على سيطرت الكنيسة والذي حدد الفلاسفة بدايته التاريخية مع سقوط القسطنطينية واكتشاف القارة الخامسة إلى غاية بداية الحرب العالمية الأولى وهو ما أفره المؤتمر العالمي العاشر للفلسفة المعقود سنة 1948م


الوضعية المشكلة: إنشاء محاكم التفتيش بطلب من الراهب "توركماندا" دورها هو معاقبت العلماء على استخدام العقل في البحث وقد أعدم بالحرق والشنق بأمر من هذه المحكمة بين عامي 1481-1499م فقط ما يزيد على 1600 شخص اتهموا بجناية العلم

-قرر مجمع(لاتزان) عام1502م تكفير –حد الكفر هو القتل- كل من سولت له نفسه أن يقرأ شيئا من فلسفة ابن رشد

 فيا تر ى أمام هذا الاستبداد الكنسي على الفكر الحر كيف يمكن للفلاسفة تأسيس نتاج فلسفي حر؟

 هل الأنسب لهذه الأوضاع مواجهتها بالمنهج العقلي التأملي؟ أو المنهج العلمي المبني على التجربة؟

  التحرر من الكنيسة يستدعي الوعي بالذات أو الوعي بالطبيعة 

-تجاوز سلطان الفكر التقليدي والأخذ بمرجعية العقل:

ا-تأسيس المعرفة من الشك إلى البناء: لقد كان إنتاج المعرفة في أوروبا الوسيطية حكرا على أباء الكنيسة من خلال احتكارهم لحق تأويل الكتاب المقدس والتشريع للحياة الفكرية والاجتماعية لكن مع ظهور ديكارت تغير الحال من خلال مبدأ الشك القائم على عدم الثقة العمياء في الحقائق الشائعة والموروث الثقافي إلا إذا تبين بالبداهة العقلية أنه كذلك وهذا ما أحدث قلبا جذريا على مستوى السلطة الفكرية حيث تحولت الكنيسة من حاكمة إلى محكوم عليها بإخضاع كل أفكارها للشك العقلي وهنا بالذات تكمن أحقية ديكارت للتسمية التي لقب بها"أب الفلسفة الحديثة" لان قبله لم يكن للعقل أي قيمة لكن ديكارت أعاد له قيمته من خلال منهج الشك

ب-الشك منهج وليس مذهب: إن الشك عند ديكارت منهج وليس مذهب وما يميزه انه يبدأ بالشك وينتهي إلى اليقين وهذا حيلة من ديكارت الذي لم يكن باستطاعته مخالفة الكنيسة علنية فقال أن كل حقيقة  مها كان نوعها ومصدرها يجب الشك فيها ولا يمكن قبول إلا الفكرة الواضحة وهي الفكرة البديهية التي لا تقبل الشك ومصدر الحكم على الأفكار هو العقل كأعدل قسمة بين الناس وهنا بالذات أصبح التراث الفكري الكنسي في خطر لانه لا يتوافق مع العقل ومن الأفكار البديهية عند ديكارت نجد الدوبيتو"انا اشك إذن أنا أفكر والكوجيتو أنا أفكر إذن أنا موجود" وهنا بدأ ديكارت بالشك في وجود العالم الخارجي وانتهى إلى حقيقة لايمكن الشك فيها وهي حقيقة الذات المفكرة

ج-تأسيس المعرفة بوحي من المنهج الرياضي:

لما كانت الرياضيات تمثل النموذج الأرقى بين العلوم من حيث الصدق دعى روني ديكارت إلى تطبيق المنهج الرياضي ألاستنتاجي على الفكر حيث يبدأ من الأفكار الفطرية المستمدة لصدقها من كونها إلهية المصدر ثم يستنتج ما يلزم عنها من أفكار ضرورية ويبنى هذا المنهج عند ديكارت على أربع خطوات أساسية:

أ-قاعدة البداهة:حيث يقول ديكارت:لا أتلقى على الإطلاق شيئا على أنه حق ما لم أتبين بالبداهة أنه كذلك" والفكرة البديهية هي الفكرة الواضحة التي لا تقبل الشك وعلى هذا فجميع الآراء العلمية والفكرية التي تحصلنا عليها من المجتمع لا يمكن الثقة فيها حتى تعرض على العقل وبالتالي فلا مجال للثقة في التراث الكنسي وهذا ما كان يهدف إليه ديكارت

ب-قاعدة التحليل: أي تفكيك الموضوع إلى أجزاء لمعرفة مكوناته ويقول ديكارت معرفا بهذه القاعدة"أن أقسم كل واحدة من المعضلات التي أبحثها ما استطعت إلى القسمة سبيلا وبمقدار ما تدعو به الحاجة على أحسن الوجوه"

ج-قاعدة التركيب: أي إعادة تأليف الأجزاء لتكوين رؤية مركبة حيث يقول ديكارت"أن

 أرتب أفكاري فأبدأ بأبسط الأمور وأيسرها معرفة وأتدرج حتى أصل إلى معرفة أكثر تعقيدا"

د-قاعدة الإحصاء والمراجعة: أي التأكد من المراحل السابقة و التدقيق في أمرها كمراجعة تضمن الدقة


الإشكالية الثانية: كيف استطاعت الفلسفة الحديثة تحرير الوعي الإنساني وتفعيل الواقع الاجتماعي ؟

 

 

أولا: الفلسفة ودورها في تحرير وعي الإنسان وتنويره

 

أ-تحرير العقل من سجن الأوهام:

لقد استطاعت الكنيسة الأوروبية بفضل سلطتها المطلقة على الفكر والبحث من محاصرة العقل الأوروبي الوسيطي بجملة من الأوهام تحت غطاء الإرادة الإلهية المجسدة في الأرض في إرادة  أب الكنسية ومن المبادئ التي سعت إلى تكريسها القاعدة الأخلاقية القائلة"الجهالة أم التقوى" فالإنسان التقي الذي يلقى رضى من الله ومغفرة هو الإنسان الجاهل بعكس الإنسان العالم الذي يلقى غضبا من الإله وهنا جعل من العلم جناية أخلاقية يعاقب صاحبها عليها وهو ما ألغى أدنى إمكانية للبحث أمام العقل الأوروبي وفتح المجال أمام الكنيسة لترويج فكرها الأسطوري والخرافي كبيع صكوك الغفران لكن الفلسفة الحديثة وبفضل منهج الشك استطاعت فك الحصار والحضر المفروض على العقل فالمعارف صارت كلها مفقودة الثقة إلا بعد عرضها على العقل وهو خالي من أي فكرة مسبقة مكتفيا في الحكم بمبادئه المنطقية الفطرية والمشتركة بين جميع الناس كأعدل قسمة بينهم وهنا فقط تمكن العقل الفطري من الثورة على العقل الكنسي الخرافي فاتحا المجال أمام البحث الفلسفي المتحرر

ب-موسوعية المعارف والانفتاح الفكري:

 إن أعظم خدمة قدمها منهج الشك للعقل الغربي الحديث هو اختراق العقدة الفكرية النفسية"اعتقد ولا تنتقد" وعليه فقد استأنف العقل وظيفته بعدما كان معطلا لعدة قرون وهو ما أسس للانفتاح الفكري والبحث العلمي في شتى فروع العلم وأصنافه وقد كانت الثورة الصناعية الحديثة إحدى نتائج ذلك الانفتاح السالف بالإضافة إلى تطور الدراسة في مجال العلوم الإنسانية وفي الأدب الرومانسي بالذات ويمكن إجمالا تحديد رسالة الفلسفة الغربية الحديثة فيما  يلي:

-تنوير الأذهان بمعارف علمية جديدة في متناول الجميع دون تميز بينهم فلم تعد المعلومة حكرا على أب الكنيسة فقط

-دفع العقول إلى التساؤل والتفكير المستمر والابتعاد عن الخرافات والأساطير
Share:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق