مقدمة: عرفت الجزائر منذ صدور دستور 1963م مرورا بنظام
الحكم المؤقت لسنة 1965م و دستور 1976م نظام حكم ذو طابع إشتراكي نوعي، إعتمد في دستور 1976م أين
تدعم شرعيا بموجب الميثاق الوطني و الدستور، الى أن إستبدل بنظام آخر تبناه الشعب
في 23 فيفري 1989م، مقررا بذلك إستبدال نظام الحكم ذو الطابع الإشتراكي بنظام حر يقوم على الفصل بين
السلطات و التعددية الحزبية و التنافس السياسي السلمي على السلطة في ظل الحرية.
لكن نقص التجربة السياسية و النضج السياسي لدى
الأحزاب السياسية أدت بالجزائر الى إضطرابات تزعمها أحد الأحزاب الإسلاماوية فقامت
الدولة الجزائرية بالتعديل الدستوري الرابع متشددة في البنود الخاصة بنشوء الأحزاب
و طريقة الممارسة فاستبعدت الثوابت الوطنية من التلاعبات و المزايدات الحزبية في
ظل دستور 28 نوفمبر 1996م.
طبيعة أحكام الدساتير الجزائرية:
أولا: من حيث الشكل: من المعلوم أن الدستور يكون إما مدونا في وثيقة
أو عدة وثائق دستورية، أو غير مدون غير مكتوب.
فالدساتير التي عرفتها الجزائر منذ الإستقلال،
كانت عبارة عن دساتير مكتوبة و مدونة في وثيقة دستورية واحدة.
ثانيا: من حيث التعديل: تكون الدساتير جامدة أو مرنة، و ذلك بالنظر الى
الإجراءات المعتمدة في تعديلها.
الدستور المرن: يتم تعديل أحكامه بنفس الإجراءات المتعبة في
تعديل القانون العادي.
أما الدستور الجامد: فيشترط لتعديله إجراءات خاصة أكثر شدة من تلك
المطلوبة في تعديل القوانين العادية.
من بين مظاهر جمود الدستور هو عدم إمكانية
تعديل بعض أحكامه بصفة دائمة أو مؤقتة. و إذا نظرنا الى مختلف الدساتير النتعاقبة
منذ الإستقلال( 1963، 1976، 1989، 1996م).
فنجد دستور 1963 دستور جامد بالنظر للطريقة
المعتمدة في تعديله، حيث إشترط عرض النص بعد الموافقة عليه من طرف المجلس الوطني
بعد قرائتين على إستفتاء الشعب.
أما دستور 1976 فهو كذلك جامد بالنظر لطريقة
تعديله حيث تتم هذه المبادرة من طرف رئيس الجمهورية فقط، كما أن الموافقة على
مشروع التعديل ينبغي أن تحظى بثقة أغلبية ثلثي أعضاء المجلس الشعبي الوطني.
و هو جامد أيضا من حيث عدم جواز تعديل بعض
أحكامه خاصة تلك التي نصت عليها المادة 195 من الدستور و هي:
- الصفة الجمهورية للحكم.
- دين الدولة.
- الإختيار الإشتراكي.
- الحريات الأساسية للإنسان و المواطن.
- مبدأ التصويت عن طريق الإقتراع العام المباشر
و السري.
- سلامة التراب الوطني.
و قد حرم تعديل هذه الأحكام من أجل ضمان
إستقرار الدولة و مؤسساتها و
إستمرارها.
أما دستور 1989م فهو أيضا يتصف بالجمود من حيث
إجراء تعديله، إذ أن النص الدستوري يشترط لتعديله إجراءات أكثر شدة من تلك
المعتمدة في تعديل القانون العادي كما يتضح من نص المادة 163.
و تبعا لذلك فإن تعديل الدستور يخضع للإجراءات
التالية:
1- إقتراح التعديل من طرف رئيس الجمهورية.
2- موافقة المجلس الشعبي الوطني على مشروع التعديل،
حسب نفس الشروط التي تطبق على النص التشريعي.
3- الإستفتاء الشعبي خلال الخمس و الأربعين
يوما الموالية لإقراره من طرف المجلس الشعبي الوطني.
أما دستور 1996م فهو يتصف كذلك بالجمود من حيث
إجراء تعديله حيث تتم مبادرة تعديله من طرف رئيس الجمهورية، كما يظهر من خلال نص
المادة 174 من الدستور و ذلك وفقا للإجراءات التالية:
1- إقتراح التعديل من طرف رئيس الجمهورية.
2- موافقة المجلس الشعبي الوطني و مجلس الأمة
بنفس الصيغة على مشروع التعديل حسب الشروط نفسها التي تطبق على نص تشريعي.
3- يعرض التعديل على الإستفتاء الشعبي خلال
الخمسين يوما الموالية لإقراره.
و قد يصدر رئيس الجمهورية القانون الذييتضمن
التعديل الدستوري مباشرة دون أن يعرضه على الإستفتاء الشعبي، متى أحرز ثلاثة أرباع
¾ أصوات غرفتي البرلمان و
هذا لما يرى المجلس الدستوري أن مشروع أي تعديل لا يمس المبادئ العامة التي تحكم
المجتمع الجزائري و حقوق الإنسان.
كما يمكن لثلاثة أرباع أعضاء غرفتي البرلمان أن
يبادروا بإقتراح تعديل الدستور على رئيس الجمهورية الذي يمكنه عرضه على الإستفتاء
الشعبي و يصدره في حالة الموافقة عليه.
علاوة على أنه يحرم تعديل بعض أحكامه خاصة تلك
التي نصت عليها المادة 178 و هي:
1- الطابع الجمهوري للدولة.
2- النظام الديمقراطي القائم على التعديدية
الحزبية.
3- الإسلام بإعتباره دين الدولة.
4- العربية بإعتبارها اللغة الوطنية و الرسمية.
5- الحريات الأساسية و حقوق الإنسان و المواطن.
6- سلامة التراب الوطني و وحدته.
و بذلك يتبين لنا أن إجراءات تعديل دستور:
1976، 1989، 1996م تختلف بحيث نجد دستور 1976م لا يشترط عرض التعديل الدستوري على
الإستفتاء، حيث يمكن تعديله وفق إرادة البرلمان الذي يمثل إرادة الأمة، فالمجلس
الشعبي الوطني هو الذي يرجع إليه أمر إقرار التعديل الدستوري كما أنه دستور يحرم
تعديل بعض أحكامه الدستورية.
بينما دستور 1989م لا يكتفي بموافقة البرلمان
على مشروع التعديل، بل يشترط موافقة الشعب عليه عن طريق الإستفتاء، علاوة على أن
جميع نصوصه قابلة للتعديل.
بينما دستور 1996م لا يشترط عرض التعديل
الدستوري على الإستفتاء، حيث يمكن تعديله بموافقة البرلمان و مجلس الأمة، لما
يحرزان على ¾ أصوات غرفتي البرلمان.
و هذا في حالة ما إذا إرتأى المجلس الدستوري أن
مشروع التعديل لا يمس المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري و حقوق الإنسان و
حرياته، و تم تعليل رأيه بهذا. و مع ذلك فإنه كذلك دستور جامد يحرم تعديل بعض
أحكامه.
ثالثا: من حيث المضمون: قد تكون الدساتير عبارة عن دساتير قوانين أو عبارة عن دساتير برامج.
فالدستور القانون: هو الذي يقتصر على ذكر الجوانب القانونية
المتعلقة بتنظيم السلطة و تحديد صلاحياتها و تكريس نظام الحريات و حقوق الأفراد.
أما الدستور البرنامج: فهو الذي يغلب عليه
الطابع الإيديولوجي على جانب القانوني، يعرف في الأنظمة الاشتراكية إذا كان دستورا
1963م و 1976م يتصفان بكونهما ينتميان إلى طائفة الدساتير البرامج لكونهما
يتناولان ضرورة بناء الدولة الاشتراكية و أهمية بناء حزب طلائعي يقود المسيرة
التنموية و يوجه سياسة الدولة و يراقبها.
فإن دستور 1989، 1996 م ينتميان لطائفة
الدساتير القوانين، بعدما تمت المطالبة بنزع الطابع الإيديولوجي عن الدستور الجديد
و اقتصاره على تنظيم المبادئ و القواعد الأساسية التي تنظم السلطة، و كذا تحديد
نظام الحريات و حقوق الأفراد و ضمانها.
التعديل الدستوري: تختلف الدول في العمل بالدساتير فمن الدول التى
تعتمد مبدأ مفاده الإبقاء على دستور واحد مع إمكانية تعديله بحسب الظروف المستجدة
بينما هناك دول أخرى ترى أنه من الواجب أن يكون لكل مرحلة دستور و على سبيل المثال
الولايات المتحدة الأمريكية دستورها الأول الصادر سنة 1787 مازال ساري المفعول إلى
اليوم ادخل عليه 14 تعديلا و كذلك الدستور الهولندي سنة 1922 مازال ساري المفعول
إلى اليوم و كذلك الدستور الفرنسي لسنة 1958 بينما لدينا عدد من الدول منها
الجزائر دستور " 1963 – 1965 – 1976 - 1989 – 1996" تباين جد واضح بين التعديل و الجديد و التفكير جار حول دستور
جديد و هو نفس الوضع في المغرب فلذلك هذه النظرة تثبت أن الدول منها من يهدف نحو
الاستقرار بالعمل بدستور واحد مع التعديل ومنها أن في كل تعديل يجب الأخذ بعين
الاعتبار الأوضاع السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية التي تفرزها الأحداث خلال
ظرف زمني معين، أما عن مبادرة التعديل و إجراءاتها فإن الدول مختلفة في هذه الإطار
بين أن تكون هذه المبادرة من رئيس الجمهورية أو البرلمان أوهما معا على النحو
المذكور سابقا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق